5

2446 Words
ها هو ذلك الضجيج مرة أخرى ، يوم الاثنين في جيفرسون ، لا يختلف عن أي يوم آخر من أيام الأسبوع ، فالشوارع أصبحت الآن مسفلتة ، وشركات الاتصالات والكهرباء تعبد الطريق كل يوم ، بقطع المزيد من الأشجار المظللة – البلوط المائي والقيقب والخرنوب والدردار ، لإفساح الطريق أمام الأعمدة الحديدية ، التي تحمل عناقيداً شبحية منفوخة لا حياة لها ولا تجري فيها الدماء . كما أصبح لدينا مغسلاً للملابس ، يقوم بجولاته صباح الاثنين ليجمع أكوام الثياب في سيارات خاصة ، مبهرجة الألوان ، تهرب بملابس الأسبوع المغبرة مثل الأشباح خلف الأبواق الكهربائية الصاخبة للسيارات ، حتى نساء العبيد اللواتي ما زلن يغسلن ثياب البيض ، بحسب العادات القديمة ، صرن ينقلن الملابس في هذه السيارات ، وسط أصوات كاوتشوك الإطارات وهي تفرمل على الأسفلت مثل أصوات تمزيق الحرير . * * * * * قبل خمسة عشر عاماً كانت الشوارع الهادئة المغبرة والمظللة ، صبيحة الاثنين تمتلئ عادة بنساء العبيد ، وهن يوازن على رؤوسهن المعممة أعمدة من كتل الثياب المربوطة في ملاءات ، يصل حجم بعضها إلى حجم بالات القطن في الحقل ، ويسرن بها دون أن تلمسها أيديهن بين أبواب مطابخ البيض وقدور الغسيل السوداء قرب مداخل الأكواخ في نيجروهولو . كانت ( نانسي ) تؤدي عملها في انتظام . تضع كومة الغسيل على رأسها ، ومن فوق الكومة تركز قبعة القش البحرية السوداء التي كانت ترتديها صيفاً وشتاءً ، كانت طويلة ذات وجه عال حزين غائر قليلاً حول فمها الذي فقد أسنانه ، كنا أحياناً نرافقها جزءاً من الطريق أسفل الممر الضيق ومن ثم عبر المرعى لنراقب الكومة المتوازنة ، والقبعة التي لم تهتز قيد أنملة . حتى وهي تعبر الخندق ، وتتسلق مرة أخرى أو حين تنحني لتمر عبر السياج . كانت تنزل على يديها وركبتيها ، وتزحف عبر الفتحة ورأسها صلب ، شامخ لا يتزحزح والكومة ثابتة كالصخرة أو كالبالون ثم تنهض على قدميها وتتابع السير . أحياناً كان معشر الرجال من أزواج النسوة الغسالات يقومون بإحضار الغسيل ، ولكن ( جوبا ) لم يكن ليفعل ذلك ل( نانسي ) ، حتى قبل أن يخبره والدي بأن يبقى بعيداً عن دارنا وحتى عندما كانت ( ديلسي ) مريضة ، وكانت ( نانسي ) تأتي لتطبخ لنا الطعام . وبعد مضي نصف الوقت اللازم لعبورنا أسفل الممر الضيق إلى منزل ( نانسي ) كي نخبرها ، كي تأتي وتُحضّر الفطور ، كنا نقف عند الخندق ، لأن أبي يقول لنا أن لا نتعاطى بشيء مع ( جوبا ) ، الذي كان رجلاً أ**د قصيراً على وجهه أثر لضربة مطواة ، وكنا نرمي الأحجار على بيت ( نانسي ) حتى تطل من الباب ، وتقف مستندة إليه وهي عارية تماما . - " ماذا تعنون بهذا ؟ ترجمون بيتي بالحجارة ، ماذا تريدون أيها الأبالسة الصغار ؟ " يجيبها ( كادي ) : - " يقول والدي بأن تأتي وتحضري الفطور ، ذلك أنه قد مضت نصف ساعة على الوقت ويجب أن تأتي في هذه الدقيقة . .فورا . " أجابت ( نانسي ) وهي تتثاءب بصوت مسموع : - " لا أريد أن أحضر أي فطور ، أريد أن أكمل نومي . " قال جاسون : - " أراهن أنك ثملة . يقول والدي أنك ثملة . ألست ثملة يا ( نانسي ) ؟ " - " من يقول ذلك ؟ دعه يقول . أريد أن أنام الآن . لن أحضر أي فطور . " بعد ذلك نتوقف عن رجم دارها ، ونعود إلى بيتنا ، وعندما تأتي هي أخيراً يكون الوقت قد تأخر على ذهابي إلى المدرسة ، وكنا نظن أن سبب ذلك هو الويسكي . إلى أن جاء اليوم الذي اعتقلوها فيه مرة أخرى ، وعلى طريق السجن مروا بالسيد ستوفال ، الذي يعمل أمين صندوق في البنك ، وشماساً في الكنيسة الإنجيلية وعندها بدأت ( نانسي ) بالصراخ : - " متى ستدفع لي أيها الرجل الأبيض ؟ متى ستدفع لي أيها الرجل الأبيض ؟ لقد مرت ثلاث مرات ، منذ أن دفعت لي سنتاً واحداً . " لكن السيد ستوفال أوقعها أرضاً ، بينما استمرت في قول : " متى ستدفع لي أيها الرجل الأبيض لقد مرت ثلاث مرات منذ . . . " - إلى أن ضربها السيد ستوفال على فمها ، وسقطت ( نانسي ) في الشارع وهي تضحك . استدارت ( نانسي ) وبصقت بعض الدم والأسنان وقالت : لقد مرت ثلاث مرات ولم يدفع لي سنتاً واحداً . هكذا فقدت ( نانسي ) أسنانها ، ومر النهار والجميع يتحدثون عن ( نانسي ) والسيد ( ستوفال ) ، كان ال**برون قرب السجن يسمعونها طوال الليل ، تغني وتزعق وكانوا يرون يديها معلقتين بقضبان النافذة . وقف العديد منهم قرب السياج يستمعون لها وللسجان وهو يحاول أن يخرسها . لم تسكت إلى ما قبل طلوع النهار ، عندما بدأ السجان يسمع أصوات ارتطام وكشط في الأعلى . عندما صعد وجد ( نانسي ) معلقة على ق**ب النافذة ، قال أن السبب هو الكوكايين وليس الويسكي لأنه لا يوجد أ**د يحاول الانتحار . إلا إذا كان دمه محشو بالكوكايين ، لأن الأ**د الذي يمتلئ بالكوكايين لا يعود أ**د ثانية! أنزلها السجان وأنعشها حتى عادت للوعي وللحياة ثم أوسعها جلداً وضرباً ، حاولت شنق نفسها بثوبها ، كانت قد ثبتته تماماً ، لكن عندما تم اعتقالها لم يكن عليها سوى هذا الثوب ، لذا لم يكن لديها شيء لتربط يديها به ، لم تستطع أن تفلت يديها من إفريز النافذة . لذا عندما سمع السجان الأصوات صعد راكضاً ووجد ( نانسي ) مدلاة من الشباك عارية تماماً . عندما كانت ( نانسي ) تطبخ لنا ، كنا نرى مريولها منفوخاً . كان هذا قبل إخبار والدي ( جوبا ) ، بأن يبقى بعيداً عن المنزل . كان ( جوبا ) يجلس في المطبخ خلف الموقد ، وندبة السكين على وجهه الأ**د كقطعة سلك قذرة . قال إن ( نانسي ) تضع تحت ثوبها بطيخة . كان الفصل شتاءً وسأله ( كادي ) : - " وهل يوجد بطيخ في الشتاء ؟ " - " أنا لم آت بها ، أنا لم أعطها إياها ولكني أستطيع أن أنزلها كما كانت بالضبط . " قالت ( نانسي ) : - " ما الذي يجعلك تتكلم هكذا أمام هؤلاء الأطفال ؟ لماذا لا تذهب إلى عملك ؟ هل تريد أن يقبض عليك السيد جاسون ، وأنت تتجول حول المطبخ وتتكلم بهذه الطريقة أمام الأطفال ؟ " رد عليها ( كادي ) : - يتكلم بأي طريقة يا ( نانسي ) ؟ " وقال ( جوبا ) : - " لا أستطيع أن أبقى حول مطبخ الرجل الأبيض . ولكن الرجل الأبيض يستطيع أن يبقى في مطبخي . ويستطيع الرجل الأبيض أن يأتي إلى بيتي ، ولا أستطيع أن أمنعه . عندما يأتي الرجل الأبيض إلى داري ، لن يكون لدي دار . فأنا لا أستطيع منعه وهو يستطيع أن يطردني خارجه . ولا يجب أن يفعل هذا . " كانت دلسي مريضة منذ وقت طويل ، وكنا نحن في المكتبة بعد العشاء . كانت دلسي ما تزال معتلة في كوخها بينما أمر والدي ( جوبا ) بالبقاء بعيداً عن المكان . وقالت أمي : - " ألم تنتهي ( نانسي ) بعد ؟ يبدو لي أنها أمضت وقتاً طويلاً في غسيل الأطباق . ليذهب كوينتين وير ، اذهب لترى إذا كانت ( نانسي ) قد انتهت ، يجب أن تعود إلى بيتها . " عندما ذهبت إلى المطبخ ، كانت الأطباق مرفوعة والنار مطفأة ، أما ( نانسي ) فقد انتهت من عملها ، وجلست على كرسي بجانب المدفأة الباردة . نظرت إليَّ فقلت لها : - " إن أمي تسأل إذا كنت قد انتهيت . " - " نعم لقد انتهيت . " - " ماذا هناك ؟ " - " ما أنا إلا ز**ية ، إن هذه ليست غلطتي . " ثم نظرت إليّ وهي تجلس على المقعد بجانب المدفأة الباردة ، تعتمر قبعتها البحرية . كانت المدفأة الباردة ، وكل شيء ولكنك عندما تفكر بالمطبخ تراه دافئاً ومزدحماً ومرحاً . والآن أصبح الموقد بارداً ، والأطباق مرفوعة ولا يوجد أحد ليأكل في تلك الساعة . - " هل انتهت ؟ " - " نعم يا أمي . " - " ماذا تفعل ؟ " - " إنها لا تفعل شيئاً لقد انتهت . " - " سأذهب لأرى . " - " ربما تنتظر ( جوبا ) ليأتي ويصطحبها إلى البيت . " - " ( جوبا ) ذهب . فقد أخبرتنا ( نانسي ) كيف أنها استيقظت ذات صباح وكان ( جوبا ) قد اختفى . " قالت ( نانسي ) : - " لقد تركني ، وذهب إلى ممفيس على ما أظن ، مراوغاً شرطة المدينة على ما أظن . " - " ونعم الخلاص ، آمل أن يبقى هناك . " - " إن ( نانسي ) تخاف من الظلام . " - " وأنت كذلك . " - " أنا لست كذلك! " - " أيها القطة المرعوبة!! " - " أنا لست قطة مرعوبة . " قالت أمي : " كفا! " ، بينما قال أبي :- " سوف أسير عبر الممر الضيق مع ( نانسي ) " - " إنها تقول أن ( جوبا ) قد عاد . " سألت أمي : " هل رأيته ؟ " - " لا ، جاء شاب أ**د وأبلغها بأنه قد عاد إلى البلدة ، لن أمكث طويلاً . " - " تتركني لوحدي ، لترافق ( نانسي ) إلى بيتها ؟ هل سلامتها أعز عندك من سلامتي ؟ " - " لن أتأخر كثيراً . " - " هل تترك هؤلاء الأطفال الضعاف بدون حماية من أجل تلك السوداء ؟ " هتف ( كادي ) : - " أنا ذاهب أيضاً ، دعني أذهب يا أبي . " - " ماذا سيفعل بهم إذا كان حظه سيئاً لدرجة الحصول عليهم ؟ " قالها أبي ، وهتف ( جيسون ) : - " أنا أريد أن آتي أيضاً! " - " ماذا سيفعل بهم إذا كان حظه سيئاً لدرجة الحصول عليهم ؟ " قالها أبي ، وهتف ( جيسون ) : - " أنا أريد أن آتي أيضاً! " صاحت أمي في ( جيسون ) موجهة حديثها إلى أبي – يمكنك أن تشعر من الطريقة التي نظرت بها إليه ، بأنها تظن أن أبي كان يقدح زناد فكره طوال اليوم ، بأن يفعل أكثر شيء تكرهه . وأنها كانت تعلم طوال الوقت أنه سوف يفكر فيما يفعله بعد فترة . لكنها ظلت على هدوءها ، لأن أبي وأنا كنا نعلم بأن أمي تريدني أن أبقى معها ، لو فكرت بالأمر في وقته . لقد كنت أنا أكبرهم وفي التاسعة من عمري ، كان ( كادي ) في السابعة ، و( جيسون ) في الخامسة ، لذا لم ينظر والدي إليّ ، لكنه قال : - " اطمئني ، لن نتأخر . " اعتمرت ( نانسي ) قبعتها ، وعندما وصلنا إلى الممر الضيق ، قالت : - " لقد كان ( جوبا ) لطيفاً معي . كلما كان في جيبه دولاران كان أحدهما لي . " سرنا عبر الممر . وقالت : - " سأكون بخير عندما أستطيع عبور الممر حينها فقط سأكون بخير . " قال ( كادي ) : " يبدو الممر معتماً دائماً . بسبب هذا أصيب ( جيسون ) بالهلع في عيد الهالوين . " صاح ( جيسون ) محتجا : " أنا لم أخف! " وقال أبي : " ألا تستطيع العمة راشيل أن تفعل معه شيئاً ؟ " كانت العمة راشيل عجوزاً ، تعيش في كوخ بقرب كوخ ( نانسي ) ، لها شعر أبيض وتدخن الغليون على باب بيتها طوال النهار . وهي لم تعد تعمل أبداً ، يقولون إنها والدة ( جوبا ) وكانت تعترف أحياناً بذلك ، في حين كانت في أحيان أخرى تنكر أي صلة قرابة لها مع ( جوبا ) . - " نعم لقد خفت ، إنك تخاف أكثر من فروني ، لقد خفت حتى أكثر من تي . بي وخفت أكثر من الز**ج . " قالت ( نانسي ) : " لا يستطيع أحد أن يفعل معه شيئاً ، إنه يقول بأنني أصحي الشيطان فيه ولا يعيده إلى هدوئه إلا شيء واحد . " قال أبي : " حسناً ، لقد ذهب الآن ، لا يوجد شيء تخافين منه . لو يمكنك فقط أن تتركي الرجال البيض بحالهم " - " كيف تترك الرجال البيض فقط ؟ كيف تتركهم ؟ " ردت ( نانسي ) : " إنه لم يذهب إلى أي مكان ، إني أشعر به ، إنني أشعر به الآن في هذا الممر الضيق وأنه يسمع حديثنا وكل كلمة . أنه يختبئ في مكان ما وينتظر . لا أراه ولا أريد أن أراه مرة أخرى ، وهو يحمل ذلك السكين المدلى بسلك وراء ظهره ، داخل القميص ولن أدعه لا يفاجئني . " ردد ( جيسون ) : " لم أكن خائفاً! " قال أبي : " لو أحسنت التصرف لكنت في غنى عن هذا كله ، ولكن لا بأس ، الآن على الأرجح أنه في سانت لويس وربما تزوج امرأة أخرى ، نسى أمرك . " قالت ( نانسي ) : " إذا فعل ذلك فالأفضل لي أن لا أعرف ، لأني سأقف هناك وأقطع ذراعه كلما حاول أن يضمها إليه ، أو أقطع رأسه وأشق بطنها وسوف . . . " قال أبي :- " اخرسي! " بينما سأل ( كادي ) : " تشقين بطن من يا ( نانسي ) ؟ " قال ( جيسون ) : " لم أكن خائفاً! وأستطيع أن أسير الآن بمفردي في هذا الممر . " - " نعم . لن تجرؤ أن تضع قدمك فيه لو لم نكن نحن معك . " كانت ( ديلسي ) ما تزال مريضة ، لذا بقينا نحضر ( نانسي ) كل ليلة ، إلى أن قالت أمي : - " إلى متى سيستمر هذا الأمر ، أن أترك لوحدي في هذا البيت الكبير وأنت تذهب لترافق ز**ية مرعوبة إلى منزلها ؟ " أقمنا لـ ( نانسي ) في المطبخ فراشاً من القش . وفي إحدى الليالي ، صحونا بعدما سمعنا صوتاً قادماً من الدرج المظلم في الأعلى ، لم يكن صوت بكاء . هناك ضوء في غرفة أمي ، سمعنا أبي ينزل إلى القاعة أسفل الأدراج الخلفية . ذهبت أنا و( كادي ) إلى القاعة ، كانت الأرضية باردة ، كنا نحاول إبعاد أصابع أقدامنا بعيداً عن الأرضية الباردة ، نحن نستمع إلى الصوت . * * * * * كان يشبه الغناء ولكنه ليس بالغناء ، كان أحد تلك الأصوات ، التي تص*ر عن الز**ج . ثم توقف الصوت ، وسمعنا والدي يصعد الدرج الخلفي مرة أخرى ، ذهبنا إلى رأس الدرج ، عاد الصوت مرة أخرى في ممر الدرج . لم يكن عالياً واستطعنا رؤية عيني ( نانسي ) في منتصف الدرج قرب الجدار ، كانت عيناها تشبهان عينا قط . مثل قط كبير ، يرقبنا من اتجاه الجدار عندما نزلنا الدرج حيث تجلس ، توقفت عن إصدار الصوت ، بقينا واقفين حتى عاد أبي من المطبخ ، ومسدسه في يده . عاود النزول إلى أسفل مع ( نانسي ) ثم عاد وهو يحمل فراشها . وضعنا الفراش في غرفتنا بعد أن انطفأ النور في غرفة والدتي ، ورأينا عيني ( نانسي ) مرة أخرى . همس ( كادي ) : " ( نانسي ) هل أنت نائمة ؟ "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD