9

2757 Words
أخذ يتصبب عرقاً مجدداً . وكان منخرا ( سرتورس ) أبيضين تماماً . تذكرت كلام ( سرتورس ) عن أننا نسير في المياه . بيد أن مياهنا عي الثمالة : عزلة الكحول تلك التي تجعل الرجال يصرخون ويضحكون ويتعاركون ، ليس مع بعضهم بعضاً لكن من ذواتهم التي لا تحمل ، لأنهم حين يثملون يصبحون أكثر رضي بها ، وأقل رغبة في الفرار منها . * * * * * شيئاً فشيئاً راح صراخنا يتعالي ، ونحن في غفلة عن العاصفة الفرنسية الثائرة حولنا ( كانت الطاولات بدأت تفرغ من شاغليها ، وتحلٌق من تبقي من الزبائن حول نضد صاحبة المكان ، وهي امرأة عجوز تضع نظارات معدنية ، وتتكون أمامها لفة من الخيطان ) نتبادل الصراخ بألسن أجنبية انطلاقاً عن عزلاتنا التي لا مفر منها ، هاذرين ، من دون أن يسمع واحدنا الآخر؛ بينما انغمس الحَاكِم الألماني بأصوات خفيضة وأكثر أجنبية من أصواتنا ، في نقاش حول الموسيقي والفن والانتصار الذي يولد من الهزيمة . وفي الخارج ، في عتمة نوفمبر الباردة ، كان وقف إطلاق النار ، ذلك الكابوس الذي لا يصدٌق ، الفتنة الحية للشهوات الفائضة ، والجشع المكفن بالرايات والبزات العسكرية . قال ( مونهان ) : " بحق الرب ، أنا كادح أيرلندي ، هذه حقيقتي " . قال ( سرتورس ) : " وما لا مشكلة في ذلك ؟ " . ابيض منخراه كالجير على وجهه الداكن . كان أخوه التوأم قد قتل في يوليو . كان يحلٌق مع " سرية كامل " تحت مستوي طائرتنا ، وشهد ( سرتورس ) إسقاط طائرته . طوال أسبوع بعد ذلك ، صار ( سرتورس ) يعود من الدورية ويملأ خزانات طائرته بالوقود ويعاود التحليق ، وحيداً . ذات يوم رآه أحدهم ، جاثماً على علو نحو خمسة آلاف قدم فوق طائرة " آكاي دبليو " قديمة . أحسب أن الطيار الذي كان برفقة أخيه ذلك الصباح رأي رموز طائرة قد سرب الاستطلاع الألماني؛ على أيٌ حال هذا ما كان ( سرتورس ) يفعله ، مستعملاً طائرة ال " آكاي دبليو " كفخ ، ومحلٌقاً فوقها بطائرته . لا أحد يعرف من أين حصل على تلك الطائرة ومن أقنعة بالتحليق بها ، ولكنه تمكن من قتل ثلاثة من الهن ذلك الأسبوع حين انقضوا على طائرة الآ كاي وفي اليوم الثامن توقف عن التحليق ، فقال هيوم : - " لابد من أنه قتله " . لكننا لم نعرف . لم يخبرنا أبدا! . لكن بعد ذلك ، عاد إلى طبيعته مجدداً . لم يعد يتكلم كثيراً؛ فقط يقوم بطلعاته الجوية وربما مرة في الأسبوع يجلس ويشرب بهدوء حتى يبيض منخراه . ملأ ( بلاند ) كأسه ببطء شديد ، نقطة نقطة تقريباً ، ب**ل قط سمين . * * * * * فهمت عندها لماذا يكرهه الرجال وتحبه النساء . وأخذ ( كومن ) ، شابكاً يديه على الطاولة ، وطرفا كميه غارقان في بركة من الشراب المراق ، يحملق بالألماني بعينين محمرتين جاحظتين بعض الشئ . تحت قبعته السخيفة راح الجندي العسكري يدخن سجائره القليلة ، شاحب الوجه تماماً ، تتدلي من جيب ص*رته سلسلة صفارته ، وقد برز مسدسه عند وركه . ورائهم احتشد الفرنسيون من جنود وندٌل وزبائن حول نضد صاحبة الحانة ، وسمعتهم يتهامسون عن بعد ، مثل الصرصار في عشب سبتمبر ، بينما ظلال أيديهم ترتفع على الجدار ثم تختفي . قال ( مونهان ) ملوحا كفيه : - " لست جندياً ، لست أرستقراطياً . لست شيئاً " . أسفل كل إشارة على كتفيه كان ثمة قطع صغير ، يوازيهما قطع أكبر فوق جيب سترته الأيسر حيث شارة كتيبته . - " لا أعرف ما أنا . إنني في هذه الحرب اللعينة منذ ثلاث سنوات وكل ما أعرفه أنني ميتاً ، و . . . . . . . . . " . سأل ( بلاند ) : - " وكيف تعرف أنك لست ميتاً ؟ " . نظر ( مونهان ) إلى ( بلاند ) ، فاغراً فمه كالأبله . قال ( كومن ) بحنق : - " سأقتلك لقاء شلن . لا يعجبني وجهك اللعين أيها الملازم اللعين " . وقال ( مونهان ) بفخر : - " أنا كادح أيرلندي ، هذه حقيقتي . كان أبي كادحاً أيرلندياً . ولا أعرف ماذا كان جدي . لا أعرف إذا كان لي جد . أبي لا يذكر أباه . على الأرجح نتج من مضاجعات جدني الكثيرة ، لذا لم يضطر أبي إلى أن يكون نبيلاً . لم يكن عليه ذلك البتة . لهذا استطاع أن يجني مليون دولار من حفر البلاليع ، بحيث يستطيع رفع رأسه إلى النوافذ الطويلة المتلألئة ويقول . . . لقد سمعته وكن يدخن الغليون وكانت رائحته تكفي لكي تتقيأ أيها الحقراء التافهون . . . " . قال ( بلاند ) بتحد : - " أتتبجح الآن بمال أبيك أم ببلاليعه ؟ " . " . . . وينظر إليهم ويقول لي : حين تكون مع أصدقائك الراقين ، الذين التقيت آبائهم وأمهاتهم وأخواتهم في يال ، ذكٌرهم أن كل رجل هو عبد فضلاته ، لذا فإن أباك الذي يرسلونه إلى مطابخهم الخلفية ليصلح مواسيرهم ، وهو ملكهم جميعاً . . . ماذا قلت ؟ " توقف فجأة ثم قال وهو ينظر إلى ( بلاند ) . قال الشرطي العسكري : - " اسمع يا بني ، هذا كاف . على أن أسلم هذا السجين " . قال ( مونهان ) من دون أن ينزع ناظريه عن ( بلاند ) : - " ماذا قلت ؟ " . - " سألتك إذا كنت تتبجح بمال أبيك أم ببلاليعه ؟ " . قال ( مونهان ) : - " لا ، لماذا أتبجح بذلك ، أكثر مما قد أفعل حول الثلاثة عشر ألمانياً الذين أرديتهم ، أو حول الشارتين اللتين تلقيتهما من ملكة اللعين " . وأشار إلى ( كومن ) فقال : - " لا تناده هكذا . " وابتل كما سترته بالخمر المراقة على الطاولة . قال ( مونهان ) ، واضعاً وضع يده على شريطي كتفيه المفكوكين ، وعلي المزقين أعلي جيب سترته : - " اسمع ، هذا رأيي في الأمر ، في كل ما تتبجح به حول المجد والنبلاء . لقد كنت شاباً؛ وظننت أنه يفترض أن أنخرط في الحرب . ثم انخرطت فيها ، ولم يكن من وقت للتوقف حتى حين اكتشفت أنها غير مهمة . لكنها انتهت الآن . انتهت الآن . الآن أستطيع أن أكون من أريد ، كادحاً أيرلندياً ، ابن مهاجر لم يجد شيئاً سوى حفر البلاليع حتى انقضى شبابه قبل أن يبدأ . لقد جاء من مستنقعات البراز ، وابنه ذهب إلى مدارسهم الفاخرة ، وعاد ليتبجح بذلك أمام كل الذين يمتلكون مستنقعات البراز ، وقال الملك فيه كلاماً حسنا " . قال ( كومن ) : - " سأعطيك شلناً وأبرحك ضرباً " . رد ( بلاند ) : - " لكن لماذا تريد أن تعيده معك ؟ " واكتفي ( مونهان ) بالتحديق به بصمت . كان ثمة في ملامحه ما يشبه شهداء المسيحية أيضاً : ثائر ، عاجز عن التعبير ليس بفعل الذهول ، كأنما ، وأكثر من أي واحد آخر منا ، قد تكثف في داخله قرع الطبول المعطلة ، طبول الجشع والشهوة التي استيقظت مذعورة على عجزها ويأسها المتراكم . جلس ( بلاند ) ماداً رجليه ، واضعاً يديه في جيبي سرواله ، وقد علا وجهه الوسيم صفاء لا يطاق . وقال : - " علي أي آلة سيعزف في أمريكا ؟ ربما على رفش وضعت له أوتار صنعت من أحشاء قطط الأزقة ؟ سيعزف ربما موسيقي مياه مراحيض مانهاتن لأبيك بعد العشاء " . اكتفي ( مونهان ) بالنظر إلى ( بلاند ) من دون أن تفارق وجهه تلك الشراسة وذلك السهو . التفت ( بلاند ) بوجهه ال**ول صوب الألماني . قال الشرطي العسكري : - " يا جماعة " . وقال ( بلاند ) : - " أأنت متزوج يا حضرة الملازم ؟ " . رفع الألماني رأسه . وجال بناظريه سريعاً على الوجوه ، ثم قال : " أجل شكراً على الاهتمام " . كان يحمل الكأس دون أن يشرب منها . لكنه لم يكن أكثر صحواً من ذي قبل . أصبحت الخمرة جرح رأسه النابض بها . قال : - " أسرتي متحدّرة من بارونات بروسيا الصغار . لدي أربعة أشقاء؛ الثاني في الجيش ، الثالث لا يفعل شيئاً في برلين ، الصغير طالب في الكلية العسكرية؛ وأنا ، الأكبر ، في الجامعة . هناك تعلٌمت . كان ثمة متسع من الوقت وقتذاك . ربما تم اختيارنا وجمعنا ، نحن الشباب ، من الأرض المنعزلة ، لأننا نستحق أن نشهد الولادة السريعة لعصر جديد . كأنما القمامة القديمة ، قمامة الإنسان القديمة ، ستُكنس لكي يولد عرق جديد يتمتع بالبساطة البطولية التي عرفتها الأزمنة القديمة ، ويسير الأرض الجديدة . تذكرون ذلك الزمن ، أليس كذلك ؟ حين التمعت العيون وفارت الدماء في الشرايين ؟ " . ثم أنه راح يحملق بنا وقال : - " لا أظن أن الحال لم يكن كذلك في أمريكا . أمريكا الجديدة ، وقمامة المنزل الجديد لن تكون كثيرة كقمامة المنزل القديم " . أطرق لبرهة ناظراً إلى كأسه وقد طفح وجهه رقة . ثم قال : - " عدت إلى البيت وقلت لأبي لقد تعلمت في الجامعة أن هذا ليس بجيد؛ لن أصبح باروناً . فلم يصدق ما يسمعه . وراح يحدثني عن ألمانيا ، أرض الأجداد؛ فقلت له لكنها هناك؛ أنت تسميها أرض الأجداد ، وأنا أسميها أرض الإخوة ، ذلك أن كلمة أجداد هي تلك البربرية التي ستُكنس أولاً ، إنها رمز تلك الهرمية التي وصمت تاريخ الإنسان بالظلم والعسف ، بدلاً من الأخلاق ، بالقوة بدلاً من الحب " . " استدعوا من برلين أخي الثاني؛ وعاد أخي الثالث من الجيش . ظللت أقول لن أصير باروناً ، لأن هذا غير جيد . ووقفت مع أبي في القاعة الصغيرة حيث أسلافي معلقون على الجدران؛ وقفت أمامهم كأنهم أعضاء محكمة عسكرية؛ وقلت أن فرانس يجب أن يكون باروناً بدلاً مني ، لأني لا أستطيع كذلك . وقال أبي بلي تستطيع ، وستصبح باروناً من أجل ألمانيا . ثم قلت ، إذن أينبغي أن تكون زوجتي بارونة كرمي لألمانيا ؟ وكأنني أمام محكمة عسكرية ، اعترفت لهم أنني تزوجت ابنة موسيقي ، ابنة فلاح " . " هذا ما يجب أن يحدث إذن . ذلك الذي ذهب إلى برلين سيصير باروناً . هو وفرانس توأمان ، لكن فرانس صبح ضابطاً ، والأكثر تواضعاً في جيشنا يستطيع تناول وجبة طعام من قيصرنا؛ لا يحتاج إلى أن يكون باروناً . أما أنا فعشت في بايروث مع زوجتي وموسيقاي . بالنسبة إليهم صرت أشبه الميت ، فلم تصلني منهم أي رسالة سوي تلك التي أخبروني فيها بوفاة أبي ، قائلين إنني قتلته ، وإن أخي عاد من برلين ليصبح باروناً . لكنه لم يبق في البيت . في 1912 قرأت خبر مقتله في صحيفة في برلين ، على يد زوج سيدة ما ، وهكذا صار فرانس البارون في نهاية المطاف " . " ثم اندلعت الحرب . لكنني في بايروث مع زوجتي وموسيقاي ، لأننا ظننا أنها لن تطول ، بما أنها لم تطل قبلاً . أرض الأجداد الفخورة بحاجة إلينا لا تعرف ذلك . وحين تدرك أنها بحاجة إلينا يكون قد فات الأوان ، وأي فلاح قوي يجب أن ينخرط في الجيش . وهكذا . . . . " . سأله ( بلاند ) : - " لماذا شاركت في الحرب إذن ؟ أأجبرتك امرأتك ؟ أرشقتك بالبيض ربما ؟ " . نظر الألماني إلى ( بلاند ) ، وقال : - " أنا ألماني؛ وهذا يتجاوز الأنا . لم أُخلق لأكون باروناً ولا قيصراً " . ثم غامت عيناه ، وقال : - " كانت ألمانيا قبل البارونات " - " وستبقي بعدهم " . " حتي بعد هذه الحرب ؟ " . - " بل أكثر . في السابق كان هناك الكبرياء . . مجرد كلمة في الفم . أما الآن ، فماذا يمكن أن نسميه ؟ " . قال الحَاكِم : " أمة تن** راياتها ، إنسان يهزم نفسه " . قال الألماني : " أو امرأة تحمل طفلاً " . قال الحَاكِم : " من الشهوة يأتي المخاض ، ومن المخاض يولد البرهان ، الألوهية العظيمة؛ الحقة " . أخذ الشرطي العسكري يلف سيجارة أخرى ، شاخصاً نحو الحَاكِم ، وقد ارتسم على وجهه تعبير ثائر وحانق وفاتر في آن . لحس السيجارة ثم بادرني : " حين جئت إلى هذا البلد اللعين كنت أحسب الز**ج ز**جاً . لكن فلأكن ملعوناً الآن لو كنت أعرف ما هم . ما هو ؟ حاو ؟ " . قلت : - " أجل ، إنه حاو " . - " يُستحسن إذن أن يُخرج أفعاه ويذهب من هنا . على أن أسلم هذا السجين . انظروا إلى أولئك الضفادع هناك " . حين نظرت إلى الفرنسيين الثلاثة كانوا يهمون بالمغادرة ، والإحساس بالإهانة والغضب يتفصد من ظهورهم . قال الألماني : - " عرفت من المصحف أن فرانس أصبح عقيداً ثم لواء ، وأنٌ الطالب في الكلية الحربية ، الذي كان دائماً جزءاً من عصابة ما ، أصبح طياراً حربياً- آيس – وحصل على ميدالية " الصليب الحديدي " من القيصر شخصياً . ثم جاء العام 1916 ، رأيت أن الطالب قُتل على يد طياركم بيشوب . . . " - أحني رأسه قليلاً ل( كومن ) - " ذلك الرجل البارع . فصرت طالباً في الكلية الحربية . كأنني كنت أعرف مال الأمر . فصرت طياراً ، رغم معرفتي بأن فرانس أصبح جنرالاً ، ورغم أنني كل ليلة أقول لنفسي : لقد عدت ثانية ، أعرف أن هذا ليس بالجيد " . " هذا إلى أن فر قيصرنا . ثم علمت أنٌ فرانس بات في برلين . أعتقد أن هناك حقيقة لم نخسرها جميعاً في الكبرياء ، لأننا نعرف أنها لن تطول أكثر ، وفرانس بأمان في برلين ، بعيداً عن القتال " . " ثم هذا الصباح وصلني رسالة من أمي التي لم أراها من سبع سنوات وتخاطبني فيها كبارون ، وتخبرني أن فرانس أُردي بالرصاص وعلي صهوة جواده ، على يد جندي ألماني في برلين . كأن كل شئ قد نُسي ، لأن النساء سريعات النسيان ، ما دام كل شئ بالنسبة إليهن غير حقيقي – الحقيقة ، العدالة ، كل شئ – كلٌ ما لم يكن حمله باليد ولا يموت . فأحرقت جميع أوراقي ، وصورت زوجتي وابني الذي لم أره بعد ، وبطاقة هويتي ، وأزلت كل الشارات عن سترتي . . . " ، وأشار إلى ياقته . قال ( بلاند ) : - " أتعني أنك لم تكن تنوي العودة ؟ لماذا لم تطلق الرصاص على نفسك وتوفر على حكومتك طائرة ؟ " . قال الألماني : - " الانتحار يطاول الجسد فحسب ، والجسد لا يحل شيئاً . ليس بالمهم . كل ما يمكن فعله به هو تنظيفه كلما أمكن ذلك " . قال الحَاكِم : - " إنه مجرد غرفة في النزل ، إنه المكان الذي نختبئ فيه فترة وجيزة " . قال ( بلاند ) : - " إن المرحاض ، التواليت . . " . وقف الشرطي العسكري . ولكز الألماني على كتفه . راح ( كومن ) يحدق بالألماني . وقال : - " إذن تعترف أنكم هُزمتم " . - " أجل ، كان دورنا أولاً لأننا كنا الأشد مرضاً . وسيأتي دور بلدكم إنجلترا ثانيا . ثم سيتعافى هو الآخر " . فقال ( كومن ) : - " لا تقل بلدكم ، أنا من الأمة الأيرلندية " . والتفت إلى ( مونهان ) ، " قلت ملكي اللعين . لم يكن لأيرلندا ملك منذ سلالة الإرنيل ، ليبارك الرب ذ*ل جواده الأحمر " . أومأ الألماني إيماءة باهتة . وقال : - " أترى ؟ ، من دون أن يوجه كلامه لشخص محدد . " فقال الحَاكِم : - " المنتصر يخسر ما يربحه المهزوم " . وقال ( بلاند ) : - " وماذا ستفعل الآن ؟ " . لم يجب الألماني . جلس منتصباً بوجهه العليل وضمادة رأسه النظيفة . وجه الحَاكِم كلامه إلى ( بلاند ) : - " ما الذي ستفعله أنت ؟ ما الذي سنفعله جميعاً ؟ جميع أبناء هذا الجيل الذين خاضوا هذه الحرب ماتوا الليلة . لكننا لا نعرف ذلك بعد " . نظرنا إلى الحَاكِم ، ( كومن ) بعينيه الحمراوين الشبيهتين بعيني خنزير . ( سرتورس ) بمنخريه الأبيضين . ( بلاند ) المتكاسل على كرسيه ، بشعره الشبيه بشعر النساء المدللات ، وبسمته التي لا تطاق ، وقف الشرطي العسكري فوق رأس الألماني . قال ( بلاند ) : " يبدو أن الأمر يقلقك كثيراً " . قال الحَاكِم : " ألا تصدق ؟ انتظر وسترى " . قال ( بلاند ) : " أنتظر ؟ لا أعتقد أنني فعلت شيئاً خلال السنوات الثلاث الفائتة لكي أكتسب عادة الانتظار . ولا خلال الستة والعشرين عاماً الماضية . قبل ذلك لا أذكر . ربما أكون فعلت شيئاً " . قال الحَاكِم : - " سترى إذن دونما حاجة إلى الانتظار " . ونظر إلينا ، بهدوء تام : - " أولئك الذين يتعفنون في الخارج هناك . . . " ، وأشار بيده الغليظة القصيرة ، " ليسو أكثر موتاً منا " . مجدداً لمس الشرطي العسكري كتف الألماني : - " ا****ة ، هيا بنا يا صاح " .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD