وقفت ( نانسي ) بجانب الباب وراحت تنظر إلينا ، لكن هذه المرة كانت عيناها خاويتين من كل شيء وكأنها توقفت عن استعمالهما .
- " ماذا تريدون أن تفعلوا ؟ "
- " هل تستطيعين أن تخبرينا قصة ؟ "
- " نعم . "
- " إذن احكي . ألا تعرفين أي قصص ؟ "
ونظرنا جميعاً إلى ( نانسي ) التي غمغمت :
- " نعم ، أعرف . "
* * * * *
جلست على مقعد بالقرب من المدفأة ، هناك بعض اللهب . أوقدتها قليلاً وأصبح المكان حاراً نوعا . لم نكن نحتاج إلى نار فقد ، كان اللهب كافياً . حكت لنا قصة . كانت تتكلم وعيناها تراقبنا ، أو كأنها صوتها ليس هو صوتها ، أو كأنها تعيش في عالم آخر . تنتظر في مكان آخر ، وكأنها كانت خارج البيت . صوتها وشكلها كانا خارج البيت ، تلك النانسي التي كانت تنحني أسفل السياج ، وهي تحمل بقجة الثياب بتوازن على رأسها وكأنها لا تحمل وزناً أو كأنها تحمل بالوناً ، كانت هناك وكان هذا كل شيء .
- " . .وهكذا كانت الملكة تسير صاعدة إلى الأخدود ، وكان الرجل الشرير يختبئ هناك ، وكانت تقول : لو أستطيع فقط عبور هذا الأخدود ، هذا ما كانت تقوله . "
- " أي أخدود ؟ أهو أخدود مثل ذلك الذي في الخارج ؟ "
- " لماذا تريد الملكة أن تدخل إلى الأخدود ؟ "
- " لكي تصل إلى بيتها . .كان عليها أن تعبر الأخدود لكي تصل إلى بيتها . "
- " لماذا أرادت أن تذهب إلى بيتها ؟ "
نظرت ( نانسي ) إلينا ثم توقفت عن الكلام ، كانت ساقا ( جيسون ) بارزتين خارج بنطاله بسبب صغر حجمه وقال :
- " لا أظن أن هذه القصة جيدة ، أريد أن أعود إلى البيت . "
- " ربما لدينا قصة أفضل ، أظن أنهم يبحثون عنا الآن! "
ثم اتجه نحو الباب .
- " كلا . لا تفتح الباب . "
نهضت بسرعة وسبقت ( كادي ) نحو الباب وقالت :
- " لا تلمس الباب ولا المزلاج الخشبي . "
- " لم لا ؟ "
- " تعالوا إلى المصباح ، سوف تتسلى . لا تذهبوا . "
- " إن علينا أن نذهب ، إلا إذا تسلينا كثيراً . "
وعاد هو و( نانسي ) نحو نار المصباح .
- " أريد أن أعود إلى البيت . سوف أبلغ عنكم . "
- " أعرف قصة أخرى . "
ووقفت بجوار المصباح ونظرت إلى ( كادي ) مثلما تكون عيناك تنظر إلى عود موضوع بتوازن على أنفك . كان عليها أن تنظر إلى الأسفل ، لترى ( كادي ) ولكن عيناها كانتا هكذا كأنما يوازنان عوداً .
- " لن أستمع إليها . .سوف أطرق على الباب . "
- " إنها قصة جيدة ، بل وأفضل من الأولى . "
- " عن ماذا تتحدث هذه القصة ؟ "
كانت ( نانسي ) تقف بجوار المصباح ، ويدها فوقه أمام الضوء طويلة وسمراء .
- " إن يدك على هذه الكرة الساخنة . ألا تشعرين بحرارتها على يد*ك . "
نظرت ( نانسي ) إلى يدها على لهب المصباح ، ورفعتها ببطء ، ووقفت هناك تنظر إلى ( كادي ) ، وهي تلوي يدها وكأنها كانت مربوطة بخيط إلى معصمها .
- " لنفعل شيئاً آخر . "
- " أريد أن أعود إلى البيت . "
قالت ( نانسي ) :
- " إن لدي بعض الفشار . "
ونظرت إلى ( كادي ) ، ثم إلى ( جيسون ) ثم إلي ومن ثم إلى ( كادي ) مرة أخرى .
- " إن لدي بعض الفشار . "
- " أنا لا أريد الفشار . أفضل الحلوى . "
نظرت ( نانسي ) إلى ( جيسون ) وكانت لا تزال تلوي يدها الطويلة السمراء . وقالت :
- " بإمكانك أن تمسك بوعاء تحميص الذرة . "
- " حسناً ، سوف أبقى إذا تمكنت من فعل ذلك . "
أشعلت ( نانسي ) النار وقال ( كادي ) : " انظروا إلى ( نانسي ) إنها تضع يدها في النار ، ما بالك يا ( نانسي ) " ؟
- " إن لدي فشار . "
وأخرجت وعاء التحميص من تحت السرير ، كان م**وراً فأخذ ( جيسون ) بالبكاء وقال لا يمكننا أن نحصل على فشار .
- " علينا أن نعود إلى البيت على أية حال . هيا يا كوينتين . "
- " مهلا . انتظرا سوف أصلحه ألا تريدان مساعدتي في إصلاحه . "
- " لا أظن أنني أريد شيئاً ، الوقت متأخر جداً الآن . "
- " هل تساعدني يا ( جيسون ) ؟ ألا تريد أن تساعدني ؟ "
- " كلا " قال ( جيسون ) : " أريد أن أعود إلى البيت . "
- " صه ، راقبني وانظر كيف يمكنني أن أصلحه ، بحيث يمسكه ( جيسون ) ويحمص الذرة "
ثم أحضرت قطعة سلك وأصلحت وعاء التحميص .
- " إنه لن يمسك جيداً . "
- " نعم سوف يمسك ، انظروا جميعاً ستساعدونني في تقشير الذرة . "
كانت الذرة موضوعة تحت السرير أيضاً ، قمنا بتقشيرها ووضعها في وعاء التحميص ، وساعدت ( نانسي ) ( جيسون ) في تثبيت الوعاء فوق النار .
- " إنها لا تفرقع ، أريد أن أعود إلى البيت . "
- " انتظر! سوف تبدأ بالفرقعة وعندها سوف تتسلى . "
كانت تجلس بقرب النار ، كان المصباح قد أدير عالياً لدرجة أنه بدأ يدخن .
- " لماذا لا تخفضين منه قليلاً ؟ " قلت لها :
- " إنه على ما يرام . سوف أنظفه ، انتظروني سوف يكون الفشار جاهزاً خلال دقائق . "
كانت الذرة موضوعة تحت السرير أيضاً ، قمنا بتقشيرها ووضعها في وعاء التحميص ، وساعدت ( نانسي ) ( جيسون ) في تثبيت الوعاء فوق النار .
- " إنها لا تفرقع ، أريد أن أعود إلى البيت . "
- " انتظر! سوف تبدأ بالفرقعة وعندها سوف تتسلى . "
كانت تجلس بقرب النار ، كان المصباح قد أدير عالياً لدرجة أنه بدأ يدخن .
- " لماذا لا تخفضين منه قليلاً ؟ " قلت لها :
- " إنه على ما يرام . سوف أنظفه ، انتظروني سوف يكون الفشار جاهزاً خلال دقائق . "
- " لا أصدق أنه سيبدأ بالفرقعة ، يجب أن نعود إلى البيت على أي حال ، فإنهم سيقلقون علينا . "
- " كلا ، سوف يفرقع ، ستقول ( ديلسي ) لأمكم أنكم معي ولأنني عملت لد*كم وقتاً طويلاً فهم لن يبالوا كثيراً إذا كنتم في منزلي . والآن انتظروا فإن الفرقعة ستبدأ خلال دقائق . "
دخل بعض الدخان في عيني ( جيسون ) ، وبدأ يبكي ثم أسقط الحماصة في النار . أحضرت ( نانسي ) رقعة مبلولة ، ومسحت وجه ( جيسون ) ولكنه لم يتوقف عن البكاء . لم يسكت . أخرج ( كادي ) وعاء التحميص من النار ، وقال :
- " لقد احترقت وعليك إحضار المزيد من الذرة يا ( نانسي ) . "
- " هل وضعتها كلها فيها ؟ "
- " نعم . "
* * * * *
نظرت ( نانسي ) إلى ( كادي ) ثم أخذت الحماصة من ( كادي ) وفتحتها وسكبت البوشار الأ**د في مريولها . ثم أخذت تفرز الحبوب بيديها الطويلتين السمراوين فيما نحن جميعاً نراقب .
- " أليس لد*ك المزيد ؟ "
- " نعم ، انظروا! هذه لم تحترق وجميع ما نحتاج فعله . . . "
- " أريد أن أذهب إلى البيت ، سوف أبلغ عنكم . "
أخذنا نصغي جميعاً ، كان رأس ( نانسي ) قد اتجه نحو الباب المغلق بالمزلاج ، وعيناها تلمعان في ضوء المصباح الأحمر . وقال ( كادي ) :
- " صه! هناك شخص قادم . "
عادت ( نانسي ) لإطلاق ذلك الصوت مرة أخرى بصوت غير مرتفع . كانت تجلس قرب النار ويداها الطويلتان تتدليان بين ركبتيها ، وفجأة بدأ الماء يقطر من وجهها في نقاط كبيرة ، ويسيل أسفل وجهها في كل نقطة ، منه تجري كرة ضوء نارية إلى أن يصل إلى ذقنها .
- " إنها لا تبكي . "
- " أنا لا أبكي . . من هناك ؟ "
- " لا أعلم . "
ذهب ( كادي ) إلى الباب وأخذ ينظر .
- " علينا أن نعود الآن إلى البيت ها هو أبي قادم . "
- " لقد أجبرتموني جميعاً على المجئ إلى هنا . "
* * * * *
كان الماء ما يزال يجري على وجه ( نانسي ) ، واستدارت في مقعدها ثم قالت :
- " اسمعوا أخبروه أنكم استمعتم هنا ، وأنني اعتنيت بكم جيداً حتى الصباح . أخبروه أن يسمح لي بالذهاب معكم إلى البيت والنوم على الأرضية . أخبروه أنني لا أحتاج إلى فراش . سوف نستمتع معاً ، فهل تذكرون كم استمتعنا في المرة الأخيرة ؟ "
- " أنا لم أستمتع أبداً ، إنك سببت لي الأذى وأدخلت الدخان في عيني . "
دخل أبي ونظر إلينا . . لم تنهض ( نانسي ) لكنها قالت :
- " أخبروه! "
- " لقد أحضرنا ( كادي ) إلى هنا ، لم أكن أريد ذلك . "
اقترب والدي من النار ، ونظرت ( نانسي ) إليه فقال لها :
- " ألا تستطيعين الذهاب إلى العمة راشيل والبقاء عندها ؟ "
نظرت ( نانسي ) إلى أبي ، كانت يداها بين ركبتيها . فقال أبي :
- " إنه ليس هنا وإلا كنت رأيته ، لم يكن هناك شخص واحد على الطريق . "
- " إنه في الأخدود ينتظر . "
- " كلام فارغ ، هل تعلمين أنه هناك ؟ "
- " لقد وصلتني إشارة . "
- " أية إشارة ؟ "
- " لقد وصلتني . كانت موضوعة على الطاولة عندما دخلت ، فقد كانت هناك عظمة خنزير ، وعليها بعض اللحم والدم بالقرب من المصباح . إنه في الخارج هناك ، وعندما تغادرون هذا الباب سأكون قد انتهيت . "
- " من الذي انتهى يا ( نانسي ) . "
- " أنا لست بواشٍ . "
- " هراء! "
- " إنه هناك في الخارج ينظر من النافذة في هذه اللحظة ينتظر خروجكم جميعاً وعندها سأكون في خبر كان . "
- " كلام فارغ " ! اقفلي باب بيتك وسنأخذك عند العمة راشيل . "
- " لن ينفعني هذا الأمر بشيء . "
- " إذن ماذا تريدين ؟ "
- " لا أعرف ، لا أستطيع أن أفعل شيئاً . فقط نسيان الأمر وهذا لن ينفعني بشيء ، أظن أن الأمر عائد إلي ، أظن أن ما سأناله هو عائد إلي . "
- " تنالين ماذا ؟ ما الذي لك ؟ "
- " لا شيء . .يجب أن تذهبوا جميعاً إلى النوم . "
- " لقد أجبرني ( كادي ) على الحضور إلى هنا! "
- " اذهبي إلى العمة راشيل . "
- " لن ينفعني بشيء ، حتى إن مطبخكم لن ينفعني بشيء وحتى عندما أنام على أرضية الغرفة مع أولادك وفي الصباح التالي ها أنا والدم . . . "
- " اقفلي الباب وأطفئي النور واخلدي للنوم . "
- " إني أخاف من الظلام ، أخاف أن يحدث الأمر في الظلام . "
- " هل تعنين أنك ستبقين جالسة هنا والأنوار مضاءة ؟ "
بدأت ( نانسي ) تطلق الصوت نفسه مرة أخرى وهي جالسة أمام النار ويداها مدفونتان بين ركبتيها .
- " آه يا الله! هيا يا أولاد حان وقت النوم . "
- " عندما تذهبون جميعاً ، أذهب وسأكون ميتة غداً . .لقد وفرت بعض المال لكفني . "
* * * * *
حمل أبي ( جيسون ) على ظهره ، وخرجنا من باب منزل ( نانسي ) ، وبقيت هي جالسة أمام النار . قال لها أبي :
- " تعالي وضعي المزلاج . "
لكنها لم تتحرك ولم تنظر نحونا مرة أخرى . تركناها مكانها بجوار النار وباب منزلها مفتوح حتى لا يحدث ما تخشاه في الظلام .
* * * * *