لا توجد سعادة أبدية.. لا توجد سعادة مطلقة ولا توجد سعادة مشروطة!
فقط البشر هم من يختلقون وهم السعادة الدائمة داخل غريزة التمني المستحيل..
وهي ..!
هي تريد أن تهبه سعادة مستقرة, تلك السعادة الذي كان بدايتها سقطة وتنازل وتعثر بالحزن ..
نهضت من مكانها تنظر لحالها بأعين لاهية بصورة لناصر موضوعة داخل برواز فضي اللون أعلى المنضدة..
تنظر لها تارة وتارة أخرى تغمض عينيها ... تستوعبها .. تتشربها.. تدفن ملامحه داخل ثنايا القلب أكثر فأكثر! عيناه لا تفارقها ولا تتركها وكأنها مركز الكون ومرساه, العشق والحياة, المنزل والوطن..
تمسك بخصلاتها تمشطها بسلاسة فتأسرها ومضة من ماضي قريب عندما كانت تجفف شعرها وهو جالس على السرير في وضع نصف جلسة..
ترتعد خجلا هي في حضرته وتموت الف مرة بين جوانح قلبه المتوله بعشقها هي لا سواها..
يتأملها دون أن ترف عينيه , يهديها ابتسامة ومعها وعد مطلق لكل شيء قد تتخيله هي ..
ينهض من مكانه يسير بخطوات متمهلة حتي بات خلفها .. يبتسم بهدوء مشابه لروحه الحانية .. يمسك بفرشاة خاصة بتصفيف شعرها ويبدأ دون حديث بالبدء في تصفيفه .. وبين التصفيف أنامله تتمرد وتلمس الخصلات وكأنها كنز كعشق صاحبة الخصلات..
يهمس بخفوت وهو يتابع ما يفعل ونظراته تعانق عينيها في انعكاس المرآة, يأمرها أولا بجزم رجل عاشق :
-افتحي عينيك يا عاصي,
يبتر الحديث متنفسا بألم وكأن النظر لها حياة وترياق ونفس وروح , يتابع بهمس ويده تلمس بشرة رقبتها, فتموج هي بدوران جسد من ثمالة قلب ذائب في العشق:
-لما؟ انت تربكني , تحيرني بهواك , تقتلني بحديثك , ابعد ناظريك عني يا ناصر..
تتجرأ يديه وتهيم بها أكثر فتثمل هي أكثر, عينيها مغمضة أكثر, وهو لا يمكنه ان يبارحها بنظره ابدا..
يأمرها مرة أخرى بصون منهك , معذب, مهووس بها:
-افتحيها لأجلي يا عاصي , لأجلي..
امتثلت لأمره ببطيء وافترق جفنيها بصعوبة , خرج نفسها بصعوبة من هول العاطفة التي اجتاحتها وقلبها يؤلمها..
يعانق عينيها وفي عينيها حياة وروح, همس ويده تعاود تمشيط خصلاتها الناعمة بسلاسة:
-كيف لك أن تأسري القلب بتلك الدرجة عاصي؟!
تن*د وتابع بينما ينجني يعانقها مكملا بهدوء:
-سرقتي القلب يا حياتي ولم يعد, تملكت مني كل شيء في الهوى يا عاصي..
السؤال تعجب وتأكيد بحب وصل لمرحلة أصابت قلبه بتخمة المشاعر.. القلب منهك منها ومن عشقها, معذب بها ولها , القلب مأثور لها ولها فقط...
قالت كلمات الاغنية (زيديني عشقا) وهي تزيده بلا كلل ولا ملل..
لمعة عينيها كانت تفيض صدق مشاعر كان هو الأول في مضمارها والأخير أيضاً..
ت**ت .. تتهرب بعينها والخجل يعتريها ويكتنفها داخله ..
تهمهم بلذة عشق هاتفة بخفوت والقلب تزداد دقاته :
-احبك, لا أعلم أي قدر جميل منحك لي, لا أعلم كيف للعشق أن ينتظرني معك..
فيزيد الهمس حباً وشغفاً وهو يلقي بالفرشاة بعيداً عنه .. يتلاعب بخصلاتها بعبث.. يتنهد..
يعشق.. يصرخ بالهوى , يأسرها بعينيه ويموت بها وفيها , يقتله هوس تملكها كل لحظة بشغف وحب:
-احبك عاصي ..اعشقك, اهواك
يبتر حديثه .. يمتنع عن الإكمال ,أنامله تتجرأ أكثر وهي مستسلمة لكل شيء.. ترتجف تحت وطأة لمساته وتموت فيه , تعشق وهل يمكن للعشق أن يكون أكثر من ذلك..
ينحني ويحملها بين يده فتتعلق برقبته , يسير بها .. ينوى أن يدخلها غيمة وردية تنسى فيها العالم وينسى هو فيه نفسه وروحه وكل شيء..
يتجرد معها من أي تعقيدات يبتعد قبل أن يهمس أخيراً بكلمة يكررها وكأن الحديث معها لا ينتهي ولا يموت , وينتهي:
-أحبك عاصي..
قبلها مرة اخرى وعاد يكررها:
-أحبك الى اخر العمر
وقبلته بعدها كانت بداية ليلة جديدة لهم.. وحياة جديدة لهم تتجدد كل مرة أكثر وأكثر..
خرجت من الذكرى دون هيام وهوى.. خرجت وعبراتها تتمرد وتنهمر , تقتلها الذكرى بدلاً من أن تحييها .. تقتلها وتؤلمها وتحرقها كل خلاياها من الوجع , تموت الف مرة وهي من سلمته بيدها وتريد منه الزواج بأخرى من أجل الحفيد لعائلته..
تتحدث لنفسها معترفة بصوت مسموع , تضع نصب عينيها حقيقة ثابتة أنكرتها ومع أول اغتراب العقل بذكرى زال الانكار, وزال التيه وانبثق داخلها الحقيقة:
-لا تكذبي على حالك عاصي, أنتِ لن تمتلك المقدرة على رؤيته مع غيرك
تبكي, تشهق, تموت, ورغما عنها تنشطر هي لقسمين واكثر.. تهمس لحالها متابعة بألم:
- لن تستطيعي المضي في تلك العلاقة ..
تلمس موضع قلبها وتربت أعلاه , والربته باتت ض*به :
-سأذهب لها , سأقسم مراسم الموت لقلبي اليوم..
تقف أمام المرآة مرة أخرى تتجرد من ثيابها وترتدي أخرى.. تنظر لنفسها نظرة **يرة, ميته , وكأنها نصف أمرأة , ونصف حياة , ونصف ادراك ووعي..
تقر داخلها إن كانت هي لا تلمك تلك السعادة الذي يجب أن تُمنح فستهديه هي ذلك من خلال أخرى وبعدها ترحل!
ستزوجه, سترى فرحته لحمل زوجته الجديدة, ستبكي وتبتسم وتنشطر بين الفرح والوجع.. وبالنهاية ستكتب انتهيت..
*******************************
في غرفة مريم كانت تعمل دون فاصل..
نهم..!
شره!
جنون!
كل هذا ما يخص العمل , لم تتوقع في لحظة ما أن تكن بذلك الشغف تجاه عملها أبداً , لطالما كانت تحلم ببيت صغير وزوج محب و أن تنجب له الأطفال وتحيا معهم مناخ عائلي فقدته!
ولكن..!
الخيانة لا رادع لها تجبرنا على الرحيل من غرفة احلامنا الوردية , أن نطيء بأقدامنا لبوابة جحيم الواقع, أن نموت كل ليلة الف ليلة, وكأن العمر مزقه الهوي بلوثة خيانة مبهمة..
تهز رأسها وهي تستشعر مدى سخافة تفكيرها وورديتها المزيفة .. تستنكر الرجوع بالذكريات, والرجوع بالوجع..
تطلق ضحكة هاتفة داخلها:
-وهل زال الوجع يامريم؟ هل زال؟ أم هناك ندوب تحرق ما يدور بك من سلام لا تملكي القدرة الحصول عليه...
ما نتيجتك ورديتها سوى انها استيقظت على بيت من رمل..
وزوج خائن..
وطفل مفقود!
في تلك اللحظة الذي كادت أن تنجرف داخلها لدهاليز الذكريات مرة أخرى , طرقت عاصي الباب .. تستأذن الدخول بهيئة متوترة وصلت لمريم جيداً.. هيئتها هيئة انثى ميته , هيئة انثى لا تملك الراحة وكانها صورة باهته من جزء داخلها لم يمنح الحب والسلام..
هتفت وهي تنزع عويناتها .. تهديها ابتسامة من القلب :
-بالطبع تفضلي عاصي , هل تأخذين الإذن ببيتك..
وكلمة بيتك تلك أوجعت خافق الماثلة أمامها وهي تقترب منها , بيتك , يا لها من كلمة وهل هو بيتها حقا, لو كان بيتها ما فرطت به, .. تجلس على المقعد المقابل لها .. تتحدث بهمس خافت وداخلها براكين عشق نارها تكوي وتحرق:
-مريم هناك أمر أريد التحدث به معك
تبتر الحديث الذي خرج بنبرة مرتعشة , نبرة ميته , نبرة مفقود منها الهوى والسلام , تكمل بسؤال متهاوي:
-انت متفرغة لذلك عزيزتي.. لو لد*ك عمل استطيع الانتظار.. ونؤجل الجديث لوقت أخر..
وكأنها تؤجل النطق بحكم اعدامها هي لا غيرها..
هزت مريم رأسها نفيا قائلة وهي تغلق حاسوبها:
-لا بالطبع لا , هيا تحدثي , انا مللت من العمل , هيا ماذا هناك..
تنتظر منها أن تكمل حديثها.. تتأملها وشعور عدم الراحة يستوطنها ولا يتركها..
فتجلي الأخرى صوتها في تكوين منها لاعتراف وتقرير دون قيود .. تهتف مباشرة دون فواصل و بتر, دون مط وتأجيل لمكتوب لا مناض منه ابدااا:
-مريم أريدك أن تتزوجي من ناصر..
هكذا قالتها دون بتر, دون رجعة .. دون سقوط..
**ت تام بعد جملتها الأخيرة .. مريم تجعد جبينها , تدور بعقلها.. تتعجب , تحتار, تموت..
تنظر لعاصي المتهربة بنظراته الخانعة تلك المشابهة لنظراتها يوماً ما! واه من يوما ما كنت عاشقة ليامن ..
فيصيب قلبها الوجع لذكرى أمس اختلطت باليوم ! واه من الامس ووجعه وسقوطه..
اقتربت منها برأسها بنظراتها تحتلها وتنوي سبر اغوارها, كيف لها ان تطلبها للزواج يناصر كيف والعشق من اعينهم ينطق دون حديث اوهمس, تهتف بجمود ونفور متسلل داخلها:
-اتزوج من ناصر..حقا
..
ت**ت وتعاود السؤال وبرفقته ضحكة مفتعلة حقيقية:
-حقا , تتحدثين بصدق, انت تتحدثين بصدق , كيف؟
توقفت عن الحديث.. تبتره في دوران الاستيعاب, تحاول ان تفهم الامر , لا تجد أي مبرر لتلك المزحة السخيفة..
..
تتأمل الجالسة أمامها بنظراتها الشاردة..
خصلاتها المعقودة بإهمال! وكأنها عاصي اخرى لا تعرفها , اين الاشراق والحب , اين التألق بعينيها أين؟
..
بشرتها الشاحبة وكأنها على شفا الموت
انقباضه يدها.. وتلك الهالات المحيطة بعينيها في إشارة صريحة بعدم النوم..
تكمل هي بنبرة يتخللها بعض العصبية, والقهر لأجلها , تصرخ بها: :
تمزحين, لقد فقدت عقلك يا عاصي فقدتيه..-
تنظر لها مرة أخرى ولكن الأمر لم يكن مزحة.. فتهدر بقسوة تزيد من توكيد الأمر .. تطلب منها نفي ولو كاذب انتصاراً لكرامتها المهدرة هنا:
تريدين مني الزواج من زوجك عاصي؟ تتنازلين عن كرامتك بتلك السهولة..
يتبع