ونظروا جميعاً إلى الفتى الإنجليزي الواقف عند البار ، يمزح بصوت مرتفع وبطريقة صاخبة سخيفة مزعجة .
- " بدوا جميعاً مثله أيضاً في السابعة عشرة . إنّهم يعملون على متن تلك الزوارق التي تعج بها الميناء " .
* * * * *
قال الثالث :
- " أهذا ما يفعلونه حقا ؟ أتعني أنّ هناك فرقة احتياط عسكريّة للأغ*ياء ؟ يا إلهي ، لقد ارتكبت حماقة حين التحقت بالجيش . لكن لم يتمّ الترويج لهذه الحرب بالشكل المناسب " .
قال بوجارد :
- " لا أعرف ، أحسب أنّهم يفعلون أكثر من مجرّد التسكّع على متن تلك الزوارق " .
لكنّهم ما كانوا يستمعون إليه ، بقدر انشغالهم بالضيف . قال الأوّل :
- " إنهم يعملون بالساعة ، حين ترى حال الواحد منهم بعد الغروب يمكنك أن تعرف الساعة بمنتهى الدقة . لكن ما لا أفهمه هو كيف أنّ رجلاً تكون هذه حاله عند الواحدة بعد منتصف ليل كلّ يوم ، يمكنه حتى أن يشهد قتالاً بحريًا في اليوم التالي " .
وقال آخر :
- " ربّما حين تكون هناك رسالة يريدون إيصالها إلى سفينة ما ، يعدّون نسخًا مماثلة يوزّعونها على عدد من الزوارق ويرسلونها نحو السفينة ، وتلك التي تخطئ في الوصول إلى السفينة تطوف في الميناء حتى تجد مرساها في مكان ما " .
قال بوجارد :
- " لابدّ من أنّهم يفعلون ما هو أهم من ذلك وأخطر! " .
ثم أنه هَمّ بقول شيء آخر ، لكن ، في تلك اللّحظة ، جاء الضيف من المشرب باتّجاههم ، حاملاً كأساً . مشى بثبات كافٍ ، لكنّه كان متورّد الخدّين ، متلألئ العينين ، و بادرهم بالصوت المرتفع المرح نفسه :
- " أقول ، لم لا تنضمون أيّها الرفاق . . . "
ثم أنه توقّف . لقد بدا عليه أنّه لاحظ شيئاً ما ، نظر إلى صدورهم وتأوه :
- " آها ، فهمت . أنتم طيارون . جميعكم . يا إلهي الرحيم . تجدون ذلك رائعاً ، أليس كذلك ؟ " .
أجاب أحدهم :
- " أجل ، إنه رائع " .
- " لكنه خطر ، أليس كذلك ؟ " .
فقال آخر :
- " أسرع بقليل من كرة المضرب . "
فحانت من الضيوف نحوه نظرة اهتمام بشوشة .
وقال آخر بسرعة :
- " يقول بوجارد إنك قائد سفينة حربية " .
- " بالكاد سفينة . لكن شكراً على أي حال . ولست قائداً . روني يتولى القيادة . إنه يعاني قليلاً في الرتبة . فارق السن " .
- " روني ؟ " .
- " أجل . رجل لطيف حلو المعشر . لكنه كبير السن . ومحتال كبير " .
- " محتال ؟ " .
- " مخيف . لن تصدقوا ذلك . كلما لمحنا دخاناً وكنت أحمل المنظار ، يحيد بالزورق ويبقيه كذلك لفترة بحيث لا أرى السفينة . أمس سبقني بهدفين " .
حدق الأمريكيون بعضهم ببعض :
" نحن نلعب هذه اللعبة . مع صواري السفن المثلثة ، أترون . حين ترى الصاري تحرز هدفاً! لكننا ما عدنا نحتسب الإرجنستراس " .
تبادل الرجال النظرات . تكلم بوجارد : " فهمت . حين يرى أحدكم صاري سفينة يحقق هدفاً على الآخر . فهمت . ما هي الإرجنستراس ؟ " .
- " إنها سفينة بخارية ألمانية . الصاري الأمامي فيها مزود بالأشرعة ، فتبدو شبيهة بالسفن العادية . شخصياً لا أجدها تشبه السفن الشراعية لكن روني يعتقد ذلك . احتسبها مرة . ثم ذات يوم نقلوها من مكانها . فرأيتها واحتسبتها هدفاً . فقررنا بعد ذلك ألا نحتسبها . أفهمت الآن ؟ " .
قال الذي أبدى سابقاً التعليق حول كرة المضرب :
- " فهمت . أنت وروني تذهبان بالزورق ، وتلعبان الورق . إمممم . هذا جميل . هل تلعبان الــــــــــ . . . . " .
هتف بوجارد : " جيري! "
فراح الضيف ينظر إلى جيري وهو ما زال يبتسم بعينين واسعتين . وقال جيري بالنبرة عينها التي تخفي مسحة من السخرية :
- " هل مؤخر مركبك ، أنت روني ، مطلي باللون الأصفر ؟ " .
غمغم الفتى الإنجليزي ، وقد كف عن الابتسام و إن احتفظ ببشاشة وجهه :
- " مؤخر أصفر ؟ "
- " كنت أحسب أنه حين يكون هناك ضابطان على مركب ما يقومون بطلاء مؤخره بالأصفر أو نحوه " .
قال الضيف :
- " بيرت وريفز ليسا ضابطين " .
هتف الآخر :
- " إذن هما يذهبان أيضاً . أيلعبان البيفر كذلك ؟ " .
- " جيري! " ، قالها بوجارد . فنظر الآخر إليه .
هز بوجارد رأسه قليلاً :
- " تعال إلى هنا " .
نهض الآخر . وانتحيا جانباً .
- " دعه وشأنه ، ليس إلا ولداً . حين كنت في مثل سنّه هل كنت تفقه ما تقول ؟ لم تكن تملك من العقل ما يكفي للوصول إلى الكنيسة في الوقت المناسب " .
قال جيري :
- " لكن بلدي لم يكن منخرطاً في هذه الحرب منذ أربع سنوات ، وها نحن ن*در أموالنا نتعرض للقتل طيلة الوقت ، وليست حربنا حتى ، وأولئك البحارة البريطانيون الذين يتعاملون مع الحرب . . . " .
- " صه ، إنك تتكلم مثل ليبرتي لون " .
- " يتعاملون مع الحرب كأنها مهرجان أو ما شابه . . . " .
ثم رخّم صوته محاكياً صوت الفتى الإنجليزي :
- " رائع! لكن خطرة . أليس صحيحاً ؟ " .
قال بوجارد :
- " صه . "
- " أحب أن أراه هو وروني هذا في الميناء ولو مرة واحدة . في أي ميناء بلندن . لا أحتاج إلى أكثر من طائرة . لا بل سأكتفي بدراجة هوائية وطوافتين! سأريه عندئذ بعض الحرب " .
- " حسناً ، الآن دعه وشأنه . سيرحل قريباً " .
- " ما الذي ستفعله معه ؟ " .
- " سآخذه معي هذا الصباح . ليأخذ مكان هاربر في المقدمة . يزعم أن بمقدوره التعامل مع رشاش لويس . يبدو إن لديه واحداً مثله على القارب! أخبرني أنه أطلق الرصاص مرة على مناورة عن بعد سبعمائة ياردة " .
- " حسناً ، خذ راحتك . ربما يستطيع أن يهزمك " .
- " يهزمني ؟ " .
- " بلعبة البيفر أعني . ثم تستطيع بعدها أن تلاعب روني " .
قال بوجارد :
- " سأريه بعض القتال إذا أراده على أي حال " ونظر إلى الضيف وأردف : " جماعته منخرطون في الحرب منذ ثلاث سنوات ، ويبدو أنه يتعامل معها مثل تلميذ جاء للمشاركة في يوم المبارة الحافل! " . ونظر ثانية إلى جيري واستطرد : " أما الآن ، فاتركه لحاله " . وحين دنونا من الطاولة ، كان صوت الضيف مرتفعاً وبهيجاً : " . . . إذا كان المنظار معه أولاً يقترب من المقاتلة وينظر ، أما إذا رأيتها أولاً ، فيبتعد بالقارب بحيث لا أرى شيئاً سوى الدخان . يا له من محتال, لكن الإرجنستراس ما عادت تحتسب . وإذا أخطأت واحتسبها ، تخسر هدفين من رصيدك يا ناصح . وإذا أخطأ روني واحتسبها هذه المرة نصبح متعادلين! ههههه " .
كان الفتى الإنجليزي ما زال يهلوس بصوته الشجي السعيد عند الساعة الثانية . كان يخبرهم عن رحلته إلى سويسرا التي ألغيت عام 1914 ، وأنه بدلاً من الإجازة التي وعده بها والده لعيد ميلاده السادس عشر ، كان عليه هو ومدرسه الخصوصي أن يقبلا بوايلز . ولكنهما ذهبا إلى منطقة مرتفعة جداً هناك ، لكنه يفضل سويسرا بغض النظر عن بقية الآراء . من ويلز تتاح للمرء الرؤية الشاملة بقدر ما يمكنه أن يرى من سويسرا .
- " تتعب بالقدر نفسه وتجاهد النفس فتتنفس بالصعوبة نفسها على أي حال " .
تجمهر الأمريكيون حوله ، متجهمين نوعا ، مصغين إليه بنوع من الاهتمام المصطنع . ثم صاروا يخرجون تباعاً ويعودون مرتدين بزّات الطيران ، حاملين الخوذات والنظارات . دخل ضابط خدمة يومية حاملاً صينية عليها أكواب من القهوة ، ولاحظ الضيف أنّه كان منذ بعض الوقت يسمع هدير محركات الطائرات في الغبشة بالخارج . وفي الختام نهض بوجارد وقال له :
- " تعال معي ، سنحضر لك ملابسك " .
كانت أصوات المحركات فظيعة ومرعبة حين خرجا من المقصف ، وبالتوازي مع مدرج الطيران الخفي ، كانت ثمة خطوط لنقاط غامضة من الأضواء الزرقاء والخضراء تلتمع في الجو . اجتازوا أرض المدرج إلى مقر بوجارد ، حيث الملازم أول ، ماك جينيز ، يجلس على الفراش منهمكاً في عقد رباط حذاءه . تناول بوجارد بذلة ورماها على السرير ، قائلاً :
- " ارتد هذه " .
فسأل الضيف :
- " هل سأحتاج إلى هذا كله ؟ هل سنغيب دهراً ؟ " .
- " على الأرجح ، من الأفضل أن ترتديها ، فالطقس في الأعلى فوق ما يطاق " .
أخذ الضيف البذلة :
- " علينا الخروج يوم غد . . . . أعني اليوم . أتظن أن روني لن يمانع لو تأخرت بعض الشيء ؟ ربما لا ينتظرني " .
قال ماك جينيز :
- " سنعود قبل وقت الشاي " . بدا شديد الانشغال بانتعال حذاءه . " أعدك " . نظر الفتى الإنجليزي إليه . وسأله بوجارد :
- " متى يفترض أن تعود ؟ "
رد عليه :
- " أوه حسناً ، أجرؤ على القول إنه سيمضي الأمر على ما يرام . سوف يسمحون لروني أن يحدد موعد الذهاب على أي حال ، وسينتظرني في حال تأخرت قليلاً " .
- " سينتظرك . والآن ارتد البذلة " .
ساعده ماك جينيز على ارتداءها . وقال بجنل :
- " لو استطعت الصعود إلى فوق ، أراهن أنه يمكن الرؤية أبعد مما يرى المرء من الجبال ، أليس كذلك ؟ " .
قال ماك جينيز :
- " سترى أكثر على أي حال ، ستحب الأمر " .
هتف في جذل :
- " أوه ، أرجو أن ينتظرني فحسب . لكنها خطرة أليس كذلك ؟ " .
قال ماك جينيز بنبرة سخرية :
- " دعك من هذا الكلام ، أنت تمازحني " .
- " كفى يا ماك ، هيا بنا . "
ثم موجها خطابه إلى الضيف :
- " أتريد المزيد من القهوة ؟ "
لكن ماك جينيز أجاب :
- " لا . لدي ما هو أفضل من القهوة . القهوة تحدث بقعاً لا تزول عن الأجنحة " .
- " عن الأجنحة ؟ ولماذا القهوة على الأجنحة ؟ " .
* * * * *
قال بوجارد :
- " كف عن هذا أقول لك يا ماك ، هيا بنا " .
عاودوا عبور المدرج ، واقتربوا من صفوف الضوء المتذبذب . حين اقتربوا بدأ الضيف يميز الشكل ، الخطوط الخارجية لطائرة من طراز هاندلي بايج . بدت أشبه بحافلة تميل إلى أعلى نحو هيكل الطابق الأول من ناطحة سحاب غير مكتملة البناء . نظر الضيف إليها بصمت . ثم قال بصوته الحماسي المرح :
- " بل هي أكبر من السفينة ، أراهن أنها تطير على دفعات . لقد رأيت مثلها من قبل . وكانت تأتي بقطعتين : الكابتن بوجارد وأنا في واحدة . ماك وشاب آخر في القطعة الأخرى . هه ؟ " .
كان بوجارد قد اختفى بالكامل ، فقال ماك جينيز :
- " لا ، ترتفع كلها دفعة واحدة . لعبة كبيرة أليس كذلك ؟ أشبه بصقر . "
تمتم الضيف :
- " صقر ؟ نعم ، أقول إنها سفينة قادرة على الطيران . "
قال ماك جينيز ، واضعاً قنينة باردة في يد الفتى :
- " اسمع حين تشعر بالدوار اشرب من هذه . "
- " وهل سأشعر بالدوار ؟ " .
- " طبعا . جميعنا نشعر بالدوار . هذا جزء من الملاحة . هذا سيوقف الدوار . لكن إذا لم تفعل . . . أفهمت ؟ " .
- " ماذا ؟ " .
- " إذا تقيأت فلا تفعل ذلك جانبياً " .
- " ليس جانبياً ؟ " .
- " سيعود القيء على وجه بوغي ووجهي . أفهمت ؟ " .
- " آه فهمت . ولكن ماذا أفعل بالقيء ؟ " .
كانا يتكلمان همساً كشخصين في مؤامرة .
- " فقط احن رأسك ودعه يخرج " .
- " فهمت " .
عاد بوجارد ، وقال :
- " هلا أريته كيف يجلس في الحجرة الأمامية ؟ " .
وصعد ماك جينيز قبله إلى الطائرة ، حيث يضيق الممر صعوداً إلى المقصورة فيضطر المرء إلى أن يزحف .
قال ماك جينيز :
- " خذ الطريق زحفا . "
وقال الضيف :
- " يبدو المكان أشبه بوجار كلب " .
وافقه ماك جينيز ساخرا :
- " أليس كذلك ؟ سآتي معك " .
منحنياً سمع الضيف وهو يزحف قدماً ، وقال له :
- " ستجد رشاش لويس هناك " .
عاد إليه صوت الضيف :
- " وجدته " .
- " سيأتي ضابط التسليح بعد قليل ويريك ما إذا كان محشوا " .
قال الضيف ، " سيأتي محشو "
ولم يكد ينهي كلامه حتى انطلق الرصاص من المدفع الرشاش دفعة واحدة صاعقة تبعها صراخ صاعد من الأسفل ، من مقدمة الطائرة . وقال الفتى :
- " لا بأس ، لقد وجهته ناحية الغرب قبل أن أطلق الرصاص . لا شيء هناك سوى مركز البحرية ومقركم أنتم . أنا وروني دائماً نفعل ذلك قبل أن نذهب إلى أي مكان . آسف إذا قمت بذلك في وقت مبكر جداً . اسمي كلود بالمناسبة . لا أظن أنني ذكرته من قبل " .
على الأرض وقف بوجارد وضابطان آخران . كانا قد جاءا راكضين ، وقال أحدهما :
- " لقد أطلق الرصاص ناحية الغرب ، كيف بالله عليك يعرف اتجاه الغرب ؟ " .
قال الآخر : " أنسيت أنه بحار ؟ " .
قال بوجارد : " يبدو أنه ضابط مدفعية أيضاً " .
- " لنأمل ألا ينسى هو ذلك! " .
أبقى بوجارد عينيه على ظل الرأس الذي يبرز من خزانة المدفع على بعد عشرة أقدام منه . وقال لماك جينيز الجالس بجواره :
- " بيد أنه عرف كيف يشغله ، حتى أنه ركّب أسطوانة الذخيرة بنفسه ، أليس كذلك ؟ " .
أجاب ماك جينيز :
- " أجل ، فقط لو أنه لا ينسى ، فيحسب نفسه المدفع ومدرسه الخاص يصوبه من جبال الألب في ويلز " .
قال بوجارد في صوت خفيض :
- " ربما ما كان يجدر بي إحضاره معنا " .
لم يجب ماك جينيز . ودفع بوجارد المقود قليلاً . أمامهم ، في خزانة الرشاش ، كان الضيف يحرك رأسه بلا توقف ، ناظراً حوله .
قال بوجارد :
- " سنصل إلى هناك ، نفرغ حولتنا ونعود ، ربما في غبشة الغروب . . . فكر في الأمر ، من المشين لبلاده أن يكون منخرطاً في هذه الفوضى منذ أربع سنوات وألا يرى حتى سلاحاً مصوباً نحوه " .
قال ماك جينيز :
- " سيرى واحداً الليلة إذا لم يبق رأسه في الداخل! "
لكن الفتى لم يبق رأسه في الداخل . ولا حتى حين وصلوا إلى الهدف ، وزحف ماك جينيز إلى مفصلا إطلاق القذائف . وحتى حين كشفتهم صفوف الأضواء وأشار بوجارد إلى الطائرات الأخرى منقضا بطائرته ، مطلقاً المحركين بأقصى سرعة عبر الرصاص ، كان وجه الفتى يلمع على ضوء الكشافات ، مائلاً إلى الخارج ، بارزاً بقوة مثل ممثل يحيطه كشاف ضوء على خشبة مسرح ، وعلى وجهه تعبير طفولي مفعم بالبهجة والحبور .
* * * * *
وفكر بوجارد :
- " لكنه يطلق الرصاص من هذا المدفع ، ومباشرة نحو الهدف أيضاً "
وجه الطائرة نزولاً أكثر ، مشاهداً عين الهدف تتذبذب أمام ناظريه ، فرفع يده اليمنى في إشارة إلى ماك جينيز . ثم أنزلها . وبدأ يسمع قرقعة القذائف وصفيرها أعلى من هدير الطائرة التي انطلقت بعدئذ صعوداً وقد تحررت من حملها ، خارجة للحظة من ضوء الكشافات . ثم انهمك بوجارد باجتناب مضادات الطائرات ، قبل أن تعاود الكشافات رصده بما يكفي ليتبين الفتى الإنجليزي مائلاً أكثر جانبياً ، ناظراً إلى الخلف وإلى تحت أسفل الجناح الأيمن ، نحو عجلات الطائرة . وفكر بوجارد في أنه ربما قرأ عن ذلك في مكان ما ، استدار ، نظر إلى الخلف ، لكي يرى بقية السرب .
ثم انتهى كل شيء ، واستحالة العتمة باردة وفارغة ومسالمة وتكاد تكون ساكنة لولا هدير المحرك الثابت . عاد ماك جينيز إلى مقعده ، لكنه ظل واقفاً وأطلق المسدس الملون ، ووقف للحظة أطول ، ناظراً إلى الخلف حيث الكشافات تسبر الفضاء وتحبسه . جلس ثانية . وقال :
- " حسناً لقد رأيت طائراتنا الأربع . فلننطلق " .
ثم نظر أمامه وسأل :
- " ماذا حصل مع خادم الملك ؟ لم تعلقه بقنبلة أليس كذلك ؟ " .
نظر بوجارد . كانت الحجرة الأمامية خاوية غارقة في الظلام مرة أخرى ، على خلقية النجوم ، لكن لم يكن من شيء هناك ما عدا المدفع الرشاش . وقال ماك جينيز :
- " لا ، ها هو . هل تراه ؟ يميل إلى الخارج . تباً قلت له ألا يتقيأ! ها هو يعود " .
ظهر رأس الضيف مجدداً . لكنه سرعان ما عاود الاختفاء . فقال بوجارد :
- " إنه يعود ، أوقفه . قل له إن جميع الطائرات الألمانية ستكون فوقنا في غضون نصف ساعة " .
تأرجح ماك جينيز نزولاً عند مدخل الممر . صرخ :
- " عُد! "