الفصل الثالث (3)

1078 Words
وقف أمام مكتبه وجهه مُلطخ بالدماء، كدمات زرقاء أسفل عيناها وعلى فكُه، و "آسر" جالساً على مكتبه مبتسماً ببرود تام، ثم نهض من فوق المقعد يتجه نحوه مُشمراً عن ساعديه ليظهر ذراعيه مفتول العضلات، وعروقه البارزة بشكلٍ مُثير، جلس على المكتب دون أن يرفع قدميه عن الارض يُطالع "مُنير" بنظراتٍ هادئة جعلته يرتعب، إزدرد الأخير ريقُه قائلاً وهو ينظر للأرض: - يا باشا حرام عليك دي بتتبلى عليا، أنا ملمستهاش أصلاً!!! إنزوت شفتيه بإبتسامة مُخيفة، ثم نهض ليقترب من ذلك الذي يرتجف رُعباً، قبض "آسر" على قميصه يُحدق به بحدة، قائلاً بصوتٍ مخيف: - شكلك عايز تفضل هنا كتير!!! وبدون مقدمات رفع ركبته ليض*ب به معدة الأخير بُعنف فسقط أرضاً صارخاً من شدة الألم يتآوه وهو يقول سريعاً: - خلاص يابيه هقول، ورحمة أمي هقول على كل حاجة!!! أنحنى نحوه مُق*فصاً بقدميه ثم أمسك بفكه يعتصره بين قبضتيه هاتفاً بهدوء: - لاء مـ أنت يا حيلة أمك هتقول غصب عن عين أهلك، لا تكون فاكر إني ش*هت وشك كدا عشان تتكلم، لاء دة أنا آسر السيوفي يالا!!! يعني هطلع الكلام من بطنك عافية!!! خفق قلبُه بعنف من شدة الرُعب ثم أمسك بكفه حتى كاد أن يُقبله وهو يُردف بمهانة: - أبوس إيدك يا آسر باشا كفاية!!! أبعد يداه بإستحقار ثم نهض بثبات هاتفاً بجمود: - قوم وأنشف كدا دة أحنا لسة بنقول يا هادي!!! نهض "مُنير" مسترسلاً وهو يُقاوم ألم كل إنش بجسده: - تؤمر يا باشا، أنا هقول لحضرتك كل حاجة.. إزدرد ريقه بتوتر قائلاً: - أنا.. أنا فعلاً كُنت بتحرش بيها، بصراحة البت بدر منور يابيه وانا ضعفت، مش شايف البومة اللي متجوزها!!! أظلمت عينان "آسر" ليتماسك حتى لا ينقض عليه ويُهشم وجهه فأكمل الأخير: - لما كنت باخد شيفت سهر أنا والزفتة اللي متجوزها كنت بستغل الفرصة و أروح أوضتها من ورا مراتي بس هي دايماً كانت بتيجي قبل مـ أعمل للبت حاجة!!! وبعدين تروح قافلة عليها بالمفتاح وتخبيه بس على مين كنت بلاقيه بردو، وبردو تيجي مراتي لما تحس بغيابي، بس طبعاً الأوضة محدوفة في أخر الممر زي مـ سيادتك شوفت دة غير أنها عازلة للصوت ودة أول مرة يحصل والمدير هو اللي طلب كدا، ودب كانت فرصة دهبية بالنسبالي، بس الصراحة ياباشا البت جامدة صاروخ!!!! أنقض "آسر" بالفعل عليه ليُبرحُه ض*باً حتى تطايرت إحدى أسنانه وبثق دماً يصرخ بإستنجاد فدلف العسكري لهم يُحاول إبعاد "آسر" عنه الذي كان في حالة إهتياج لأول مرة يشهدها قسم الشرطة، فدلفت وراءه "ليلى" التي جحظت عيناها وهي ترى "منير" قاب قوسين أو أدنى من الموت، وهو وتيرة أنفاسه العالية صارخاً بالعسكري جعلتها ترتعد خوفاً منكمشة بجسدها على الحائط: - خُده يا أسماعيل على الحبس!!! وبالفعل أخذه "أسماعيل" إلى وراء القضبان، فلم يبقى بالغرفة سواهما، كانت تنظر له وهو يحاول تهدئة أنفاسه جالساً على مقعده الجلدي خلف مكتبه، ثم رفع نظراته بعد قليل ليجدها على تلك الحالة، تحتضن كتفيها بذراعيها خائفة وهي تنظُر له، فسّب بنابية في سرّه، الوحيدة التي كانت تطمئن له أصبحت تخشى وجوده، لام نفسُه على رؤيتها له على تلك الحالة وحشاً كاسراً على أستعداد للفتك بفريسته بأنيابه، ساد ال**ت دقائق فقطعُه بصوتٍ هادئ ينظُر لها بدفئ: - تعالي أقعدي!!! قال وهو يشير للمقعد أمامه بعيناه، تحركت ببطئ ثم جلست أمامه تنظر لقدميها، فحاول "آسر" تلطيف الأجواء ليطلب لها ليمون حتى تهدأ، عندما لاحظ ملابسها الخفيفة في تلك البرودة القارصة، ليُردف بهدوء: - أزاي لابسة خفيف كدا في الجو دة.. نظرت للثوب الذي ترتديه ثم أعادت النظر له قائلة بسُخرية: - مش بمزاجي!!! أخذ حِلة بذلته التي كانت مُعلقة على ظهر مقعده، ثم نهض ليلتفت حول المكتب لها، ثم مال بجزعه العلوي ليحاوط كتفيها بالبذلة قائلاً: - البسيه هيدفيكي!!! أرتبكت مِحياها من قُربُه منها، لتهرب بنظراتها على الأرضية مُتشبثة بـ سِترته فهي حقاً بعثت الدفء في جسدها، ورائحة عطرُه الرجولية التي ألتصقت بها، جلس على المقعد أمامها قائلاً: - بعتلك حد يجيب تصريح من المستشفى بخروجك.. أومأت له دون حديث ودون أن تنظُر له، ليسترسل وهو يطرق بأظافره على مكتبه بهدوء: - ومش هنحتاج تقرير الطب الشرعي في حاجة مدام هو أعترف..!!! نظرت لأصابعها التي تفرُكهما بتوتر شديد ولاذت بال**ت، فوثب "آسر" من فوق مقعدُه مُردفاً: - خليكي هنا أنا مش هتأخر!!! ثم ألتفت يوليها ظهره يُهمّ بالذهاب للخارج ولكنها أنتفضت تنهض عن المقعد قائلة بخوف: - أنت رايح فين!!! حانت أبتسامة لطيفة على وجهه، فهي لازالت تُطمئن لوجوده وتشعر بأنها بأمان معه، مَحى أبتسامته ثم ألتفت لها يقول بحنان: - متخافيش أنا مش هتأخر، والعسكري برا واقف على باب المكتب محدش يقدر يدخُل!!! أرتاحت قليلاً ثم هتفت ببراءة وهي تجلس على المقعد: - يعني مش هتتأخر صح؟! أبتسم رُغماً عنه يقول ليُطمئنها: - مش هتأخر.. أومأت له فذهب مُغلقاً الباب خلفه، مشدداً على العسكري بمنع أي شخص للدخول لها، ثم سار بالممر الذي كانت مُكتظ بالمجرومون ومفتعلين المصائب، ليخرج من القسم بأكمله، ثم أخرج هاتفه ليتصل بأحد الأشخاص يقول بصرامة: - عايزك تعمِلي تحريات عن بنت أسمها ليلى العلايلي أنهى مكالمته مع هذا الشخص ثم هاتف إحدى المطاعم الكُبرى بالقاهرة ليطلب منهم طلبية طعام تُكفي عائلة وليس فرداً واحد!!!! • • • • أغمضت عيناها وهي تستنشق رائحته التي تنبعث من سترته، لتبتسم بخجل، ولكنها أدركت نفسها لتُردف بإحراج: - أيه اللي أنتِ بتعمليه دة يا ليلى، أنتِ شكل قعدتك في مستشفى المجانين خلتك مجنونة زيهم!!!! ثم ألتفتت حولها تُطالع مكتبُه الفخم، ورُقي أثاثه، ولكن لفتت أنتباهها صورة فتاة تقريباً نفس عُمرها، بملامح بريئة وضحكة تسرق القلوب، قطبت حاجبيها بحُزن قائلة: - شكلها مراته..!!! تن*دت بضيق وهي تعُض على شفتيها، لتُحادث نفسها وقد أغرورقت عيناها بالدموع عندما أيقنت أنها أصبحت بلا مأوى: - أنا هروح فين دلوقتي!!!، لو.. لو روحت لجدو مش بعيد أعمامي يقتلوني!! أنا مش فاهمة ليه كُل الكُره اللي فقلبهم ليا دة لدرجة أنهم يحطوني في مستشفى المجانين يوم فرحي!!!! كانت تُحدث نفسها ولم تعي سقوط دموعها على وجنتيها حتى أغرقت وجهها، وأيضاً لم تعي دلوف شخص ذو صوتٍ مألوف لها يقول بمرحٍ: - أزيك يا آسر آآآ!!! جحظت عيناها بقوة، لتلتفت له، إنه "أحمد" الذي كان على وشك أن يكُن زوجها!!!!!! وكأنما سُكِب عليه دلواً مياه بارداً وهو يراها تقف أمامه في مكتب صديقه، أعتلت الصدمة ملامحه ليترد للخلف غير مُصدقاً، فخرج صوته مذهولاً: - ليلى!!!! يتبع... وقعتُ أسيرٌ لعيناها الحزينة منذ أول لحظة رأيتُها بها، منذ أن جاءت راكضة لي وأرتمت في أحضاني وتعلّقت بقميصي كالأطفال، ترجو مني أن أنتشلها مما هي به، تراني مُنقذها الوحيد، وبحُكم عمَلي كـ ظابط مشهور بقوتُه وشدتُه في عملهِ أنقذتها..!! أنا كاذب .. فـ والله إن كُنت شحاذ بالطُرقات وأستنجدت بي لِما كُنت سأتركها أبداً، كيف أصفها لكُم، هي ملاك بعيناي، حقاٌ لم أراها سوى هكذا، بثوبها الأبيض الذي كانت ترتديه عندما ركضت نحوي، وبخصلاتها الطويلة التي تطايرت خلفها وهي تقترب مني، عيناها التي أُخذت زرقتهما من البحار، كل شئ بها برئ!!!! وأنا "آسر سليمان السويفي" أعترف و أبصُم وأمضي أنني غُرمت بها!!!!
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD