. . . البرقية تلو البرقية ، والهاتف تلو الهاتف ، الأمر سري . فكم أنتما صديقان بحيث لا يتحرَّج من الحديث أمامك ! "
أصيبت المرأة بالغثيان للحظة ، البكاء ، والإنكار ، واليمين ، وأغلظ الإيمان لا تجدي ، لا يحيد عن شكه ، كيف وبماذا تقنع هذا الرجل ؟ سحبت يدها بقسوة من يد الرجل ، وقالت له : " انظر إلي ! "
نظر الرجل : " نظرت . "
- " انقلع من هنا وغادر فوراً ! "
صار وحشاً : " أتطردينني ؟ "
- " نعم أطردك . "
- " هكذا ؟ "
- " نعم . "
***
البرقية تلو البرقية ، والهاتف تلو الهاتف ، الأمر سري .
تداعى الرجل ، وتهدَّلت أطرافه ، وقد فهم ردَّ فعل المرأة . فأي امرأة كائنة من كانت لا يمكنها أن تحتمل هذا الاتهام . فعلاً فقد تشبث بمسألة الرقيب ، وراح ينهش المرأة بشك قذر .
استدار بهدوء وصعد من الغرفة السفلية إلى الأعلى ، ومسدسه في يده ، وفيما هو يمشي صوب باب الغرفة ، هرعت المرأة والتفت به من الخلف : " اقتلني واذهب " .
لم يكن يريد الذهاب إنما كان يتظاهر ، ويختبر المرأة ، لكنه وجد لذة في الاستمرار بالتظاهر .
التفت إليها : " ألم تطرديني ؟ "
- " لم أطردك ، كلا ، لن تذهب ! "
- " لكن أنا . . . "
أسندت ظهرها إلى باب الغرفة المغلق : " لا تستطيع الذهاب قبل أن تقتلني ! "
ابتسم الرجل ، فتابعت : " مادمت لا تستطيع التضحية بي ، فلماذا لا تصدقني ؟ لماذا لا تريد أن تفهمني ؟ بماذا أسأت إليك ؟ لو كانت لي علاقة بالرقيب فما حاجتي إليك ؟ . . أيمكن للقلب أن يهوى اثنين ، لماذا تنهشني ؟ "
اقتنع ، اقتنع تماماً ، فهم المرأة ، أخذها بين ذراعيه ، وقبَّل طرف أذنها . ثم . . . .
قالت المرأة وقد فهمت توابع الأمر : " انتبه ! "
استاء الرجل وقال : " لماذا ، ماذا هناك ؟ "
- " هنا لا يمكن ! "
- " لماذا لا يمكن ؟ "
- " لا يمكن هكذا ، قد يستيقظ الطفل . فلنصعد إلى الأعلى كما في النهار .
أما يدا الرجل فكانتا ترتجفان وتعبثان بلا توقف في أكثر أنحاء جسم المرأة إثارة ، فتهيِّجان المرأة ، وتمسحان العلية رأسها . رضخت ، فلا فائدة . شيء واحد لم يُمسح من رأسها : " إذن فقد كانت المرأة جميلة جداً . "
وللأجابة فقط قال الرجل بصوت متهدج : " جداً . "
ورغم أنها كانت منهزمة تماماً قالت :
- " مصيبة ! "
- " لماذا ؟ "
- " هي جميلة جداً . "
فهم الرجل في النهاية فقال :
- " يا روحي ، لم تكن جميلة بالنسبة لي ، بالنسبة لي أنت الجميلة ، أنت أجمل منها بكثير ! "
لم يعد في ذهن المرأة ، لا العلية ، ولا الغرفة التي ينام فيها ( سمير ) ، ولا مداهمة الدرك ، كانت هناك خلف عينيها المغمضتين لذة مجنحة تتطاير في عروقها . ثم وكأنها في أرجوحة أحست ب
***ة في داخلها ، ومُسحت الدنيا بأكملها .
في هذه اللحظة تقلَّب ( سمير ) من جنب إلى جنب . ألم تمسح الدنيا ؟ إذن لم يسمعا قرقعة الأريكة .
استيقظ ( سمير ) تواً ، واستوى على الأريكة وقد أحسَّ بأشياء . شاهد أباه وأمه خلف الباب ، ماذا يجري ؟ . . حذار ، هل يحاول أبوه خنق أمه ؟ . .
نزل من الأريكة بحذر . وتقدَّمت قدماه العاريتان بهدوء ، تقدَّم ، لكنه رأى مالم يره حتى اليوم . فعلاً حذار من أن يخنق أبوه أمه . أبوه . أبوه الرائع . . .
راقب يوماً مع ( زينيل ) في طرف البلدة الراعي مع ( زينب ) المخبولة ، ثم جمعا حجارة وطاردا ( زينب ) المخبولة . حينها كان الوضع هكذا . أَيُعقَلْ أن تصير أمه مثل ( زينب ) المخبولة ؟ وإن صارت فسيعمد أطفال البلدة إلى الجري وراءها في الأزقة والأسواق وإلى رميها بالحجارة تماماً مثل ( زينب ) !
أجهش بالبكاء .
انتبها ، ولملما نفسيهما .
هرعت إليه المرأة :
- " ولدي ! "
أما الرجل فقد أمسك المسدس بيد ، وراح يزر أزرار بنطاله بيده الأخرى .
سألت المرأة الطفل وهي تداعبه بيدها :
- " متى استيقظت ؟ "
- " قبل قليل . "
سأله الرجل :
- " هل راقبتنا ؟ "
كان الطفل يبكي ، ولا يريد أن يلتفت إلى أبيه ، الذي يريد أن يجعل أمه مثل ( زينب ) المخبولة ، ويرد على سؤاله .
احتضنت المرأة طفلها ، وأخذته ومددته على الأريكة ، وسألته :
- " هل استيقظت منذ فترة طويلة ؟ "
- " . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . "
- " هل راقبتنا ؟ "
- " . . . . . . . . . . . . . . . . "
- " لم تراقبنا أليس كذلك ؟ لماذا تبكي ؟ هل خفت ؟ "
اقترب الرجل منهما منزعجاً :
- " مابه ؟ لماذا يبكي ؟ "
لم يكن الطفل ينظر في وجه الرجل ، بينما انتبهت المرأة فجأة إلى الماء الذي بدأ يغلي فوق بابور الجاز ، فأسرعت إليه . وتقدَّم الرجل واحتل المكان الذي فرغ بذهاب المرأة ، والتصق بالطفل . هو أيضاً كان قد شاهد وهو طفل أباه وأمه في إحدى الليالي ، لذلك فهم سبب تضايق الطفل ، وسبب بكائه وعدم رده على الأسئلة . سحب الطفل بقليل من الصعوبة ، وضمه إلى حضنه ، وراح يداعب شعره .
- " لا تبكِ ، إن بكيت فلن أشتري لك دراجة بثلاث عجلات . "
مسحت كلمة " دراجة بثلاث عجلات " كل شيء من ذهن الطفل ورمته جانباً . فنظر إلى أبيه بعينين دامعتين أولاً ، ثم ضحك مثل شمس تطلع من بين السحب الماطرة ، وبمرور ذراعه فوق عينيه ، لم تبق في عينيه دموع ولا شيء سوى أن أمه صارت ( زينب ) المخبولة !
جهزت المرأة ماء الاغتسال فنادت :
- " هيا ! "
ومن حضن أبيه نظر الطفل إلى أمه نظرات اشمئزاز ، وكأن الذنب ذنبها وحدها . نعم ذنبها وحدها لأنه صار يرى في وجه أمه كلما نظر إليها وجه ( زينب ) القذر المليء بالعضَّات والكدمات الزرقاء !
دنت منه المرأة ببطء :
- " لماذا تنظر إلي هكذا يا روحي ؟ "
هزَّ الطفل كتفيه دون أن ينظر إليها ، وتشبث بأبيه .
استحت المرأة تحت ثقل وطأة الذنب :
- " تعال إلى أمك ! "
ابتعد الطفل عنها :
- " لا آتي . "
- " لماذا ؟ "
- " هكذا . "
- " كيف ؟ "
نظر إليها بازدراء نظرات جانبيه :
- " أنت صرت ( زينب ) المخبولة ! "
كانت المرأة تعرف ( زينب ) المخبولة ، لكنها لم تكن تعرف أن ابنها و( زينيل ) حفيد ( هاشم بك ) شاهداها يوماً مع الراعي . فقالت :
- " هل حلمت حلماً ؟ هل رأيت ( زينب ) المخبولة في حلمك ؟ "
هزَّ الطفل كتفيه ثانية .
حلم حلماً ، ولابد أنه رآني في الحلم مثل ( زينب ) المخبولة .
- " من ( زينب ) المخبولة هذه ؟ "