القصة الثانية # العشق الاول

1366 Words
أغدا ألقاك ! يا خوف فؤادى من غدى ، يا لشوقى و احتراقى بانتظار الموعد .. ما أروعها من قصيدة كلما سمعتها أثارت فى نفسى الكثير من لواعج مهجتى ، لطالما عشقت الرومانسية بكل جوانبها ، و كثيرا ما طفت بخيالى فى ليالى الحب مع أغانيه ، أحب الحب لكنى لم أصادفه ، كمن يعشق البحر بمده و جزره و صفائه و سكونه و هياجه لكنه لم يجرب خوض مياهه لا سباحة و لا غوصا ، لكننى عرفته من تلك القصائد ، و عشته بروح من يغنى له و ليته يمر بباب قلبى ليلة حتى أحضن معه شوق العمر له ، أيها الحب أما آن لك أن تزور روحى و تسكن فى شواطئها ! أما آن للقلب أن يبصر و للعين أن تسهد و لل*قل ان يشرد مع كلمات الحبيب وهمساته ! أما آن لى أن أنتظر موعد اللقاء بكل شوق لرؤيا ذلك الحبيب ! مسكين أنت يا قلبى ،لم تخفق لرجل من قبل و لم تعرف كيف يكون الحب ، علموك أن الحب عار حتى صدقتهم و رميت خلف ظهرك كل من حاولوا الوصول إليك ، منذ المرحلة الثانوية و أنا أتعلم أن الفتاة التى تسمح بإقامة علاقة عاطفية مع شاب هى فتاة لعوب تلقى بنفسها فى التهلكة ، علمونى مخاطر الحب و ما علمونى كيفية الوصول به لبر الامان ، اكتفوا بالترهيب منه و ما لقنونى طرق النجاة و أساليبها ، رفضوا فكرته من الأصل و ما وضعوا احتمالا و لو ضعيفا أن يحدث ، شأنهم فى ذلك شأن من كان يعلم غيره السباحة و مبادئها و نسى أن يعلمه ماذا يفعل لو صادف الغرق .. و التحقت بالجامعة و انا على نفس ال*قيدة – عقيدة الصد – لا زمالة ، لا صداقة ، لا معرفة بين شاب و فتاة ، كنت أنظر لكل اثنين من الزملاء شاب و فتاة و أراهما يلتقيان أشعر أنهما يتجهان للهلاك ، ما أظلم من علمنى تلك الخرافات .. و ما أظلمك يا أبى حينما وضعت قائمة الشروط المجحفة لمن يرغب فى التقدم لابنتك حتى شعر الجميع أنهم على غير قدرك ، و انت من أكد لهم ذلك الشعور ، أذكر حينما كنت فى الفرقة الأولى بكلية التجارة منذ سنوات حينما أراد أحد الشبان النوابغ فى مدينتنا ان يتقدم لى و قد كنت حلم حياته كما كان يردد ، و لأن الشروط لم تكن تنطبق عليه حينها رفضت يا أبى أن تنصت إلى حديثه ، لن أنسى حينما جاء إليك مع لفيف من أقربائى ليستجد*ك و يسترحمك أن ترفق بقلبه فلم تخضع لتوسلاته و لم تشفع له الوساطة و خرج من بين يد*ك منهزم الوجدان كاسف البال جريح الكرامة ، و لم أدرى حينها ما الذى أبكانى و جعلنى أرثى لحاله حينما رأيته من خلف باب غرفتى و هو يهم ليقبّل يد*ك أن توافق لكنك استكبرت بغير الحق ووليته ظهرك و لم تحترم الحضور ، وقتها شعرت بشئ آخر فى الحب لم تعلمونى إياه ، أن الحب قد يسعد من يحب بالارتباط الأبدى بمن أحب ، لكنه كذلك قد يعصف بروحه و يجعله مسلوب الإرادة يبكى للفقدان و يبذل فى سبيل القرب كل شئ حتى الكرامة ، و ما الكرامة إلا فى مواجهة الدنيا من أجل الحبيب ، هكذا تعلمت من الكتب و الروايات فيما بعد ما لم تعلمونى إياه .. يومها شعرت ان امى لها رأى آخر يختلف عن رأى أبى ، لكنها لم تكن تملك النطق بالاعتراض ، وخرج الجميع من بيتنا نادمين على القدوم إليك ، و يومها جلست لتسمعنى تاريخ عائلة ذلك الشاب و عدم احترامك لا لتاريخهم و لا لحاضرهم و اخبرتنى أن من يستحقنى لابد أن يكون كذا و كذا و لديه كذا حتى يليق بمقامك الرفيع ، مقامك أنت ، دائما تحسب كل الأمور من زاويتك انت ، نرجسىٌّ أنت .. و منذ ذلك الحين توالى الخاطبون على فترات زمنية و لكن احوالهم تشابهت فى تلقى ردود أكثر لياقة : إنها تدرس الآن و الباب مغلق ، و عاما بعد عام أحجم الكل عن التقدم لى . و اكملت دراستى الجامعية على خير ، و فى صيف عام 2013 أقبلت أمى يوم تخرجى لتهنئنى و تدعو لى براحة القلب مع الرجل الذى اختاره انا ، ابتسمت فى سخرية و حدثت نفسى بالسؤال الانكارى :- و هل مثلى من تختار يا أماه ؟ يومها وقفت أمام المرآة أنظر لنفسى لأتفقد هل فى تكوينى ما يزيد على أولئك الفتيات اللاتى ينعمن بالارتباط حتى يجعلنى أبى برجا عاجيا لا يمكن لأحد ان يطلب منه الصعود إليه ، أم هل ترانى أنقص عنهم شيئا ! وقفت أنظر إلى تلك العيون السوداء الحوراء ، و تلك البشرة البيضاء الناعمة ، و ملامح الوجه الذى عرفته جميلا لانه يحمل ملامح امى ، هى حقا فائقة الجمال و هذا ما جعل أبى يتقدم لها أكثر من مرة حتى توافق به ، نظرت الى الجبين الابيض الناصع و الشعر الأ**د الناعم المسدول على كتفىّ يتموج موج البحر الهادر ، تلك الخدود التى لم تمسسها شفاه رجل ، تلك الشفاه الحمراء القانية التى لم تعرف الهمس و لم تقترب منها شفاه لتجرح عذريتها ، ذلك العود الغض اللين ، و البياض و النضارة و الطراوة ، و هذا الجسد الذى يشبه جسد ملكات الجمال كما كانت تصفنى زميلاتى ، بينما كانت أمى تشبهنى بعارضات الازياء او لاعبات التنس الشهيرات ، و عندما كنت أقارن ، كنت أرى نفس التفاصيل ، لا ، لا ازيد شيئا عن إحداهن ، و لا انقص كذلك ، ربما كان أبى لديه وجهة نظر فى ذلك ، و لكن دوما وجهات نظره تتعلق بالعنجهية ، ذلك المتغطرس المتكبر الذى حاول مرارا أن يلبسنى نفس حلته لكنه أخفق ، غير أنه نجح فى أن يخلعها على إخوتى الذكور حتى صاروا مثله .. و بعد التخرج ظللت حبيسة البيت لا أخرج إلا فى مناسبة و أنا بين أفراد العائلة أحدهم أو جميعهم ، مر عام و الثانى و الثالث ، و كلما حاول شاب أن يتجرأ و يتقدم لوالدى يلقى مصيره من الصد ، و أسمع همسات النقاش تدور فى البيت بسخرية أبى و إخوتى ممن تقدم تارة ، و تارة يتحدثون عن ضعف إمكانياته و نقص قدراته فى نيل الشرف الرفيع بالنسب ، رغم أن أحدهم لو تقدم لابنة وزير لوافق عليه ، إلا أن أبى كانت له دائما معاييره المختلفة فى وزن البشر كان أبى يعمل فى منصب رفيع لا حدود فيه لسن التقاعد ، و كان من الاثرياء حقا و لديه من الممتلكات ما يتيح له أن يفعل بماله كل شئ ، و لديه من النفوذ ما يجعله أقوى بكثير من أى رجل فى مدينتنا ، و لديه من الاتصالات ما يتيح له أن يجلس مع علية القوم و الاكابر ليحققوا له ما يريد فى اطار خدمة مقابل أخرى ، لم ينجب من الاناث الا انا بينما انجب ولدين جعل منهما صورة طبق الأصل منه ، و حينما ماتت أمهما تزوج بأمى قبل مرور عام على وفاة زوجته الأولى ، امى حفيدة الوزير الاسبق و التى كانت دوما تعيش فى تلك الأسرة كما لو كانت غريبة عن الجميع ، اليوم صار كلا ولديه قد تجاوز الأربعين ، أما أنا و قد مر على تخرجى أربعة أعوام كاملة فقد بلغت السادسة و العشرين ، وصلت لهذا العمر دون ان ينبض قلبى لرجل ، دون أن استمع و لو إلى بيت شعر محفوظ من قصيدة يلقيها رجل على مسامع امرأة فى شكل اسطوانة قديمة ، و رضيت و قنعت بما أنا فيه و كان يبدو لى أن ذلك منتهى الحال ، لن يتغير شئ حتى و لو قامت الحروب أو شبت الحرائق ، كنت أرى القلق و التوتر يبدو على ملامح امى كلما مر عام فى عمرى و انا بدون ارتباط لكن لم يكن بيدها شئ فالأمر و النهى لأبى وحده ، مسكينة أنتى يا أمى ، ترى هل تزوجتيه مكرهة أم كنتى عنه راضية ، لم أراكى يوما تبتسمين له ، و لم أراه يوما يناد*كى أو يعاملك بود و لا برحمة .. كانت امى من أسرة عريقة الأصول لكنهم كانوا كذلك يحملون نفس طباع أبى من العنجهية ، قليلا ما رأيت امى تذكرهم او تزورهم او يزورونها لست ادرى ما الاسباب لكن ربما هى لا تحب طريقتهم ، أما هى فكانت فى قمة التواضع و الرحمة و الرفق بالناس ، كانت تحترم الجميع ، كانت جميلة كما تحتوى احرف الكلمة و معانيها ، و كان من يرى أمى الى جوارى قد يظن اننا ش*يقتان ، خير ما فعلت فى دنياك لى يا أبى ان أهديتنى هذه الأم ، ورثت عنها كل شئ ، طباعها و روحها و جمالها و حنانها ، يكفيك ولداك أن يرثا عنك طباعك الكريهة و غطرستك و قسوتك . .....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD