المخبولة

1208 Words
.  .  . البرقية تلو البرقية  ، والهاتف تلو الهاتف  ، الأمر سري  . فكم أنتما صديقان بحيث لا يتحرَّج من الحديث أمامك ! " أصيبت المرأة بالغثيان للحظة  ، البكاء  ، والإنكار  ، واليمين  ، وأغلظ الإيمان لا تجدي  ، لا يحيد عن شكه  ، كيف وبماذا تقنع هذا الرجل ؟ سحبت يدها بقسوة من يد الرجل  ، وقالت له : " انظر إلي ! " نظر الرجل : " نظرت  . " - " انقلع من هنا وغادر فوراً ! " صار وحشاً : " أتطردينني ؟ " - " نعم أطردك  . " - " هكذا ؟ " - " نعم  . " *** البرقية تلو البرقية  ، والهاتف تلو الهاتف  ، الأمر سري  . تداعى الرجل  ، وتهدَّلت أطرافه  ، وقد فهم ردَّ فعل المرأة  . فأي امرأة كائنة من كانت لا يمكنها أن تحتمل هذا الاتهام  . فعلاً فقد تشبث بمسألة الرقيب  ، وراح ينهش المرأة بشك قذر  . استدار بهدوء وصعد من الغرفة السفلية إلى الأعلى  ، ومسدسه في يده  ، وفيما هو يمشي صوب باب الغرفة  ، هرعت المرأة والتفت به من الخلف : " اقتلني واذهب "  . لم يكن يريد الذهاب إنما كان يتظاهر  ، ويختبر المرأة  ، لكنه وجد لذة في الاستمرار بالتظاهر  . التفت إليها : " ألم تطرديني ؟ " - " لم أطردك  ، كلا  ، لن تذهب ! " - " لكن أنا  .  .  . " أسندت ظهرها إلى باب الغرفة المغلق : " لا تستطيع الذهاب قبل أن تقتلني ! " ابتسم الرجل  ، فتابعت : " مادمت لا تستطيع التضحية بي  ، فلماذا لا تصدقني ؟ لماذا لا تريد أن تفهمني ؟ بماذا أسأت إليك ؟ لو كانت لي علاقة بالرقيب فما حاجتي إليك ؟  .  . أيمكن للقلب أن يهوى اثنين  ، لماذا تنهشني ؟ " اقتنع  ، اقتنع تماماً  ، فهم المرأة  ، أخذها بين ذراعيه  ، وقبَّل طرف أذنها  . ثم  .  .  .  . قالت المرأة وقد فهمت توابع الأمر : " انتبه ! " استاء الرجل وقال : " لماذا  ، ماذا هناك ؟ " - " هنا لا يمكن ! " - " لماذا لا يمكن ؟ " - " لا يمكن هكذا  ، قد يستيقظ الطفل  . فلنصعد إلى الأعلى كما في النهار  . أما يدا الرجل فكانتا ترتجفان وتعبثان بلا توقف في أكثر أنحاء جسم المرأة إثارة  ، فتهيِّجان المرأة  ، وتمسحان العلية رأسها  . رضخت  ، فلا فائدة  . شيء واحد لم يُمسح من رأسها : " إذن فقد كانت المرأة جميلة جداً  . " وللأجابة فقط قال الرجل بصوت متهدج : " جداً  . " ورغم أنها كانت منهزمة تماماً قالت : - " مصيبة ! " - " لماذا ؟ " - " هي جميلة جداً  . " فهم الرجل في النهاية فقال : - " يا روحي  ، لم تكن جميلة بالنسبة لي  ، بالنسبة لي أنت الجميلة  ، أنت أجمل منها بكثير ! " لم يعد في ذهن المرأة  ، لا العلية  ، ولا الغرفة التي ينام فيها ( سمير )  ، ولا مداهمة الدرك  ، كانت هناك خلف عينيها المغمضتين لذة مجنحة تتطاير في عروقها  . ثم وكأنها في أرجوحة أحست ب ***ة في داخلها  ، ومُسحت الدنيا بأكملها  . في هذه اللحظة تقلَّب ( سمير ) من جنب إلى جنب  . ألم تمسح الدنيا ؟ إذن لم يسمعا قرقعة الأريكة  . استيقظ ( سمير ) تواً  ، واستوى على الأريكة وقد أحسَّ بأشياء  . شاهد أباه وأمه خلف الباب  ، ماذا يجري ؟  .  . حذار  ، هل يحاول أبوه خنق أمه ؟  .  . نزل من الأريكة بحذر  . وتقدَّمت قدماه العاريتان بهدوء  ، تقدَّم  ، لكنه رأى مالم يره حتى اليوم  . فعلاً حذار من أن يخنق أبوه أمه  . أبوه  . أبوه الرائع  .  .  . راقب يوماً مع ( زينيل ) في طرف البلدة الراعي مع ( زينب ) المخبولة  ، ثم جمعا حجارة وطاردا ( زينب ) المخبولة  . حينها كان الوضع هكذا  . أَيُعقَلْ أن تصير أمه مثل ( زينب ) المخبولة ؟ وإن صارت فسيعمد أطفال البلدة إلى الجري وراءها في الأزقة والأسواق وإلى رميها بالحجارة تماماً مثل ( زينب ) ! أجهش بالبكاء  . انتبها  ، ولملما نفسيهما  . هرعت إليه المرأة : - " ولدي ! " أما الرجل فقد أمسك المسدس بيد  ، وراح يزر أزرار بنطاله بيده الأخرى  . سألت المرأة الطفل وهي تداعبه بيدها : - " متى استيقظت ؟ " - " قبل قليل  . " سأله الرجل : - " هل راقبتنا ؟ " كان الطفل يبكي  ، ولا يريد أن يلتفت إلى أبيه  ، الذي يريد أن يجعل أمه مثل ( زينب ) المخبولة  ، ويرد على سؤاله  . احتضنت المرأة طفلها  ، وأخذته ومددته على الأريكة  ، وسألته : - " هل استيقظت منذ فترة طويلة ؟ " - "   .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - " هل راقبتنا ؟ " - "   .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - " لم تراقبنا أليس كذلك ؟ لماذا تبكي ؟ هل خفت ؟ " اقترب الرجل منهما منزعجاً : - " مابه ؟ لماذا يبكي ؟ " لم يكن الطفل ينظر في وجه الرجل  ، بينما انتبهت المرأة فجأة إلى الماء الذي بدأ يغلي فوق بابور الجاز  ، فأسرعت إليه  . وتقدَّم الرجل واحتل المكان الذي فرغ بذهاب المرأة  ، والتصق بالطفل  . هو أيضاً كان قد شاهد وهو طفل أباه وأمه في إحدى الليالي  ، لذلك فهم سبب تضايق الطفل  ، وسبب بكائه وعدم رده على الأسئلة  . سحب الطفل بقليل من الصعوبة  ، وضمه إلى حضنه  ، وراح يداعب شعره  . - " لا تبكِ  ، إن بكيت فلن أشتري لك دراجة بثلاث عجلات  . " مسحت كلمة " دراجة بثلاث عجلات " كل شيء من ذهن الطفل ورمته جانباً  . فنظر إلى أبيه بعينين دامعتين أولاً  ، ثم ضحك مثل شمس تطلع من بين السحب الماطرة  ، وبمرور ذراعه فوق عينيه  ، لم تبق في عينيه دموع ولا شيء سوى أن أمه صارت ( زينب ) المخبولة ! جهزت المرأة ماء الاغتسال فنادت : - " هيا ! " ومن حضن أبيه نظر الطفل إلى أمه نظرات اشمئزاز  ، وكأن الذنب ذنبها وحدها  . نعم ذنبها وحدها لأنه صار يرى في وجه أمه كلما نظر إليها وجه ( زينب ) القذر المليء بالعضَّات والكدمات الزرقاء ! دنت منه المرأة ببطء : - " لماذا تنظر إلي هكذا يا روحي ؟ " هزَّ الطفل كتفيه دون أن ينظر إليها  ، وتشبث بأبيه  . استحت المرأة تحت ثقل وطأة الذنب : - " تعال إلى أمك ! " ابتعد الطفل عنها : - " لا آتي  . " - " لماذا ؟ " - " هكذا  . " - " كيف ؟ " نظر إليها بازدراء نظرات جانبيه : - " أنت صرت ( زينب ) المخبولة ! " كانت المرأة تعرف ( زينب ) المخبولة  ، لكنها لم تكن تعرف أن ابنها و( زينيل ) حفيد ( هاشم بك ) شاهداها يوماً مع الراعي  . فقالت : - " هل حلمت حلماً ؟ هل رأيت ( زينب ) المخبولة في حلمك ؟ " هزَّ الطفل كتفيه ثانية  . حلم حلماً  ، ولابد أنه رآني في الحلم مثل ( زينب ) المخبولة  . - " من ( زينب ) المخبولة هذه ؟ "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD