الفصل الرابع عشر

2975 Words
كيف مر الوقت؟! كيف تتعايش..؟ كيف تنسى..؟! هكذا هي تدور بفلك يكمل دورانه به! تتخيل نفسها بيدق يحركه كيفما شاء تارة.. , وتارة أخرى ترى نفسها سيدة القرار.. العديد والعديد من المرات تقف أمام مرآتها تنظر لهيئتها بعين تحمل نظرة الرضا .. والأخرى نظرة خمول..! ولا تعرف النهاية رغم أن الحياة تمضي دون ركود .. أغمضت عينيها تهتز داخلها ذكرى فارقة بحياتها..! تعود لها بأمر من المشاعر المشتعلة .. المتصارعة داخلها كصراع الورق مع الهواء! خصلاتها تتطاير حول وجهها تعا** الهدوء وال**ت!, قلبها يخفق بعنف وجسدها يركن والسكون! تعود بخلايا العقل المحتفظة بالذكرى كمشهد ماسي غير قابل للإتلاف .. غير قابل للسقوط في بئر نسيان موحل.. غير قابل للزوال والرحيل..! دخلت إلى غرفتها وهو خلفها وخطواته الغاضبة تقلقها بعض الشيء, تسير على أرضية الغرفة بطريقة عادية .. تتجاهل وجوده تمام وكأنه شيء خفي ! وكأنها لا تراه! يراقبها وهي تصفف خصلاتها.. يراقبها وهي تمسك بمنامتها .. يتابعها وهي تتجاهله ..! تغيب عنه داخل الحمام الخاص بالغرفة فيجلس أعلى المقعد الموجود بالقرب من الشرفة , يخرج سيجاره يشعله بعصبية.. يفكر ويفكر.. التفكير لا يرحمه, والضمير يتعالى صوته ويؤنبه! دوامة تبتلعه.. والنار توقد هنا داخل القلب والعقل.. جميع خلاياه تعاني وعذابه يقيم حفلته بالدخل على انقاض رجل فقد جزء من قوته.. بل هو رجل فقد نفسه.. وفقد انسانيته حينما انتقم, الحسرة هنا ترتسم على ملامحه فتحيلها لأخرى منهكة.. والانهاك يعود بنيرة.. يعود ب**رته! وحقا هو منهك.. م**ور.. متعب... هو على شفا الانهيار ويحتاجها .. هو على شفا الجنون والعزلة وهي الترياق الموصوف.. هو رجل انهكه التعب والجرح ينزف .. ودماء قلبه لا تتوقف! هز رأسه عندما طال تفكيره وسيجاره نفذ و أصاب يده ناره.. يعتدل من مكانه فيجدها تقف مكانها تتأمله بهدوء تام , تنتظر منه الحديث..! تنتظر منه كلمة أو اشارة لتلك الحياة العبثية التي تحيا داخل بوتقتها في دجنة عينيه الصامتة بحالة جمود لا تعبير فيه! الزمن هنا يتوقف وهي تلتزم السكون .. ال**ت يرمي عباءته علي جوانب الغرفة في التزام مهيب..! تقف هي وهو يستقم من جلسته ينشد الإقتراب .. خطواته كانت هادئة.. بطيئة.. متوترة! خطواته كانت تص*ر صوتا خفيفاً ولكن في السكون القابع هنا داخله وداخلها كانت تص*ر ضجيجاً .. ولكن هذا الضجيج كان يحمل لهفتهم .. يحمل رغبتهم بالخطوة القادمة! الخطوات عنا كألحان لا ملل منها ولا نفور.. لا خوف ولا رهبة..! وفجأة توقف هو بالقرب منها , يرفع عينيها يحتضن نظراتها يتحدث بخفوت ولهجة ثابته وقوية.. يسكت ضميره عن وجعه والحاحه بضرورة إخبارها بما مضى! و صوت أخر يزأر راغباً في بعض الراحة والسكن.. يركن بنفسه البشرية كأساس كينونتها الراغبة في الراحة .. يتن*د مرة ومرة ومرة! يجاهد صراع يشطره.. يهدر الصوت داخله أن العلاج معها.. : -فريدة ! وصلها الصوت الخافت.. والهمس باسمها كان يضعها أمامه في بداية مواجهة لا تعرف هل هي أهل لها أم لا؟! لا تجيب فقط تنظر له دون أن تحيد بنظراتها عنه.. وكأنه غاية.. وكأنه نجاة.. ولا تعلم هي أنها لهذا الرجل غاية ونجاة.. بل هي انقاذ من سقوط وقع دون إنذار ! يهمس وهو يزيد الاقتراب خطوة أخرى..: -انا عاوز اكمل حياتي معاكي! تلتزم ال**ت ترغب في سماع المزيد, ولا تعلم هل ترغب المزيد لتكمل معه أم ترغب المزيد لأنها تريد ذلك فقط لرغبة مجهولة داخلها! يكمل هو مع **تها داخل جو مشحون بالتوتر يتابع هيئتها الهادئة وملامحها المريحة! -فريدة انت بقيت مهمة عندي.. يتوقف عن الحديث وهو لا يعرف كيف يكمل.. فالكلمات تهرب هنا! يرفع يده .. يخللها بخصلاته ..يتنفس بعمق وهو يزيد من اقترابه يكمل الحديث بدون ترتيب.. فيخرج على هيئة متقطعة بألحان لا تحمل نفور: -فريدة انا اسف , انا اسف بجد .. انا برتاح معاك.. عاوز اكمل معاك , سامحيني يافريدة! ي**ت وص*ره يعلو ويهبط.. يلتقط أنفاسه وكأنه خارج من سباق يعدو فيه بلا توقف.. يتوقف لدقيقة ..يعاود السؤال وهو يقترب منها أكثر يمد أنامله يحاول أن يلمس يدها ولكنه يتراجع : -سامحيني يافريدة.. يفرك جبينه ثم يعاود الحديث.. -هتعرفي! يضعها على الحافة ولا تعرف هي أي الطرق أفضل.. هذا الرجل الذي لا يبغى الحب سبيلاً.. هذا الرجل يثير الحيرة والظلام لمشاعرها! هذا الرجل يخفيها تارة و تشتاق لوجوده تارة أخرى! هي لا تعلم ما الذي يجب عليها فعله, تود لو يقرر هو ويطيح بكل ترددها عرض الحائط! يقترب أكثر ويزداد جرأة , يمد أنامله يعانق يدها .. يحتاج لها وكل شيء يحاوطها.. يرغب هو في **ر وبتر تلك الشرنقة المنصهرة من الجليد.. تهتف هي أخيراً وهي تنظر ليده التي تعانق يدها باحتواء يلمسها ويؤثر بها.. احتواء تحتاج هي إليه ..: -مش عارفة.. يهمس هو بعد كلمتها يستفسر وداخله اشتعال: -مش عارفة ايه.. ترتجف يدها بين يده فيزيد من احتواءهلها ,يشدد من عناق اليد.. تهتف هي بخفوت والحيرة تحتلها وتتغلغل لثناياها فتثير جنونها.. ترفع عينيها وتواصل عناق عينيه : -انا مش عارفة اعمل ايه.. تبتعد عنه سريعاً وبخطوات حادة تدور حول نفسها بالغرفة تحاول أن تتنفس.. ليس الهواء ولكن ان تتنفس راحة وحياة.. تقف أمام المرآة تمر بنظرة خاطفة لانعكاسها .., ثم تعاود له .. تلمح ألمه متجسد على وجهه وأٍسفه ينبض من قلبه.. تغمض عينيها وهي غير قادرة على الرجوع.. وغير قادرة على اتخاذ قرار! تردف أخيراً بتعب بعد **ت تناولته النظرات بلغتها .. عبراتها تقف هناك .. وقلبها يخفق دون حب!: -انا مش عارفة انا عاوزة اسامحك ولا عاوزة اسيببك.. انا مش عارفة انت مين!.. تقترب خطوة وتهتف بصوت أكبر: -انت الشيطان وانا الطروادة.. ولا انت الراجل وانا الست الي محتاجة ضلك.. يود لو يملك جواب.. يود لو يملك ثبات.. يود لو يملك نفسه.. يود لو يقبلها الآن.. أو يعانقها.. هو يود الكثير والأمل مبتور في أعماق بحر سكنت أمواجه ! يهمس وهو يواجها .. يهز كتفيه .. يخبرها انه مثلها .. يماثل حالتها بل وأكثر: -انت عاوزة ايه يافريدة.. يبتر الحديث مشيراً إلى نفسه وهو يردف بوجع أخفاه بصعوبة: -انا عاوز اكمل معاك.. انت راحتي.. يتوقف هنا يلتقط أنفاسه الثائرة فيكمل بإطلاق وعد نابع منه.. من قلبه : -فريدة لو كملتِ معايا اوعدك هكون كويس وهحافظ عليك .. عمري ما هخونك.. هحترمك تحاول أن تطلق القلب والعقل سويا فتصدقه , تحاول هي بل تحارب هي! تراه هنا الاب الذي غارت منه يوما وهو يدلل بناته..! تراه أخ يحافظ على شقيقته لأخر لحظة! تراه رجل غامض به الكثير والكثير من العتمة والخفايا! تريد أن تكمل وصوت يأمرها بالهروب.. أما هو فيقف ينتظر وينتظر.. يقلق ويرتبك.. تهبط هي أعلى السرير.. تدفن وجهها بين راحة يدها تشهق بخفوت.. وعبراتها تتحرر.. وهو بعيد عنها خطوات قليلة .. لا يعرف هل يملك الحق فيقترب أم يتركها إلى أن تنتهي... حزم أمره أخيراً واقترب منها يجلس بجانبها ويده تتمرد وتتجرأ تحاوطها .. يشعر بتشنج جسدها فيرفع يده يربت على ظهرها وبعدها كان **ت .. الآن هي تعانقه .. هي داخل أحضانه وهو مازال كما هو يربت بيده على ظهرها.. ترفع نظراتها له .. ترى عاطفته وحنان يظهر لها وهو لا يُظهره سوى لتوأمه! يتوقف عن الربت يمسك بيدها .. يأخذ قراره الأخير..! وكانت هنا عناق وتماس بينه وبينها.. قبلة هادئة ويده تعاود الربت .. يبثها الطمأنينة ويستمد منه الراحة! وبين هذا وذاك.. وبين اعتراض وقبول! الثواني كانت تمر بتثاقل , وبين الثانية والأخرى يتمنوا لو هناك فاصل أبدي .. والابدي كلمة خارج التحقق..! الابدي كلمة مزيفة.. الهواء فجأة أصبح ثقيلاً.. وربما صلباً! الجوع هنا لسكن مفقود كان كوحش.. وحشيته تسبقه في مضمار القلب والجسد! القبلة تعددت وتكررت حيث تلاها عناق .. وهنا فقد هو وهي طريق العودة.. فقدوا سويا حق التراجع! هنا تلاشى المنطق وبقى حقيقة الإكمال ! والشوائب تهاجم وتهاجم .. والجوع يُ**ت كل هجوم لماضي! هنا.. بداية جديدة! وربما نهاية! هنا حقيقة عارية من الزيف والخداع..! هنا حيث نقترب من السقوط! **************************** الوداع كلمة تحمل داخلها معاني للفقد, كلمة مغموسة داخل بوتقة الأوجاع.. والأوجاع تطيح بثوابتنا وتحملنا حيث رياح الماضي العاتية, تحملنا حيث النهاية ! هي الأنثى الباحثة عن توبة حقيقة في طريق الإستقامة .. هي الأنثى التي انقضى عمرها في سقوط ورذ*لة من أم كانت حارس مزيف لروحها الطاهرة! هي التي وصلت للقاع بل تخطته وكان القاع أعلاها! هي ما زالت كما هي تقاتل الماضي واشباح ذكرياته المؤلمة.. هي هنا تتشبث بكل طوق يُلقى لها من أجل نجاة وخلاص!.. على متن الطائرة كانت تجلس تنظر من النافذة والإستغفار يلازم ل**نها كما علمتها سارة.. سارة الأم والرفيقة والأخت! سارة الأمل والحياة.. سارة الخلاص والنجاة.. سارة النور في بداية طريقها المعتم! عبرة تسللت منها خفية ومذاق الألم لفراقهم ينهش قلبها وجعاً.. سارة وعثمان كانوا الأب والأم.. لقد ولدت على يدهم.. لقد تابت على يدهم.. عرفت دينها على يدهم.. تتذكر هذا الصباح عندما دخلت سارة عليها بابتسامتها المشرقة وغلالة الدموع الشفافة تزين مقلتيها .. تقف مقابل ريتال أو خديجة .. ترفع أنامله تلمس بشرة وجهها وهناك حزن يتخللها.. تهتف لها بتأثر: -لا أصدق أنك ستغادرين المنزل.. لا أصدق أنني لن أجد في الصباح ابنتي الأخرى جالسة على سجاد الصلاة تبتهل لربها بلغة أنا لا أفهمها ولكنها تؤثر بي.. تتوقف عن الكلمات وشهقاتها تتحرر دون رادع .., تمسك يدها تمسدها وتعانقها .. تهتف بحزم أم تنصح ابنتها بحنان: -حافظي على صلاتك خديجة, لا تنسي الاستغفار, راقبي الله بكل أفعالك حبيتي! تتوقف عن الحديث وتبتره .. تمسح عبراتها بيدها تكمل بابتسامة حقيقية: -اليوم ستخرجين للعالم مرة أخرى.. سيختلف الأمر.. ستخضعين لاختبارات حقيقية من الحياة, استعيني بالله عزيزتي دائماً وأبداً.. تمسك الحقيبة الموجودة بيدها تفتحها وتخرج منها وشاح زهري اللون تردف لها وهي تجرها من يدها .. تضعها أمام المرآة .. تنظر لانعكاسها , ثم ترفع الوشاح تضعه على رأسها وتلفه حول وجهها.. -انت أردت الحجاب وهذا أول حجاب مني لك عزيزتي.. تنهي تثبيت الوشاح جيداً تمد يدها وتخفي خصلاتها الناعمة من الأمام ثم تهمس بانبهار: -ما شاء الله خديجة وكأنك قادمة من الجنة !, زادك الحجاب جمالاً بل أنار وجهك.. خرجت من تلك الذكرى على صوت يوسف الجالس بالمقعد المجاور لها وهو يبدأ بتناول وجبة خفيفة تقدمها الطائرة بالرحلة للقاهرة .. يمد يده بابتسامة : -اتفضلي ياستي كل اي حاجة لحد مانوصل.. يتوقف عن الحديث .. يقضم جزء من شطيرته ثم يعاود الحديث ببهجة حقيقية : -ماما زمانها عاملة أكل مصري هتحبيه.. تناولت منه الشطيرة .. تبتسم داخلها على عفويته وتلتزم ال**ت .. ألقى نظرة عليها هاتفاً في محاولة منه لخلق اي تواصل بينهم : -وانت ناوية تعملي ايه في مصر يا خديجة.. هزت كتفيها وعينيها تشرد منها في صورة توأمها .. تتشبث بالصورة التي لاحت هنا في الخيال.. تعانقها بخيط واهٍ لخيال طيفهم! تهمس دون النظر ليوسف المتعمق بها .. يراقبها وهي تشرد .. تغمض عينيها .. تبتسم.. تفتح عينيها واللمعة تغلفها.. يراقب انفعالاتها المرتسمة على ملامح وجهها بسعادة وهي تنطق : -عهد وعلا.. تنطق اسمهم وكأنهم طوق نجاة ,تبتر الحديث ثم تلتفت له وكأنها تشاركه جزء من سعادة تشعر بها قريبة منها.. تحارب مخاوفها .. تقتلها .. تكمل وصوتها يتخلله ارتعاش: -اول حاجة هشوفهم.. هحضنهم اوي.. عبرة تتسلل منها دون أن تشعر بها.. فقط هو لاحظها .. بينما هي تكمل احلامها البسيطة : -مش هسيبهم .. هحضنهم اوي.. ت**ت قليلا وعبراتها تتسلل واحدة تلو الأخرى تردد مرة ثالثة وكأنها ترى صورة العناق في خيالها المجهول فتصفه عسى أن يتجسد حقيقة: -هحضنهم اوي يا يوسف.. وحشوني اوي .. تتلاعب بيدها والتوتر من الأمر يتملكها.. رهبة اللقاء والرجوع.. رهبة التخلي عن فقد وتعثر لازمها لسنوات وكأنه رداء جلدها لا انفصال عنه.. تتحدث له وتسرد له ما تشعر به .. تخبره بوجع أصابه تأثراً: -هما أغلى حاجة عندي, عملت كتير عشانهم.. ترفع أناملها تمسح عبراتها وتعاود رسم الابتسامة على شفتيها بارتجاف وجل يناوش القلب قلقاً ولكنها بأمل ونور يلازمها أخيراً تدحضه وتهلكه! -أنا كان ممكن اموت عشانهم.. تركن للسكون فجأة وصورة عناق منثور في خيال عقلها يتغلغل بثناياها .. تركن للسكون .. تتشبث بالخيال أكثر تمني نفسها بالحقيقة.. أما هو فيراقب بتأثر حقيقي.. تعثر كلماتها.. قولها الغير مرتب رغم تأثيره عليه.. يهتف وهو يسلط كل نظراته عليها: -انت أم حنونة اوي ياخديجة.. تهز رأسها ورغبة بالبكاء تسيطر عليها من كلمة أم مقرونة بحنونة تقال لها.. تلك الكلمة التي لم تحظي بنصفها بل والنصف الأخر كان وهم ! تُص*ر منها بعض كلمات شكر وهي تدخل لغيامه راحة ناشدتها منذ زمن.. بعد ساعة تقريباً كان قد وصلت الطائرة لمصر.. وخارج المطار كان ينتظرهم سيارة لتقلهم لمنزل العائلة.. كانت هي في أعلى مراحل التحفز والتوتر, لا تعرف ما الذي تخبأه هذه الحياة لها, لا تعرف ما الذي ينتظره داخل تلك العائلة التي من المفترض عائلتها..! هل سيحتضنونها.. ؟ هل ستنال منهم الحب..؟ هل ستُمنح حنان؟! الأسئلة لا ترحمها , تدور داخلها في شعلة لا تخمد نارها .., الخوف يمزج بالقلق يغمس بالرهبة يشعلون فتيل الحيرة داخلها. فتيل قابل للاشتعال والزيادة.. فركت جبينها حينما مد هو يده يفرقعها أمام وجهها في محاولة للفت انتباهها .. ينادي هو باسمها منذ فترة وهي لا تعي ما يدور حولها شاردة بالفراغ المنصهر بالخوف.. خوف من جهول.. خوف من قادم لا يعلمه إلا الله..! -خديجة.. تهز رأسها تلتفت له ترتجف وارتجافها يثير قلقه وحميته أن يطمئنها.., يعطيها هو العذر لحالتها يعلم ما مرت به جيداً.. أخبره عثمان ببضع أمور والباقي لم يذكره, ويكفي ما عرفه يكفي! يجبر نفسه أن يبتسم وهو يهتف بمرح يحاول أن يخرجها من حالتها تلك: -قلقانة.. الكلمة صحيحة بل ويضاف لها بعض البهارات من مشاعر التوتر. تجيبه وهي تعي لسكون حركة السيارة .. تنظر حولها فتجد أنهم بالفعل وصلوا إلى وجهتهم.. -خايفة.. ت**ت وتعاود الحديث بتقطع.. والتشتت يلفها: -مش عارفة.. مشاعري متلخبطة.. خايفة.. تعدل من وضع حجابها في حركة تدل على شدة انفعالها ثم تعاود الاجابة : -قلقانة.. يلوح بيده وهو يفتح باب السيارة .. يخرج منه.. ينحني لها وهي تجلس بالداخل يشير لها بيده أن تخرج.. دون كلمة.. لا يعرف هو كم هي تشعر بالسقوط والحافة تقذفها للقاع.. لا يعلم أن أشباح الماضي مازالت تهاجمها وهي تحاربها.. لا يعلم هو كم الخوف الذي يعتريها من الداخل متسرباً لأوردتها بطريقة تثير العودة والرجوع.. تثير رغبة الهرب ! تمتثل لأمره أخيراً .. تهبط وتنظر حولها.. يتقدمها هو هاتفاً بجدية تخالف طريقته المرحة المعتادة منه: -البيت ده بيت عيلتك.. الناس الي هنا لما عرفوا بوجودك كانوا فرحانين بجد.. يدخل بها إلى داخل المنزل مكملا وهو يلتفت لها .. يحتل نظراتها ولا يرغب بتحرريها.. يرسخ داخلها مبدأ يجب أن تؤمن به -البيت ده مينفعش تخافي ولا تقلقي فيه ياخديجة.. يشير بيده حوله ثم يعاود الحديث: -الجدران دي فيها روح.. فيها دفا.. مينفعش تخافي ولا تقلقي.. فاهماني يا خديجة.. تفهمه.. ويصلها المعنى , الأمان يتسرب لأوردتها ببطيء مثير ضجة مع الخوف الساكن بها.. الأمان يصارعه للبقاء والتمكن.. والخوف يعلن حربه على أرض ولد بها.. يهتف في وجه الأمان أنه أحق بها.. المشاعر بالداخل تمزق بعضها البعض.. بينما هي تحارب الخوف.. تقاتل الأشباح والوهم.. تهتف له كلمة أخيرة قبل أن يقا**ها أحد.. -انا عاوزة اشوف بناتي النهارده..! ************************** هل جربت أن تصرخ من قبل, أن تصارع نفسك بنفسك.. جسدك مقابل جسد أخر يماثلك.. ولكن الاختلاف أحدهم بروح تناضل في دهمة ظلامك.. والجسد الأخر بلا روح.. ماتت روحه ودفنت بالقاع! يستيقظ من نومه على كابوسه المعتاد.. يود لو يصرخ ويصرخ حتي تنقطع أوتاره.. حتي ينهض.. حتي يتحرر! صورة نورا مازالت تهاجمه بأحلامه.. تعاتبه.. تصرخ به.. صورتها وهي تركض خلفها .. تنزف دماً.. وبيدها طفل لا روح فيه.. صورتها تثير خوفه.. ! مذاق الوجع كان حاد حدة صدأ.. يشعر بالطعن لما فعله يمزق أحشائها متلذذاً بأنينه! ينظر لساعته بملل فيجد نفسه حينها يستقم من أجل عمله.. تضيء عتمته نور.. يتذكر أن الليلة سيقابل شقيقته وأمه بعد غياب عام.. وصل أخيراً إلى شركته يسير بخطوات هادئة .. يقابل ماجد الذي كان يخرج من مكتبه يبتسم له ابتسامة شيطانية يعلمها جيداً..! يتحاشاه وهو يدخل لمكتبه حيث هي جالسة على مكتبها بملامح ترسم الألم والوجع وكأنها ولدت هكذا حزينة.. تلك الأنثى تحيره.. وتشغل حيز صغير من تفكيره.. ولكنه لا يهتم ويمضي في طريقه دون رجوع! يجلس على مكتبه يتأملها بنفور وهو يتذكر مشهدها مع ماجد.. يهتف ببرود دون النظر لها: -خلصت الشغل الي قلتلك عليه يا بشمهندسة.. اومأت له رغم ذلك التعب الذي يتمكن من خلاياها كمجسم غريب يتلبس الخلايا ولا يتركها الا بالموت! -خلصته يا بشمهندس وهبعته ليك حالاً يومئ لها.. يشعر بحزن عميق يزداد داخل نظراتها.. منذ شهر وهو يرى داخل عينيها انطفاء.. منذ أن أصبح يعتزلها بل ويسرب لها النفور الصادر منه.. وكأنه قديس.. وكأنه بلا ذنب! تهمس هي في محاولة منها لقول شيء : -بشمهندس موسى ممكن اتكلم مع جضرتك دقايق.. يهز رأسه بتراً لطلبها خاصة وهو يهتف بجمود حال قلبه: -لو في الشغل تمام , غير كده لا.. تحاول أن تطلب منه المساعدة ولكنه يرفض.. تعاود هي الحديث متجاهلة بتره ورفضه.. -بشمهندس ماجد.. لم تكمل ما تقول وهو يقف من مكانه يخبط بيده أعلى المكتب .. يهدر بها .. يصرخ وكأن نوبة صراخه الذي تمناها صنعت هنا: -ميخصنيش قلتلك.. يرفع يده في إشاؤة تحذير يكمل بقوة: -وياريت تاخدي بالك من تصرفاتك بعد كده يا بشمهندسة.. يتوقف مكملا بتهكم ونظرات الاستخفاف تحاوطها منه: -مش كل ماجي الاقيه خارج من المكتب.. ياريت الي بينكم يبقى بره.. كلماته كانت كنصل بارد ينغرز مستقراً داخل قلبها.. تصرخ به وهي تنتفض من مكانها .. وعبراتها تتحرر .. جسدها يتشنج .. غصتها تقف تؤجل الهجوم فتبتلعها : -مسمحلكش.. انت فاكرني ايه.. صاحبك هو الي بيجي يضايقني , وعارف اني جديدة واي مشكلة هنطرد من الشغل.. كلماتها أصابته وهو يمعن النظر لها يتركها تفرغ ما بها: -انا محتاجة مساعدتك.. انت شكلك صاحبه قله يبعد عني.. روحه تحثه الصدق.. روحه تمسك به.. تحمله.. تهزه.. تخلطه بنفسه القديمة.. وهو يتركها تطفئ لهيبه المتقد وكأنه على موقد متلهف لإنهاء طبخته! هو هنا يناهض روحه المتعبة المنقوصة العمر مع كل سقطة سقطها.. يلتف حول مكتبه.. يقترب منها.. يتعمق بعينيها يرى الصدق المختلط بحزن.. يناضل بثبات .. بل بصعوبة.. يردف بتساؤل: -طيب هو عمل ايه واحكيلي من الأول ! كانت تحكي له ما فعله ماجد طوال الشهر الماضي.. تسرد له تفاصيل تزيد من وتيرة بكائها.. تنتهي من الحديث ثم تعاود برجاء أصابه: -انا بس عاوزاك تقله يبعد عني..انا مش عاوزة أكتر من كده... انا محتاجة الشغل ده وما صدقت لقيته.. يهز رأسه.. يرمقها بنظرة غامضة قائلا: -هشوف الموضوع ده مع ماجد.. متقلقيش.. التفت هو لمكتبه ونظراته كانت مخيفة .. قاتمة.. آسرة للظلام .. يفكر ويحلل الأمر.. يهب من مكانه , يخرج من المكتب بحثاً عنه.. يذهب له بمكتبه , يواجهه وهو يجلس مكانه: -تعالى برده عاوزك.. يلقي أمره ويخرج .. يفرض سيطرته بطريقته.. يخرج خلفه الاخر الذي هتف بملل -خير ياموسى.. يتأمله موسى بغضب وهو يهدر به بتوحش ضواري: -انت عاوز ايه من رهف.. يهزأ لاخر بعينيه وهزة كتف لا مبالية.. مع ابتسامة تناوش بخبث ماكر.. يشعل لفافة تبغ ينفثها بعصبية: -وانت مالك يخصك في ايه.. يهزأ الاخر ولهيب اللفافة يشتعل كما هو يشتعل.. -ابعد عنها ياماجد.. هي حكتلي كل حاجة.. ضحكة مجلجلة تص*ر بالمكان .. تلتفت الأنظار من ماجد وهو يربت على كتفه.. هازئاً.. -وانت صدقت.. مايمكن بتكدب.. صدقتها ليه.. وإحتمالية كذبها أمر يصيبه كنصل باتر يتقيه.. يود لو يلكم ماجد على ما يثيره داخل نفسه التي يجاهد ويجتهد في تهدئتها تلم النفس المطوقة بماضي مسموم ملوث يخبره ويواجهه أنت مغموس بذنب الخلاص منه ربما مفقود!
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD