8

2259 Words
الفصل الخامس عندما استيقظ " ما**يم من نومه في صباح اليوم التالي وجد " كامبل " جالسا إلى المائدة بتناول طعام الفطور ، ويقرأ صحف المساء التي أحضرها له في الليلة السابقة . وما كانت الساعة تدق النصف بعد الثامنة حتى رن جرس الباب الخارجي ثلاث مرات . . فاسرع ما**يم إلى غرفة المائدة وقال " كامبل "   : - خبر لك أن تبادر بالاختفاء . . فقال الأخر في اهتياج ملحوظ  : من القادم ؟ . . - ومن اين لي أن أعرف . . مهما يكن فإنني لا افتح الباب عادة قبل أن أستوثق من شخصية الطارق كان " ما**يم " قد أحدث ثقبا صغيرا في الجدار الخارجي بمكنه من رؤية الطارقين . . فمضى إلى هذا الثقب واطل منه . . وعندئذ تنفس الصعداء وعاد أدراجه إلى غرفة المائدة . . وقال ؛ - هذا صديق ولكن من الحكمة الا يراك . كان القادم دافید مور وقد قدم الرجل تقريره لما**يم ، ثم استانن في الانصراف . . وتمهل ما**يم ريثما انصرف زائره . . ثم جلس إلى مكتبه . . وأخذ يطالع التقرير فما كاد يفرغ من قراءته حتی تجهم وجهه . . ذلك أن دافيد مور ذكر أن موظفي مؤسسة " مانون القدماء قد طردوا من العمل ، وأما الموظفون الجدد فكانوا يعتقدون أن مخدومهم الجديد جرانت على حق . . بيد أنه استطاع أن يحصل- من امراة اسمها مسز مارتا ویلسون قضت ثلاثين عاما في خدمة " مانون " - على بعض المعلومات التي لا يعتد بها وظل " ما**يم على تجهمه . ثم وضع الخلاف في جيبه . . ونهض عن مقعده . وشرع في نقل قطع الأثاث من أماكنها . . ووضعها لصق الجدران ، وبذلك ترك منتصف الغرفة خاليا . . إلا من السجادة الثمينة - وما كاد يفرغ من عمله حتى أقبل " كامبل "  . . فلما راى ما فعله ما**يم صاح في اهتمام  : - لماذا نقلت مقعدي من مكانه ؟ . - لم تعد بك حاجة إلى استعماله بعد الأن - - لماذا ؟ فهتف ما**يم بغضب  : - إني أعد الحلقة . - وما الغرض من ذلك؟ - لتمثيل مأساة . . - أنا لا أفهمك . . فاقترب منه ما**يم . وقال  : - ستفهمني في الحال . . لقد كنت أبغي مساعدة أخيك وفاء لما له في عنقي من دين أما وقد انقلبت الأوضاع فلا مفر لك من أن ترفع بدين في الهواء لانني سأض*بك ض*با مبرحا . . لقد تأكد لي الآن أنه اليس للكابتن " مانون أخ ولا اخت ، وما أنت إلا دعي مزيف . فاستولى الفزع على كامبل مانون وصاح - مهلا - قلت لك ارفع بد*ك . . وجمع ما**يم قبضته . . ولطم الرجل لطمة فنية رائعة فوق أنفه وشد ما راعه آن رای سائلا لزجا أصفر اللون يعلق بیده . . واستدار الرجل الذي كان يطلق على نفسه اسم كامبل مانون " على عقبيه وركض بكل قوته إلى الحمام . . وأغلق الباب خلفه . وفي الحال أدرك لما**يم أن الرجل يتخذ وجها مستعارا کاسمه . . وتذكر المعلومات الخطيرة التي باح بها لهذا الدعى . . فجن جنونه واخرج مسدسه من جيبه . . ومشي إلى الحمام وطرق بابه بمقبض المسدس فصاح السجين - مهلا . . سأخرج في الحال إذا وعدتني بعدم الاعتداء علي حتى نتحدث . . - حسنا لكن اسرع وعاد ما**يم أدراجه إلى غرفة الجلوس . . وبعد لحظات فتح باب الغرفة ، فرفع وجهه . . وعندئذ رای امامه وجه صديقه ورئيسه السابق الكابتن " فرانك مانون "  . وقال القادم  : - إني مدين لك بالف اعتذار يا ما**يم فقال ما**يم في اكتئاب  : - نعم . اظن ذلك . . وجلس " مانون " وقال  : لقد كنت أصارحك بالحقيقة عشرات المرات ولكن شجاعتی کانت ابدا تخونني . . لقد قضيت ثلاثة أعوام في سنج سنج تدربت في خلالها على رسم صورة الاخ الوهمي الذي كنت انتحل شخصيته منذ قليل . . تم إنني قضيت الساعات الطوال وانا اصغي إلى حديث الدكتور ريجواي إبان إقامتي في السجن واستطعت أن أقلد صوته . . فساله ما**يم - ومن هو " ريجوای هذا ؟ - إنه الرجل الذي يتزعم طائفة الطبيعيين فلم يتمالك " ما**يم نفسه من الابتسام ، وقال  : - أه ا ذلك الرجل الذي صرعته في زنزانتك ؟ . . - نعم . . لقد كنت أبغضه من كل قلبي ، تصور ما كان يصيبني لو أن انفي الحقيقي هو الذي اصايته لكمتك الساحقة ؟ . . فانفجر ما**يم ضاحكا . . وقبض على يد صديقه وهزها بحرارة . . ثم صاح - أنبئني كيف استطعت الفرار من سجن سنج سنج ؟ وكيف تنكرت على هذه الهيئة ؟ . . فأوما مانون براسه وقال  : - اعتاد الدكتور ريجواي أن يزورني في السجن بين حين وآخر . . وكنت قد اعتزمت الهرب ، فانتهزت فرمية إحدى هذه الزيارات وصرعته . . ولكنني حرصت على الا تؤذيه اللكمة أكثر مما ينبغي ۱۰ ولما كنت قد درست أخلاقه وحركاته جيدا . . فلم يتعذر علي أن أقلد مشيته عند مغادرتي السجن . . وبعد أن أمنت النجاة انطلقت من فوري إلى إحدى دور السينما في اوسيننج وغلب النوم جاري فاخذت قبعته وتركت له قبعة ريجواي . . ثم غادرت السينما قبل أن يستيقظ من نومه ، وكان الغسق قد أقبل فمشيت إلى النهر وهناك وجدت قاربا مشدودا إلى الشاطئ فركبته وقطعت به عدة كيلومترات في نهر هدسون " وتركته عند أحد أندية التجديف وتسللت إلى النادي . . وهناك استبدلت بثيابي قميصا وبنطلونا خلسة وغادرت النادي بعد ربع الساعة وركبت إحدى سيارات الأوتوبيس إلى فورت لي وفي صباح اليوم التالي سمعت أن أحد استوديوهات السينما في حاجة إلى بعض الممثلين الثانويين . . فتقدمت إلى المدير وعرضت عليه نفسي فاستخدمني باجر قدره خمسة ريالات يوميا ، واستطعت أن أتعلم فن التنكر في غضون ثلاثة ايام وعولت على أن اتخذ لنفسي هيئة جديدة خاصة هي التي رأيتني عليها . فسال ما**يم  : - وكيف دخلت منزلي " بل وكيف عرفت موقعه . - اطلعت على عنوانك في دليل التليفونات ولما حاولت فتح الباب استعصى على فتسللت إلى المنزل من الباب الخلفي . . - حسنا . . من الحكمة ألا تغادر المنزل مطلقا وسآتيك بكل ما تحتاج - وإلى أين أنت ذاهب ؟ - سانفذ أولى خططي وأعني بها التقرب إلى بايسون جرانت - فهز مانون رأسه في أسى . . واستطرد ما**يم  : - والان حدثني بقصتك بالتفصيل . . قال  : - يرجع تاريخ لقائي الأول به بـ " جرانت " إلى اليوم الذي ذهبت فيه إلى مقاطعة سان مارك " وقد تطورت علاقتنا بمضي الزمن حتى احببته واطمأننت إليه ، ولو عرفت كيف كان يببت لي الشر لأخذت حذري وأعرضت عنه , ولقد ذهب اللعين يثير الغبار من حولي ويتقول عني شتى التقولات وبرميني بالقسوة مع زوجتي وسوء الخلق . . وبدلا من أن يكذبه أصدقائي راحوا بعربون عن عطفهم عليها إزاء وحشيتي وقال بعضهم إنه ما كان ينبغي ان اتركها وأسافر إلى أوروبا . . - من عجب أن لهجتك لا تنم عن الحقد على غريمك . . فهل لم يكذب حين أدعي بانك حاولت ان تقتله . . ؟ - بل إن هذا الاتهام صحيح . . فإنني ما كنت اعرف خيانته حتى طاش صوابي وكم أشكر ذلك الإلهام الذي حال بيني وبين قتله . . لكن ذلك لا يعني أنني صفحت عنه - وكيف أنقذته من السجن . . - عندما افلست الشركة التي كان يعمل فيها استخدمته في مؤسستي بدافع من الصداقة التي كانت تربطنا ، ولعلك تعلم انني كنت وصيا على ابنة صديقي الحميم موسی . . وكانت ثروة الفتاة مكونة من ضيعة شاسعة وعدد كبير من الأسهم والسندات . . ولما كنت في حاجة إلى كاتب يشرف على هذه الثروة فقد أسندت هذا العمل إلى جرانت لأكفيه مضاضة التفكير في انني اعطف عليه لفقره وفاقته . خاصة بعد أن سمعته يتحدث كثيرا عن الانتحار بعد أن افلست شركته وتوقف مانون قليلا عن الكلام كأنما أمضته الذكريات المريرة . . ثم استطرد بعد هنيهة : لقد سرق " جرانت مبالغ كبيرة من ثروة القاصر ، فاضطررت إلى دفعها من جيبي الخاص ، ، وصدقته حينما اعرب لي عن ندمه . . وذات يوم سألني أن اتخذه شريكا في أعمالي . . ولما رفضت ، قال إنني بغير اشك لم اصفح عن زلته وإلا لأشركته ملي . . وراح يتوسل إلى زوجتي التحقيق غرضه . . وكانت حتى ذلك الحين تزدريه وتعامله باحتقار . . ولكن اللعين استطاع بأسلوبه المعسول وكلامه المنمق أن يظفر باهتمامها به . . وما لبثت العلاقة بينهما أن تطورت إلى حب عميق انتهى بهذه الكارثة التي حاقت بي فقال " ما**يم في لهجة تشف عن الغضب ؛ - إنك بالتاكيد لم تذكر هذه الوقائع في اثناء المحاكمة . . واكبر ظني أنك لم تصارح زوجتك بالمبالغ التي سرقها هذا الافاق . . - لقد وعدنه بالكتمان بعد أن عفوت عنه . . فقد كنت اعتقد انه سيبدا صفحة جديدة من حياته . . ومضي مانون يتحدث عن " بايسون جرانت ما يقرب من الساعة . . وما**يم يصغي إليه في اهتمام الفصل السادس كان بايسون جرانت رجلا من ذلك الطراز الذي لولا المؤثرات الخارجية لما عرفوا معنى الخيانة . . إذ كان ينحدر من أسرة محترمة ونال قسطا وافرا من الثقافة والتهذيب وشب على حب الترف . والإسراف وقد استطاع الشباب في مستهل حياته أن يصيب نجاحا عمليا مذكورة . . ولكنه ما لبث أن تدهور وافلس . . فلجا إلى صديقه " فرانك مانون فاولاد هذا عنايته ورعايته واستخدمه لديه . ولم تكن ناتیکا مانون تعبا بامر الشاب في بادئ الأمر واحتقارا لشانه وفقره . وقد ادرك جرانت هذا كله بذكائه فحاول أن يزيل هذا الشعور . . فلا إلى سرقة " مانون . . واستعان بالمال . . وعينيه الساحرتين على نصب شباكه حول زوجة الرجل الذي أحسن إليه ورفعه من وهدة الفقر إلى مرتبة الثراء لم تكن " ناتیکا مانون " تعرف شيئا عن حادث السرقة واخذ الشباب يزين للمرأة عيشة الترف والسعة . . ولم يأل جهدا في النيل من عناية مانون بها . . وغمطه حق رعايته لها ووضعها في المركز اللائق بين ابناء طبقتها الرفيعة . ورحل " مانون إلى أوروبا بعد أن سجل كل ثروته تقريبا باسم زوجته . . فتشط " بایسون " للعمل ، فطرد جميع الموظفين الموالين لــ " مانون " واستعاض بالموظفين أشخاصا من صناعه . . وفرض سلطته على كل شيء حتى زوجة صدبقه ولما علم بقرب عودة " مانون راح يدبر مؤامرة خطيرة للتخلص منه واتفق لحسن حظه أن عثر رجال البوليس على مسدس محشو في جيب الكابتن عندما نشبت بينهما أول معركة أثارتها علاقة " بایسون " بـ نائیکا . ولما كان قانون سوليفان يحرم حمل السلاح بغير ترخیص خاص ، فقد حكم القاضي عليه بالسجن سبع سنوات . أضاف إليها ثلاثا أخرى عقابا له على تهمة التبديد . . وما كادت الخطوة الأولى من المؤامرة تلاقي هذا النجاح الكبير حتى اخذ الثعبان يغري " ناتبكا بالانفصال عن زوجها . . والاقتران به حتى تم له أخيرا ما أراد . وهكذا ظفر جرانت بایسون بالمال والجمال . . ثم هرب فرانك بایسون من سجن سنج سنج . . وبدأت متاعب ومخاوف الأول تقضه من جديد . . وفي إحدى الليالي أفصح جرانت بايسون لزوجته عن مخاوفه فقالت ساخرة  : - يا بني العزيز . . إنك تكاد نفسة على شهيتي ، الا تعلم أنني ساقيم اليوم مأدبة غداء ومن الضروري أن أكون في حالة نفسية مرحة حتى أستطيع الترحيب بالزائرين لا تقلق من ناحية مانون ، فإنني واثقة أنه لن يحاول إيذاءك . فقط جرانت حاجبيه وقال  : - إن الموقف أخطر مما تتعورين يا عزيزتي . . وطرق الباب في تلك اللحظة ، فانتفض جرانت . . وعندئذ ضحكت زوجته وهتفت ؛ - من المحتمل أن يكون الطارق الأنسة دوبين ، فإنني أتلقي درسا في اللغة الفرنسية لمدة ساعة كل يوم . . وولجت الغرفة فتاة بسيطة الثياب ولكن جرانت لم يتطلع إليها كانت الأنسة دوبين تنحدر من عائلة فرنسية عريقة ، وقد استخدمتها ناتیكا لتلقنها اللغة الفرنسية والإتيكيت الفرنسي . . إذ كانت تعتزم شراء قصر على مقربة من باريس في العام القادم . . والاستئثار بقلب أحد النبلاء الفرنسيين وغادر جرائت الغرفة بقلب مثقل . . وص*ر بضيق بالهموم . . وبقيت ناتیکا صامتة بضع دقائق . لقد تظاهرت أمام زوجها بعدم الاكتراث الهرب زوجها السابق . . ولكن الحقيقة كانت ع** ذلك . . فإن أخوف ما نخافه أن يثير فراره من السجن الذكريات المشينة التي اكتنفت القضية . . فيفسد عليها تدبيرها للإيقاع بالنبيل الفرنسي الذي توشك أن تصبح جارته . وكانت ناتيكا . قد حدثت مدرستها الأنسة دوبين بكل قصتها . . ولقيت منها عطفا وتشجيعا ، فلما انصرف زوجها . قالت لها  : - إن " جرانت مذعور لفرار مانون . . ويخشي أن يحاول الاعتداء عليه . فقالت الفتاة مطمئنة - وفيم الفزع يا سيدتي والقصر كالحصن » ثم لند مضت ثلاثة أسابيع ولم يظهر لـمانون " أي أثر ، فهو إما انه غادر البلاد او لقي حتفه ا ولم تخطئ الفتاة في تقديرها فقد أعلن البوليس في اليوم التالي أنهم لم يعثروا لمانون على أثر ورجحوا أنه مات او غادر البلاد . وشعر " جرانت " بكثير من الاطمئنان إزاء هذا التص**ح . . ولكنه ظل على حرميه وحذره . . وذات يوم قالت له زوجته  : - مالي أراك حزينا هذه الأيام ,إن " مانون لن يتعرض لك بعد الآن فلم القلق ؟ . . لقد لاحظت انك تكثر من الشراب في الأيام الأخيرة ، وفي هذا خطر جسيم على صحتك . فقال " جرانت في اكتئاب  : - هذا صحيح إني شديد الفزع يا " ناتیکا " فإن وجود مانون " حرا طليقا حتى الآن خطر جسيم علي . . فتى يأتي الصيف لنرحل إلى أوروبا ونترك هذه البلاد بمخاوفها ومتاعبها . فقالت زوجته في برود  : - ولكننا سنقضي الصيف هنا . . فقد دعونا الكثيرين ومن العار أن نهرب منهم ثم إني لا أستطيع أن أذهب إلى باريس قبل أن أتقن لغة أهلها . وإلا سخروا مني كما فعلوا في العام المنصرم فتجهم وجه " جرانت " وغادر الغرفة غاضبا .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD