ليس بإمكانى أبدا وصف ما به شعرت حينها ، كنت أظنه سيكون لقاء وداع فإذا به تجديد للعهد و إعلان لدوامه و بقائه حتى لو سيأخذنا إلى غياهب المجهول ، و إن كانت هذه إرادة نسمة و هى الأنثى الرقيقة الضعيفة التى ربما لو استكانت ما كان عليها لوم فماذا عنى أنا ! بكل عزم و إصرار سأمضى قدما معك خطواتنا واحدة و طريقنا لن يتغير ، وكيف الفرار و فى عينيك حلم جميل ، و ليل طويل يراود الحلم أن يستمر ، لماذا الفرار و عيناك سحر عميق الأثر ، و قلبك بئر عميق القرار ، و ليلك جنة العاشق الحذر ، يدور بأبواب قصر الحياة ، و هل سيبلغ من دنياه الأمل و قد بلغته الدنيا نهايته ، فعاد يناجيكى لعلكى تشفقين عليه و تأذنى له بالدخول لقصر الحياة ، فإذا بك تفتحين له جميع الأبواب ليقيم معك فيه إقامة لا تعرف الانتهاء .. احتار قلبى فى وصفك فما استطاع أن يوفى بما تستحقين ، و بين المعانى طاف لعله يجد ما يعينه ، لهذا الحد يجدك فوق الخيال بخيال ، كنسمة صيف هادئة ، كهدوء الليل أو مثل سكون ال**ت ، دافئة مثل طلعة شمس نهار فى شتاء بارد ، و كلماتك ، آه من كلماتك ، تتهادى تلك الكلمات إلى السمع بوقع موسيقى شجى اللحن و النغمات .، و ضحكاتك ، كموجة مدها البحر لتداعب من جلس فوق الرمال فتغرقه ليشعر بعدها بانتعاش يخترق الروح و الجسد معا .. و لمس أصابعك كقطرات المطر الحانية بكل ما تحمله من طهر و نقاء نزلت لتزيل غبار الطريق من فوق وجه المسافر بعد طول المشوار .. و نداؤك يبعث فى النفس سرورا لا يعادله سرور ، فما كان أحوج القلب إلى ما يسعده ، و ما أبهج النفس حين ترتاح بعد معاناة من وخز الألم و طعنات الأقدار ، و ما أمتع الحياة حين يحلو بها الامل و كلما اقترب و اقترب يزيد تعلق النفس به ، و برغم بعده و ما تحجبه المسافات و السدود ، إلا أن العين دوما تراه قريبا ، فلا عوائق تحجب متعة الخيال و لا حدود لواحة الاحلام و الآمال .. و ما الرحيل عنها إلا مثل فراق أم لوليدها ، فلا عناء أكثر منه ، و لا شقاء أصعب على النفس من ذاك الشقاء ..
و بقى ما بيننا كما هو بل أعمق حتى و هى على وشك الارتباط الدائم بغيرى بقيت على العهد ، كنا نلتقى دوما عند صديقتنا كما كنا و ازدادت لقاءاتنا استعارا فما كنا نقضى وقتنا إلا فى الأحضان و ترجمات العشق على الشفتين و الخدين ، كان الحب يحل لنا ما حرمته الدنيا على قلوبنا ، و هل فى شرع الحب ما هو م***ع على العاش*ين ! فى كل يوم معك أستعذب الحب و أكتشف أن فيه ما لم أكن اتخيله ، كم أحبك و كم أتمنى أن أبقى طيلة عمرى بين يد*ك ! آه من الدنيا لو توافينى على غير موعد فتجمعنى بك أبد الدهر !
كم حاولنا التغيير و التمرد على تلك الظروف التى ستحرمنا عما قريب من هذا اللقاء لكن باءت كل محاولاتنا بالفشل ، و تخرجت قبلى بعام لأن كليتها غير كليتى و اقترب موعد الزفاف فكنا نلتقى حينها كل يوم ، فى أى مكان متاح ، كانت دوما تردد أنها حتى و إن كانت لغيرى بجسدها فلن يكون قلبها إلا معى ، و ما ضر الجسد طالما بقى القلب و الروح معى و لى ، هكذا كانت تفكر و هكذا استجاب ال*قل منى لما أملته علىّ ، استرجتنى و ناشدتنى أن أسيطر على مشاعر غيرتى حينما كانت تلمحها فى نبرات صوتى ، و لكن كيف لى أن أسيطر عليها و هى تحرق قلبى و تسرى كالحميم فى دمائى ! لم نفكر وقتها فى تسمية لعلاقتنا بعد زواجها لكن كل ما فكرنا فيه كيف سيكون لها الحرية العظمى فى اللقاء بى وقتما شئنا ، و حان موعد الزفاف و ناشدتنى أن أكون إلى جوارها فى تلك الليلة لا أفارقها حتى تصل إلى بيت زوجها ، كانت تعرف كيف سيكون وقع تلك الليلة على قلبى و عقلى و عينى و كل جوارحى لكنها أرادت أن تواسينى بنفسها و أواسيها بنفسى فمن لها غيرى و من لى غيرها ! و ذهبت و أنا احاول دفن حزنى بين ضلوعى ، و أصارع ما تجرعته فى الحلق من مرارة ، و ها قد تزينت نسمة و تهيأت لاستقبال زوجها - طارق - ياله من محظوظ ، حلمت أنا و تمنيت و جاء هو ليحقق ما حلمت به و لكن لنفسه ، ترى كيف ستكون ليلتهما ، هل ستذكرنى و هى بين أحضانه ، هل سيحتضنها من الأساس ، هل سينازعها الشوق لتتمنى لو كنت أنا مكانه ! آه من مرارة تلك اللحظات التى فيها كنت أفكر ، لكن عينيها لم تترك لى الفرصة للتفكير فكانت نظراتها لى وحدى و كانت عينى لا تفارقها قيد طرفة ، و امتنعت أمامى عن كل لمسة من يده لها ، حتى عندما أراد أن يلبسها خاتم الزواج قامت هى بذلك و نظرت نحوى و كأنها تعلن لى أن ذلك حقى وحدى ! لو كان الأمر كذلك يا حبيبة الروح فهو وحده صاحب الحق الآن فكيف سترعين حقوقه و أنت لا زلتى تتمسكين بعهدك معى ! غريب أمر هذا الحب ، يجرد الملوك من عروشهم و يمنحها للعوام و لا يستجيب لصراخ هذا أو يشارك ذلك سعادته ، أليس صرفا من جنون أن تفكرى أو أفكر أنا بهذا الشكل و بعد قليل ستكونان فى غرفة واحدة بل فى مخدع واحد !
فليكن ما يكون ، ما عاد برضاى و لا بمنعى ، كانت هنالك سنة متبقية لى فى كلية الهندسة و قررت أن تكتمل ثم من بعدها ربما كان هنالك جديد ، لكن بقيت نار الشوق إلى نسمة تضنينى و الجراح تعتمل فى ص*رى ، و مر يوم بعد يوم و أنا فى غياب عن الوعى و لا أذكر كيف مرت الدقائق و لا الساعات فى غيابها و كلما تخيلتها فى أحضانه تمزقت ضلوعى ألما و اشتعلت نيران الوجد كالمهل يسرى فى الدماء ، كنت أشعر فى تلك الأيام بالغربة التامة ، حتى أبى و أمى بهما من أمراض الشيخوخة ما بهما و ما عادا يقضيان وقتهما إلا فى النوم أو الجلوس معا فى الشرفة نظرا لتمركز الأمراض فى السيقان و العظام فكيف لى أن أفتح معهما مجالا لنقاش يزيد جراحهما أو يتقاسما معى مرارة الألم فى الإخفاق فى تحقيق حلم العمر ! و حينما مضى أول شهر على زواج نسمة و بينما كنت قادما من الخارج رأيتها تسير و إلى جوارها زوجها ، و لم أشهد فى حياتى مرارة كما شهدت فى تلك اللحظة ، و سرت أمامهما و أنا أتمنى ان انظر خلفى حتى أراها ، كم اشتقت إليها ، لكننى تماسكت حتى وصلت إلى بيتنا و لم تمض سوى ساعة واحدة حتى سمعت طرقات على باب شقتنا ، و عندما ذهبت لأفتح الباب وجدتها تقف و فى عينيها ألف نداء ، لم أكن وقتها مصدقا لما أراه ..عيناها قد ازدادت سحرا فوق السحر و صوتها زادت رقته و نعومته و هى تلقى علىّ التحية و تمد يدها لتسلم علىّ ، و ما اكتفيت بالسلام ، بل سحبت يدها نحو فمى و طبعت فوقها قبلة سالت معها دموع العين حتى اغرقت يدها ، مسحت بيدها على شعرى لأنظر إليها و ما كان حالها حينذلك أقل من حالى بل ربما كان أقسى و أشد ، لم يكن كلامها وقتها كثيرا لكنها طلبت ان تدخل لتلقى التحية على أبى و امى و قد كان وقت نومهما بالنهار فاعتذرت لها ثم هممت ان اوقظهما لكنها رفضت و قالت أنها جاءت فقط لتطمئن علىّ و تطمئننى ، و بينما ننظر فى اشتياق و وجد ساد ال**ت قليلا ثم دخلت و أغلقت الباب ، حسبتك نسيتى الوعد أو طمس الوعد الحقيقى معالمه ،
آه يا نسمة ! للمرة الأولى اقف عاجزا عن الترحيب بك كما اعتدتي حين كنتي تزورين ابي وامي لكن الدنيا قد أقامت السدود بيننا بذلك الخاتم فى إصبعك ، و كف ا****ن عن الحديث فناجاها القلب و هى تصغى إليه قائلا :
حبيبتى .. هل طلبتى يوما من القمر ضياءه فمنحك إياه دون تردد ؟ هل طلبتى الدفء من الشمس فما توانت فى منحك إياه ؟ هل طلبتى من الليل هدوءه و من النهار نشاطه و تفاعله و من المطر طهوره و نقاءه و من النسمة رقتها و نعومتها ؟ هل تعرفين ما اقصد ؟ لا أقصد إلا أن كل هؤلاء قد منحوكى صفاتهم ، لم اقصد انهم منحوكى شعورا بهم كما يمنحون للجميع ، بل إنهم آثروكى بتلك العطايا ، فظهرتى لعينى فى أبهى صورة ، و توغلتى فى قلبى حتى أصبحتى مع الدماء تتدفقين إلى الأوردة التى تمر على سائر الجسد ، و كيف لى ان أقاوم و فيكى وجدت كل ما احببت من القمر و الشمس و الليل و النهار و المطر و النسيم .. حبيبتى .. قد يمر العمر و لا أتمكن من قول كل كلماتى فى المواجهة ، لكنها حتما سوف تصلك قبل نهاية العمر و حينها سيكون لى عمرا جديدا لم اطلبه ، إنه عمر الحب ..
و ما برح قلبها يسمع مناجاتى حتى انفعل و استجاب فأجاب و أصغيت لصوته و هو يناجينى بحديثه العذب الشجى و هو يقول :
بين سكون الليل و هدوئه أرى **ت عينيك رغم صوت حروفك .. و أرى عينى تعشق ذلك ال**ت المقيم طويلا فى ملامحك .. و يعشق سمعى تلك الحروف المنبعثة فى شجون من شفتيك .. و ما بين حدود و مسافات يصيبنى الحزن لعجزى عن ترجمة معانى ال**ت ، و الفرح و السعادة لتلقى تلك الكلمات الحانية ؛ و ما الذى بمقدوره وصف السعادة فى قلبى حينما تخرج ابتسامتك و أرى نفسى سببا فيها .. و ما أضعفنى وقت غيابك حينما تجتاحنى أعاصير الحنين إليك .. حبيب القلب و منية الروح .. بلغ الشوق منى ما بلغ ، و تخطت نوازعه كل مدى ، و لكن مع الشروق يتجدد الامل ، و وقت الغروب يتجدد الإحساس .. و فى هدوء الليل يثور القلب و تنتفض اوردته ، و تفيض العبارات الواصفة لسحرك الذى قد تخلل فى الاعماق و اتخذ طريقه يداعب مهجتى ، ما عرفت مع حبك قسوة ، و لا رأيت من الدنيا غير الحنان منذ اشرقت شموسك على قلبى من عالم الغيب ، و لكن القلب إذا صبر و استمتع بما يشعر به ، فكيف للعين أن تصبر و قد عشقت ملامحك ، و كيف للسمع أن يصبر و قد شهد صوتك نغمات لحن تعزفه موسيقى الكون .. ما لنا من حيلة و ما علينا إلا الصبر حينما تنطق الجوانح ثائرة لتعلنها لك وقت الاشتياق .. و ما وقت الاشتياق لينتهى طالما كانت فى القلب حياة ، و ما حياة القلب الا فى الحب ، و ما الحب الا قليلا بين ما اشعر به ، و ما اشعر به لا يستطيع الواصفون وصفه كما أن كتب العاش*ين لم تعهد حبيبا مثلك بين صفحاتها..
حديث تكفلت القلوب بنقله و أى ل**ن يمكننه قول هذا فى مثل ذلك الموقف الذى رحنا فيه خلف حدود الثبات ، ما لتلك القيود من وجود ، كل شئ مباح و الوقت و الأمان بهما من الإتاحة ما يكفى و يزيد ، و نيران الوجد متقدة تتاجج شعلتها ، و الثورة على الدنيا و حواجزها فى أوج تمردها ، تعالت نبضات القلب و تسارعت و زاد صوت الانفاس حدة و عمقا
و انتهى هذا اللقاء على غير موعد بلقاء آخر لكن قلوبنا كانت دائما على وصال ، كانت كلما أتت إلى منطقتنا تأتى لتلقى السلام على أبى و أمى و من قبلهما علىّ ، لم تنجب نسمة على مدار عامين من الزواج و كانها كانت متعمدة تتخذ الاحتياطات اللازمة لذلك ، و بعد انتهاء خدمتى العسكرية حاولت لقاءها على انفراد لكن ذلك ما كان ليحدث مطلقا ، ربما أصرت الدنيا على معاندتى ، فها هى هناء قد تزوجت و لا تعلم شيئا عن استمرار علاقتنا ، و ها هى نسمة قد تأتى إلى منطقتنا لزيارة اهلها ثم تمر لالقاء التحية علينا فيلتقيها أبى و أمى بينما يكون اللقاء لدقائق قليلة ثم تنصرف و أذهب لأفتح لها الباب ف*نظر فى وجهى و هى تبتسم ثم تقول يكفينى رؤيتك يا أملى فما أمتع رؤيتك و ما انعشها للقلب و الروح ،
و فى يوم غابت شمسه فاجاتنى ببكائها و الذى بلغ النحيب بأنها لن تقدر على التعايش مع العشق و الزواج فى حالة تشبه الانفصام ، و هنا رأيت أنها تريد لى التنحى لتستقر و تهدأ و تطمئن ، و قبل ان اعاهدها على الخروج من حياتها كان ردها بأنها تريد التخلص من حياتها مع طارق فهى لم تعد تريد ان تلوث حبنا باستمراره هكذا على غير ما يرتضيه الضمير ، اقسمت انها كانت دائما تبكى بعد كل لقاء بيننا ، حاولت التخفيف عنها فلم أستطع و قالت بأن الليلة هى آخر يوم لها فى ذلك البيت ، حاولت إثناءها عن عزمها فما استطعت و حاولت جاهدا أن امنحها فرصة تطلب منى أنا الانسحاب من حياتها تماما فرفضت و هى تبكى و تضمنى إلى ص*رها و هى تقول بل أنت من أسعى للبقاء معه مدى الحياة ، فكيف تريد لنفسك الانسحاب لتتركنى بلا روح ، إن حبك هو الحياة و لو تركتنى فلا حياة لى فى هذا العالم ، اهدأ انت و اتركنى أتصرف كما أرى و ستكون الامور على خير ما نتمنى فلا تخف و لا تقلق ، لقد حان وقت انصرافك يا حبيبى فقم و لا تشغل بالك بى كثيرا و اهتم بعملك حتى تصبح فى اعلى مكانة يا مهجة القلب ، ثم قبلت يديها فقبلت رأسى و ودعتنى و هى تبكى حتى أبكتنى و كأنها كانت تدرك أن هذا هو اللقاء الأخير ! و فى اليوم التالى عدت من العمل الذى التحقت به مؤخرا و فتحت الباب لأسمع صوت بكاء أمى فذهبت إليها و انا بالكاد أفسر ما ترويه دون أن انتبه أن حزنها هذا على أعز ما منحتنى الدنيا ثم ها هى تقتلنى بحرمانى منه للأبد ، و ما ان نطقت أمى امامى كلمتين حتى رأيت السواد يعم المكان و أرانى ملقى على الأرض فاقدا للوعى ، و لا أدرى كم مر من الوقت و انا ممدد فى الأرض حتى فتحت عينى و الناس من حولى يحاولون حملى إلى فراشى ، و ما ان اتذكر آخر ما قالته أمى حتى أجهش بالبكاء ، ماتت نسمة ، كيف و متى و أين حدث ؟ و لماذا تموت ؟ و لماذا أبقى انا على قيد الحياة ؟ لو كان بيننا من يستحق الموت فهو انا ، و لم تمض ساعات قليلة حتى كان أول ما استوضحته من امى و انا اعاهدها ان اتماسك و أستمع حتى تنتهى دونما بكاء ، فتخبرنى بأن ما قاله الأب فى التحقيقات أن ابنته كانت على خلاف مع زوجها فطلبت منه الطلاق و أصرت عليه و استماتت فى طلبه و هددته بقتل نفسها لو لم يفعل ، فاستدعى والدها و الذى دخل معها غرفتها ليستمع إلى شكواها فلم ير امام عينيه مشكلة حقيقية تستدعى طلبها هذا غير انها تحتاج للتأديب منه و حاول ان يجبرها على نسيان الأمر فليس الطلاق واردا فى عائلتهم كما يدعى دائما بأن بناتهم لا تخرجن من بيوت ازواجهن إلا إلى القبر ، و حينما أصرت اوسعها ض*با و هى تصرخ مرددة على مسامعه : لن أستمر معه فافعل ما شئت ، ظلمتنى حينما زوجتنى به على غير إرادتى و الآن تظلمنى حينما أريد ان أصحح وضعا خاطئا ، انت لا تعرف اى معنى للأبوة ، كانت قسوتك دائما هى المدار فى تقبلنا لقراراتك ، جعلتنا نقبع فى الخوف منك دون احترامك ، ليتنى ما كنت ابنتك و لا كنت أبى ، و مع كل كلمة قالتها نسمة كانت تثور ثائرة الأب الذى تجرد حينها من كل آدميته و أبوته فكان يلكمها فى وجهها و يمسك ب*عرها و يض*ب رأسها فى الحائط إلى أن طرحها أرضا و ظل يركلها بقدميه فى كل أنحاء جسدها حتى وضع حذاءه على عنقها و هو يسمعها أقسى عبارات السب و هو يضغط بحذائه و كأنه ينتقم من عدو ، بينما يدخل زوجها الغرفة على صراخها فيمنعه ليترك الأب ذلك البيت و هو يهددها بألا تعود إلى مثل ذلك الطلب من جديد ، و قبل مغادرة الأب لذلك الشارع يجد الناس ما بين من يصرخ و ما بين من يجرى نحو البناية التى تسكن فيها ابنته ليراها ملقاة على الأرض و قد سقطت من شرفة شقتها !! و كان ما قاله زوجها فى التحقيقات أنها طالبته من جديد بتنفيذ الطلاق و إلا ستلقى بنفسها من الشرفة ، فلما تباطأ فى التنفيذ او حاول المراوغة فعلتها ، صادقا كان أم كاذبا لا يعنينى ، تمت تبرئته و تزوج بغيرك من بعدك لا يعنينى ، كل ما يعنينى أن الظلام قد **ا الكون ، و أن الليل لم يعد له نهار ، و أن الدمع بات رفيق الدروب كلها ..
ماذا يقول الدمع لهذه العيون التى قد أرهقها و أجهدها ؟ و هل يفيد اعتذاره ! قال لها حينما لم تتقبل عذره بأنها سجنته بداخلها سنوات طالت .. فلما انفتحت له الأبواب انطلق غير عابئ الا بحريته .. سال و فاض حتى استشعر جهد العيون فى تكبيله ، فتوقف معتذرا لعلها تسامحه .. فقالت تركت باباً لتخرج منه ببعض ما بك من قيود فهدمت حصون الكبرياء و اندفعت لا تبالى بما صرت عليه من ان**ار .. ويحك أيها الدمع ، حين تشعر بحريتك لا تتورع عن إيذاء من حررك .. فى كل يوم آتى إلى هنا ، إلى المكان الذى يضم بين جنباته منية النفس و عمر العمر و روح الروح ، نسمة ، آه يا حبيبتى لو كان الدمع يعيدك لكنت على يقين بأنك ستعودين ، و كيف لا و الدمع لا ينقطع من عينى طوال سبعة عشر عاما مرت على رحيلك ، و سأظل العمر أبكى دون ملل حتى يقضى أجلى فأراك من جديد ، صار هنا ملجئى و منتهى أملى ، هنا أجلس معك و كأننا لا زلنا فى حديث لا ينقطع ، لو انك ترين الحيرة فى عيون رواد هذا المكان الذين يروننى كلما حضروا أقيم هنا امامك لعلمتى كيف تسيل دموعهم حينما ينظرون لحالى و قد صرت شبحا لمن كنت تعرفينه ، ما أقمت هنا إلا لطمانينة قلبى بأنه لن يفرقنا أحد بعد اليوم ، و عما قريب سآتى إليك لأكون إلى جوارك و ما أسعده من جوار ! ليت القلب الذى أحبك يصنع معى المعروف فيتوقف عن النبض حتى يسارع باللقاء ، و برغم غربتى فى هذا المكان أمام المارين به غير أننى أستشعر انه وطنى لأنه يضم من كان قلبها لى الوطن ، و سيظل قلبى لا يعرف وطنا إلا حيث تقيمين ، و لن أبرح رحابك حتى أكون إلى جوارك هكذا كان العهد الذى قطعته على نفسى و هكذا سأظل أحلم بلقائك فلا الدنيا فى نظرى عزيزة ، و لا البقاء فيها يعنى الحياة .. فلقاؤك يا حبى الوحيد هو الذى يعنى الحياة ..