العمل حقاً مص*ر حياة.. مص*ر خلاص..
مص*ر راحة لها!
وهي هنا تتساءل بعد سقوطها ..
السؤال يهاجمها هل هي نسخة من والدتها في تكبرها وسقوطها المخلوط باختلالها الزائف .؟!
هل تورث ا****ة فتلتقطها هي وكأنه مرض عضال أصابها بتشعب مزمن لا خلاص منه ولو بالاستئصال..
النفس داخلها تجلدها كثيراً .. ترتمي بانفعالاتها لأثير التي تخبرها أن ترحم تلك النفس التي اجهدتها من كثرة التفكير..
انهت عملها وهي تبتر التفكير بعيداً.. في اللحظة التي يدخل فيها ذلك الغريب الذي عرفته بعد اسبوع أو أقل منذ أن وطأة قدمها الشركة..
شريك لأخيها جديد في صفقة جديدة.. رجل يثير احترامها .. ينظر لها قليلاً.. بل لا ينظر حوله, لا يلتف لشيء وكأنه سابح في بحر عالم خاص به!
يستأذن الدخول .. ويرغب الجلوس معها, يحافظ على المسافات .. يحافظ على الألقاب!
لأول مرة تصادف رجل مثله.. لأول مرة ترى رجل يشبهه..
لأول مرة تفكر بأحدهم!
يهتف بعد جلوسه بجدية بالغة:
-استاذة نورا.. كنت عاوز اعرف رأيك في الصفقة الجديدة..
لوت شفتيها وهي تفتح ملف موضوع امامها كانت تدرس به بعض البنود بخبرة انثى انغمست بمجالهم في الأعمال منذ سنوات..
تثير هي ذلك الرجل بإعجاب لا مثيل له, لا يقتنع ولا يتخيل أنها هنا منذ شهر فقط!
تخبره وهي تضع قلمها بين يده .. ترتشف أخر رشفة من قدح قهوتها..
-انا شايفة انها فرصة كويسة وم**ب لينا ..
يحك ذقنه وكله شموخ يثير من أمامه أن يحترمه.. لا تراه يبتسم سوى قليلاً بل هي لا تراه يبتسم أصلا!
يبتسم هو وهو يستقم من مكانه هاتفا دون النظر لها..
-هو كريم جاي النهارده صح..
تهز رأسها إيجاباً .. فيكمل وهو يغادر المكان بنبرة هادئة..
-اللون الأزرق حلو عليك!
وخرج !
ألقى كلمته التي كانت كانفجار قنبلة بالنسبة لها وخرج..!
تاركاً إياها تفتح فمها ببلاهة والغرابة من تصرفها تثير داخلها التساؤلات!
الجملة أخافتها هو أحيانا يخيفها.. !
يخرجها مما هي فيه صوت هاتفها .. تستله بذهن نصفه شارد.. يأتيها الصوت الجاد من شقيقها:
-نورا بتعملي ايه عندك لدلوقت .. يلا تعالي انا وصلت البيت , يلا عشان نتغدى سوى!
تجاوبه وابتسامة مرتسمة على وجهها .. تخرج من المكان قاصدة سيارتها ..
تعبث بهاتفها .. تمر عينيه عليه بشرود..
وصوت خفي أ**د يخبرها أن تبحث عنه.. أن تبحث عن موسى..
تستجيب دون وعي.. تفتح حسابه تنظر لصورته..!
يبتسم هنا.. يرقص هنا مع أصدقائه.. وهنا صورة له مع والدته وشقيقته بالمطار!
يتابع حياته بعد أن أوقف حياتها..
تلمس موضع قلبها.. تبحث عن خفقة وردية تراودها ولكنها لم تجد سوى الجمود..
تبحث عن حب أضاعت نفسها بطريقه .. خسرت فيه وارتكبت الخطايا..!
ولكن النتيجة صفر..
صفر خفقات..
صفر حب..
صفر صبر لتناله..
صفر أعوام ضاعت لهواه!
صفر.. صفر .. صفر!
تغلق الهاتف بثبات.. تلقبه بحقيبتها , تتحلى بالجمود والقوة..
ومن الداخل تحاربها الذكريات ..!
تصل لمنزلها أخيراً تردد كلمات طبيبتها النفسية :
-انا استحق اعيش.. انا ستحق..
تردد الاستحقاق حتي وصلت البيت , تقابل والدتها بملامح مغلقة وهي تجلس على مائدة الغداء..
تنظر لجود الغامضة بهدوئها الذي يثير حيرتها هدوء لا يخلوا من استفزاز أثير!
وكريم الجالس مبتسماً لها كما أثير!
يشير لها بالجلوس:
-اقعدي يا نورا يلا عشان نتغدي..
تمتثل لأوامره.. يسود ال**ت حينما هتفت جود بدلال وهي تتلاعب بخصلاتها:
-أثير هو انت على طول تخينة..
تطرق أثير ملعقتها بعنف .. تسحق أسنانها كأي أنثى يثير غضبها تلك الكلمة.. تهدر لها بجملة واحدة:
-لا يا قلبي , ده بس عشان الخلفة..
تهز جود كتفها بدلال يناقض نفور ملامحها الممتعضة:
-اوف.. بس حاولي تقللي أكلك , انا شايفة انك بتاكلي كتير..
تهز خصلاتها وجلنار تشيعها بنظرات مبتهجة .. مسرورة.. وهي تكمل ببرود:
-من وقت ما جيت مروحتيش مرة سبا ولا لعبتي رياضة ..
تنظر لأناملها تضيف بترفع:
-بجد الأنثى جواك مش بتطلب منك حبة اهتمام..
أثير كانت تحاول الرد عليها وتلك النظرات المشتعلة تتواصل بينهم ..
ولكن كريم يبتر الحديث كله مفجراً قنبلته التي كانت أول مفاجآت هذا الغذاء..!
-صحيح ياجماعة نورا جالك عريس!
تتوقف نورا عن الطعام .. تنظر له بصدمة.. تهمس :
-عريس..
يتناول طعامه تحت أنظار أثير الساخطة والتي هنا تتجاهل خبر زواجها في لفته مضحكة وهي ترمقه بتوعد !
-اه عريس.. انا شايفه حد كويس.. وانت تعرفيه..
تنظر له بتعجب .. تشير لنفسها :
-انا اعرفه مين ده..
يخبرها ببساطة :
-قاسم..
تكرر الكلمة :
-قاسم..
يكمل هو :
قاسم مكي.. شريكنا الجديد!
تخبط والدتها يدها بعنف وهي تستقم من مكانها تهدر بصياح :
-انت اتجننت.. الولد ده مش هو الي كان معاك في الجامعة..
يهز رأسه ايجاباً فتكمل ولادته:
-ده لا عيلة ولا مستوى..
يهز رأسه ينتظرنها تكمل كل ما في جعبتها:
-ده امتى بقى شريك..
يبتهل الهدوء من داخله وهو يرد عليها بمنطق :
-صاحبي مجتهد وقف معايا في حاجات كتير في الشركة... كان اسس شركة صغيرة بعد ماخد ورثه من والده وربنا كرمه.. ودلوقت بقى شريك..
قال كلمته الأخيرة وهو يفرد يده أمامها..
-بس انا مش موافقة..
يهتف هو بمنطق وقرار أخير يرميه لنورا:
-نورا بس صاحبة القرار.. هو انسان محترم ودي اهم حاجة..
صاحبة الشأن تركن لل**ت ولا تتفوه بكلمة..
صاحبة الشأن تتوه, تشرد, تتشنج, !
صاحبة الشأن تنشد صراخا ونحيباً!
فعلى أعتاب طلب زواج جديد فتحت الجراح بقسوة باردة!
ازدردت ل**بها وشيء من البرودة يكتنفها!
صور الماضي تعرض أمامها..
منذ سقطت بخطيئة!
صورة ا****ب جسدها بأول ليلة زفاف!
صورة ملامحه وهو يدخلها لتُسقط ذلك الجنين!
صورة اخيرة وهو يضع قبلة أعلى جبينها قبل أن يهجر ويسافر ويبتعد!..
الصورة تتزاحم ف ينفس الوقت الذي ص*ر به صوت من خلفهم.. صوت أخرص الجميع وأخرجهم من صراعهم القائم..
-ازيك ياكريم!
تلاحقه الأعين بين مشتاقة وفرحة.. بين هادئة وجامدة..
وبين عينيها هي تلك التي ترمقه بألم عاث بقلبها في تلك اللحظة متمرداً الظهور على صفحات وجهها وهي تستقم وتترك المكان..
وهتاف اخر تلاه اقتراب وعناق مشتاق.. يقترب من مازن المتهرب بعينيه .. يعانقه رغم شيء .. رغم تعثرهم بسببه!
رغم لعنته.. رغم كل شيء يهتف بثبات..
-وحشتني يامازن..
يعتصر مازن جفنيه وجعا .. يحجب عبراته يهتف بتأثر:
-انت اكتر.. انتم اكتر..
والذنب يطل من مقلتيها وهو يراقب نورا المتهربة بعينيها..
الذنب يقتله ويقتلها..
الذنب نحو فريدة يجب التكفير عنه..!
*****************************
يتذكر مازن ماكان من قبل.. كيف فعلها عادت ذاكرته لنيرة.. التي قتلها الذكري تداهم ولا تمنحه السلام...
غريب في بلاد غريبة.. في غيبوبته تذكر صاحبة الخصلات البنية.. تذكر نيرة.. ،عندما دخلت الي شقته بملامح شاحبة هاتفة بخوف:
-مازن.. انا حامل..
بهتت ملامحه وهو من مكان مثارًا ومتحفزًا إلى هذا اللقاء, ممنيا نفسه بها وبجسدها.. رغبة ومتعة يقتصها كعادته الب*عة..
نظر لها.. هي تراه فارس.. ولكنه ذئب وأسوء.. اقترب منها مظهرًا أسوء ابتسامة.. ابتسامة و*د مع مرتبة الشرف..
-هينزل يانيرة..
انهمرت عبراتها فجأة متحدثة بنبرة مصدومة:
-انت بتقول ايه يامازن.. انت بتقول ايه..
لامس وجهها .. فارتعدت منه وارتدت إلى الخلف هاتفة:
-متخوفنيش يامازن.. انت بتحبني صح..
ربت علي بشرتها هامسا:
-هينزل يانيرة..
-وانا..
ابتسم باتساع ، منحها الإجابة؛ وقتل روحهامعها :
-انت طالق
همست بصدمة متهاوية أسفل قدميه:
-بتقول ايه.. انا بحبك.. وانت..
بتر حديثها قائلا وهو يحتل عينيها من الأعلى:
-محبتكيش, انا كنت بتسلي.. وعشان انت غ*ية صدقت..
بضع كلمات كانت كالصفعة.. بضع كلمات وانتهي الأمر..
انتفض جسده في غيبوبته .. وحينها اص*رت الاجهزة الموصلة به صفير عالي..
تحولت غرفته في ثواني إلى الاطباء والممرضين.. ربما.. يحظى بفرصة.. بالحياة.. او معها..!
خرج من الذكرى بمرار الخلاص منه مستحيل.. خرج منه وكأنه يموت...
والذنب يكبله