لا شيء .
ابتعد عن الشاحنة ، ثم وقف واستطلع الأراضي المنبسطة الممتدة إلى الجنوب . أخرج منديله وعاد ليمسح كل شيء كان قد لامسه . مقبض الباب ، ومزلاج المقعد ، والغطاء المشمع ، والعبوة البلاستيكية . مشى عائدا في خط منحني إلى الجانب الآخر من العربة وقام بمسح كل شيء هنا أيضاً .
عقد حاجبيه وهو يتذكر ما هي الأشياء الأخرى التي كان لامسها في عملية الفحص ثم قفل راجعاً إلى الشاحنة الأولى وفتح الباب مستعملاً منديله ، وفحص جوفها . فتح محفظة السيارة ، ثم عاد فاقفلها . أنعم النظر في الرجل الميت المتكئ على عجلة القيادة . ترك الباب مفتوحاُ ومشى مستديراً نحو الباب الآخر المحاذي لمقعد السائق ، رأى الباب كالمصفاة ملئ بالثقوب الناجمة عن اختراق الرصاص له . فحص الزجاج الأمامي فوجد أن طول قطر الرصاصة ضيق . إنه من عيار 6 ملم ، ولعله من عيار4 المخصص لاقتناص الأيائل . فحص نمط الإصابات . فتح باب السائق وضغط على زر إنزال الزجاج ، ولكن التيار كان معلقاً . أقفل الباب ووقف هناك يتفحص التلال المنخفضة
تربع على الأرض وأنزل البندقية عن كتفه وألقاها على العشب قربه ، ثم تناول الرشيش وأرجع جهازية المغلاق إلى الوراء ب**ب كفه . رأى خرطوشة جاهزة في بيت النار ، لكن المخزن كان فارغاً إلا من عيارين اثنين فقط . تشمم الأسيتون ، وحرر المشط من مكانه ، ثم ألقى البندقية على كتف والرشيش على الكتف الآخر وعاد إلى سيارة البرونكوس وقام برفع الممشط أمام الرجل كي يراه ، وقال له :
-"أين الذخيرة ، أين الذخيرة؟"
أوما الرجل برأسه :
-"إن مي بولصا ."
-"هل تحسن اللغة الإنكليزية؟"
لم يجب . لكنه كان يحاول الإيماء بطرف ذقنه . استطاع موس أن يري المماشط تطل برؤوسها من جيب السترة التي يلبسها الرجل ، والمصنوعة من قماش القنب . دخل إلى السيارة واستولى على المماشط وعاد على أعقابه . كان هنالك روائح للدماء والبراز . وضع واحداً من المخازن المليئة في المزلاج المخصص له في الرشيش ، كما وضع المخزنين الباقيين في جيبه .
غمغم الرجل بوهن :
-"ماء . أرجوك ."
مسح موس بناظريه المنطقة المحيطة بالمكان . وقال للرجل :
-"لقد قلت لك ، ليس معي أي ماء ."
قال الرجل بنظر زائغ :
-"لا بيرتا ."
نظر موس إليه .
-"لا بيرتا هاي لوبوس ."
-"ليس هنالك أي ذئاب؟"
-"سي . سي . لوبوس ، ليونيز"
-"بل هنالك ذئاب وأ**د!"
أغلق موس الباب بض*بة من كوعه وعاد إلى الشاحنة الأولي ووقف يتأمل الباب المفتوح من ناحية المقعد الموازي لمقعد السائق . لم يجد في الباب أية ثقوب ، لكنه لاحظ وجود دم على المقعد المجاور له . وكان مفتاح تشغيل المحرك لا يزال موجوداً في مكانه . وصل إلى المفتاح وأدار المحرك . داس زر تحريك الشباك . أص*ر الزجاج صريراً وارتفع في مجراه ببطء مخيف . وتبين أن هنالك ثقبين أحدثهما دخول الرصاص في لوح الزجاج ، كما لاحظ وجود رذاذ من الدماء الجافة عليه .
وقف يفكر في كل هذا .
نظر إلى الأرض وجد آثاراً لبقع ماء امتصها الطين ، كما وجد آثار دماء على الأعشاب . تأمل أثر المسلك الجنوبي عبر الفوهة البركانية الضخمة إلى الطريق التي كانت العربة قد قدمت منها . إذ لا بد من أن يكون ثمة رجل أخير قد بقي حياً في المكان ، وهو لابد من أن يكون غير ذلك الرجل المتهالك لشربة ماء في سيارة البرونكوس المتعطش . تحرّك بحذر في السهل المستنقعي قاطعاً مسافة دائرية كبيرة وهو يفتش عن آثار عجلات العربة فوق العشب العدمي الجاف ، وفي ضوء شمس القيظ المميت قطع ما يزيد عن مائة قدم في اتجاه الجنوب وهو يبحث عن علامة .
التقط خط مسيرة الرجل وتتبعه حتى وصل إلى مكان وجود الدم على العشب . ثم ما لبث أن عثر على كمية أكبر من الدماء .
"إنك لن تستطيع الابتعاد طويلاً؛" قال في سرّه "فأنت قد تعتقد أنه يمكنك ذلك . لكنك لن تستطيع ."
ترك المسار الذي كان يتتبعه ، بشكل كامل ومشى إلى أعلي نجد في الأرض يبدو لعينيه ، فتسلقه وهو لا يزال يحمل الرشيش تحت إبطه بينما هنالك رصاصة مستقرة في بيت النار تنتظر . مسح المنطقة الجنوبية . لم يجد شيئاً وقف يداعب سن الخنزير الجالب للحظ المتدلي فوق قميصه في سلسلة الذهب ، بأصابعه .
"إنك الآن تختبئ في مكان ما ، بينما هنالك شخص يقتفي أثرك . إن فرصتك لتراني دون أن تقع في يدي في مقابل فرصتي في أن أراك إنما هي فرصة تكاد أن تساوي الصفر ."
أقعى على الأرض ، وثبت مرفقيه فوق ركبتيه ، ثم مسح الصخور الموجودة عند رقبة الوادي بمنظاره . ثم جلس الق*فصاء وتابع مسح الموقع الطبيعي بطريقة أكثر تؤدة ، ثم أنزل المنظار واكتفى بالجلوس .
"لا تحاول الانتحار بالقدوم إلى هنا ، لا تفعل ذلك يا أ**ق ."
ثم أنه استدار واستطلع موقع الشمس . كان مركزها يشير إلى الساعة الحادية عشر . نحن لا ندري ما إذا كان كل ذلك قد حدث خلال الليلة الماضية . فقد يكون قد جري منذ ليلتين . بل ربما يكون قد حدث منذ ثلاث ليال . أو قد يكون حدث بالأمس . هبت ريح خفيفة . حسر قبعته قليلاً عن رأسه ، ومسح العرق عن جبينه بمنشفته الجافة ، ثم أعاد المنشفة إلى جيب سرواله الجينز . نظر عبر فوهة البركان إلى خط الصخور الوطيء في المحيط الشرقي .
"لا يمكن لجريح أن يرتقي تبة كهذه ، هذا شبه مستحيل ."
لقد كان تسلقه إلى أعلى النجد منهكاً ، وكاد النهار أن ينتصف عندما وصل إلى هناك . وإلى الشمال البعيد ، استطاع أن يرى شكل قاطرة جرار زراعي تتحرك عبر المنظر الطبيعي تحت السطوع اللاهب . هذا الجرار ربما يكون يتحرك على مبعدة عشرة أميال ، بل ربما خمسة عشر . إنه على الطريق السريع رقم 9 . جلس ومسح تلك المنطقة الجديدة بمنظاره . ثم توقف عن ذلك . عند قدم المنحدر الصخري ، كان ثمة جسم صغير أزرق اللون . راقبه لمدة طويلة بواسطة المنظار . لكن شيئاً لم يتحرك . سكون . **ت . ثبات .
تفحص المنطقة المحيطة بالجسم ، ثم زاد في تفحصها تدقيقاً ، ومضى ما يقارب الساعة قبل أن يقرر النهوض والتحرك نزولاً . كان الرجل الميت يضطجع علي صخرة ، بينما يستلقي على العشب بين قدميه مسدس أميري آلي مطلي بالنيكل ، من عيار 0 .45 ثم أمعن في مراقبته . لقد كان جالساً مرفوع الرأس لكنه لا بد من أن يكون قد انطوى إلى جانبه .
كانت عيناه مفتوحتين . بدا كأنه كان مستغرقاً في التمعن بشيء صغير ما ، في العشب . وكان ثمة دماء على الأرض ، ودماء علي الصخرة خلفه . كان لون الدم لا يزال أحمر غامقاً ، لكن لا عبرة في ذلك كونه في الظل . التقط موس المسدس وضغط على **ام الأمان بإبهامه وخفض الناقر . جلس الق*فصاء وحاول مسح الدم عن المقبض مستعملاً ذ*ل بنطال الرجل ، لكن الدم المتجلط كان جافاً جارحاً . وقف ودس المسدس في حزامه عند منتصف ظهره ، ثم رفع قبعته إلى الوراء قليلاً ونشف العرق عن جبينه بكم قميصه . استدار ووقف يدرس الموقع الطبيعي .
ثمة حافظة مستندات جلدية ثقيلة في وضع قائم قرب ركبة الرجل الميت ، وقد عرف موس تماماً ماذا يمكن أن يكون في الحقيبة . أصابه هلع مباغت بكيفية لم يكن قادراً حتى على فهم مبرراتها . عندما رفع الحقيبة من مكانها في النهاية ، مشى مسافة قصيرة في غير هدى . ثم جلس على العشب . وأنزل البندقية عن كتفه وألقى بها جانباً . جلس مبعداً ساقيه ، وواضعاً الرشيش في حضنه ، فيما الحقيبة بين ركبتيه . ثم مد يده وقام بحل الرباطين ، وحرر ا****نين النحاسيين ورفع الغطاء وطواه إلى الوراء .
كانت الحقيبة مليئة بأوراق نقدية من فئة المائة دولار!
منضدة في حزم بشرائط ورقية تحمل خاتم المصرف ، كما تحمل دمغة تشير إلى أن كل رزمة تساوي عشرة آلاف دولار . لم يعرف ما هو المجموع الذي قد تبلغ إليه جميع محتويات الحقيبة لكنه كوّن عن هذا المبلغ فكرة لا بأس بها . مكث في مكانه ينظر إلى النقود ثم أعاد الغطاء إلى مكانه ، وأغلقه ، وجلس مطرقاً .
كانت حياته بكاملها مجسدة هناك أمامه . حياته كلها تجلس تحت عينيه ، يوماً بعد يوم ، وصبحاً بعد مساء ، إلى أن ينتهي به العمر . كل هذا العمل يتقلص الآن إلى حقيبة تحتوي على أربعين باونداً من الورق . رفع رأسه ونظر عبر حافة المنحدر . هبت ريح خفيفة من الشمال . كان الجو بارداً ومشمساً ، أما الساعة فهي الواحدة بعد الظهر . نظر إلى الذي يضطجع ميتاً على العشب . فرآه ينتعل حذاء جيداً من جلد التمساح ، امتلأ بالدماء التي بات لونها أ**د . رجل انتهت حياته هنا في هذا المكان . وكان هنالك الجبال البعيدة لجهة الشمال . والريح التي تداعب الأعشاب .
وكان الهدوء