الفصل الثامن وثلاثين

1900 Words
بإحدى الغرف كانت تجلس مريم على السرير في وضع متكئ شاردة .. تائهة.. محبطة.. ويمكن ان نقول محطمة!, مريم في ذلك القصر وبالعودة له وكأن الماضي لا حقها ووجدها في بؤرة بعيدة عنها, لقد عادت الصور امامها تنحر بها كل سور بنته اعلى جراحها التي اعتقدت انها قد عالجتها و اغلقتها بينما اليوم فقط اكتشفت ان الجرح مازال نزفه جار ولا سبيل لاغلاقه.. تن*دت وعيناها تعانق السحاب والمطر , الشتاء هي تعشقه و للغاية و لكنها اليوم عندما دخلت القصر شعرت انها تعاد مرة اخرى للماضي, اغمضت عينيها وصور يامن و حديثه عن الحب , و اذلالها من اجل الحب والهوى , تتذكر احلامها الوردية ولكنها لم تجد سوى سراب , هذا السراب الذي استيقظت على اثاره فسقطت بلا عودة في بئر الخيانة الذي لم يرحمها من ان يلفها بين تروسه الف لفة ولفة.. في ذكرى بعيدة تذكرت يامن في ليلة من ليالي الشتاء, كانت تجلس بالقرب من النافذة وعينيها صافية معانقة السماء والشتاء, أناملها تلمس الزجاج التي تراقب من خلفه ما يدور بالخارج, اصابعها تهبط و تعلوا مع قطرات المطر المنسابة اعلى الزجاج مرتطمة به في صوت لا يمكن تجاهله.. يدها تلاعبت بخصلاتها وبين اليد الاخرى كان يقبع كوب حراري به مشروب الشوكولاته الذائبة , ارتشفت منه , تذوقته واغمضت عينيها مهمهمه بتلذذ , شعرت بمن يقف خلفها , شعرت بأنفاسه و كيف لا تتعرف عليه وعلى انفاسه , كيف يمكنها تجاهل تلك الرعشة التي تسري الان بجسدها لمجرد شعورها به معها هنا يجاورها بالخلف, تنفست بعمق و التفتت له ببطيء بينما عينيها تواجهه بخجل لم ينضب بمرور الوقت , كان يقف متكئا على الباب و عينيه تجول على جسدها المرتعش اثر نظرته التي لا ترحم, تنفست وصوت خفقات قلبها تشعر كما لو انه يمكنه ان يستمع له ويشعر به, اقتربت منه وعينيها تعانق نظراته بخجل , خطواتها مترددة .. بطيئة , قلبها يقرع كالطبول و كانها معه لأول مرة, اقتربت منه كانت على بعد بضع خطوات ووقفت ولكنه .. لكنه ماكر , عابث .. ونظرته لا يمكن تجاهلها, همس لها و هو باقي في مكانه دون ان يتحرك او يحرر عينيها من عينيه , يفرض سيطرته وللنهاية: -قربي يا مريم, قربي لم تمتثل لأمره , جسدها لا يملك الحركة رغم الخضوع , كلها له و لأمره و لكنها لم تملك القدرة على الامتثال, كرر هو الحديث بطريقة بها سيطرة أكثر فهمس بقوة رغم الصوت الخافت : -قربي قالها وقربه لها مهلك ويضيع منها النبضات والقلب, القرب منه هلاك, بالنهاية امتثلت لما يريده و اسفل نظراته الحادة , كان يعلم انه لا يحبها ولكنه لا يعلم هل يرغبها فقط كما يخيل له , أم انها تمثل له اكثر مما يؤمن به ويتوقع, كان ال**ت يلف الغرفة , وال**ت لم يقطعه سوى صوت انفاسهم الهادر , هي من العاطفة والحب , و هو من الرغبة فقط, المطر بالخارج يزداد و صوت ارتطامه بالزجاج بالخارج كان يزداد مثيرا بهم شيء لم يفهموه, اقترب هو في تلك اللحظة الذي ارتطم بها الزجاج الخاص بالشرفة مص*را صوت ارهبهم, اسرع منها و يده التفت حول خصرها, وذراعه تحتضنها كلها , تجذبه به اكثر و أكثر, وكانت نظراتها مثبته على عنقه , و كأنها في هذا القرب المهلك لا يمكنها ان تسمح للعين ان تعانقه بنظراته التي تهدم كل ثباتها , همس لها وهو يداعب خصلاتها الطويلة الغجرية : -بصي ليا يا مريم, ارفعي عيونك ليا.. و بصوته .. بنبرته و كأن هناك منبه يجعلها تمثل للامر, رفعت عينيها ببطيء وفجأة شهقت من حدة نظراته لها , كانت الرغبة المتقدة من عينيه و التي فسرتها هي كا الغ*يه على انها عاطفة وحب.. عانقت نظراته وهمهمت بينما يدها تتلاعب بقماش قميصه هاتفة باهتزاز: 0-عامل ايه يا يامن, احضرلك الغدا. لم يجيبها و لكن يده ارتفعت تتلاعب بشفتيها هامسا بتساؤل وعينيه تهبط لمرمى نظرها اكثر: -وحشتك يا مريم.. الا يعرف , الا يشعر , لا يرى , الجميع يرى حبها الغير مشروط له , الجميع يرى و هو هنا يسأل هل تشتاق , اجل هي تشتاق وتعشق وتذوب.. منحته هزة رأٍس بايجاب تبعته مجيبة : -ايوه يا يامن وحشتني قوي.. ابتسم ابتسامة جانبية بينما ذراعيه تحاوطها اكثر , تدسه اكثر لأحضانه فهتفت قبل ان يتأمل وجهها للحظات : -بحبك.. لم يمنحه هذا الجواب الذي تنشده و للغاية أن يخبرها هو أيضا بالحب , اغمضت عينيها بينما هو يهبط بشفتيه معانقا شفتيها كاتما اي اعتراض قد يص*ر منها , و هي لم تعترض و لما تعترض الا تشتاق له وتذوب ,و تحترق لأي لمسة منه تشعل بها الحب اكثر, ارتفعت يدها تعانق ملتفه حول عنقه ثم بعدها سمحت لحالها ان تتلاعب بأنامله في شعره الكثيف, ابتعد عنها بعد فترة هاتفا : -انا جعان.. اصابها الاحباط من ابتعاده المفاجيء خاصة مع همسه الذي انبئها بانه جائع , هزت رأٍسها وابتعدت عنه هاتفة بصوات واهي بينما قدمها من اثر العاطفة القبلة كانت كالهلام و بالكاد تحملها: -ثواني هنزل واقلهم يحضروا ليك الغدا همت بالابتعاد و لكنه لم يمكنها من ذلك وهو يعيدها بذراعيه لأحضانه , هاتفا امام نظراتها الحائرة بمكر: -انا صحيح جعان بس ليك انت.. وقبل ان تبتعد عنه حملها بين ذراعيه, قاصدا سرير الموضوع بمنتصف الغرفة , مغيبا قلبها وعقلها بين طيات رغبته المحمومة, كان يعانقها و كانت تماثله بعاطفة العشق, العشق بين قلبها كان العالم والهوى , وهو هو لم يعشقها ولم يكن في القصة غ*ي سواها.. خرجت من الذكرى البعيدة على عبرة طرفت العين متحررة رغما عنها هادمة ثبات جرحها التي دفنته بالقاع معتقدة انها هكذا انهت النزف , همست لنفسها واناملها ترتفع ماسحة تلك العبرة من اعلى خدها بعنف : -انت الي غ*ية محدش غيرك كان مش شايف انه مش بيحبك, انت الي عشتي الحب زي الغ*ية يا مريم , انت الي بعتي قلبك وافتكرت انك هتاخدي حب.. اغمضت عينيها بينما عينيها تستقر على المطر مرة اخرى, وبدلا من ان تعانقه كما اعتادت , ابتعدت عنه و لعنت نفسها القديمة بلا رجعة.. الان هي مريم اخرى, انتهت القديمة و ليحترق يامن والماضي بذلك الحب المرضي الذي لفها حتى اودى بها للنهاية وبلا رجعة.. الان بداية جديدة و لا مكان للحب وانتهى الامر.. اما بعيدا عنها عاصي كانت تنظر للمطر الذي لم يتوقف الا لساعات قليلة ! تتذكر حب ناصر.. عشقه لها.. جنونه معها اسفل المطر! وكأن المطر يحمل للعشاق خيبة وعشق على حد سواء, الشتاء وعناقه يجلب الذكريات ولا يتركها ولا يرحمها.. في احدى الايام ببداية زواجهم كانوا يقضون عطلة بإحدى الاماكن النائية بريف فرنسا , تتن*د بيأس وخيبة مريرة تحتلها من هذا القلب المتألم بعد غياب ليلة واحدة عنه فماذا عن الايام القادمة! ما الذي قد تفعله مع هذا الحنين وهذا الشوق الغير محتمل ان ينتهي ويذوب.. تلتفت لمريم الشاردة بطريقتها الخاصة .. تهمس وهي تريح ظهرها للنافذة خلفها بنبرة بها توسل بينما عينيها تجدي التهرب و الوداعة على حد سواء: -مريم هل يمكنني طلب امر ما؟! همستها بتوجس وذلك لان ما قد تطلبه في عرف مريم لا يمكن الغفران عنه .. خرجت مريم من الشرود الذي تلبسها , تعتدل بجلستها, ترمقها بسخرية وهو تضع يدها اسفل ذقنها , تتأملها بنظرة تقيميه وداخلها قول واحد -انا اعرف ما تريدين طلبه .. اجل تعلم فالعاشق تفضحه العين والنظرة و هذا ما وقعت به هي من قبل و ما تحيا به عاصي اليوم.. ص*رت منها ضحكة قصيرة بينما تلتفت لها , هاتفة بتهكم صريح و قطرات المطر لا ترحمها من الخارج محدثة توتر في نفسها: -عاصي, عزيزتي لن نتصل بناصر, ارى ان تهدأي وتصبري , هكذا نعلمه انك لست لعبة بين يديه .. الصدمة تحتل الأخرى متسائلة داخلها كيف علمت بما يجول داخلها وهي تقترب منها قائلة بنبرة متعجبة وعينيها متسعة من المفاجأة: -وكيف علمت ان هذا السؤال؟ كيف خمنت الأمر يا مريم, كيف؟ عاصي متعجبة ومريم لا تبالي تهز الاخرى كتفيها بنبرة غير مكترثة وغير مبالية وهي تستقم من مكانها ويدها اليمنى تتخلل خصلات شعرها القصيرة بانسيابية قبل ان تدور في الغرفة وعينيها تجول في الغرفة بشرود رادفة بنبرة هادئة وهي تلتفت لعاصي الوافقة بترقب للإجابة : -لأنه ببساطة هذا مدارك عزيزتي, انت بكب سهولة لا يدور ولا يشغلك ولا يهمك ولا يرسم بداخلك غير ناصر وعشق ناصر.. تتعجب وهي تتأملها تتدور حتى ارتكزت بجسدها للنافذة وعينيها مسلطة للأسفل خلف الزجاج.. حيث المطر يرتطم بالزهور و الارض و صوت الارتطام يخبط الزجاج.. -كيف ؟ ماذا تعني بمداري؟!, لا افهمك , كيف هو مداري؟ كيف؟ ترفع مريم اصبعها بالفراغ وعينها كما هي بعيدة عنها حيث المطر والشتاء ترسم دائرة وهميه عدة مرات وهي تهمس بفتور شاردة بكل مكان متهربة من نظرات الاخرى المعبئة بالعشق: -مدارك اي ان تلك الروح المختبئة داخل ثنايا جسدك لا تعرف.. ت**ت وهي ترفع أصابعها تكمل عليها والنظر بعيد عنها ايضا: -ولا تشعر.. ترفع أصبع اخر مكملة موقفها دون التفات: -ولا تهفوا.. ترفع الباقي وهي تكمل مرة بعد مرة والقلب داخلها يهفوا من ذكريات مشابهة نحرتها دون رحمة: -ولا تنشد , ولا ترى ولا تحلم سوى به.., قلبك هذا يدور به وبمداره تغمض عينيها على اي ذكرى وصورة تهاجمها ,كل ما بها يرتجف , كل ما بها يموت من كل ما مر وما مضى , العشق يا له من ماكر خبيث لا يرحم ولا يترك الروح دون رتوش وجع , دون جرح نزفه لا يرحم .. تشرد عينيها وتغيم في ذكريات بقى منها صور مبهمة رغم الاثر العميق داخلها كندبة مهما طال الزمن لن تزول!, اه من الذكريات واثرها لا ترحم الانسان ولا تتركه -انت كلك .. جسدك , روحك, صوتك, انفاسك كل هذا يدور لمدار ناصر .., انت الا تعرفين في الحياة والعشق سواه يا عاصي, تذكريني بنفسي في زمن مضى كنت اشبهك كثيرا عزيزتي و لكني عندما استقيقظت .. تبتر الحديث متذكرة الماضي وما يدور به فهاجمتها العبرات و لكنها كبحتها بلا رحمة و كأنها تحجب العشق وما يدور به ثم اكملت بهدوء مصطنع لا تملك منه ذرة هدوء: -عندما استيقظت من الشرود وجدت نفسي ساقطة و جسدي يلامس القاع , بل ان القاع كان بالأعلى وانا هناك بالاسفل , والعالم كله مغلف بآثام الخيانة تهم عاصي بالاعتراض على انها قد تشبه حكاية مريم القديمة , داخلها ترى ان ناصر لا يمكن مقارنته بأي رجل ولا رجل اخر قد يسلب مكانه , فترفع الاخرى يدها بلهجة تحذيرية ملتفته بها بنظرة جامدة لا ترحم: -لا تكذبي واجهي نفسك عاصي.. واجهي روحك عزيزتي لا تنكري ما اقوله.. تتهدل كتفيها تكمل بلغة الشرح وعينيها توليها كل الاهتمام , تعانقها بكل ما اوتيت من قوة تحتلها ف*نفذ لها مفردات السقوط ببساطة بينما تشرح لها النظرية الهامة في الحب: -جميل الحب والهوى, سعادة هي ان تعشقي, وكم هي منتهى الفرحة عندما تتزوجين هذا الحب! ولكن.. عبرة تتمرد فترجع رأٍسها للخلف تكبحها بقسوة, تخبر روجها ان وقت البكاء قد ولى وذهب وبات ذكرى, تخبر حالها انها يجب ان تكن القوة محفورة بداخلها, تكمل بهدوء وقلبها مشتت: -اين انت؟ اين عاصي؟ تطمسين هويتك به .., انظري لنفسك بالمرأة و اسأليها ما الذي حققتيه يا عاصي سوى انك زوجته , انك جميلة .. مبهرة ولكن بلا فائدة ابدا عزيزتي تدافع الاخرى عن حالها وهي تبتر الحديث ويدها تلمس موضع قلبها النابض , بينما نظراتها مبتهلة في محراب العشق الذي باتت مريم لا تؤمن به مطلقا: -انا احبه.. اعشقه ,لما لا تفهمين ذلك؟ تصرخ مريم بيأس وقسوة من منطق تراه سراب : -بئس العذر وبئس الذنب! بئس الحجة والرد عزيزتي تمسح وجهها وص*رها يعلوا ويهبط عدة مرات , انفعالها يفور بأوردتها, ادرنالين يضخ داخلها فتثور رغماً عنها.. امام نظرات الاخرى التي تبتهل لها ان تفهمها ولكنها لا تشعر بذلك -الحب لا أن تبقى ظل له , ان لا تبقي في الخفاء يسنما هو القائد بكل شيء, الحب ان تعشقيه وتعشقي حالك, ان يبقى معك بكل عيوبك, سقطاتك, ذلاتك عزيزتي , الحب قوة و ما اراه بك ضعف.. ترق نبرتها لحالتها الهشة وهي تكمل بأعين تحمل من الوجع والخسارة الف والقلب منحور بالعشق السالف ذكره: -صدقاً عاصي لو كرهت حالك لكريهتيه مع الوقت, وحينها سيضحى كل هذا سراب ت**ت لثواني قبل ان تواجهها بقسوة مرة اخرى ولكن بنبرة هادئة: -مع الوقت الذي يمر ستجدي نفسك بالنهاية لا شيء عاصي , بينما هو يعلوا كنجم الاف النجمات تحاول الوصول له ..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD