6

1810 Words
- " وإلى أين ستذهبين؟ " - " سأذهب لشراء السجائر .  " - " سجائر؟ " - " نعم سجائر يا للوين .  فإنني أنتظر هنا منذ الصباح .  " - " ما رأيك في السيانيد؟ ألا تعتقدين أنه يناسبنا أكثر؟ " - " أعطني المفاتيح وكف عن السخرية .  أريد أن أجلس في الفناء الخارجي اللعين وأدخن .  "  عبَّ من الجعة وقفل عائداً إلى غرفة النوم .  هبط على إحدى ركبتيه ودفع الحقيبة تحت السرير .  ثم رجع إليها .   - " لقد جلبت لك بعض السجائر .  " - " ناولني إياها .  "  ترك زجاجة الجعة على المنضدة، ثم خرج وجلب علبتي السجائر والمنظار وعلق المسدس عيار 0 . 270 بكتفه وأقفل باب العربة وعاد .  ناولها السجائر ورجع إلى غرفة النوم .   نادته: - " من أين أتيت بالمسدس؟ " - " أتيت به من المكان الذي يأتون بالمسدسات منه .  " - " هل اشتريت هذا الشيء؟ " - " كلا، بل عثرت عليه .  " جلست على الأريكة .  وقالت: - " للوين؟ "  رجع إليها .  وقال: - " ماذا تقولين؟ توقفي عن التذمر .  "   - " كم دفعت مقابل هذا الشيء؟ " - " ليس عليك معرفة كل شيء! " - " كم؟ " - " قلت لك، لقد وجدته .  " - " كلا إنك لم تفعل قبل ذلك شيئا مثل هذا .  " جلس على الأريكة وأسند قدميه على المنضدة، وراح يجرع كأسه ثم قال لها: - " إنه لا يعود لي، إنني لم أشتر أي مسدس .  " فضت إحدى علب السجائر واستخرجت سيجارة منها وأشعلتها بالقدّاحة .  وقالت: - " وأين أمضيت هذا النهار كله؟ " - " ذهبت لأشترى لك بعض السجائر .  " - " لا أريد أن أعرف أين كنت .  ولا حتى ماذا كنت تفعل .  " تابع ارتشاف كأسه: - " ليكن .  هذا أفضل .  "   - " كما أنى أعتقد أنه من الأفضل للمرء ألا يعرف عنك شيئا أبداً .  " - " تابعي النقار على هذا المنوال وستجدينني آخذك إلى السرير وأغتصبك بعنف! " - " كلام في كلام .  " - " جربيني .  تابعي الثرثرة وستعرفين بنفسك .  "   - " هذا ما قالته لك تلك التي كنت معها .  "   - " صبرك فقط حتى أنهي احتساء كأسي، وسنرى ما الذي قالته، وما الذي لم تقله .  "   *** -4- عندما استيقظ، كانت الوقت قد بلغ الواحدة وست دقائق بالضبط على شاشة الساعة الرقمية الموجودة على الطاولة المجاورة للفراش .  رقد هنالك يتأمل سقف الغرفة .  كان نور لمبة النيون الآتي من الخارج يغمر حجرة نومهما بوهج مزرق بارد .  ضوء أشبه بنور القمر في منتصف ليلة شتاء .  أو بنوع آخر من الأقمار .  ضوء له طبيعة نجمية غريبة عن كوكبنا من شأنه أن يبعث الخدر في البدن والتنميل في الأوصال .  كل شيء سوى النوم في العتمة .  سحب قدميه من تحت الأغطية وجلس قاعداً .  نظر إلى ظهرها العاري .  شعرها الناعم يفترش الوسادة، مد يده ورفع الغطاء فوق كتفيها ونهض من السرير متجهاً نحو المطبخ .  تناول قارورة ماء من الثلاجة، وفك سدادتها ووقف هنالك يشرب في ضوء باب الثلاجة المفتوح .  طاله وقوفه هناك حاملاً بيده قارورة الماء التي جمعت سحابة من بخار الندى على سطح الزجاج البارد .  وقف ينظر إلى الشباك المطل على الطريق السريع المضاء بأعمدة النور .  وقف هنالك وطال تأمُّله . عندما عاد إلى حجرة النوم، التقط سرواله القصير من على الأرض بقرب السرير فارتداه وذهب إلى غرفة الحمام وأقفل الباب وراءه .  ثم إنه ما لبث أن ولج إلى غرفة النوم الثانية وسحب الحقيبة من تحت السرير، وفتحها بهدوء .  جلس على الأرض جاعلاً الحقيبة بين رجليه، وغاص بيديه بين أوراق النقود التي تحتوي عليها فأقلق منامها .  وجد أن ارتفاع الرزم يصل إلى عشرين رزمة, أعادها بحرص إلى مكانها وهز الحقيبة ليعيد صفوف الرزم إلى سيرتها الأولى قبل عبثه بها .  ض*ب في عقله عشرين رزمة علواً باثنتي عشرة في كل صف أفقي، واستنطق الإجابة الرياضية من رأسه حتى كاد قلبه يتوقَّف .  جاءه الجواب: مليونان وأربعمائة ألف دولار! وهي كلها أوراق بنكنوت سليمة صالحة للتداول .  جلس ينظر إلى هذه الثروة المخيفة، وقال لنفسه:  " عليك بأخذ هذا الأمر بالجدية اللازمة، هذه ليست مجرد ض*بة حظ .  "   أغلق غطاء الحقيبة، وأعاد غلق السحّابات وتثبيت الأحزمتة، ودفع بها إلى مرقدها تحت السرير، ونهض من مكانه .  وقف يتامل النجوم من الشرفة التي تطل على المنحدرات الصخرية المنتصبة في الجهة الشمالية خارج البلدة .  كان ال**ت شاملاً .  **ت الموتى في القبور .  ولا حتى كلب ضال يعوي .   لكن من قال أن النقود هي التي أيقظته من النوم؟ تسائل في سره:  " هل تراك مُت أم أنك لا تزال هناك حياً؟ لا بالله عليك، إنك لست ميتاً .  "   استيقظت بينما كان يرتدي ثيابه، فاستدارت في السرير تراقبه .   - " للوين؟ " - " هممم؟ " - " ما الذي تفعله؟ " - " ألبس ثيابي .  " - " وإلى أين أنت ذاهب؟ " - " ذاهب إلى داهية .  " - " قلت لك إلى أين أنت ذاهب يا حبيبي؟ " - " هنالك عمل ينبغي لي أن أقوم به ثم أعود .  "   - " وما هو ذلك العمل الذي تنوي القيام به؟ " فتح الدرج وتناول المسدس عيار 0 . 45، وأخرج الرصاصة من الخزانة وفحصها، ثم أعادها إلى مكمنها، ودس المسدس في حزامه .  استدار ناظراً إليها .   - " إني ذاهب لتأدية مهمة غ*ية في جهنم! لكنني سأذهب في كل حال .  فإذا لم أعد، قولي لأمي إني أحبها .  " - " لكن أمك ميتة يا للوين! "   - " حسناً، سأٌخبرها بنفسي إذن .  "   جلست في السرير، وقالت: - " إنك تجعل أوصالي ترتعد يا للوين .  بربك، هل أنت متورط في أي نوع من المتاعب ضد القانون؟ " مط شفتيه وأجاب في بساطة: - " كلا .  عودي إلى النوم .  " عقدت حاجبيها وهتفت مستنكرة: - " أعود إلى النوم؟ " هز رأسه باستهزاء: - " إنني سوف أعود بعد قليل .  " - " ا****ة عليك يا للوين .  " رجع إليها من الممر، وقال: - " وماذا إذا لم أعد أبداً؟ هل هذه هي كلمات الأخيرة في لحظات الوداع؟ "   تبعته طيلة الممر إلي المطبخ وهي تلملم شتات رداء النوم حول جسدها .  تناول وعاء فارغاً للماء من تحت الحوض ووقف يملؤه بالماء من الصنبور .  سألته: - " أتدري كم هي الساعة الآن؟ "   - " نعم أعرف كم هي الساعة الآن .  " - " حبيبي إنني غير راضية عن ذهابك .  قل لي إلى أين أنت ذاهب؟ إني لا أريدك أن تذهب .  " - " حسناً يا قلبي، إننا متساويان في هذه الرغبة، فأنا أيضا لا أتمني الخروج .  سوف أعود .  لا تنتظريني .  " *** توقف تحت أضواء محطة البنزين، وأطفأ المحرك، ثم أخرج الخريطة التفصيلية من صندوق السيارة وفردها فوق المقعد وجلس هناك يدرسها مدققاً .  أخيراً وضع إشارة بالقلم على المكان الذي يعتقد أن العربات يجب أن تكون فيه، ثم تتبع الطريق عبر الصحراء عائداً إلى بوابة هاركل لطريق المواشي .  كانت شاحنته مزودة بأربع عجلات تصلح للسير على جميع أنواع الطرقات، بالإضافة إلى عجلتين احتياطيتين .  الطريق كان وعراً بالفعل .  بسط الخريطة من جديدة يراجع هذه المرة خط السير الذي رسمه لنفسه، ثم استوى في مقعده يتأمل البيئة المحيطة من مكانه .  وبدأ الآن يرسم خط سير جديد على الخريطة .  وعندما أدار المحرك وتحول عن الطريق السريع كانت الساعة قد بلغت الثانية والنصف صباحاً .  وكان الطريق خالياً، وراديو السيارة في تلك الأراضي القفراء ساكتاً حتى عن التشويش الاستاتيكي من أول محطة إذاعية للأخبار حتى آخر محطة للفرق الموسيقية . توقف عند البوابة، ثم خرج من السيارة، وفتحها، وأدخل السيارة من خلالها .  ثم خرج من سيارته ثانية، ليعيد إغلاق البوابة .  ثم وقف صامتاً يصغي .  وأخيراً عاد إلى السيارة من جديد وقادها جنوباً على طريق الماشية .  أبقى الشاحنة تعمل بالدفع الأمامي، وقادها بعد تبديل السرعة إلى الثانية .  وانتشر نور القمر الخفيض أمامه فوق التلال المظلمة التي بدت كأنها مرسومة علي شاشة خلفية لمسرح .   انحرف نحو منطقة أسفل من المكان الذي كان قد أوقف فيه شاحنته صباحاً، ليتحول إلى مكان يبدو كأنه طريق قديم للعربات التي تتجه شرقاً عبر أراضي هاركليز .  وعندما ارتفع القمر في السماء وبدا بصورته الكبيرة الشاحبة وشكله المعتل بنور غير كاف لإنارة جميع تلك التلال والأراضي التي بينها، فقام بإطفاء المصباحين الأماميين للشاحنة .  بعد نصف ساعة من القيادة، أوقف الشاحنة ومشى على طول خط سنام سلسلة من النجود، ثم وقف يراقب المنطقة الممتدة إلى الشرق والجنوب .  قمر في السماء يشع على عالم أزرق .  وثمة ظلال مرئية للغمام ال**بر فوق السهل المستنقعي .  وبعد أن أسرع في سيره فوق المنحدرات، جلس في منطقة من السهول القشرية واضعاً ساقا فوق ساق .  لا ذئاب هنا .  لا قيوط ولا ابن آوى .  لا شئ .  بالنسبة إلى مهرب م**رات م**يكي .  نعم .  إن كل شخص له أهمية .  عندما عاد إلى شاحنته تخلى عن اقتفاء الأثر في اختيار طريقه، وقادها في اتجاه أوضح الممرات التي تقوده أشعة القمر إليها .  عبر تحت رأس بركاني واقع في الطرف العلوي من الوادي، واستدار إلى الجنوب من جديد .  فهو لديه ذاكرة جيدة لهذا الريف .  فها هو الآن يعبر قطعة من الأرض كان قد قام باستكشافها من القمة في وقت سابق من الصباح .  لذلك فإنه توقف من جديد وترجَّل من الشاحنة وأصغى .   وعندما عاد إلى الشاحنة، قام بفك الغطاء البلاستيكي لمصباح سقف الشاحنة .  ونزع المصباح ووضعه في منفضة التبغ .  جلس يراجع الخريطة من جديد تحت ضوء كشاف يدوي .  وعندما توقف عن القيادة مرة أخرى، أطفا المحرك وجلس وراء المقود بعد أن أنزال زجاج النافذة .  بقي في جلسته تلك ما بدا له كدهر كامل .  أوقف الشاحنة على بعد نصف ميل فوق الطرف الأعلى من الفجوة البركانية المنبسطة، وأنزل معه وعاء الماء البلاستيكي، ودس المصباح اليدوي الكشاف في جيب بنطاله الخلفي .  ثم أخذ المسدس ضاغطا بإبهامه **ام الأمان، ثم قفل راجعا نحو مكان الشاحنات .  وكانت كلها على الحال الذي تركها فيه .  فجميعها منحنية فوق عجلات مثقوبة .  تقدم وهو يرفع مسدسه الجاهز لإطلاق النار، إلى الأمام .  لا شيء سوى **ت الموتى .  وربما بسبب أشعة القمر، فإن ظله كان بمثابة رفيق له .  رفيقه الوحيد الذي لم يكن يرغب في صحبته إلى هذا الحد .  شعور ممض هو الشعور الذي راوده في ذلك المكان .  شعور لص القبور المعتدي على حرمة الموتى .  قال لذاته:  " لا تتعجب من نفسك يا عزيزي، فأنا لم أمت بعد .  لست واحدا من هؤلاء الأموات، على الأقل، ليس بعد .  "   كان باب سيارة البرونكو مفتوحاً .  وعندما رأى ذلك جثاً على ركبتيه .  وضع وعاء الماء على الأرض .  قال لنفسه:  " أنت أيها الحلوف الغ*ي، ها أنت هنا، لأنك أغبى من أن تستحق الحياة .  "  استدار ببطء مستكشفاً فضاء المفازة اللعينة، لكن الصوت الوحيد الذي سمعه إنما كان هو دقات قلبه كأجراس تُقرع في أذنيه .  اتخذ طريقه نحو شاحنة البرونكو وانحنى قرب بابها المفتوح فلاحظ أن الرجل الذي كان خلف المقعد قد سقط الآن إلى جانبه فوق لوحة القيادة .  لا يزال مقيداً بحزام الأمان .  الدم الطازج ينضح منه إلى الأبد وفي كل مكان .   
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD