الفصل الأول (1)
أشرقت الشمس بنورها الحيوي المغلف بالطمأنينة و الحياوية ، تغلغلت أشعتها الذهبية في غرفة " توليب " النائمة في فراشها متوسط
الحجم ، أزعج بطلتنا توليب رنين المنبه ، تثائبت توليب لتنهض بخمول قائلة وهي تمسك
بالمنبه :
- عارف ؟ نفسي أرميك من الشباك و بعدين يعدي عليك قطر يفرمك !
تركته بإشمئزاز لتتثائب مجدداً ، نهضت اخيراً
لتدلف للمرحاض الملحق بغرفتها ، بعد دقائق خرجت لتنظر في المرآة ، فتاة في سن الاربعة و عشرون من عمرها ، تمتلك بشرة سمراء فريدة من نوعها ، خصلاتها الفحمية مموجة بنعومة ، عيناها بنية مرسومة مثل عينان القطط ، شفتيها مكتنزة ناعمة ، تمتلك شامة رقيقة أعلى فمها ، ليست قصيرة وليست طويلة ، جسدها ممشوق كعارضة الأزياء ، أظن ذلك يكفي لنعلم كم هي فاتنة ..
تأففت عندما رن هاتفها لتلتقطه واضعة أياه على أذنها ، أرجعت الهاتف للوراء قليلاً خاشية على أذنيها من صراخ صديقتها سمر :
- سمر حد قالك اني مستغنية عن ودني ؟ اهدي شويه 5 دقايق وهبقى في المستشفى ..
- 5 دقايق ؟ متأخرة ساعة و معظم المرضى مش عايزين حد يكشف عليهم غيرك والمدير شوية و هيقتلك و بعدين تقوليلي 5 دقايق ؟
يا شيخة أنتِ باردة برود و ...
اغلقت توليب الهاتف في وجه سمر لصراخها المزعج ، فتحت توليب إحدى أدرف خزانتها لتخرِج طقم مناسب مع حجاب لطيف لترتديهم
على عجالة
***
بإحدى البيوت الضخمة ذات التراز الحديث رجل يبدو بالثلاثون من عمره جسده رياضي يصرخ على رجل آخر يسبح بمهارة في المسبح ، صرخ جاسر على ذلك الشاب :
- رعد ! أنت لازم تتعالج ، حالتك بتسوء يا رعد لو حصلك حاجة كلنا هنضيع و أولهم أنا يا رعد ، ليه بتعمل كدة ف نفسك كلنا بنحبك صدقني يا رعد أنت مهم ف حياة ناس كتير ..
خرج رعد من المسبح بجسده الرياضي الممشوق يبدو بعمر جاسر عيناه سبحان الخالق الذي صب في عيناه العسل لتظهر بتلك الوسامة مع آشعة الشمس متأملة جمال عيناه ، خصلاته حريرية ، أسمر البشرة ليزداد وسامة ، أنفه حادة
عريض المنكبين طويل القامة بشكل كبير ، لحية خفيفة تزين وجهه ، يبدو غير مبالي بما يقوله صديقه المقرب جاسر ، هز كتفيه بعدم اهتمام لينظر إلى جاسر بعينان رغم جمالهما إلى أنهم يفيضون حزن لا يستطيع أحد رؤيته :
- جاسر متدخلش في حياتي أنا عارف أنا بعمل ايه ، ياريت كل واحد يخليه في حياته الخاصة عشان منزعلش من بعض .
حُمرة غضب سارت في وجه جاسر ليقول بتحذير :
- يعني أنت شايف كدة يا رعد ؟ براحتك أعمل اللي أنت عايزه ، سلام يا .. يا صاحبي
***
استقلت توليب سيارتها الصغيرة لتذهب ناحية أكبر مشفى لعلاج الإدمان ، نعم توليب اخصائية في علاج الإدمان ، وصلت توليب للمشفى لتركض لداخلها ، دخلت مكتبها لترتدي بالطو أبيض ، أقتحمت سمر المكتب لتضع يدها على خصرها و هي تقول غاضبة :
- بقى يا ست توليب تقفلي السكة في وشي ؟ هُما دول الصحاب ؟ اخص !
أشرق وجه توليب لتدافع عن نفسها بعفوية :
- قولتلك قبل كدة يا سمر مش مستغنية عن ودني وبعدين أديني جيت اهو حصل حاجه ؟
تشدقت سمر و هي ترفع حاجبيها بإغتياظ :
- عارفة يا توليب لولا ان نص المرضى هنا بيحبوكي كان زمان المدير طردك من زمان عشان بتتأخري .
تذكرت توليب أمر المرضى لتخبط بيديها على جبهتها كيف نسيت ذلك ؟ ودعت توليب سمر لتذهب للمرضى تتفقد حالتهم
***
جلس رعد على الارضية الصلبة أمامه منضدة فوقها م**رات من أنواع كثيرة ، أقترب بأنفع
ليستنشق المساحيق الم**رة بتلذذ ، أسند رأسه على المنضدة حتى تحولت عيناه باللون الاحمر ، تذكر والديه أغلى أثنان بحياته ، ذهبا وتركاه يصارع قسوة الحياة ، ولكن أصبح هو القسوة بنفسها ..!
***
رجعت توليب للمنزل مُنهكة من أعمال اليوم ، فتحت منزلها الراقي بواسطة المفتاح ، جالت بنظرها على جميع أنحاء البيت كأنها تدخله لأول مرة ، بارد ! بارد بكل معاني الكلمة ، لا يوحد به ذلك الدفئ الذي طالما تمنته توليب ، والداها يجولون أنحاء العالم يستمتعوا تاركين أبنتهم الوحيدة تعيش في بيت بمفردها ، وضعت حقيبتها جانباً للتدلف لغرفتها لتنام .. كالعادة ، ذلك هو روتين توليب تستيقظ بإشراقة لتذهب لعملها تعالج المرضى وتسمع حكايتهم و من ثم تعود لبيتها تؤدي فروضها ثم تنام بعمق ، أما حياة رعد ف هي تختلف تماماً ، هو يقضي يومه في أحضان تلك و تلك في الملهى الليلي و من ثم يعود للبيت يأخذ جرعة الم**رات مستلذاً بمذاقها و ينام ، ينام و هو يتمنى من قلبه أن لا يفيق ، أبداً .
***
يوم جديد ، يوم تشرق به الشمس من جديد ، اليوم أحازة بالنسبة لعمل توليب ، قررت توليب أن تقضي وقتها في الفراش تشاهد فيلم رعب كما تحب ، نظرت للصورة بجانبها لترى وجهه ، أمسكت بالصورة لتدمع مقلتيها لتكور كفها واضعة إياه على فمها تكتم شهقاتها ، أحتضنت الصورة لموضع قلبها بالضبط ، أخذت ساعة ثم ساعتين ، ربما ثلاث ساعات تبكي ، تركت الصورة لتنهض من الفراش
أغتسلت لتذهب للمطبخ تطهى طعامها المُفضل ، صدح رنين هاتفها لتلتقطه و هي ترى أسم والدتها يتوسط شاشة الهاتف ، تركت الهاتف مثلما كان لتكمل ما كانت تفعله متجاهلة تماماً رنين هاتفها
أمسكت توليب بقهوتها لترتشف منها بتلذذ مغمضة عيناها تستمتع لحدٍ كبير
أرتدت توليب ملابسها لتنزل تشتري أغراض ما
***
قال جاسر الجالس أمام مكتب والده بشفقة :
- مش عارف يا أبويا أعمل ايه مع رعد ، خايف عليه ياخد جرعة زيادة يروح فيها ، معندكش حل يا أبويا ؟
خلع المدعو بـ مجد نظارته الطبية ليتكلم بتفكير جَدي :
- والله يا ابني مش عارف ، بس أنت ناسي أني شغال في أكبر مستشفى لعلاج الإدمان ، والدكاترة هنا على أعلى مستوى ..
قال جاسر و هو يفكر بكلام والده :
- م أنا عارف يا حاج بس المشكلة بقى هو أصلاً رافض العلاج تماماً ومش هعرف أجبره .
فكر مجد بخدعة ليأتي ذلك ال رعد ، بعد تفكير دام لدقيقتين ليهتف بحماس :
- عرفت ! بص يا سيدي أنت هتديله منوم وتحيبه هنا هيقوم يلاقي نفسه هنا وهنحط حراسة جامدة على الباب عشان ميعرفش يخرج !
صرخ جاسر بحماس يفوق والده بأضعاف :
- أزاي مجتش على بالي الفكرة دي يا حاج ، ده أنت طلعت خلبوص يا والدي !
قطب مجد حاجبيه بغضب مصطنع :
- ولد عيب كده أحترم سني بردو
قهقه جاسر بخفة لتتلاشى ضحكته فور تذكره أمراً :
- وقعت منك دي يا حاج ، مين هيساعدنا ف الحوار ده ، لازم يكون دكتور شاطر و ف نفس الوقت يحفظ السر ده ؟
أبتسم مجد ببساطة ليجاوب على أبنه :
- عرفت مين اللي هتنفع للمهمة دي ..
***
جاء يوم جديد مُحمل بأحداث غريبة للبعض و حماسة للبعض الآخر
نهضت توليب بنشاط هذا اليوم ، نظرت للصورة التي بجانبها لتقبلها و من ثم تضعها مكانها ، أرتدت ملابسها المحتشمة لتستقل سيارتها لتذهب لعملها .
***
وصلت توليب للمشفى لتستقبلها سمر بالقبلات المُرحبة ، لكن تفاجأت بعض الشئ عندما أخبرتها سمر بأن المدير يريدها لأمر هام لا يؤجل !
طرقت الباب بخفة لتسمع صوته يسمح لها بالدخول ، دلفت للمكتب قائلة بخفوت :
- حضرتك طلبتني ؟
جلس مجد على كرسيه ليهتف بنبرة مترقبة :
- ايوة يا بنتي ، طبعاً يا توليب يا بنتي أنتِ عارفه أنك من أكفأ الدكاترة عندي و أني بحبك زي بنتي ربنا يعلم ، كنت عايزك في خدمة يا بنتي ..
قلقت توليب لتقول سريعاً بتهذيب :
- شكراً يا دكتور محد ربنا يخليك لينا ، طبعاً يا دكتور أتفضل ؟
أبتلع مجد ريقه ليتكلم بحذر :
- أنا أبني صديقه مدمن م**رات و هما صحاب من زمان اوي ف أبني خايف عليه وعايزه ييجي يتعالج هنا ..
- طيب و ايه المشكلة ؟
- المشكلة أن هو هييجي غصب عنه ..
- غصب عنه ؟
- أنا هحكيلك كل حاجة ..
قَص مجد كل شئ لتوليب لتصدم و هي تقف قائلة برفض تام :
- أنا مستحيل أشترك معاكوا ف حاجة زي كده يا دكتور أنا أسفه
****
يتبع ..