4

1358 Words
مشى إلى ما وراء الشاحنة .  وجد هناك كلباً ضخماً ميتاَ شبيهاً بالكلب الذي كان قد رآه في المنظار يعرج في السهل المستنقعي .  تشير رمة الكلب إلى أنه قد أُطلق عليه الرصاص فأصابه في مقتل فورا .  ووراء ذلك، ثمة جثة ثالثة لرجل مُلقى على الأرض على بطنه ووجهة مدفون في التراب والعشب الميت .  نظر من خلال النافذة إلى الرجل فاقد الحياة وراء المقود .  كانت الطلقات قد أصابته في رأسه .  وآثار الدماء هنا وهناك وفي كل مكان .  مشى إلى العربة الثانية لكنه وجدها فارغة .  سار إلى المكان الذي يضطجع فيه القتيل الثالث .  فوجد أن هنالك بندقية رشاشة مُلقاة على العشب .  وكان لتلك البندقية سبطانة قصيرة وهي مجهزة ب**ام أمان وبمخزن يتسع لعشرين طلقة .  لكز حذاء القتيل بطرف حذائه وتابع تفحُّص التلال الخفيضة المجاورة .  وكانت العربة الثالثة من نوع برونكوس، ذات نظام التعليق المرتفع، كما كان لها زجاج مُضبَّب .   وصل إليها وفتح الباب المُحاذي لمقعد السائق .  كان هنالك رجل جالس على المقعد ينظر إليه .   تراجع موس إلى الوراء رافعاً بندقيته .  كان وجه الرجل دامياً مخيفاً .  حرَّك شفتيه اليابستين وقال: - " أعطني ماء، أعطني شربة ماء بحق السماء .  "   كان الرجل يحتضن رشيشاً أوتوماتيكياً من طراز اتش آند كاي، له حمَّالة كتف بلاستيكية قاتمة اللون، وهكذا، تقدَّم موس واستولى على الرشيش، ثم تراجع إلى الوراء .  بينما غمغم الرجل وهو من الإعياء في نهاية: - " شربة ماء، شربة ماء بربك .  ليس لدي ماء .  ماء .  "   ترك موس باب السيارة مفتوحاً وعلَّق الرشيش في كتفه وتراجع إلى الخلف .  تابعه الرجل بنظراته .  دار موس حول مقدمة السيارة وقام بفتحها من الجهة الأخرى المقابلة .  رفع المزلاج وطوى المقعد إلى الأمام .  كانت مساحة التحميل الخلفية مغطاة بقماش مشمع فضي .  قام برفعه .  وجد حِمْلاً من الطرود بحجم قوالب القرميد، وكل طرد منها مغلف بغلاف من البلاستيك .  أبقى عيناً يقظة على الرجل، ثم أخرج سكينه وأحدث ثلمة في أحد الطرود، انبثق منها مسحوق ذو لون أسمر .  بلل إصبعه وغمسها في المسحوق، ثم قام بشم رائحتها .  ثم مسح إصبعه ببنطاله الجينز، وأعاد المشمع إلى وضعه الأول فوق الطرود، ثم تراجع وأعاد التحديق في البيئة المحيطة به .   لا شيء .   ابتعد عن الشاحنة، ثم وقف واستطلع بمنظاره الأراضي المنبسطة الممتدة إلى الجنوب .  حافة الحمم .  أخرج منديله وعاد ليمسح كل شيء كان قد لامسه .  مقبض الباب، ومزلاج المقعد، والغطاء المشمع، والعبوة البلاستيكية .  مشى عائدا في خط منحني إلى الجانب الآخر من العربة وقام بمسح كل شيء هنا أيضاً .   عقد حاجبيه وهو يتذكر ما هي الأشياء الأخرى التي كان لامسها في عملية الفحص ثم قفل راجعاً إلى الشاحنة الأولى وفتح الباب مستعملاً منديله، وفحص جَوفها .  فتح محفظة السيارة، ثم عاد فاقفلها .  أنعم النظر في الرجل الميت المتكئ على عجلة القيادة .  ترك الباب مفتوحاُ ومشى مستديراً نحو الباب الآخر المحاذي لمقعد السائق، رأى الباب كالمصفاة ملئ بالثقوب الناجمة عن اختراق الرصاص له .  فحص الزجاج الأمامي فوجد أن طول قطر الرصاصة ضيق .  إنه من عيار 6 ملم، ولعله من عيار4 المُخصَّص لاقتناص الأيائل .  فحص نمط الإصابات .  فتح باب السائق وضغط على زر إنزال الزجاج، ولكن التيار كان مُعَلَّقاً .  أقفل الباب ووقف هناك يتفحَّص التلال المنخفضة .   تربَّع على الأرض وأنزل البندقية عن كتفه وألقاها على العشب قربه، ثم تناول الرشيش وأرجع جهازية المغلاق إلى الوراء ب**ب كفه .  رأى خرطوشة جاهزة في بيت النار، لكن المخزن كان فارغاً إلا من عيارين اثنين فقط .  تشمم الأسيتون، وحرر المشط من مكانه، ثم ألقى البندقية على كتف والرشيش على الكتف الآخر وعاد إلى سيارة البرونكوس وقام برفع الممشط أمام الرجل كي يراه، وقال له: - " أوترا .  أوترا؟ "   أين الذخيرة، أين الذخيرة؟ أوما الرجل برأسه: - " إن مي بولصا .  "   - " هل تتكلَّم اللغة الإنجليزية؟ " لم يجب .  لكنه كان يحاول الإيماء بطرف ذقنه .  استطاع موس أن يري المماشط تطل برؤوسها من جيب السترة التي يلبسها الرجل، والمصنوعة من قماش القنب .  دخل إلى السيارة واستولى على المماشط وعاد على أعقابه في خفة .  كان هنالك روائح للدماء مخلوطة برائحة براز ب*عة .  وضع واحداً من المخازن المليئة في المزلاج المخصص له في الرشيش، كما وضع المخزنين الباقيين في جيبه . غمغم الرجل بوهَن: - " ماء .  أرجوك .  "   مسح موس بناظريه المنطقة المحيطة بالمكان .  وقال للرجل: - " لقد قلت لك، ليس معي أي ماء .  "   قال الرجل بنظر زائغ: - " لا بويرتا .  "   نظر موس إليه .   - " لا بويرتا .  هاي لوبوس .  "   - " ليس هنالك أي ذئاب؟ " - " سي .  سي .  لوبوس، ليونيز .  "   بل هنالك ذئاب وأ**د! أغلق موس الباب بض*بة من كوعه وعاد إلى الشاحنة الأولي ووقف يتأمل الباب المفتوح من ناحية المقعد الموازي لمقعد السائق .  لم يجد في الباب أية ثقوب، لكنه لاحظ وجود دم على المقعد المجاور له .  وكان مفتاح تشغيل المحرك لا يزال موجوداً في مكانه .  وصل إلى المفتاح وأدار المحرك .  داس زر تحريك الشباك .  أص*ر الزجاج صريراً وارتفع في مجراه ببطء مخيف .  وتبيَّن أن هنالك ثقبين أحدثهما دخول الرصاص في لوح الزجاج، كما لاحظ وجود رذاذ من الدماء الجافة عليه .   وقف يفكر في كل هذا .   نظر إلى الأرض وجد آثاراً لبقع ماء امتصها الطين، كما وجد آثار دماء على الأعشاب .  تأمَّل أثر المسلك الجنوبي عبر الفوهة البركانية الضخمة إلى الطريق التي كانت العربة قد قدمت منها .  إذ لا بد من أن يكون ثمة رجل أخير قد بقي حيَّاً في المكان، وهو لابد من أن يكون غير ذلك الرجل المتهالك لشربة ماء في سيارة البرونكوس .  تحرَّك بحذر في السهل المستنقعي قاطعاً مسافة دائرية كبيرة وهو يفتش عن آثار عجلات العربة فوق العشب العدمي الجاف، وفي ضوء شمس القيظ المميت قطع ما يزيد عن مائة قدم في اتجاه الجنوب وهو يبحث عن علامة .   التقط خط مسيرة الرجل وتتبعه حتى وصل إلى مكان وجود الدم على العشب .  ثم ما لبث أن عثر على كمية أكبر من الدماء .    " إنك لن تستطيع الابتعاد طويلاً؛ "  قال في سرّه  " فأنت قد تعتقد أنه يمكنك ذلك .  لكنك لن تستطيع .  "  ترك المسار الذي كان يتتبعه، بشكل كامل ومشى إلى أعلي نجد في الأرض يبدو لعينيه، فتسلقه وهو لا يزال يحمل الرشيش اتش آند كاي تحت إبطه بينما هنالك رصاصة مستقرة في بيت النار تنتظر .  مسح المنطقة الجنوبية .  لم يجد شيئاً وقف يداعب سن الخنزير الجالب للحظ المتدلي فوق قميصه في سلسلة الذهب، بأصابعه .    " إنك الآن تختبئ في مكان ما، بينما هنالك شخص يقتفي أثرك .  إن فرصتك لتراني دون أن تقع في يدي في مقابل فرصتي في أن أراك إنما هي فرصة تكاد أن تساوي الصفر .  "   أقعى على الأرض، وثبت مرفقيه فوق ركبتيه، ثم مسح الصخور الموجودة عند عنق الوادي بمنظاره .  ثم جلس الق*فصاء وتابع مسح الموقع الطبيعي بطريقة أكثر تؤدة، ثم أنزل المنظار واكتفى بالجلوس .    " لا تحاول الانتحار بالقدوم إلى هنا، لا تفعل ذلك يا أ**ق .  سوف يكون العقاب رصاصة لعينة في مؤخرتك .  "   ثم أنه استدار واستطلع موقع الشمس .  كان عمود الظل يشير إلى الساعة الحادية عشر .  نحن لا ندري ما إذا كان كل ذلك قد حدث خلال الليلة الماضية .  فقد يكون قد جرى منذ ليلتين .  بل ربما يكون قد حدث منذ ثلاث ليال .  أو لعلها كانت الليلة الماضية .   هبت ريح خفيفة .  حسر قبعته قليلاً عن رأسه، ومسح العرق عن جبينه بمنشفته الجافة، ثم أعادها إلى جيب سرواله الجينز .  نظر عبر فوهة البركان إلى خط الصخور الوطيء في المحيط الشرقي .   لا يمكن لجريح أن يرتقي أعلى التل، هذا –ببساطة- مستحيل .  لقد كان تسلُّقه إلى أعلى النجد منهكاً بحق، وكاد النهار أن ينتصف عندما وصل إلى هناك .  وبنظرة إلى أقصى الشمال، استطاع أن يرى شكل قاطرة جرار زراعي تتحرك عبر المنظر الطبيعي تحت قرص الشمس الملتهب .  هذا الجرار ربما يكون يتحرك على مبعدة عشرة أميال، بل ربما خمسة عشر .  إنه على الطريق السريع رقم 90 .  جلس ومسح تلك المنطقة الجديدة بمنظاره .  ثم توقف عن ذلك .   عند قدم المنحدر الصخري، كان ثمة جسم صغير أزرق اللون .  راقبه لمدة طويلة بواسطة المنظار .  لكن شيئاً لم يتحرك .  راقب المنطقة المحيطة بالكامل .  بامعان أكثر .  كان ذلك أفضل جزء من الساعة التي قضاها قبل أن ينهض ويبدأ رحلة النزول .  
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD