3

1305 Words
- " هل لي أن أطلب منك الابتعاد عن العربة قليلاً، من فضلك؟ " ابتعد الرجل بضع خطوات عن السيارة .  وصار بمقدور تشيجور أن يتبيَّن الريبة في نظرة الرجل الذي ينظر إلى مظهرة الملوث بالدم، لكن شكوك الرجل كانت قد جاءت بعد فوات الأوان .  ألقى تشيجور كفه على رأس الرجل كما لو أنه يلقي عليه كف معالج روحاني .  كان هسيس الكبّاس الهوائي أشبه بصرير متحشرج ناشئ عن إغلاق باب .  خر الرجل صريعاً على الأرض دون أية ضوضاء، وكان ثمة ثقب مستدير في جبينه يتدفق منه الدم جارياً فوق عينيه مع منظر العالم المتلاشي الذي كان لا يزال من الممكن رؤيته .  مسح تشيجور يده بمنديله، ثم قال: - " كل ما في الأمر هو أنني أردت إبعادك عن السيارة حتى لا تلوثها بدمك .  " 000 فوق قمة الجسر جلس موس بينما كان كعبا حذائه عالي الرقبة منغرسين في الحصى البركانية، ومسح الصحراء المنبسطة تحته بمنظاره الألماني القوي .  وكانت قبعته متراجعة إلى الوراء، فيما كوعاه مستندان إلى ركبتيه .  أما بندقيته الموزر98، ذات الماسورة الثقيلة من عيار0 . 270 والم**وة بخشب الجوز والقيقب، فقد كانت مُعلَّقة فوق كتفه بحزام من الجلد .  وقد ركَّب على البندقية المذكورة منظار تسديد بنفس قوة المنظار الذي يحمله بين يديه .  وكان الظبي على مسافة تقارب ميلاً واحدة .  الشمس كانت في قلب السماء منذ ساعة واحدة فقد كان ظل القمة والصخور يسقط ممتداً إلى مسافة بعيدة فوق الجسر والسهل المستنقعي الذي يمتد تحته .  وفي مكان ما، من تلك المسافة، كان يمتد ظل موس نفسه .  أنزل المنظار من يده، وجلس ينعم النظر في طبيعة الأرض .  إلى أقصى الجنوب كانت هنالك سلسلة جبال الم**يك البكر .  كما كانت هنالك كاسرات انحدار النهر .  أما جهة الغرب فقد كانت حقول من الطين المشوي عند منطقة الأراضي الحدودية .  بصق بصقة جافة ثم مسح فمه بكتف قميصه القطني الكثيف النسيج .   بمقدور البندقية التي يحملها أن تُطلق عيارات من نوع الزاوية النصفية، من قياس خمسة بوصات، حيث يمكن أن يصل مداها إلى ألف ياردة .  أما النقطة التي اختارها مكاناً لإطلاق النار، فتقع تماماً تحت كُتلة منحدرة من الركام الصخري المُتشكِّل من الحمم البركانية المتجمدة، وهي نُقطة تجعله ضمن مجال جيد للرمي .  ما عدا أنه لا بد من أن يحتاج إلى ما يقارب ساعة من الوقت للوصول إلى المكان الذي تسرح فيه قطعان الظباء وترعَى .  ولكن أفضل ما يمكنه قوله عن الطقس والمحيط، فهو مزية سكون الريح .   عندما وصل إلى سفح المنحدر، رفع رأسه ببطء ناظراً إلى عشيرة الظباء .  لم يتحرَّك القطيع كثيراً من المكان الذي كان قد شاهده فيه لآخر مرة لكن المجال كان لا يزال يقارب السبعمائة ياردة كاملة .  أمعَن النظر في الح*****ت عبر منظاره، وسط هباءات الهواء المُكثَّفة، وتقلُّبات الحرارة المضطربة، والغمامة المنخفضة من الغبار واللقاح المُزغَّب .  لا محاولات .  لم يكن هنالك أي دريئة أخرى، ولذلك لم يكون من مجال أمامه سوى لإطلاق طلقة واحدة تتفرق بعدها الظباء .   تمدد فوق الحصي وانتزع فردة حذائه عالي الرقبة وأرقدها على الصخور، وخفض ساعد البندقية ملقياً أياه على جلد فردة الحذاء، وشد مسمار الأمان بإبهامه فحرر الزناد، وسدد من خلال منظار البندقية .  كانت جميع الظباء تقف رافعة رؤوسها وأنظارها مُصوبة نحوه الآن .   تباً، همس لنفسه .  كانت الشمس ما زالت وراءه بحيث إن الظباء لا تستطيع أن ترى جيداً انعكاس النور على زجاج المنظار .  كان للبندقية زِناداً من نوع كانجار مُحدَّد عند تسعة أونصات .  جذ*ب البندقية وفردة الحذاء نحوه بكثير من العناية .  وسدَّد من جديد إلى الشعيرات المتصالبة التي هي أعلى بقليل من ظهر الحيوان الأكثر قرباً له من بين أفراد القطيع .  لقد كان يعرف المحط الدقيق للرصاصة عندما تكون الرماية في مدى المئة ياردة، أكثر أو أقل قليلاً .  أما قلة اليقين فقد كانت شأناً من شؤون الرماية عن مسافة طويلة تتجاوز ذلك .  أدخل إصبعه في قنطرة الزناد ملامسا انحناءته الحادة .  وقد تدلَّى سن الخنزير البري الذي يعلقه في عنقه بواسطة سلسلة ذهبية، بين الحصيات التي يحتضنها مدى مرفقه .   حتى برغم أسطوانة السلاح الثقيلة، وبرغم ركيزة الفوهة، فإن البندقية قد اختلجت عن مكانها .  وعندما صار الحيوان بادياً في المنظار فإنه كان لا يزال يستطيع رؤية جميع الح*****ت الأخرى باقية في وضعها الذي كانت عليه من قبل .  ولقد استهلكت المقذوفة الصادرة عن حشوة من عيار مئة وخمسين حوالي الثانية لتصل إلى هدفها، لكن صوتها احتاج إلى ضعف هذا الوقت .  كانت الظباء تقف ناظرة إلى خيمة الغبار الذي ثار من المكان الذي اصطدمت به المقذوفة .  ثم اندفعت فجأة وبأقصى سرعة، فيما يتبعها صدى صوت الطلقة يدوِّي ويَتَ**َّر بين الصخور ويتثاءب عبر البطاح الرحبة في سكون الصباح .  وقف يراقبها وهي تهرب .  رفع المنظار إلى عينيه .  أحد الح*****ت بدأ يتخلَّف عن القطيع ويتثاقل في جر إحدى قائمتيه الخلفيتين .  وقد فسر ذلك بأن العيار ربما يكون قد اصطدم بالصخرة، ليرتد بعد ذلك، ويصيب هذا الظبي في الجهة اليسرى من مؤخرته .   انحني وبصق، وقال لنفسه: تباً .  بقي يراقب القطيع حتى اختفى عن أنظاره تماماً خلف المرتفعات الناتئة لجهة الجنوب .  أما الغمامة البُرتقالية الخفيفة التي كوَّنها الغبار المُتخلِّف عن هروب القطيع، فقد تعلَّقت هي الأخرى لحظة في الفضاء، قبل أن تضمحل وتتبدد إلى الأبد .  وقفت سبطانة البندقية الفارغة خرساء في القيظ الغاضب، وكأنما لم يحدث لها شيء أبداً .  جلس وانتعل فردة حذائه والتقط البندقية، وأخرج منها الخرطوشة الفارغة، ووضعها في جعبة قميصه، وأقفل مغلاق البندقية، ثم طرحها علي كتفه، وانصرف .  استغرق الأمر منه حوالي أربعين دقيقة لاجتياز السهل، ومن هناك اتخذ طريقه صعداً على امتداد منحدر بركاني، ثم اتبع خط القمم متجهاً نحو الجنوب الشرقي إلى مكان مُشرف على المنطقة التي اختفى فيها قطيع الظباء .  مسح المنطقة بعدسة المنظار بتؤدة .  لاحظ وجود كلب ضخم أبتر الذ*ل، أ**د، يجتاز تلك الأرض .  راقبه .  كان ذا رأس ضخم وأذنين مجذومتين، وكان الكلب يمشي في عَرَج شديد .  لكنه ما لبث أن تباطأ، ثم توقف، ثم التفت وراءه، ثم تابع سيره .  أنزل المنظار عن عينيه وظل على حاله يتابع حركة الكلب بعينه المجردة وهو يبتعد .  تابع التسلُّق بمحاذاة الجرف، معلقاً إبهامه في حزام تعليق البندقية، ومُبقياً قبعته في مؤخرة رأسه .  غرق ظهر قميصه بالعرق الغزير، كانت الصخور هناك مليئة بالكتابات التصويرية المنحوتة عليها .  كتابات ربما يعود تاريخها إلى قرون وقرون .  ولا بد من أن الرجال الذين قاموا بحفرها كانوا صيادين مثله .  أما عدا عن ذلك، فإن شخصياتهم وآثارهم كلها قد اندثرت وطواها نسيان السنين .   في نهاية الجرف، كان ثمة مُنحدر صخري، وكان هنالك شُعب صعب المسلك يقود إلى الأسفل، تحُف به النواتئ المسننة والبروزات المقتضبة .  جلس بين الصخور مسنداً مرفقيه إلى ركبتيه، وماسحاً المنطقة بمنظاره .  على بعد ميل واحد منه، وعلى السهل المستنقعي الجاف، كان ثمة ثلاث عربات .  أخفض المنظار وألقي نظرة شاملة أحاطت بالبراري من حوله .  ثم رفع المنظار إلى عينيه من جديد .  تبين له وجود رجال مضطجعين على الأرض .  ثبت نعليه في حواف الصخر، وقام بتحسين تسديد بؤرة النظر في منظاره .  تبين له أن العربات كانت أربعاً .  أربع شاحنات، إما رباعية الدفع، وإما من ماركة برونكوس المزوَّدة بعجلات تصلح للسير على الطُرقات الترابية الوعرة، بالإضافة إلى الروافع والأرفف الحاملة لمصابيح كشافة عالية .  بدا له أن الرجال موتَى .  أخفض المنظار ثم رفعه إلى عينيه مجددا .  ثم أخفضه وأراح نظره قليلاً .  لم يتحرك أي شيء .  جلس في مكانه لمدة طويلة يتأمل .  عندما اقترب من الشاحنات كان قد أنزل بندقيته عن كتفه، كان يحملها في مستوى خصره جاعلاً زنبرك الإطلاق محرراً .  توقَّف .  فحص المنطقة من حوله بحرص، ثم قام بدراسة الشاحنات .   جميعها مصابة بالطلقات .  بعض الثقوب التي أحدثتها الطلقات في الجسم المعدني لبعض العربات بدت متباعدة وعلي خط واحد، الأمر الذي جعله على يقين من أن الأسلحة المستخدمة هي أسلحة أوتوماتيكية .  وكان معظم زجاج العربات محطماً، وأكثر الإطارات مثقوبة .  وقف في مكانه يرهف السمع .   ثمة رجل قتيل في العربة الأولي، منحنياً فوق عجلة القيادة وخلفه كان جسدان آخران مضطجعين فوق العشب الأصفر الكئيب .  وكانت الدماء الجافة تتخذ لها نهراً أ**د على الأرض .   توقف من جديد وأرهف السمع .   لا شيء .   لا صوت سوى طنين الذباب المزعج اللزج .  
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD