سهمت خديجة بيوسف الذي كان يناوشها كل فترة بحب.. هي الملونة بماضي لا يرحم وهو الطاهر من الذنب..
هي العاشقة لباخ وهو لكل ماهو شرقي
....
صباح جديد يتشابه مع كل صباح يمر عليها, اليوم سيشبه الغد, والغد سيكن نسخة مكررة من الايام القادمة..!!
استقامت من نومتها ب**ل شديد ولا تعرف ما الذي قد تفعله اليوم , وكحال جميع العطلات التي تمر عليها هي تشعر بالملل.. تشعر بالوحدة..!!
تشعر بغربة كحال كل عربي لا تنتمي جذوره إلى الغرب..!
شعور عنيف مختلط بحنين لوطن لم تطئه قدمها من قبل.
شردت في عملها كعازفة للبيانو بإحدى المطاعم الراقية , ذلك العمل الذي لا يتعلق بدراساتها التي لم تستطع اكمالها بعد ان توفت والدتها ..!!
اغمضت عينيها بقوة بعد أن تذكرت والدتها , كم تشعر بالوحدة دونها.. لقد كانت الجذور والوطن, الأمل والحياة..!
لقد كانت أم تَجَمع بها كل خصال الوطن المفقود في خبايا القلب ..!!
ذلك الشعور بالحنين إلى أرض تحتوي الجسد..!
نفضت رأسها تبعد الذكريات ثم عادت لعملها الذي التحقت به من أجل العيش ولكنها في نفس الوقت تجد به شغف وحياة..
روح هائمة سعيدة تلوح بداخلها تنقلها الى عالم اخر تطرف به علي نغماته الحالمة.. فقط عندما تعزف علي البيانو..!
مسحت وجهها براحة يدها متأففة من تلك المشاعر التي تجتاحها صباحاً كل عطلة و يا لها من مشاعر قاسية عليها تؤلمها كما وحدتها..!
بعد قليل كانت قد تناولت افطارها بلا شهية تذكر تجلس أمام شاشة التلفاز تنظر إلى إحدى برامج الطهي التي اعتادت على سماعها عندما كانت والدتها علي قيد الحياة..
ابتسمت علي الحلقة المسجلة التي كانت تستمع لها من برنامج (مارثا ستيورات)..
وشردت بحنين تتذكر والدتها وهي تتابع الحلقة بشغف غير عادي , بل وتقم بتسجيل حلقاته , حتى يتسنى لها سماعه مراراً وتكراراً..!
رجعت لتلك الذكرى عندما كانت تجلس بجانبها وهي تشاهد بشغف طريقة لطهو اكلة عربية تسمي (كفتة داوود باشا), ورغم أنها اكلة عربية إلا أن ضيف مارثا قام بطهوها بطريقة رائعة.
التفتت الى والدتها هاتفة بملل بعد أن انتهت فقرة الطهي:
-أمي, لقد مللت الا يمكننا ان نشاهد فيلم رومانسي مثلا..
لم تنظر لها والدتها فقط ابتسمت بحنان وهي تتابع الحلقة على الشاشة قائلة بنبرة هادئة:
-طوال حياتي اعشق الطهي والموسيقي , ولا اعلم لما لا تعشقين الطهي مثلي خديجة ..
تأففت خديجة وهي تتناول الشكولاتة السائلة بنهم هاتفة بامتعاض وهي تجعد انفها :
-يكفي أمي, يكفي انك قمت بتسميتي خديجة , الاسم صعب علي الجميع نطقه..
كانت قد انتهت الحلقة عندما قامت والدتها بإطفاء الشاشة ملتفته إليها بابتسامة انثى عاشقة ولكنها متألمة .. معذبة تخفي لوعة وجرح:
-والدك كان يخبرني اننا لو رزقنا بفتاة سيسميها خديجة تيمنا بوالدته..
ابتسمت خديجة بسخرية وهي تحدق بملامح والدتها الهائمة بالعشق لرجل انفصل عنها عن طريق الهاتف, لما والدتها ما زالت تعشقه الى هذا الحد المؤلم , مؤلم الي درجة انه يؤلمها هي , وهي تراها علي مدار الأعوام الماضية تتماسك امامها نهارا ..
وليلا تسمعها تبكي وهي تمسك بصورهم سويا، تبكي على ذكريات محاها والدها ببساطة..!
وكأن هذا الحب الذي كان بينهم كان سراباً.. وربما وهماً!
خرجت من شرودها من تلك الذكريات على صوت طرق علي باب شقتها الصغيرة, هزت رأسها تطرد كل هذا ثم ذهبت لتفتح الباب..
ابتسمت للماثل امامها وبيده ادوات الرسم الخاصة به ملوحا بيده امام وجهها وهو يصيح بنبرة صاخبة:
-كيف حالك يا شرقية..
هزت رأسها بيأس من رفيقها وصديقها الأقرب لها (برايد).. وهو يزيحها من طريقه دالفا الى الداخل محتلا كعادته اريكتها المفضلة بينما يده تتسلل الي كوب القهوة السوداء الخاص بها يرتشف منه هاتفا بملل وهو ينظر لها بينما هي مازالت كما هي تمسك بباب شقتها المفتوح:
-اليوم هو يوم عطلتك متي وجبة الغذاء؟ هل طهوت.. ام لا ايتها ال**ولة..؟!
تأملته قليلا ومن داخله تعلم أنه لن يتغير ابدا..!
فأغلقت الباب ثم اقتربت منه بخطوات رتيبة حتى جلست بجانبه صائحة بحنق تخ*ف منه قهوتها ونظراتها المغتاظة تشمله بها:
-برايد الن تكف عن طلباتك ما ذنبي انا حتى تتناول معي الغذاء كل عطلاتي..
التفت لها يتلاعب بحاجبيه قائلا بنبرة مشا**ة:
-احب طعامك خديجة.. ونحن اصدقاء , لذا وجب عليك الطهي لي..
انهي حديثه بابتسامته السمجة التي تشعل الغيظ بخديجة ,ورغم الغيظ إلا أنها كبحت ابتسامتها بصعوبة وهي تستقم من مكانها قائلة بنبرة جاهدت أن تكن جادة:
-اذا اردت تناول الطعام معي اليوم , يجب ان تساعدني برايد ..
**تت قليلا ثم قالت وهي تشير إلى جهة المطبخ هاتفة بأمر:
-هيا الى المطبخ..
وما كان من برايد ألا أنه انصاع إلى حديث تلك الشرقية كما يطلق عليها, تلك الفتاة التي كانت تدرس معه بصف واحد إلى أن انقطعت بعد وفاة والدتها..
ابتسم بحزن علي حالها فمنذ ان كانت تعيش للدراسة والعزف كما تشاء, الان تحولت لعازفة بيانو بإحدى المطاعم, بالكاد تدبر معيشتها في هذه الحياة..!
في منتصف اليوم كانت تجلس شاردة بأفكارها وذكرياتها الخاصة بعد أن انتهوا من تناول الطعام بينما هو يثبت لوحته الذي احضرها معه لغرض لم تعرفه هي بعد..!
اراد برايد ان يرسم لها لوحه تعبر عن روحها الشرقية بقالبها الغربي..
اراد ان يرسمها وهي تعزف علي البيانو الخاص بوالدتها الراحلة..!
تأملها قليلا وهي شاردة فهتف يخرجها من شرودها وهو يفرقع بإصبعه يقترح شيء قد يخفف عنها ذلك الحزن المرتسم على وجهها:
-خديجة عزيزتي, ما رأيك لو قمت بعزف ما تعشقيه ..
انهي جملته وهو يشير الي البيانو الماثل أمام مرمى عينه , مما جعلها تنظر له بتعجب قائلة بينما هي تتجه بالفعل للعزف:
-لأول مرة تطلب مني العزف , ثم منذ متي تعشق عزف البيانو انت دائما وابدا عاشق للكمان..
هز كتفيه .. يرتشف من عصير النعناع بالليمون الذي أعدته هي له بابتسامتها المشرقة .. الشرقية!.. فهتف وهو يطلق صوت تلذذ من شدة استمتاعه بطعم الليمون :
-اعرف عزيزتي انا عاشق لباخ, ولكن اود سماع شوبان..
**ت قليلا ثم اكمل وهو ينظر لها بتركيز:
-اعزفي لشوبان..!
ابتسمت هي , ثم جلست امام البيانو هامسة بحنين , وهي تتذكر والدتها وهي تعزف مقطعوتها المفضلة..(ذكريات الماضي)..
بدأت بالفعل أن تعزفها ولكن برايد هتف معترضا:
-اعزفي سنفونية الخريف خديجة.. أنت تعلمين أحب تلك المقطوعة
التفتت تنظر له بتعجب مما جعله يهمس امام عينيها:
-سنفونية الخريف عزيزتي..!
وتلك هي موسيقاها المفضلة أيضاً لذا امتثلت لطلبه,و بدأت تعزف هي علي اصابع البيانو.. تصنع مزيجها بين الابيض والاسود..
تعزف..
تشرد..
تحيا.. تتنفس!
تهيم لعالم به روح تعشقها , حيث هي وموسيقاها..!
تعزف هي فيعلوا الايقاع وكأنه قادم من روحها.. تعزفه من الداخل فيخرج ببساطة الى جسدها يخبرها بروعته..!
فتعزف أكثر..
لتنسي العالم وفقط يبقي..
شوبان..!
والحب..! الذي باتت لا تؤمن به..
ومعهم ضحكة والدتها..
وصورة لوالدها وهي كل ما تملك مع إسمها..
أما من خلفها كان برايد يرسمها بألوانه المتمردة علي روح تلك الهادئة..
فكانت تخرج معبرة علي اشتعال روحها بالداخل..
فبداخلها هناك نار ..
هياج يشبة البحر..
بالداخل خديجة الحجر النفيس كما هو معني اسمها الغريب...
شرد بها قليلا وهي تعزف وخصلاتها تتمايل معها.. فيبتسم ..
يود لو انه يستطيع ان يجلب لها سعادة تبدد تلك العبرة الحزينة المختنقة بنظراتها..
هو فقط يود..!
انهت العزف ثم التفت له وهي تلتقط أنفاسها ب قائلة بنبرة هادئة:
-انتهيت..
واجابته على كلمتها كانت تصفيق .. ولمحة اعجاب بعزفها المتقن بالنسبة له..
فهزت رأسها بطريقة مسرحية ثم صاحت وهي تقترب من جهاز مشغل الموسيقي الخاص بها قائلة :
-هل سمعت اي صوت عربي من قبل..
هز رأسه بالنفي لتلتفت هي الى مشغل الموسيقي قائلة بنبرة هادئة بينما اناملها تعبث به:
-ربما تشاركني الان لحظة حنين الى الشرق..
ومع انتهاء جملتها كانت كلمات غنوة عربية تص*ر من مشغلها.
بينما هي تردد معه..
(اديش كان في ناس..
علي المفرق تنطر ناس..
وتشتي الدني .. ويحملوا شمسية...
وانا بأيام الصحو ما حدى نطرني)
لم يسألها علي المعني.. ربما هو شعر ان تلك الكلمات تلمس بداخلها شيء ما..
فالتزم ال**ت , تاركا اياها في عالمها الخاص..!
فقط همس بتساؤل:
-لمن هذا الصوت..
ابتسمت له فتجيبه بشرود:
-فيروز.. جارة القمر..
وبعدها كان ال**ت.. واغنية فيروز..
***********************
في احدى المدن الجنوبية كان يجلس بمكتبه ينظر الى تلك الرسالة التي تركها له صديقه..
(صديقي عبدالرحمن ,
ادعو من الله ان تكن بتمام الصحة والعافية, ربما فيروز شدَدت عليََ ان لا أخبرك في حياتها, ولكن توفت منذ عام تقريبا, والان فقط علمت بذلك...
صديقي ما لا تعرفه انك عندما انفصلت عنها كانت تحمل نطفة برحمها , وتلك النطفة الان اصبح عمرها عشرين عاما..)
اغمض عبد الرحمن عينيه , غير راغب بأن يري الباقي , لأنه يؤلمها وللغاية.. يجرحه بطريقة قاسية.
فنظر مرة اخرى إلى الرسالة يتمعن ببقيتها غير مدركا لتلك الدمعة المتمردة علي خده الأيمن..!
(ابنتك اسمها خديجة , ابنتك بالكاد تعمل لأجل تغطية مصاريف الحياة, بعد وفاة فيروز..
اسف اني لم اخبرك من قبل إلا أنني مسافر الان ولا أضمن متي اللقاء يا صديقي العزيز..)
اغلق حاسوبه الخاص بعض العنف متخيلا ان زوجته السابقة حبه الأول والوحيد كانت تعمل وتحمل طفلته في غربتها القاسية , اغمض عينه وهو يدرك كم انه كان نذلا معها.
ارجع نظره الي الخلف في نفس الوقت التي تعالت فيه الطرقات علي باب المكتب الخاص به..
اجلي صوته كابحا تلك الغصة المرة التي اجتاحت جسده ككل هاتفا :
-ادخل..
قام الطارق بالدخول , ليجد أمامه بن شقيقه الراحل (يوسف) , ذلك الرجل الذي يعتمد عليه بكل صغيرة وكبير في حياته..
جلس يوسف علي المقعد المقابل لعمه هاتفا بنبرة جادة يشوبها المرح:
-ما بك يا صديقي العزيز, هل هناك شيء لا نتشاركه سويا..
ابتسم عبد الرحمن ابتسامة لم تكد تصل الى عينه ثم ارجع رأسه بالقرب من موقع يوسف قائلا بجدية:
-اجل هناك , هل يمكنني الاتكال عليك في ذلك..
ثبت يوسف عويناته يلقي نظرات عميقة الى عمه ووالده الروحي, ذلك الرجل الذي تخلي عن حلم الغربة لأجل تربيته والزواج من والدته , هادما بذلك كل شيء اراده يوما ما..
فابتسم له متحدثا بنبرة هادئة:
-دائما وابدا يمكنك الاتكال عليَ عماه, ولكن قبل ان تخبرني ما يؤرقك يجب ان نذهب لجدي الان , فالإفطار لن ينتظرنا..
هز الاخر رأسه ثم استقام من جلسته هاتفا بنبرة غامضة:
-هيا اذا..
بينما بداخله يفكر انها فرصة مناسبة من اجل ان يفجر قنبلته التي لو علم احد عنها شيء ربما تقاد نيران الغضب.. وربما لا..!
علي مائدة الطعام كان يجلس الجد يوسف الأكبر ممسكا بيده عصاه الآبنوسية والجميع يتجمع من حوله يوسف من يساره وبجانبه اخيه الغير شقيق مروان بينما يجلس ولده عبد الرحمن من يمينه.. وبجانبه ابنته فيروز وزوجته صفاء الحالية وزوجة شقيقه الراحل في نفس الوقت!
انتهي العاملون بالمنزل من وضع الطعام ليجلي الجد صوته قائلا بنبرته الخشنة الجادة:
-هيا لنتناول الطعام
الجد كان ومازال رجل عاشق للنظام.. مهووس بالعادات والتقاليد الذي ربما يراها الجميع باليه ولكنه يراها عالمه وحياته, أصله وتأصله, توازنه وكفي..!
كانت غرفة الطعام لا تخلو من صوت تناول الافطار في نفس الوقت الذي كان فيه يوسف ينظر الى عمه الذي كان وكأنه يجاهد ان يقل شيء ما ربما يصنف كارثه في عرف جده..
فجأة رفع عمه نظره فيصطدم بنظراته ليتحدث هو حينها بصوت عالي ولهجة سريعة:
-ابي لقد اكتشفت ان لدي ابنه في العشرين من عمرها..
ساد ال**ت بعد تلك الجملة الكارثية التي تحمل معلومة كالصدمة و الأدهى انها مقرونة بكلمة(اكتشفت)..
كان **ت مقرون بأعين جاحظة واخري مستنكرة وغامضة..
هتف الجد بعد دقائق وهو يرفع نظره عن الطعام الى ولده هاتفا باستنكار ساخر:
-اكتشفت..
**ت اخر اتبعه الجد بنبرة عالية:
-اكتشفت ان لك ابنه.. هل تعي ما تقول ؟!
هز عبد الرحمن رأسه بينما يوسف ينقل نظراته المصدومة بينهم , ليهتف عمه بنبرة قلقة ولكنها متماسكة:
-اجل اكتشفت..
لم يكمل جملته حتي هدر الجد بغضب:
-وهل يمكنك ان تخبرني كيف اكتشفت هذا الاكتشاف العظيم.. كيف ؟
أجاب عبد الرحمن وهو يتحاشى النظر لوالده:
-اكتشفته عن طريق صديق لي عندما كنت بالخارج..
ضيق والده نظراته قائلا بتساؤل:
-وكيف اتت تلك الابنة.. هل زواج ام..
هب عبد الرحمن من مكانه قائلا بغضب بينما ص*ره يضيق من مغذي كلام والده الذي لم يكتمل:
-لا ابي لقد كنت متزوج هناك..
هدر الجد مرة اخري وهو يستقم من مكانه:
-متزوج.. !
**ت قليلا ليكمل وهو يشير إلى جسده:
-ولدي انا متزوج بينما انا لا اعرف شيء..
كان يوسف في تلك اللحظة يخرج من صدمته شيء فشيء , وهو يجد ان عمه يهتف بنبرة وان كانت متماسكة ولكنه يعلم أنه ينهار من الداخل..:
-اجل تزوجت من فتاة عربية بالخارج, كانت يتيمة ,تدرس معي احببتها وتزوجنا..
عقد الجد حاجبيه قائلا بهجوم :
-ولما لم تخبرني لما..
استقام عبد الرحمن من مكانه قائلا بنبرى تحمل بين طياتها اتهام مبطن:
-لأنك امرتني اتزوج من صفاء, اجبرتني التخلي عن احلامي, جعلتني ابقي وانت تعلم ان حلمي بعيد عن الوطن..
**ت قليلا بينما راحة يده تمسح وجهه بتوتر بائن ليكمل بعدها بصوت معذب جعل نظرات والده تلين:
-اجبرتني ان لا اخبرك عن زواجي من الفتاة التي احببتها ابي, والنتيجة اعلم ان ابنتي اول فرحة لي في هذا العالم قد صارت بالعشرين وانا لا اعلم..
رفع نظره الي والده قائلا بقهر رجل :
-اريد ابنتي وسأذهب واتي بها , ولو رفضتموها جميعا
هتف والده بجدية بصوت عالي بعد جملته الأخيرة:
-نرفض من ..!عرضنا ودمنا, هل هذا ما تراه بي؟!
ساد ال**ت بالغرفة بينما البقية في حالة صدمة الا واحدة, ولم تكن سوي صفاء زوجته..!
التفت الجد الى يوسف هاتفا :
-انهي افطارك والحق بي بغرفتي..
هب يوسف من مكانه مسرعا خلف جده يلحق بخطواته الغاضبة متحدثا بجدية:
-اهدأ جدي ارجوك , سنجد حل..
تاركين خلفهم البقية يعانون من أثار الصدمة!
كانوا قد دخلوا الي الغرفة بالفعل عندما جلس الجد علي المقعد الموجود بها متن*دا بألم , مما جعل يوسف ينحني اليه هاتفا بنبرة قلقة:
-جدي ارجوك اهدأ, سنجد حل ان شاء الله
رفع جده نظراته الخائبة وهو يقول بينما يده تدب بالعصا في ارضية الغرفة :
-اخبرني انت كيف؟.. كيف نخبر الناس فجأةً ان هناك حفيدة لنا , كيف نبرر غيابها وظهورها المفاجئ.. كيف؟!
انهي حديثه وهو يرمي بعصاه من شدة غضبه بينما يوسف انحني يجلبها له قائلا بتفكير:
-وما رأيك لو جاءت واخبرنا الجميع ان عمي كان متزوج بالخارج ونحن لم نخبر احد وعندما توفت زوجته احضر الابنة..؟!
-وكيف ذلك, هل سيقتنع من حولنا بهذا الكلام؟!
هز يوسف رأسه رادفا بابتسامة:
-بالطبع لا تنسي ان عمي كان يسافر كثيرا للخارج بالمؤتمرات الطبية, لذا سيسهل ان نقنعهم..
أومئ الجد مرتكزاً بكلتا يديه علي عصاه ثم اسند جبهته اعلاهم مغمغما بصوت متعب:
-اذهب انت يوسف, اذهب الي جامعتك..
أومئ يوسف برأسه ثم اقترب منه مقبلا رأسه قبل ان يغادر الغرفة.
بعد دقائق كان يركب سيارته يستعد لقيادتها ثم قام بتشغيل موسيقاه المفضلة للريس متقال..
(تف*ج على الحلاوة حلاوة دي بلدي و نقاوة نقاوة
بص على الحلاوة حلاوة دي بلدي و نقاوة نقاوة
كان يدندن مع الكلمات بصوته الرخيم حتي جاء ذلك المقطع..:
-ميل و اسقيني يا واد عمي ميل و اسقيني انا مش عشطانه يا واد عمي حبك يروني)
مسح على رأسه بحيرة , الان يدرك حقيقة انه سيصبح له ابنة عم, ابتسم بمرح متخيلا تلك الغربية القادمة لهم من الخارج والتي دون شك ستكن كارثة بمقاييس المجتمع الشرقي.. مفكراً أن الايام القادمة ستحمل مناوشات !
ثم خرج من تفكيره علي صوت الاغنية تكمل.. وهو يردد معها..
يا واد يا واد يا يا ولا..-
***********************
في هذا الوقت ليلا كانت هي تقف بشرفتها وموسيقي شوبان تعانق ال**ت معها..
وذكريات الماضي تض*بها من الداخل , عبرة واحدة تسللت رغم عنها وشهقة مكبوتة تمردت عليها بالخروج ,بينما صوت العزف يغطيها تماما.
فيطًلق تساؤل هنا:
-ما الذي يحدث لو تقابل شوبان مع عمر خيرت..؟!
ماذا لو تبارز بيتهوفن مع الريس متقال..؟!
هل ستنشب الحرب.. ام سيعلن الحب..؟!