الفصل الثالث

1752 Words
بسم الله الرحمن الرحيم في صباح يوم العودة للمدرسة تجر ابنتها في يدها، والقلق يأكل قلبها منذ حديثها مع الاستاذ نضال فكيف يمكن أن تكون ابنتها فلذة كبدها الوحيدة تواجه كل هذه الأمور المؤذية بمفردها؟ عند المدرسة توقفت و عانقت ابنتها بهدوء ع** ما بداخلها من فوضى: رنا انت اغلى حاجة في دنيتي كلها، انا مش عاوزة حاجة غير انك تكوني بخير وتكوني اشطر واحدة في الدنيا وتحققي احلامك كلها. رنا بدهشة يشوبها بعض الحزن: حاضر يا ماما بس لو سمحتي متتكلميش مع استاذ نضال انا معملتش حاجة هما اللي بيضيقوني. زادت من شدة عناقها وبضحكة مصطنعة: طب يلا على الفصل يا كتوت ماما. ودعت ابنتها وذهبت لتواجه أسواء مخاوفها. في مكتب الاستاذ نضال تجلس وهي تفرك يدييها وكأنها تلميذة قد اخطأت وجاءت لتأخذ عقابها، قاطع **تها بسؤاله: _ حضرتك تشربي ايه؟ _ شكرا و لا حاجة، انا بس عاوزة اعرف ابعاد مشكلة رنا لو سمحت. _ بصي يا مدام كون رنا انا لاحظتها بنفسي البنت عندها اضطراب نفسي ومحتاجة دكتور ضروري، انا حاولت كذا مرة اني اتكلم معاها وحولتها كذا مرة للاخصائي النفسي والاجتماعي وهي بتلتزم بسكوتها. لتقاطعه بصوت يشوبه بعض الان**ار: انا عارفة أن رنا ممكن تكون عدوانية شوية بس هي مش وحشة والله ده بسبب اللي حصل من والدها وانفصالنا هي حاسة بظلم وقهرة منه وانا حقيقي بحاول اصلح ده بكل الطرق. اعترض كلامها بهدوء: انا عارف ان حضرتك بتحاولي بس والدها لازم يكون ليه دور البنت بتض*ب كل زمايلاها واي حد بيحاول يتكلم معاها بتعامله بطريقة مش كويسة ده غير أن البنت في بداية مراهقة مبكرة و بتر حديثه وكأنه لا يعلم كيف سيقول ما هو قادم، لتحثه هي على التكملة: وايه يا استاذ نضال؟ _ وبصراحة البنت مصاحبة بنات اكبر منها وفي مدرسة عندهم شاكة أنهم بيتف*جوا على حاجات اكبر من سنهم وبيجربوا يعملوها مع بعض وللاسف رنا كانت معاهم لما المدرسة سمعتهم في الحمام بس لسة مخدناش اي اجراء لأن مفيش في أيدينا دليل على اللي عملوه و المدرسة بلغتني لاني المشرف الأسري ل رنا والمفروض اني احل مع حضرتك ووالدها المشاكل دي بس بعد اللي شوفته هو لا يصلح لانه يكون والد من الأساس. لم يستوعب عقلها ما سمعت ولم يقوى قلبها على تحمل المزيد تمنت أن تتشقق الأرض وتبتلعها الا يكفيها ما تتحمل من أجل أن تربي ابنتها وها هي تلك البنت التي تحارب من أجلها تقسم قلبها إلى شطرين بالتساوي، لتسقط أمامه مغشياً عليها وكأنها تريده أن ي**ت فهي لم تعد تقوى على التحمل. في احدى الأحياء الراقية، أمام مبنى شاهق و ذو ت**يم عصري و كيف لا و هذا المبنى يعد من أشهر شركات الهندسة المعمارية في البلاد وقفت رفيف تنظر إلى المبنى وهي تتمنى في داخلها أن يكون ملكاً لها يوما ما، أفاقت من شرودها على ذلك النوح الذي وقف بجانبها ينظر لها