2

1475 Words
  بمقدور البندقية التي يحملها أن تطلق عيارات من نوع الزاوية النصفية ، من نوع خمسة إنشات ، حيث يمكن أن يصل مداها إلى ألف ياردة . أما النقطة التي اختارها مكاناً لإطلاق النار ، فتقع تماماً تحت كتلة منحدرة من الركام الصخري المتشكّل من الحمم البركانية المتجمدة ، وهي نقطة تجعله ضمن مجال جيد للرمي . ما عدا أنه لا بد من أن يحتاج إلى ما يقارب ساعة من الوقت للوصول إلى المكان الذي تسرح فيه قطعان الظباء وترعى . ولكن أفضل ما يمكنه قوله عن الطقس والمحيط ، فهو مزية سكون الريح . عندما وصل إلى سفح المنحدر ، رفع رأسه ببطء ناظراً إلى عشيرة الظباء . لم يتحرك القطيع كثيراً من المكان الذي كان قد شاهده فيه لآخر مرة لكن المجال كان لا يزال يقارب السبعمائة ياردة كاملة . أمعن النظر في الح*****ت عبر منظاره ، وسط هباءات الهواء المكثفة ، وتقلبات الحرارة المضطربة ، والغمامة المنخفضة من الغبار واللقاح المزغب . لا محاولات . لم يكن هنالك أي دريئة أخرى ، ولذلك لم يكون من مجال أمامه سوى لإطلاق طلقة واحدة تتفرق بعدها الظباء .  تمدد فوق الحصي وانتزع فردة حذائه عالي الرقبة وأرقدها على الصخور ، وخفض ساعد البندقية ملقياً أياه على جلد فردة الحذاء ، وشد مسمار الأمان بإبهامه فحرر الزناد ، وسدد من خلال منظار البندقية . كانت جميع الظباء تقف رافعة رؤوسها وأنظارها مصوبة نحوه الآن . تباً ، همس لنفسه . كانت الشمس ما زالت وراءه بحيث إن الظباء لا تستطيع أن ترى جيداً انعكاس النور على زجاج المنظار . كان للبندقية زناداً من نوع كانجار محدد عند تسعة أونصات . جذب البندقية وفردة الحذاء نحوه بكثير من العناية . وسدد من جديد إلى الشعيرات المتصالبة التي هي أعلى بقليل من ظهر الحيوان الأكثر قرباً له من بين أفراد القطيع . لقد كان يعرف المحط الدقيق للرصاصة عندما تكون الرماية في مدى المئة ياردة ، أكثر أو أقل قليلاً . أما قلة اليقين فقد كانت شأناً من شؤون الرماية عن مسافة طويلة تتجاوز ذلك . أدخل إصبعه في قنطرة الزناد ملامسا انحناءته الحادة . وقد تدلى سن الخنزير البري الذي يعلقه في عنقه بواسطة سلسلة ذهبية ، بين الحصيات التي يحتضنها مدى مرفقه . حتى برغم أسطوانة السلاح الثقيلة ، وبرغم ركيزة الفوهة ، فإن البندقية قد اختلجت عن مكانها . وعندما صار الحيوان بادياً في المنظار فإنه كان لا يزال يستطيع رؤية جميع الح*****ت الأخرى باقية في وضعها الذي كانت عليه من قبل . ولقد استهلكت المقذوفة الصادرة عن حشوة من عيار مئة وخمسين حوالي الثانية لتصل إلى هدفها ، لكن صوتها احتاج إلى ضعف هذا الوقت . كانت الظباء تقف ناظرة إلى خيمة الغبار الذي ثار من المكان الذي اصطدمت به المقذوفة . ثم اندفعت فجأة وبأقصى سرعة ، فيما يتبعها صدى صوت الطلقة يدوي ويت**ر بين الصخور ويتثاءب عبر البطاح الرحبة في سكون الصباح . وقف يراقبها وهي تهرب . رفع المنظار إلى عينيه . أحد الح*****ت بدأ يتخلف عن القطيع ويتثاقل في جر إحدى قائمتيه الخلفيتين . وقد فسر ذلك بأن العيار ربما يكون قد اصطدم بالصخرة ، ليرتد بعد ذلك ، ويصيب هذا الظبي في الجهة اليسرى من مؤخرته .  انحني وبصق ، وقال لنفسه : تباً . بقي يراقب القطيع حتى اختفى عن أنظاره تماماً خلف المرتفعات الناتئة لجهة الجنوب . أما الغمامة البرتقالية الخفيفة التي كونها الغبار المتخلف عن هروب القطيع ، فقد تعلقت هي الأخرى لحظة في الفضاء ، قبل أن تضمحل وتتبدد إلى الأبد . وقفت سبطانة البندقية الفارغة خرساء في القيظ الغاضب ، وكأنما لم يحدث لها شيء أبداً . جلس وانتعل فردة حذائه والتقط البندقية ، وأخرج منها الخرطوشة الفارغة ، ووضعها في جعبة قميصه ، وأقفل مغلاق البندقية ، ثم طرحها علي كتفه ، وانصرف . استغرق الأمر منه حوالي أربعين دقيقة لاجتياز السهل ، ومن هناك اتخذ طريقه صعداً على امتداد منحدر بركاني ، ثم اتبع خط القمم متجهاً نحو الجنوب الشرقي إلى مكان مشرف على المنطقة التي اختفى فيها قطيع الظباء . مسح المنطقة بعدسة المنظار بتؤدة . لاحظ وجود كلب ضخم أبتر الذ*ل ، أ**د ، يجتاز تلك الأرض . راقبه . كان ذا رأس ضخم وأذنين مجذومتين ، وكان الكلب يمشي في عرج شديد . لكنه ما لبث أن تباطأ ، ثم توقف ، ثم التفت وراءه ، ثم تابع سيره . أنزل المنظار عن عينيه وظل على حاله يتابع حركة الكلب بعينه المجردة وهو يبتعد . تابع التسلق بمحاذاة الجرف ، معلقاً إبهامه في حزام تعليق البندقية ، ومبقياً قبعته في م***ة رأسه . غرق ظهر قميصه بالعرق الغزير ، كانت الصخور هناك مليئة بالكتابات التصويرية المنحوتة عليها . كتابات ربما يعود تاريخها إلى قرون وقرون . ولا بد من أن الرجال الذين قاموا بحفرها كانوا صيادين مثله . أما عدا عن ذلك ، فإن شخصياتهم وآثارهم كلها قد اندثرت وطواها نسيان السنين .  في نهاية الجرف ، كان ثمة منحدر صخري ، وكان هنالك شُعب صعب المسلك يقود إلى الأسفل ، تحف به النواتئ المسننة والبروزات المقتضبة . جلس بين الصخور مسنداً مرفقيه إلى ركبتيه ، وماسحاً المنطقة بمنظاره . على بعد ميل واحد منه ، وعلى السهل المستنقعي الجاف ، كان ثمة ثلاث عربات . أخفض المنظار وألقي نظرة شاملة أحاطت بالبراري من حوله . ثم رفع المنظار إلى عينيه من جديد . تبين له وجود رجال مضطجعين على الأرض . ثبت نعليه في حواف الصخر ، وقام بتحسين تسديد بؤرة النظر في منظاره . تبين له أن العربات كانت أربعاً . أربع شاحنات ، إما رباعية الدفع ، وأما من ماركة برونكوس المزوّدة بعجلات تصلح للسير على الطرقات الترابية الوعرة ، بالإضافة إلى الروافع والأرفف الحاملة لمصابيح كشافة عالية . بدا له أن الرجال موتى . أخفض المنظار ثم رفعه إلى عينيه مجددا . ثم أخفضه وأراح نظره قليلاً . لم يتحرك أي شيء . جلس في مكانه لمدة طويلة يتأمل . عندما اقترب من الشاحنات كان قد أنزل بندقيته عن كتفه ، كان يحملها في مستوى خصره جاعلاً زنبرك الإطلاق محرراً . توقف . فحص المنطقة من حوله بحرص ، ثم قام بدراسة الشاحنات . جميعها مصابة بالطلقات . بعض الثقوب التي أحدثتها الطلقات في الجسم المعدني لبعض العربات بدت متباعدة وعلي خط واحد ، الأمر الذي جعله على يقين من أن الأسلحة المستخدمة هي أسلحة أوتوماتيكية . وكان معظم زجاج العربات محطماً ، وأكثر الإطارات مثقوبة . وقف في مكانه يرهف السمع . ثمة رجل قتيل في العربة الأولي ، منحنياً فوق عجلة القيادة وخلفه كان جسدان آخران مضطجعين فوق العشب الأصفر الكئيب . وكانت الدماء الجافة تتخذ لها نهراً أ**د على الأرض .  توقف من جديد وأرهف السمع . لا شيء . لا صوت سوى طنين الذباب المزعج اللزج . مشى إلى ما وراء الشاحنة . وجد هناك كلباً ضخماً ميتاَ شبيهاً بالكلب الذي كان قد رآه في المنظار يعرج في السهل المستنقعي . تشير رمة الكلب إلى أنه قد أُطلق عليه الرصاص . ووراء ذلك ، ثمة جثة ثالثة لرجل ملقى على الأرض على بطنه ووجهة مدفون في التراب والعشب الميت . نظر من خلال النافذة إلى الرجل فاقد الحياة وراء المقود . كانت الطلقات قد أصابته في رأسه . وآثار الدماء في كل مكان . مشى إلى العربة الثانية لكنه وجدها فارغة . سار إلى المكان الذي يضطجع فيه القتيل الثالث . فوجد أن هنالك بندقية رشاشة ملقاة على العشب . وكان لتلك البندقية سبطانة قصيرة وهي مجهزة ب**ام أمان وبمخزن يتسع لعشرين طلقة . لكز حذاء القتيل بطرف حذائه وتابع تفحص التلال الخفيضة المجاورة . وكانت العربة الثالثة من نوع برونكوس ، ذات نظام التعليق المرتفع ، كما كان لها زجاج مضبب . وصل إليها وفتح الباب المحاذي لمقعد السائق . كان هنالك رجل جالس على المقعد ينظر إليه . تراجع موس إلى الوراء رافعاً بندقيته . كان وجه الرجل دامياً مخيفاً . حرك شفتيه اليابستين وقال : -"أعطني ماء ، أعطني شربة ماء بحق السماء ." كان الرجل يحتضن رشيشاً اوتوماتيكياً من طراز أتش آند كاي ، له حمالة كتف بلاستيكية سوداء ، وهكذا ، تقدم موس واستولى على الرشيش ، ثم تراجع إلى الوراء . بينما غمغم الرجل بإعياء شديد : -"شربة ماء ، شربة ماء بربك . ليس لدي ماء . ماء ." ترك موس باب السيارة مفتوحاً وعلق الرشيش في كتفه وتراجع إلى الخلف . تابعه الرجل بنظراته . دار موس حول مقدمة السيارة وقام بفتحها من الجهة الأخرى المقابلة . رفع المزلاج وطوى المقعد إلى الأمام . كانت مساحة التحميل الخلفية مغطاة بقماش مشمع فضي . قام برفعه . وجد حملاً من الطرود بحجم قوالب القرميد ، وكل طرد منها مغلف بغلاف من البلاستيك . أبقى عيناً يقظة على الرجل ، ثم أخرج سكينه وأحدث ثلمة في أحد الطرود ، انبثق منها مسحوق ذو لون أسمر . بلل إصبعه وغمسها في المسحوق ، ثم قام بشم رائحتها . ثم مسح إصبعه ببنطاله والجينز ، وأعاد المشمع إلى وضعه الأول فوق الطرود ، ثم تراجع وأعاد التحديق في البيئة المحيطة به . لا شيء . ابتعد عن الشاحنة ، ثم وقف واستطلع الأراضي المنبسطة الممتدة إلى الجنوب . أخرج منديله وعاد ليمسح كل شيء كان قد لامسه . مقبض الباب ، ومزلاج المقعد ، والغطاء المشمع ، والعبوة البلاستيكية . مشى عائدا في خط منحني إلى الجانب الآخر من العربة وقام بمسح كل شيء هنا أيضاً .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD