جاء الصراخ من بعيد ، أنثوياً وطفولياً ثم الفرقة مجدداً ، هادرة ، مثل صراخ الرجال ، مرحة ببؤس ، هستيرية ، لكن أكثر من أي شئ أخر ، بائسة . تثاءبت القنطرة في الضوء البارد بفراغ عميق وصامت ، مثل بوابة تؤدي إلى مدينة أخرى ، إلى عالم أخر . فجأة تركنا ( سرتورس ) . مشي بثبات نحو الجدار واستند إليه ، وجعل يتقيأ .
قال ( بلاند ) :
- " ا****ة ، أريد شراباً "
والتفت نحوي :
- " أين قنينتك ؟ " .
أجبته :
- " فرغت " .
- " فرغت كيف ؟ كان معك اثنتان ؟ " .
- " ليس معي واحدة الآن . اشرب ماء " .
- " الماء ؟ من بحق العلي القدير يشرب الماء ؟ " .
ثم عادت الكرة الساخنة الصلبة إلى معدتي مجدداً ، جذلة ، لا تحتمل ، حقيقية؛ مجدداً تلك اللحظة التي تقول فيها الآن يمكنني التخلي عن كل شئ ، وقلت له :
- " سوف تشرب الماء أيها الحقير " .
لم يكن ( بلاند ) ينظر إليٌ . قال بنبرة هادئة شاردة وفي وجوم :
- " مرتين ، مرتين في ساعة واحدة ، ما رأيك بهذه الثمالة ؟ " .
ثم يمم وجهه شطر نحو البركة . عاد ( سرتورس ) ، ماشياً بثبات . اختلط صوت الفرقة بالبرد الذي يفتت العظم .
سألت : " ترى كم الساعة الآن ؟ " .
نظر ( سرتورس ) إلى ساعة رسغه ورد : " الثانية عشرة " .
قلت : " لا يمكن ، لابد من أننا تجاوزنا منتصف الليل " .
زمجر ( سرتورس ) : " قلت لك إنها الثانية عشرة بالضبط " .
كان ( بلاند ) منحنياً فوق البركة . كان ثمة ضوء قليل هناك . حين وصلنا إليه تسمّر في مكانه ، مسح وجهه . كان الضوء يغمره . وفكرت لبعض الوقت أنه لابد ملأ وجهه كله الماء ، حتى اكتشفت أنه كان يبكي . وقف هناك ، يمسح وجهه ، ناشجاً ، إنما بصمت .
ثم ناح كالأطفال :
- " زوجتي الصغيرة المسكينة ، زوجتي الصغيرة المسكينة! "
* * * * *