لا تدري هل هو استفهام أم تعجب أم هو استنكار وسخرية من الوضع ككل...
تشتت عاصي تهمس بتوتر.. كلماتها مرتجفة.. نبرتها مقتولة، بل هي هنا مفقودة:..
اريد له السعادة.. انت مناسبة له-
كلماتها أصابت الأخرى بالجنون والتخبط
,خبطت مريم بيدها على المنضدة، تستقم من مكانها تدور بخطوات تنفر الثبات تنظر لعاصي تارة بعين الشفقة .
وتارة بعين القسوة..
تقترب من عينيها تحتلها بجمود .. تهدر بثبات تام: ..
-ولما أنا مناسبة..؟
تشيح الأخرى بعينها.. تكبح العبرات تقتل هذا القلب.. تمسكه هكذا فيموت:
-انت قوية.. جميلة.. من عائلة كبيرة بل من عائلته..
عددت الصفات وهي تخفض رأسها بوجع أصاب مريم بنفور من حالتها!..
كانت تعدد الصفات ومع كل صفة وميزة ينغرز داخلها خنجر بارد يحيلها إلى مش*هة!
تبتسم مريم بسخرية والوجع يصلها رغم النفور..
رغم الاستنكار..
رغم القسوة!
الوجع هنا يصلها كأنثى وجعها كان بالأمس، والأمس هنا حيث بداية النزف والسقوط!
وهنا على أعتاب الذكرى تهز رأسها.. تتلاعب بخصلاتها.. تهمس وهي تعود فتتابع عملها على حاسوبها الخاص بعد أن ارتدت عويناتها مرة أخرى, يتلبسها حنون انها ستحيل قرارها للندم , ستقتل بها الأمل المزيف وانتهى:..
_-اذا هو عرض سخي منك عاصي.. سأفكر بالأمر, هل يمكنني إكمال عملي الآن!
استقامت عاصي بثقل ينهش جسدها وتشتت يحتل عقلها , تنوي الخروج عندما همست مريم من خلفها بتساؤل غامض:
-هل يعلم ناصر بذلك؟!
ودون أن تلتفت عاصي أجابتها:
-أجل مريم هو يعلم بما يدور !
تهتف بتعجب تلحقها قبل الهروب:
-يعرف أن زوجته تأتي لأنثى تقطن بمنزله تطلب منها الزواج بزوجها..
واجابة عاصي ايماءة دون استدارة ودون صوت وكأنها اكتفت بذلك من ذل لم يختارها أحد سواها!
وقهر لم يصنعه شيء سوى يدها!
تاركة خلفها مريم التي ارتمت على السرير وعبرات متحجرة تأبي التحرر .. وقلب مدفون بأعماق الجليد.. وعقل يغلف بقسوة قد تحرق الجميع وأولهم هي!
*******************
ما وراء الخير والشر إنسان .. , إنسان يخون.. يغدر.. يتوب.. يعشق..
يتوه في خبايا الحياة المنعقدة داخل جسده المزعوم بمسؤوليته عن كل الأخطاء!
مر أسبوع منذ أن جاءت رهف إلى العمل معه بمكتبه ..
رهف هادئة .. شاردة تارة.. عينيها غائمة تارة .. تلوذ بال**ت دائماً..
نصفها قهوة سوداء والنصف الأخر مشروب طاقة..
تمتلك طاقة غير عادية على العمل , ولكن فيما عدا ذلك ثابته في دوران لا يتحرك.
كان قد وصل إلى موقع الشركة التي يعمل بها, وهو يفكر بها..
الافكار تتصارع داخله وكأنه يصارع دب بري بأيدي عارية , فلا طاقة له بفوز ولا تنازل عن الاكمال والنصر!
هل رهف كما قال صديقه أم هي بريئة ومختلفة !
بالأعلى بمكتبه كان ماجد يدخل إليه حيث تجلس هي تعمل على إحدى البرامج الهندسية بتركيز شديد, تأملها بأعين ذئب يتنظر الانقضاض على فريسته .. يتلاعب وهو يجلس أعلى مكتب موسى المقابل لها هاتفاً بنبرة متلاعبة:
-ايه يا رهف من وقت ماجيتي وكله شغل كده !
تشنج جسدها بالتزامن مع النظر إليه ولا تعرف لما تخاف هذا الرجل وترهبه..
نظراته بها شيء سيء وغامض يثير داخلها الريبة والنفور ممتزجان في إنذار يدوي داخلها تحت مزيج الخطر والحذر..
هزت رأسها وهي تحافظ على واجهتها الثابتة , بينما أناملها ترتعش بتوتر قابعة بحجرها.. تبتلع ريقها تجيبه بهمس :
-ابدا يا بشمهندس وهعمل ايه غير الشغل ..
ت**ت لثواني تزيد بنبرة أقوى من السابقة :
-وبعدين انا جاية عشان اشتغل بس!
هز رأسه يضيق عينيه يريد الايقاع بها ولو لزم الامر كل سبله وحيله!
بداخله ثقة جذلى أنها ستمنحه جسدها .. انتصار مريض يلوح له بفوز مريض كروحه!
يقترب منها كذئب بشهوة حيوانية لا رادع لها ولا ملجم!
تنظر له بتشتت .. تض*بها الصدمة من نظراته الجريئة المتلكئة ببطيء منفر على ما ظهر من فتحة كنزتها السوداء!
ترفع يدها لأعلى تحاول أن تداري أي شيء قد ينظر له!
ولكنها لم تعلم أنها ولو كان لا يظهر منها شيء لتقرب قرب نفسه المريضة التي توحيه وتخبره على الانحلال في هوى الحياة دون رادع!
اقترابه كان أسرع .. يمد أنامله أمام نظراتها يحاول أن يلمس خصلاتها ولكنها تفيق من طور الصدمة..
تسمح لجسدها بالتنفس من تيبسه .. تمسك يده تبعدها هادره بصوت خفيض خوفاً من المشاكل والمصائب التي قد تحدث..
-أظن تتفضل على مكتبك يا بشمهندس ماجد, عشان ما عليش صوتي
نظراته تزداد جرئه وأنامله تنساب بين يدها .. ينقر بها أعلى المكتب يهمس أمام ملامحها المتوترة بوضوح التقطه هو بسهولة:
-متقدريش تعلى صوتك يا مدام رهف , واظن انت عارفة ده كويس صح! اصل كده فضيحة وهتكون ليك مش ليا
ارتعش جسدها وهي تستمع لما يقوله , تخاف هي مما يصل لها من معنى الحديث.. تعلم انه محق, ولن يلوث أحد سواها!
كان هو يزاد قرباً وهي تبتعد عنه ترفع يدها تنوي صفعه ولو ثارت المشاكل ولو كان الثمن وظيفة نحتت الصخر للحصول عليها ..
ولكنه أمسك بيدها في اللحظة التي اختار موسى فيها الدخول للمكتب وبيده كوب القهة الخاص به!
المشهد هنا كان بعين موسى , مشهد رخيص لا ينم لأي فضيلة..
يرمقهم للمرة الأولي بصدمة تتحول لجمود يخفي إستنكار مدمج بالإحتقار لها هي وحدها!!
رهف!
ابتعد ماجد عنها يلتفت لموسى يرمقه بنظرات ذات مغذى أنه بتر وصالهم الدنيء !
يخرج ماجد من المكتب ولكن موسى يستوقفه قائلا :
-اظن المكتب ده مكتب محترم الحاجات دي متتعملش هنا
يضحك الاخر بخفوت بينما هي تنظر له بصدمة وعجز في آن واحد .. تتجمع العبرات بعينيها وهي تردف بصوت مهتز رغم ثقته:
-قصدك ايه يابشمهندس موسي.. انت فهمت ايه..
لم ينظر لها بل شرع بإكمال أعماله .. يستمع لأنين خافت تكبحه لم يؤثر فيه بالمرة..
يهتف بصلف وهو يرتشف قهوته ببرود تام:
-ميهمنيش افهم حاجة يابشمهندسة , دي حاجة تخصك, بس ياريت تحافظي على اسلوبك جوا الشركة ..
يستقم من مكانه بعد أن امسك ببعض اللوح بعد أن أخرجها من الطابعة المرفقة بمكتبه يكمل باستخفاف:
-اما برا دي حاجة تخصك اعملي ما بدالك!
اطلق كلماته التي وقعت على روحها كالبتر البارد في غليون دم يقطر وجع..
تركها وخرج من المكتب .. تركها خلفه بأعين دامعة وأنين خافت يص*ر منها .. تفشل في السيطرة عليه..
تفشل في الثبات وال**ود مع أول عقبة قابلتها !
تفشل كما فشلت بوطنها ..
خرج موسى وبداخله نار وضجيج احتل داخله مختالاً به***ة سلطانية نابعة من شيطانه المدنس لروحه متغلغلاً داخلها بثبات مداوم لغاية سقوطه للقاع..
رسالة وصلته على هاتفة من شقيقته منار .. رفعها ينظر لها بتشوش عندما اخبرته:
-احنا جايين دبي ياموسى ماما وافقت نيجي في نص السنة ..
تبعث برسالة أخرى على نفس الشاشة..
-ابقى كلمني باليل لما تخلص شغل.. سلام..
أغلق هاتفة.. يغمض عينيه .. يصارع شيء مجهول داخله.. يحاول أن يفلح بالخلاص من قيوده..
يحاول أن يملك الاقتدار على الاعتراف بالذنب .. أن يملك القوة على العودة لذاته!!
أن يخرج من بحر الخطيئة والخيانة !!
الخطيئة لجسده وأفعاله والخيانة لربه ووالدته..
تقاطع طريقه مع ماجد الذي أوقفه هاتفاً بخبث:
-مش قلتلك ليها في الشمال
رفع موسى أصبع في اشارة تحذيرية .. يرمقه بنظراته النارية .. يهتف بغضب نابع من اشتعال داخلي يوشك على الانفجار :
-ليها ملهاش .. دي حاجة متخصنيش ياماجد طول ماحنا في الشركة هي بالنسبة ليا زميلة وبس..
ضحكة مستهزئة صاحبها نبرة ساخرة وهو يربت على كتفه .. يهم بتركه:
-ماشي يازميل .. موسى بلاش المبادئ الي مش لايقة عليك دي !
انهى كلماته وتركه وضجيجه لا يتوانى عن التصارع والتعالي..
الاشتعال لصراعاته يحرقه ولا يريحه.. قلبه يتألم ويذبل أكثر..
وعقله يهدر .. يؤنبه.. يقتله..
-فلتهنيء بسقوطك للقاع..
والقلب يخبره بوجع:
-انهض قبل النهاية!
********************
يتبع الفصل الجديد