الفصل الأول
مرحباً بك..! حيث لا أحد هنا وجد ضالته أو حقق المنشود من هدفه..!
مرحباً بك..!
حيث سقط الجميع وتعثَر بنار الانتقام وتلظى بجحيمه!
مرحباً !
, فهنا تجد الجميع ساقطون .. ضائعون .. تائِهون, ولا يعرف أحد إلى أين هو متجه !
هنا الجميع حائرون والنهايات مبهمة!
هنا الجميع هائمون في مضمار العشق
هي من ؟!
هي أنثى نُحِرت بالأمس وثارت اليوم, هي من عاشت حياتها بغيمتها الوردية فاستحقت السقوط أسفل مقصلة الخيانة والغدر..!
هي من نالت من اسمها العسر والحزن , وها هي تنتظر الف*ج والبركة!
كلمات أغنية إعتادت أن تسمعها قبل الزواج وبعده , كلمات كانت تهيم في معانيها ولحنها !
أجل كانت تسمعها عندما كانت أنثى باحثة عن الحب، كانت وردية مشبعة بعبق العشق الذي كانت امنيتها فقط أن تحيا حالة هوى وردية، كانت تسير في حلم الحب و لكنها لم تناله..
عندما قابلت يامن لأول مرة خفق القلب، خفق الجسد بدقات الهوى لها ؛ كانت كالمغيبة التي نومها نظرة منه .. كانت فقط تتمنى منه كلمة حب او نظرة عشق ولكنه لم يمنحها شيء ؛ سرق منها ورديتها وانتهى الأمر..
يامن الذي نحرها و هرب .. يامن الذي قتل فيها روح فتاة مراهقة قابعة هناك داخلة و مازالت تبحث عن الحب و ذلك الفارس بحصانه الأبيض.. الذي سياتي يوما ويخ*فها أعلى حصانه و يركض بها بعيدا عن الحياة و قسوتها، محلقا نحو الجنة..
نسيت هي ان الجنة مجرد وهم رسمته هي في خيالها العاشق.. و ان الحياة مجرد حجر لن يلين للقلوب التي نشدت العشق..
بالأمس كانت تستمع لها من أجل الحب الذي تنشده !
والآن تستمع من أجل العادة فقط لا غير!
تدندن ببساطة وهي تصفف خصلاتها القصيرة والتي تخلت فيها بلحظة تهور وجنون أعجبها وراق لها عن خصلاتها السوداء, فاستبدلتها بقصيرة صبِغت بال**تنائي!
تلتف حول نفسها حافية القدمين ويعلوا صوتها..
الي معاك .. بالي بالي بالي بالي
يابو الجبين عالي .. عالي عالي عالي
وحياة سواد عينك يا حبيبي
غيرك ما يحلالي .. غيرك ما يحلالي
ترتدي حذائها ذي الكعب العالي وتقف تنظر لهيئتها الأخيرة , تنظر لحالها بعين الرضا والزهو, تكمل بعدها وهي تسير باتجاه حاسوبها الخاص , تلملم أشيائها وتواصل دندنتها الناعمة..
عمري ماراح يرتاح يا حبيبي والشوق بقلبي اليك فكري معاك نور يا حبيبي غيرك ما يحلالي .. غيرك ما يحلالي
أغلقت حاسوبها الخاص ومعه أغلقت الأغنية, ولكن هنا لم تغلق بحالة هيام بائسة كالأمس ولكنها أغلقته بحالة عدم إكتراث حقيقي !
كادت أن تخرج ولكن نيرة كانت قد اقتحمت الغرفة بابتسامة باهته كحال ابتسامتها منذ عام مضى , تتحدث بصوت يجاهد المرح فيسبغه على ألوانه التي أوشكت على الزوال:
-يا سيدي على الكلام والمزاج الرايق ..
نظرت لها بتعجب قبل أن تكمل هي :
-كنت بره وسمعتك وانت بتدندني مع الأغنية
هزت رأسها بثبات , تهتف بنبرة هادئة لا تحمل أي إنفعال يذكر:
-الأغنية بس اتعودت عليها !
توقفت عن الحديث وشردت للحظة واللحظة لم تتعدى الثواني قبل أن تكمل بنفس الهدوء:
-بس أغنية كلامها مش لايق ,كأنك في الخيال ومستنية الفارس الي يخ*فك على حصانه!
نيرة كانت في حالتها وتشبهها , الاثنتين يعانون الفقد والسقوط !
ربما تختلف أسباب الفقد وخطوات السقوط ولكن النتيجة واحدة !
أطلقت همس حائر مشتت تتعثر داخله , تبحث عن يد أو ربما فارس:
-يعني خلاص الفارس في الخيال بس يا مريم !
ومريم هنا أخرى جامدة .. صلبة ولا تريد أن تزيف حقيقة باتت تؤمن بها :
-حتى فارس الخيال ممكن يبقى كدب يانيرة..
أنهت الهمس وتقدمت منها , تتأمل تيهها وحيرتها , تمد أناملها فتلامس ذقنها ترفعها برفق , تواجه عينيها فتكمل بلين على طفلة لم تكمل العشرين بعد تمنحها أمل لا تؤمن هي به أو ربما تمنح نفسها هي أيضا وإن أنكرت :
-بس يمكن تحصل المعجزة وتلاقيه!
قابل الهمس إنبهار يشع من نظرات نيرة وكأنها طفلة تتلقى درسها الأول من مثلها الأعلى في الحياة..!
تقف قبالتها وتردف بتعجب يحمل فخر ربما لأنهم من دم واحد:
-اتغيرت يامريم
قالتها بإنبهار حقيقي وهي تتأمل تلك الأنثى الواثقة بحالها , تخالف تلك الخانعة منذ عام مضى..
ولكن فاجئها الرد حينما هتفت مريم بسخرية وهي تحمل حقيبتها الخاصة على كتفها وتحمل الأخرى بيدها :
-البركة في أخوكي , اداني الدرس صح يا بنت عمي
كانت تخرج من الغرفة فتطلق تساؤل لم تتردد هي في إجابته:
-كرهتي يامن!
والإجابة مباشرة حادة أنهت الحديث قبل بدايته تخبرها ببساطة ما يعتريها تجاهه:
-بقى في الرمادي , في التعادل !
لم تفهم الأخرى فتستفهم مباشرة:
-يعني إيه
رفعت كتفيها تصوب لها الإجابة بطريقة نافذة:
- يعني مفيش عندي كره عشان يتحول لحب!
وهنا وصل المعنى والمضمون, وصلت الفكرة والنهاية وضعت نقطتها الأخيرة دون تراجع !
بالأسفل كان يجلس ناصر أبو العزم على رأس مائدة الإفطار وعلى يساره كانت زوجته واليمين جدته من جهة الأم!
وجِدتَه تلك لا تريح مريم ولا تعرف هي السبب , ربما نظراتها وجمودها وربما صلابتها وقسوتها في الحديث عن تأخر حمل عاصي زوجة ناصر!
أقبلت هي برفقة نيرة ثم اتخذت مكانها التي اعتادت عليها حينما هتفت عاصي بابتسامتها البشوشة:
-صباح الخيرة مريم..
ثم التفتت إلى
نيرة :
-صباح الخير نيرة
تبادلوا معها التحية فيهتف ناصر موجهاً حديثه إلى مريم :
-هل أنهيت مراجعة بنود الصفقة , اليوم سيكن الجدل والنقاش عليها كما تعلمين!
ارتشفت بعض من قدح قهوتها تجيبه بعملية وثقة:
-بالطبع سيد ناصر, لا تقلق تلك الصفقة لنا..
هز رأسه استحسانا يردف بمودة :
-أنا أثق بك مريم!
ابتسمت له , وفجأة كان ذلك الصوت الخبيث بنبرته الجليدية يهتف ببرود:
-مريم فتاة ذكية وجميلة أليس كذلك ناصر!
وناصر يفهم !
ومريم تشعر أن هناك مغزى من الحديث, الخيوط ترفض التجمع داخل عقلها أو هي ببساطة لا تتخيلها..!
رغم كل الإحداثيات المطلقة في مضمار منطق تلك الجدة لطريقها منذ أن جاءت إلى فرنسا!
تكمل الجدة بسرد مثير لنفور ناصر وحزن عاصي:
-لكم تمنيت أن تتزوج من امرأه عاملة ومن عائلة مرموقة ولكن تسرعت أنت!
ناصر هنا يتمالك حلمه وصبره , وهو ينظر لها بتحذير أن تكمل وتجرح عاصي !
ولكن هي أكملت ضاربة بكل التحذير وهي هنا لا تهتم بأي شيء :
-تزوجت من عاصي!
وعاصي خرجت بدونية زادت من قهر صاحبة الإسم..!
ولكن القهر الحقيقي والذهول الأكبر كان بما قالته بعد ذلك ,بالماضي كان إشارات مبهمة ونظرات غامضة والآن الحديث صريح ومؤلم:
-ربما إن لم تتسرع, كانت حينها مريم ستكن مناسبة لك !
الكلام هنا انتهى مع صدمة مريم ونيرة, وقبضة ناصر التي ض*بت المائدة بعنف بينما صاحبة القهر تمتم بكلمات مقتضبة وترحل عنهم!
-كم مرة أخبرتك جدتي أن عاصي خارج نطاق حساباتك الطبقية, كم مرة أخبرتك أن عاصي هي ابنتي وزوجتي ...عاصي حياتي..
انهى الحديث وص*ره يعلوا ويهبط من شدة الانفعال وهو يشير بيده إلى موضع قلبه .
استقام من مكانه بصيح بقوة وهي يرفع أصبعه في تجذير خاص والقسوة تصبغ ملامحه بتأن :
-عاصي حد لا أسمح لك بتخطيه , في حضرتها يموت جميع النساء..
توقف عن الحديث والتفت إلي مريم هاتفاً باعتذار مقتضب:
-اسف مريم , على هذا العرض الصباحي!
ورحل عنهم بخطوات ثابته.. بينما مريم تنظر له بانبهار لم يحدث أن كان لرجل منذ عام!
والانبهار هنا انبهار فقط ,فهي أنثى تخطت العشق بعد أن بُترت أوصالها في الهوى , وذ*حت أوتار القلب في الحب!
هي من غُدر بها بالأمس فهل تغدر اليوم!
****************************
طريق الندم يبدأ بقبس من حقيقة تنيره !
ولكن كم كانت الحقيقة هنا مزيفة وملعونة.. ملوثة وقذرة كأساس مبدأ الإنتقام !
تناوشه ضحكة ساخرة , كم كان مغفل , بل هو يستحق لقب المغيب بجدارة!
أطفئ سيجاره ونفث دخانه بشرود تام , كم زاد هو نفور من حقيقة إنتقامه المزيف , كم ينفر من ضعفه وشره الذي غلب خيره فيسقط في قاع الفقد والندم!
وهنا المناوشة بالضحك انتصرت وخرجت ضحكته الساخرة بصخب عالي !
يغمض عينه بعدها ويتذكر الماضي الذي احتله وأسره داخل صورته الممقوتة بكل برود !
عيناه غامت تتذكر وتعود لمَ كان منذ ما يقرب من عام !
عندما قابل عثمان والذي اتضح له بعد ذلك أنه بن عم زوجته ريتا أو ريتال!
-بن عم زوجتك ريتال!
جواب غسان كان صدمة حقيقة من تصريح الماثل أمامه عندما هدر بتعجب:
-ريتا!
هز الأخر رأسه إيجاباً فيكمل هو بنفس التعجب :
-ولكن ما أعرفه أنها يتيمة , وبلا عائلة !
همس عثمان بتفهم يخفي صدمته داخله ربما يفهم ما يحدث:
- هي من أخبرتك ذلك ! هل يمكنك إخباري بما قالته لك..
هز غسان رأسه يرافق حديثه بنبرة احتلتها الصدمة :
-أخبرتني بلقائنا الأول أنها من أب مصري ويتيمة , بل وتربت بدار رعاية حتى تبنتها أسرة عربية!
**ت بين الرجلين , أحدهم لا يفهم ما وراء الكواليس والآخر يحلل ما يسمعه بمنطق رجل يسعي لهدفه!
**ر حاجز ال**ت عثمان وهي يتساءل ولو أنه قد أدرك الجواب:
-هل ريتال هنا ؟! أم رحلت!
أغمض عيناه بأسف وهو يشعر أنه لا يفهم ولا يعرف شيء ..
يشعر بتيه من تلك الصدمات التي باتت تواجهه وتلسعه بسياطها بلا شفقة !
-لقد انفصلنا , وما اعرفه أنها ذهبت إلى أمريكا..
لم يتابع معه عثمان الحديث , هنا هو أكيد أن غسان لا يعرف شيء عن ريتال!
بل إن من الظاهر له في تلك المسألة أن ابنة عمه لغز قد ينهكه حتى يتم حله!
استقام من مكانه بهدوء ثم تحدث برقي وهدوء:
-على أي حال لقد سررت بمعرفتك سيد غسان, ولكن هل يمكنني استعارة صورة من صور ريتال إن امكن!
هز غسان رأسه قبل أن يسأل هو بعصبية :
-أنت تتحدث عن أم بناتي , ما أدراني أنك بن عمها!
أغمض عثمان عينيه يرمقه بحذر قبل أن يخرج من حقيبته بعض الأوراق التي تثبت نسبه..!
والعائلتين كانت واحدة بالفعل عائلة كاظم!
حسرة ومرارة زادت داخله , فها هي أمرأه كانت زوجته يوماً وأسفل منزله لم يقدر على معرفة أسرارها وربما تكن بخطر!
عثمان كان يرى أن البحث عن ريتال مهمته وحده ولكن غسان أجبره على البقاء والبوح بكل ما يعرفه عن زوجته السابقة..!
أنهى عثمان البوح وكان لغسان الصدمة والقهر من داخله, انفعالاته المتمردة تجتز قلبه ومشاعره ببساطة وكأنها تطهو طعام شهى يجب تناوله بعد حرقه بالنار!
وهو هنا أحترق بالنار واكتوى..!
هو هنا أكتفى واكتفى من الوجع والخسارة!
همس لعثمان وهو يخرج لفافة تبغ ينفث دخانها من فمه كدخان الطبخة الشهية !
يتذوق مرارتها بوجع وينظر له بحسرة:
-سأساعدك باسترجاعها , ريتال كانت زوجتي يوماً ما..!
توقف عن الحديث وأغمض عينيه للحظة وصورة ابنتيه تسطر مفرداتها أمامه فيكمل بنبرة تحمل حزن دفين:
-ومازالت أم بناتي !
يتبع الفصل الثاني....