كانت تُحدث نفسها ولم تعي سقوط دموعها على وجنتيها حتى أغرقت وجهها، وأيضاً لم تعي دلوف شخص ذو صوتٍ مألوف لها يقول بمرحٍ:
- أزيك يا آسر آآآ!!!
جحظت عيناها بقوة، لتلتفت له، إنه "أحمد" الذي كان على وشك أن يكُن زوجها!!!!!!
وكأنما سُكِب عليه دلواً مياه بارداً وهو يراها تقف أمامه في مكتب صديقه، أعتلت الصدمة ملامحه ليرتد للخلف غير مُصدقاً، فخرج صوته مذهولاً:
- ليلى!!!!
وقفت وقدميها تكادا تخونها وتسقط أرضاً لتلصق نفسها في المكتب و تعالت دقات قلبها خوفاً من ردة فعله، فهي في نظره مُجرمة هربت يوم زفافها، وجعلته أضحوكة أمام الناس!!!
ساد ال**ت لحظات قطعه "أحمد" بصراخٍ عالي وصوتٍ جهوري:
- آه يا بنت الـ***، دة أنا هطلع عليكي القديم والجديد كُله!!!
أطلقت صرخة مُرتعبة وهي تجدُه يقترب منها بخطواتٍ سريعة، ثم رفع كفه ليهوي على إحدى وجنتيها بصفعة أدارت وجهها للجهة الأخرى، ثم أمسك بذراعها صارخاً بوجهها غير عابئاً ببكائها:
- بقا بتهربي يوم الفرح يا زبالة!!! دة أنا هطلع روحك في إيدي!!!!
دلف "آسر" الذي أتى ركضاً بعد أن أخبره العسكري بما يحدث هنا، لينقض على "أحمد" يُبعده عنها جاذباً إياه من ملابسه وهو يصرخ به بضراوة:
- أيه اللي أنت بتعمله دة أنت أتجننت!!!!
فقد "أحمد" زمام تحكُمه ليصرخ به و هو يحاول إبعاده عنه:
- سيبني يا آسر أنت مش فاهم حاجة أنا لازم أقتلها!!!!
أرتجف جسدها واضعة كفها على الإحمرار الذي غزى وجنتيها وهي تنظر للفراغ وعيناها مملوئتان بالدموع، جذبه "آسر" بقسوة ليخرجا من المكتب بعيداً عنها وسط صراخ "أحمد" به لكي يتركه، وبعد خروجهم دفعه "آسر" على الحائط خلفه هادراً وهو يُثبته بذراعيه:
- لولا أنك صاحبي متعرفش كنت هعمل فيك أيه!!!!
وكأنه لم يسمعه ليهدر بقسوة وصوت وصل لها بالداخل:
- أنت عارف البت اللي جوا دي عملت فيا أيه!!! دي.. دي هربت يوم الفرح، فاهم يعني أيه ييجوا يقولولك أن العروسة مش موجودة!!!!!!
صُدم "أسر" ليُبعد ذراعيه عنه بدهشة، ليقول وهو يشعر بأن ل**نه يتحرك عنوةً:
- أنت كنت هتتجوزها؟!!!!!
هتف " أحمد" وهو لازال مصدوم يُمرر أنامله في خصلاته:
- أنا مش هسيبيها، هقتلها يا آسر، ورحمة أبويا مـ هسيبها تتهنى في حياتها!!!
زفر "آسر" بضيق من تهورُه، ليقول بحدة:
- م تبطل عبط بقا وتهدى وتسمعني، البنت دي كانت في مستشفى المجانين، ولو عرفت اللي حصلها مش هتقدر ترفع عينك في عينها!!!!!!
نظر له "أحمد" بضيق، ثم هتف وهو يلوح بيده:
- تغور في داهية مش لازمني أعرف حاجة!!!
- طب أمشي بقا عشان مش طايقك!!! أمشي متنحش!!
قال "آسر" وهو يدفعُه بعيداً فهتف "أحمد" ذاهلاً:
- أمشي اروح فين أنا مش هتحرك من هنا غير لما أعرفها قيمتها!!!!
- أحــمــد!!! أمشي من قدامي أحسنلك!!!!
هدر به بعُنف، فأغتاظ "أحمد" ليقول قبل أن يلتفت و يرحل:
- ماشي يا آسر أنا همشي دلوقتي، بس أنا مش هسيبها!!!
جمدت عيناه قائلاً وهو يضع كفه في جيبه بثقة:
- مش هتقدر تعملها حاجة!!!!
رحل "أحمد" يطوي الأرض أسفل قدميه فألتفت "آسر" مُغمضاً عيناه يحاول ترتيب أفكارُه قبل أن يدلف لها، ثم تن*د ليُدير مقبض الباب، ثم ألقى بأنظاره الجامدة عليها، ليجدها جالسة مستندة برأسها على المكتب وصوت بكائها يصدح بالغرفة، صوتٍ كان له صدا مؤلم في أذنيه، أغلق الباب خلفه، ثم أقترب منها ببطئ، لا يعلم ماذا يفعل، جلس على المقعد الذي أمامها، ثم إزدرد ريقُه ولأول مرة لا يعلم ماذا سيقول، فهو حائراً معها، ولكن صوت بكائها دفعه للقول برفق وصوتٍ دافئ:
- ليلى، ممكن كفاية عياط؟!! تعالي نتكلم مع بعض طيب!!
رفعت وجهها الأحمر من شدة البكاء، لتقول بصوتٍ مهزوزٍ وعينان زائغتان:
- أنا عايزة أمشي!!!
تفاجأ من طلبها، ليُردف وهو يعقد كفيه معاً مائلاً بجزعه العلوي..مستنداً بمرفقيه على رُكبتيه:
- طيب تعالي نمشي بالعربية شوية؟!!
نفت سريعاً بتوتر وهي تمسح دموعها بقوة:
- لاء..
أبتسم على حركاتها الطفولية، والتي تُذكره بأغلى شخصٍ على قلبه، هتف وهو يحاول إقناعها:
- ليه؟!! تغيري جو شوية، وبالمرة نروح لمحل لبس تشتري منه اللي أنتِ عايزاه!!!
نظرت له بتردد، فهي بالفعل ترتدي ملابس لا تتلائم مع تلك البرودة، ولكنها لا تريد أن تكُن حِملاً ثقيلاً عليه، وقبل أن تردف بشئ طُرِق الباب ليدلف العسكري ممسكاً بأكياس كثيرة وثقيلة للغاية، ليردف لاهثاً من شدة التعب:
- الأكياس دي وصلت لحضرتك يا باشا!!!
نهض ليلتقط منه الأكياس ببساطة، ثم وضعهم على المكتب تحت أنظارُها المندهشة وهي تقرأ أسم المطعم مُدون عليهما، أفرغهما أمامها على زُجاج المكتب ليفتح تغليف الأطباق لها، بينما هي تنظُر له بصدمة شديدة، قائلة بحيرة:
- لمين كُل الأكل دة!!!
- ليكي!!!
هتف دون أن ينظر لها منشغلاً بما يفعله، فرفعت حاجبيها بصدمة قائلة بنبرة أضحكته:
- حد قالك إني مفجوعة!!!
ضحك على جملتها ثم أنهى ما يفعل ليسمعها تقول بخجلٍ:
- أنا اصلاً مش جعانة شكراً!!!!
هو يعلم أنها كاذبة، فأمثالها لا يجيدون الكذب، رُغم ذلك أراد ألا يُحرجها ليقول بهدوء:
- عارف أنك مش جعانة، بس مش لازم تبقي جعانة عشان تاكلي، صدقيني الأكل هيعجبك!!!
نظرت لأصابعها بإحراج مُتذكرة انه لم تأكل شئ منذ البارحة، فهي حرفياً تتضور جوعاً، ليهتف هو بلُطف قائلاً:
- تحبي أسيبك و أطلع برا طيب؟!!
أسرعت قائلة برجاء وهي تنظر له:
- لاء لو سمحت خليك..!!!
خفق قلبُه لنبرة الرجاء في صوتها، ولعيناها الزرقاء التي تُحدق به، ليجلس على المقعد أمامها، فهي لا تعلم أنها فعلت خيراً بجعله يجلس ويتأملها وهي تأكل، ولكنه لكي لا يُحرجها أمسك هاتفه وتصنع الإنشغال به، فلاحظ أنها بدأت بالأكل بإستحياء شديد، ولكنها بعد مدة أخذت راحتها قليلاً وأكلت فهي كانت حقاً جائعة، كان يُطالعها بطرف عيناه يُراقبها دون أن تشعر، ثم يعود وينظر لهاتفه والأبتسامة تُزين ثغره..!!!
سمع صوتها وهي تقول واضعة يدها على معدتها:
- الحمدلله ، حاسة اني هنفجر من كتر الأكل!!!!
رفع عيناه لها فوجد الأكل لم ينقُص كثيراً، ليردف وهو ينظر لهاتفه:
- خلصيه كُلُه!!!!
شهقت بصدمة لتنظر للأكل الذي ملأ المكتب، لتقول بفزع:
- لاء طبعاً مستحيل دة أنا كدة هبقى شبه البلونة، وبعدين دة يكفي عيلة بحالها!!!
- مش عايز أعتراض!!
قال بجدية، لتُكتف ذراعيها بضيق قائلة بحُزن:
- دة ظلم على فكرة، أنت حتى مكلتش حاجة!!!
لتهتف بصوتٍ خافت سمعُه:
- وديه لمراتك!!!!
- مراتي!!!
قال مصدوماً، فرفعت عيناها بإحراج تغمغم:
- دة سمِعني!!!!
ترك الهاتف قائلاً بجدية:
- فين مراتي دي؟!
أشارت بعيناها للصورة التي تجاوره، فأبتسم ساخراً ثم أمسك بالصورة قائلاً بصوتٍ هادئ:
- دي أختي، الله يرحمها!!!
سقط قلبها أرضاً من الخطأ الذي أرتكبته دون قصد، فهتفت بصوتٍ حاني:
- ربنا يرحمها، انا أسفة..!!!
- ولا يهمك..!!!
قال وهو ينظر لصورتها، فإزدردت ريقها وهي تنظر له، لينهض فجأة ثم أخذ مفاتيحه قائلاً بهدوء:
- تعالي نتمشى بالعربية..!!!
ترددت في النهوض ولكنها سارت معُه تحت إصراره في الممر، أرتعبت عندما وجدت المجرمين يملئون المكان، وبدون أن تدرك تشبثت بذراعه بخوف مختبئة خلفه، ليلتفت لها ثم أمسك بكفها برفق ليجذبها معُه، نظرت لكفه الضخم الأسمر الذي يقبض على كفها الصغير، لتسير معه مبعدة أنظارها عنهم، وصلا لسيارته، فأستنشقت "ليلى" الهواء الذي حُرمت منه، و وجوه الناس الذين كانت شارفت على نسيانهم، فتح "آسر" الباب لها قائلاً:
- أركبي!!