بنظرة غريبة جعلتها تعتقد أنه مصاب بالبلاهة فرقعت أصابعها أمام عينيه: يلا يا بشمهندس عندنا اجتماع وياريت تركز انت متعين مخصوص علشان المناقصة دي. تنحنح بحرج: يلا يا بشمهندسة اتفضلي. تقدم منها وفتح لها الباب وكان يؤنب نفسه على ما حدث منذ قليل فكلاً منهما كان ينظر إلى ما يود أن يمتلكه. جلسا في غرفة الاجتماعات ينتظروا ومعهم العديد من المنافسين، جلست تعبث في هاتفها حتى جاء أحدهم مناديا: رفيف معقول؟ _ حاتم العراقي لا مش مصدقة انت داخل المناقصة دي ازاي اسم شركتك مش موجود؟ _ داخل مع شركة تانية انا شريك فيها، و بعدين سيبك من المناقصة انت فينك يا بنتي انا معرفش عنك حاجة. إجابته بابتسامة واسعة: _ أيوة يا عم بقينا أصحاب شركات، انا موجودة والله بس الشغل بقى انت عارف. _ أيوة عارف وسمعت عن مكتبك كذا مرة بس قولت هكلمك لما ارجع من السفر مكنتش متخيل هقابلك هنا. ابتسمت و إجابته: _ فرصة سعيدة جدا يا حاتم بس متحلمش انك تاخد المناقصة دي وانا فيها. ضحك حتى ظهرت غمازاته وتحدث من بين ضحكاته: لسة زي ما انت يارفيف، بس حلو احنا نتنافس تاني زي سنين الكلية ولو كنت بسيبك تطلعي الاولى على الدفعة بمزاجي مش هسبلك المشروع ده صدقيني. _ بمزاجك اه، اضحك على نفسك كمان بس هنشوف مين هيضحك في الآخر. هم في الرد عليها ولكنه انتبه لوجود شخص ما معهما ليسألها: مين البشمهندس؟ شريكك؟! وقبل أن تجيبه كان نوح يجيبه ويصافحه بجمود وابتسامة لا تبشر بالخير : بشمهندس نوح، اهلا وسهلا يا بشمهندس حاتم. نظر له نوح بتركيز وتفحص و اجابه باستنكار : اهلا وسهلا هو انا احنا اتقابلنا قبل كده يا بشمهندس؟ نوح ببعض الارتباك: اكيد يعني يا بشمهندس حضرتك غني عن التعريف اكيد اتقابلنا في مناقصة أو مؤتمر قبل كده. تدخلت رفيف مقاطعة حديثهما: بشمهندس نوح شغال عندي مش معايا، وكان شغال في شركات كتير قبل كده قاطعها نوح وهو ينظر لها بنظرة مستنكرة: يلا يا بشمهندسة الاجتماع بدء. القلوب البريئة لا مكان لها في هذا العالم، فستموت بين الاخرين بل ستدنس بين تلك الذئاب البشريه المتواجده حولها، الطيبون يظهرون من ابتسامتهم اما الخبيثين فيكنون ما بداخلهم حتي تأتي المواقف لتكشفهم. في مكان آخر كانت تدلف إلى المشفى ولاول مرة تشعر أنها لا تريد الذهاب إلى العمل، رسمت ابتسامة على وجهها ودلفت تاركة خلفها كل ما تشعر به فلكل مكان عباءة، داعبت أنفها رائحة القهوة فذهبت لتطلبها: صباح الخير يا عم جميل فنجان القهوة بتاعي لو سمحت، اما في الجهة المقا**ه دخل هذا المتعجرف إلى المشفى ومن ثم وقعت عيناه عليها فابتسم وهو يراقبها فكانت تضحك مع الجميع وحجابها الاخضر يعانق وجنتيها الطفولية، يغيب نور عسليتاها عندما تضحك، لا يعلم لماذا وقف يتأملها بسكون وارتسمت على وجهه بسمة لم يفهم مغزاها. تحرك ليقف بجانبها بهدوء: صباح الخير يا دكتورة ليان. عندما سمعت صوته ارتعشت أوصالها بضيق وقلبت عينيها بملل: صباح الخير يا دكتور عدي. _ انا ناقشت وجهة نظرك مع دكتور معتز وعاوزك تجيلي مكتبي في استراحة الغداء. لتقاطعه بحدة: دكتور عدي الموضوع ده انتهى بالنسبالي انا هلتزم بسياسة المستشفى ولما احب اعالج حالة هعالجها برة المستشفى وتعامل حضرتك بعد كده يبقى مع دكتور معتز، بعد اذنك. تركته ينظر ببعض الذهول الى الفراغ الذي خلفته ورائها ثم ظهرت ابتسامته الجانبية وتحرك ليباشر عمله. تشعر بدوار وكأنها قد عادت من الغرق ورؤيتها مشوشة قليلا ولكنها ميزت صوت الاستاذ نضال وهو يلقي عليها العديد من الاعتذارات ولكنها لم تكن قادرة على أن تجيبه. _ انا اسف والله يا مدام كون انا كان لازم ابلغ حضرتك وانا بأذن الله هكون مع حضرتك في متابعة علاجها. شعرت أنها أفضل قليل فقاطعته بهدوء: حضرتك معملتش حاجة تعتذر عليها وانا مقدرة مجهودك جدا وبأذن الله هتابع علاجها بنفسي بس انا هنقلها من المدرسة دي وشكرا جدا على المجهود اللي بذلته معاها ولو سمحت انا عاوزة اعمل ل رنا إذن. نظر لها ببعض الإحباط والسخط وكاد أن يخبرها أن تذهب للإشراف لتأخذ أذنها ولكنه لم يتعود الاستسلام فباغتها قائلا ببعض الانفعال: حضرتك ده مش تصرف سليم، نقل رنا من المدرسة هيأثر عليها بالسلب اكتر ، انا مقدر جدا ظروفك و تفكيرك بس حضرتك محتاجة تفكري بال*قل شوية دي طفلة و كل التغيرات دي في حياتها اللي المفروض تكون مستقرة هتأذيها . قاطعته بانفعال : انت مش هتخاف على بنتي اكتر مني، ولا هتعرف تربيها احسن مني، ولا انت فاهم و لا حاسس بحاجة، وبعدين بقى انا مش مصدقة أن بنتي تعمل ال انت قولته ده انا بنتي عمرها ١٠ سنين انت فاهم انت بتقول ايه؟ ولو سمحت متدخلش في ما لا يعنيك تاني. بع** ما بداخله من ضيق وهذا ما توقعت أن يظهره، ابتسم بحنكة تربوي يعلم أنها الآن تواجه الحقيقة بالنكران مما يعني أن عقلها قد بدء في مواجهة المشكلة التي أمامه، وتأكد في قرارة نفسه أنها ستلجأ له قريبا ليجيبها بهدوء: حضرتك تقدري تروحي للإشراف علشان الاذن وانا اسف لو تدخلت في حاجة متخصنيش مع أن ده **يم شغلي بعد اذنك. تركها تتخبط في حيرتها وفضل أن يهدأ من ضيقه في مكان آخر حتى لا يخرج من إطار المعلم إلى إطار لا يريد له أن يظهر الآن. تداعب الاطفال بحب يطغي علي شخصيتها الطفوليه، تعلم انهم احباب الله واحب الاوقات اليها وقت تواجدها معهم من المتعارف ان معظم المرضي تاتي لدكتوره ليان بالاسم فهي الاكثر شهرة وحرافية بين زملائها كان ينتظرها لتخرج من هذا القسم فهو يريد ان يرد لها ما فعلته به صباحا لا يعلم لما شرد بها وبافعالها وتعبيراتها الطفوليه ألم يكن يخطط لاحراجها ولضيقها وكان يترقب لها بالمرصاد لما ملامحه لانت الان استفاق بعدما وجدها تأتي له و رؤيته من قبلها جعلتها تتهكم في ملامحها استعاد وعيه ليعود لرشده وما ان اقبلت عليه حتي تخطته وهذا ما اذهله ولكنه اوقفها قائلا: هوا انت مش شيفاني التفتت له مجيبه: هو انا لازم كل اما اشوفك اكلمك؟ مط شفتيه بتعجب ليجيبها: والله انا مديرك واجب عليكي احترامي اقتربت خطوه و قالت بثبات: وأني اتخطاك ماقللش من احترامك لاني ببساطه لسه ورايا حالات تانيه لازم اعدي عليهم حالا فاكيد احترام حضرتك مش هيتعارض مع شغلي و لا ايه؟ لم يجيب لتتسع ابتسامتها بلطف قائله: بعد اذن حضرتك لتتركه في صدمه وتذهب في سعاده لا توصف لا تعلم انه يكن لها الكثير ليوقعها. اوقات نظن بمن امامنا ع** ما فيه، فمنا من ينخدع بالمظاهر وللاسف يخذل وي**ع بنهاية المطاف وبعض اخر يري ان الذي امامه يكمن الشر لا يعلم انه الخير القادم ليه لحظات تمر من حياتنا بين ذاك وهذا ولكن من الاكيد ان الشخص الذي يتريس في الحكم علي الاشخاص حتما هو الصواب كالكتاب الذي نحكم عليه من الغلاف او ان كاتبه من المتعارف عليه السمعة السيئة او حتي العنوان علينا الا نظلم الكتاب بصفحاته وكلماته ففي النهايه ستكتشف انها تستحق الفرصه لتقرأ فالكلمات كللاشخاص تظلم وايضا تمنح الفرص. في قاعة الاجتماعات كان الجميع ينظر إلى هذا المهندس المتمكن عندما كان يناقش بنود المناقصة وكأنه مدير لعدة شركات وليس مهندس في مكتب صاعد حتى أن رصيد التعجب قد وصل إليها وهي تنظر له بذهول مما جعلها تتم داخل نفسها: ده شكله هيطلع البريفيكت فعلا. بعد انتهاء الاجتماع وقف أمامها ينظر بعينيها بنظرة لم تميز منها سوى التحدي و انتظار الاطراء: اعتقد كده اديت مهمة انهارده على أكمل وجه. قالها بنفس نظرته وتلك الابتسامة المستفزة لها، لتجيبه بنظرة وصوت مستنكرين: هو انت عملت ايه معلش؟ لسة المشوار مبدأش. استدارت رافعة نظارتها ولكنها عادت أمامه مرة أخرى: واه دي آخر مرة تتكلم في اجتماع بكلام غير كلامي أو استشارتي انا هعديها المرة دي علشان الموضوع نفع معاك لكن متتكررش تاني مفهوم؟ تركته وهي مبتسمة تتخيل أنه يستشيط غضباً الآن فهي تعلم في داخلها أنه قد أنقذها اليوم أمام منافسيها بشكل رائع، ولكن ما لم تكن تعلمه أنه يبتسم خلفها و هو يتمتم: والله مجنونة. لينتقلا سويا حيث اتجاه الخروج ليقابلا ذلك المنافس وصديق الماضي في نفس ذات الوقت في المصعد كانت ترتب هي وذلك الحاتم للقاء يعيد ذكريات الجامعة ولكنه من الحين إلى الآخر ينظر إلى نوح بنظرة شك لم يحتاج نوح الوقت ليفهمها ولكنه تجاهله عمدا. امام الشركة تحدث حاتم مودعاً إياها: ماشي يا رفيف زي ما اتفقنا بقى، سلام يا بشمهندس نوح. همت أن ترد عليه ولكنها لا تعلم ماذا حدث سوى أن رائحه ذلك العطر الرجالي تخترق أنفها وتستند بوجهها على كتف عريض وتغمض عينيها لتستفيق لحظة وتستوعب ما هي فيه. يتبع
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD