هو حتـى لم يستوعب أنهـا و أخيراً وافقت ! ، لم يستوعب للأن أن و أخيراً سيخرج صديقه من ذلك المستنقع القذر المقحم بداخله ، كان قد فقد الأمل تماماً ، ولكن يحمد الله أنها وافقت ..
***
أخـذ يتقدم بخطوات واهنة ، خطوات شخص يإس من الحيـاة ، خطوات شخص أبتلعـه الظلام و لم يترك أنش واحد منه ، خطوات لم يكُن بـإرادته أن يمشيهـا ، يحركه القدر مثلمـا يشاء ، أمـا روحه ؟ فهي ذهبت لخالقهـا عندمـا أكتشف خيـانة حبيبته ، عندمـا مـاتت إنتحـاراً لم يذرف دمعة واحده عليهـا ، بعدمـا ذاق مرارة فقدان أبويه و الدموع خلصت داخل مقلتيه ، أصبح كالآلة يتغذى على السموم تلك ، لم يبتسم أو يضحك على موتهَـا ، لا يعلم أيحزن عليهـا حقاً بعد كل ما فعلته له ؟ ، تن*د تنهيدة داخلهـا أحزان لو وُزِعت على العـالم بأكمله ستفيض وتكفي لعـالم آخر !
رن هاتفه ليتطلع إليه بملل ، ألتقطه بوهن ليرد عليه مغمغم بخشونة :
- عايـز أيه يا جـاسر ؟
هتف "جـاسر" سريعاً بنبرة غير مُتزنة :
- رعـد تعالى ع الكافيه الي جنب بيتك ، متتأخرش موضوع مهم جداً
ثم أغلق الخط ، نظر " رعد " للهاتف بتعجب ، لم يبالي بالأمر كثيراً ليتهض مرتدياً ملابس عصرية مكونة من بنطال جينز وتيشرت قطني بنصف كم لتبرز عضلاته بوضوح ثم أخذ مفاتيح سيارته وهاتفه ليذهب .
***
خطى "رعد" خطوات نحو مقعد "جاسر" ليجلس في الكرسي المواجه لكرسيه
قطب "رعد" حاجبيه بتعجب ليقول بتساؤل :
- عايز يا زفت وجايبني على ملا وشي كده !
أبتسم " جاسر " ببرود ثلجي مغمغم :
- وحشتني يا دودة وعايزين نشرب قهوة مع بعض
أطلقت مقلتى " رعد" التي كالصقر شرارات عالية ليهتف بتحذير جاد :
- جـاسر ! قولتلك مية مرة متناديش زفت دودة أسمي رعد فـاهم ؟
حمحم "جـاسر " ليرد موافقاً :
- خلاص متزعلش ، أخبارك ؟
أجاب بإقتضاب حانق :
- كويس .
نهض " جـاسر " قائلاً :
- طب أنا رايح الحمام وهاجي على طول تكون شوفت هتطلبلنا ايه ..
رد " رعـد " ساخراً :
- م أنت عارف مش بطلب غير قهوة .
تشدق "جـاسر" مستكراً :
- مش ناوي تغير ؟
نفى "رعـد" برأسه ليتركه "جـاسر" مغمغماً على حال صديقه
ذهب "جـاسر" للنادل و هو يهمس في أذنه شئ ما ، بدى على وجه النادل الأعتراض قائلاً بتوجس :
- أيوة يا جـاسر بيه بس مينفعش يعني .. غلط نحط منوم لحد يا جـاسر بيه ..!
رد "جـاسر" سريعاً ليطمأنه :
- متقلقش محدش هيعرف حاجه المنوم معايا هنحطه ف القهوة ومحدش هياخد باله ..
أومأ النادل بعدم أطمئنان ليأخذ المنوم منه سريعاً ثم يضعه في قهوة "رعـد" ..
رجع "جـاسر " لـ "رعـد" الذي بدى على وجهه ملل كبير ، جلس بتوتر لم يستطيع إخفاءه ، طالعه "رعـد" بشك من سبب توتره ، سأله مستفهماً والشك يغلف نبرته :
- مالك يا جـاسر مش على بعضك ليه ؟
أفاق "جـاسر" من شروده قائلاً بعد أن لم يسمعه :
- ها ؟ قولت حاجه يا رعـد ؟
رفع حاحبيه من شروده المفاجئ ، لم يبدي للموضوع أهمية لي**ت تماماً ، الله أعلم ما وراء هذا ال**ت !
جاء النادل معه قهوة "رعـد" و عصير "جـاسر" ليلتقطه جاسر سريعاً يبل به ريقه الذي جف من كم التوتر وسط نظرات "رعـد" التي تراقبه كالصقر ، أخذ "رعـد" قهوته يرتشفها بتلذذ ، أنهاها ليشعر بعد دقائق بثقل رأسه ، صداع مفاجئ أحتل رأسه ليضع يده على رأسه و هو يشعر أن الظلام يبتلعه ، بعد أن تأكد "جـاسر" أنه غفى جعل بعض من حراسه يحملونه
لينقلونه للسيارة ، أشرق وجه "جـاسر" و هو
يشاهد خطته تنجح تماماً مثلما خطت هو
لها ..
★★★
كعـادتها تعمل في المشفى تجول بين غرفة لغرفة لتطمئن على حالة المرضى ، رن هاتفها لتلتقطه مجيبة برسمية :
- أيوة يا أستـاذ جـاسر كله تمـام ؟
أجاب بخشونة لاحظت الحماس بها :
- أيوة كله تمـام و شويه وهنوصل عندك ..
أغلقت الهاتف لتذهب لإحدى الغرف الفارغة تجهزها لذلك من المفترض أن تعالجه ، ظنت أنها ستعالجه من المواد المسممة تلك و لكن لم تكنi تعلم أنها ستعالج قلبه أولاً !
★★★
تـأكد "جـاسر" من عدم وجود من يراقبهم من الصحافى فـ أذا علموا أن رعد البناوي مدمن م**رات ستحدث مشكلة كبيره حتماً !
بعد دقائق ليست طويلة مكث "رعـد" في غرفة راقيه مليئة بالأجهزة يحاوطها الزجاج من كل مكان ، نائم بعمق لا يشعر بما حوله ، لا يشعر حتى أهو على قيد الحيـاة أم ذهب لخـالقه ، لا يعلم ما سيحدث معه فور إفـاقته ، دخلت الغرفة بعد ان طلوبها للمجئ عندما علمت أن ذلك المريض المجهول جاء و أخيراً ، أقتربت للفراش بخطوات بطيئة ..
فُرغت شفتيهـا بصدمة ، كـأن دلو ماء بـارد سقط على رأسهـا ، هو بنفسه ، بتلك الملامح القاسيه ، بسماره المميز ، عينه مغلقتان بسلام ، يبدو كالملاك يعا** تماماً عندما يكون مستيقظ ، أشاحات بنظراتها عنه ، لم يبدو لها كمدمنڜ البتة ، فهي تعلم إذا كان الواقف أمامها مدمن حقاً أم لا و لكن لم تستطيع تفسيره ، أخرجها من شرودها عِندما لمحت يديه تتحرك بضعف ، إستعدت لمواجهته لترتب الكلام في رأسها لتقوله له ، أنف*ج جفنيه عن بعضهما ، ظهرت عيناه المظلمة بنظرة رأتها من قبل ، جالت عيناه في الغرفة ، عقد حاجبيه بعد أن علم أنها غرفة للمرضى ، و أخيراً انتبه لتلك الواقفة بجانبه ، لم يتبين لها أن تذكرها ، نطق أخيراً بنبرة مليئة بالدهشة :
- أنا فين و أنتِ مين ؟
علمت أنه لم يتذكرها لتنظفت حلقها مجاوبة عليه برسمية :
- أنت في مستشفى أبو صاحب حضرتك الأستاذ جاسر ..
لم يكُن غ*ي فقد فهم سريعاً ، تلك المشفى متخصصة في علاج الإدمان .. علم سبب وجوده هنا ، خرجت نيران مشتعلة من حدقتيه القاسية لينهض من الفراش بحدة يشتم جاسر بألفاظ ب**ئة قائلاً بصراخ في تلك المسكينة :
- دفعولك كـام ؟! و أزاي وافقتي تعالجي حد غصباً عنه هـا ازاي !
كان صراخه لم يكُن على هيئة سؤال مطلقاً ، بل كان صراخ نابع من قلبه .. كأنه وجد الفرصة الممكنة ليصرخ يما يجيش في ص*ره
أبتلعت غصة تكونت في حلقها بعد إهانته لها :
- هما عايزين مصلحتك .. مينفعش حباية تتحكم في حياتك كلها ، و أنا بقوم بشغلي مش أكتر ..
صرخ مجدداً و هو يلوح بيديه تخرج منه زفرات غضب :
- هو أنتِ هتخافي على مصلحتي اكتر مني ، مش عايز أتعالج مبتفهموش ! ، و جاسر الزفت ليا كلام معاه أطلعي ، برا .. بـرا !
لا للأن و لا ، نفذ صبرها كأي شخص ، أشتعلت نظراتها لم يأمرها أحد من قبل ، لم يصرخ عليها أحد من قبل ، قالت بحدة :
- بقولك أيه يا أستاذ أنت مريض وبعالجه زي أي مريض وياريت تتفضل عشان نبداً نعالجك و نخلص من الموضوع ده بقى ..
أمسك برأسه يجول في الغرفة ، وجهه أصبح أحمر بشكل مخيف كأنه يختنق ، أقترب منها ممسك بكتفيها :
- بقولك أيه هدفعلك الي أنتِ عايزاه بس هاتيلي الحباية ، أو حقنة أي حاجة ، أو بصي هد*كي فلوس تروحي عند حد بيبيع الحاجات دي دلوقتي أنا ممكن أموت لو مخدتهومش ..
صُعقت من جرأتها في إمساكه له و صُعقت مما يطلبه منها ! نفضت يديها عن فكفيه لترفع يدها هاوية به على وجهه ، صفعة .. صفعة ربما وقف الوقت منها ، صفعة كانت بمثابة رصاصة تخترق قلبه ، لم يتجرأ أحد على صفعه طوال حياته ، لم يتحرك وجهه للحهة الأخرى بل ظل واقفاً شامخاً ، حدقتيه كأنها أُشيلت ووضع مكانها جمرتان في أخر درجة أشتعالهما
دقت نو**يس الخطر في رأسها بعد أن رأت نظراته ، نظفت حلقها بتوتر لتقول بصوت قوي ع** ما بداخلها :
- أزاي تمسكني بالطريقة دي ! و أزاي أصلاً تتجرأ و تطلب مني طلب زي ده أزاي ؟! أنا فعلاً الغلطانه اني وافقت أعالج واحد زيك ، هقول لأستاذ جاسر يشوف دكتورة تانية مش ناقصة ق*ف !
ثم خرجت ببساطة كأنها لم تفعل شئ ! كأنها لم ترفع يدها عليه للتو ! ض*ب المائدة التي أمامه بقدمه بغضب شديد ، سيجعلها تدفع ثمن تلك الصفعة ، سيكون الثمن غالياً ، أغلى شئ في حياتها !
★★★
- صدقني يا أستاذ جاسر مش هقدر .. مش هقدر أفضل مع ده ، أنت متعرفش عمل فيا أيه ، أسمعني يا أستاذ جاسر في دكاترة أشطر مني تقدر تطلب مساعدتهم لكن أنا أسفه مش هقدر ..
قالت توليب بحزم فبعد ما حصل الأن لن تعالج هذا الغ*ي أبداً
تن*د جاسر بحزن شديد يعلم أنه سيتصرف هكذا ، و أنها ستتراجع عن علاجه و لكن بم يكُن يعلم أن هذا سيحدث بتلك السرعة ولكنه أخذ أحتياطه :
- كنت عارف أنك هتقولي كده ، بس بالسرعة دي هتستسلمي ! ، على العموم أنا كنت عامل حسابي أنك هتقولي كده ، عشان كده مضيتك على عقد بيقول أنك مينفعش ترجعي في كلامك غير لما تعالجي رعد البناوي ..
تتوالى الصدمات على رأسها ، كيف ي**عها هكذا ! كيف يجعلها أضحوكة و هي وثقت به وستعالج صديقه ؟ تلعثم صوتها والرجفة واضحه في نبرتها :
- ازاي وليه !
أجاب بجمود وداخله يشفق عليها :
- عرفت من سمر صحبتك بالصدفة أن الملفات اللي بتجبها بتمضيها من غير م تشوفيها حتى ، طلبت منها تحط العقد ده ، و لو قررتي متعالجيهوش هتدفعي 50000 عشان نقطع العقد و أظن مش معاكي المبلغ ده ..
نظرت له نظرة جعلته يخجل من نفسه ، أشاح بنظرة عن عيناها ، لم تنطق بحرف لتتركه وذهبت ، حقاً يخجل من نفسه لما فعله ، أحقر شئ فعله للأن ، و لكن كل شئ لصديقه يهون ..
و الغاية تبرر الوسيلة !
★★★
أمسك برأسه يحاول السيطرة على ذلك الصداع الذي أحتل رأسه ، توجه للباب يركله بقدمه صارخاً :
- أفتحوا البـاب ، أفتحوا الزفت ده !
أخذ يض*ب بكف يديه يحاول فتحه و لكن كان أعند منه لم يفتح مطلقاً ، برزت عروقه يطالب بفتح هذا الباب و لكن لم يسمعه أحد ، ربما سمع الحميع و لكن لا يتجرؤون و يدخلون صرخ يشتم الباب و أذنيه تخرج منها النيران
★★★
- ازاي تعملي فيـا كده ازاي !
صاحت توليب ممسكة بسمر غاضبة
أجابت سمر بندم وعيناها تفيضان بالدموع :
- و الله يا توليب يا حبيبتي مكنتش أقصد هو أستاذ جـاسر قالي أنك هت**بي فلوس كتير ورا الحوار ده وكان مفهمني أن الشرط الجزائي مش بالمبلغ ده والله يا توليب
لم تزيدها كلماتها سوى غضب كادت أن تكيح بالغرفة بأكملها :
- مسـألتنيش ليه ده بيهددني يا سمر بيهددني حرام عليكي على اللي عملتيه فيا ده .
أخذت تبكي سمر بندم حقيقي وسط صـراخ توليب عليها ، تركتها توليب لتذهب لغرفة "رعـد"
دلفت للغرفة لتتوسع حدقتيها صادمة مما تراه فقد رأت الغرفة لم تكُن مثلما تركتها بل كانت فوضوية كل شئ على الأرض و هو جالس واضع يديه على رأسيه عيناه حمرواتان ، فور أن ظر لها أشعلت عيناه بغضب أكثر قائلاً : أنتِ تاني ! أنا قولت انتِ عندك كرامة وهتخليني أمشي و مش هتعالجيني طلعتي مبتحسيش !
أغمضت عيناها من إهانته المتكررة ، يكفي ما هي به : تحب تاخد القلم الي خدته من شوية تاني !؟
أشتعلت عيناه ليتحدث جازاً على أسنانه :
- أقسم بالله جربي ترفعي إيدك عليا تاني وبلاش أقولك هعمل ايه !
تحدثت بهدوء و من داخلها تن**ر أشلاء :
- مضطرة أعالجك للأسف و أنت مضطر تتعايش مع الموضوع ..
أجاب صارخاً يرفه إصبعه في وجهها :
- لاء مش هتعالج و لو أنت عنيدة أنا أعند منك !
لم تبالي لحديثه لتقول بهدوء :
- دلوقتي هتقطع الق*ف اللي بتاخده ده و هتفضل هنا لوحدك هندخلك الأكل هتتعب شوية في أول الأيام بس أن شاء الله هتتعالج بسرعة ..
كادت تذهب بعد إنهاء كلامها ليمسك بيديها ، نفضت يديها عن كفيه بعنف و نظراتها مشتعلة
قال بنبرة راجية :
- لو سمحتي هاتي الم**رات أنا من غيرهم هموت !
نظرت له بهدوء قائلة :
- أنت بيهم هتموت ! ، سلام ..
خرجت تاركية إياه يشتعل غضباً