الذين يعرفون مدينتنا يذكرون الكثير عنها..
لم يعد الطفل يسمع . فقد جلبت عتمة العلية نعاسه ، فتثاقلت مقلتاه . وفيما كان يفتح جفنيه بصعوبة ، ترك ذلك وما عاد يغالب نفسه ، فأغمض الجفنان وما عادا يُفتحان . وخلف الجفنين المطبقين بدأ حلم المدينة الكبيرة البعيدة جداً : زقاق ضيق ، دراجة حمراء بثلاث عجلات تحته ، ونساء ورجال عائدون من أعمالهم متعبين متعرقين محمَّلين بالخبز تحت إبط كل منهم . في هذه الأثناء قال أبوه :
- " نعس الطفل ! "
نهضت بفرح من تخلَّصت من عائق كبير جداً يعيق رغباتها المتأججة :
- " حقاً ؟ "
- " انظري ! "
- " فلآخذه ولأمدده تحت ! "
- " انزلي ، وأنا أناولك إياه من فوق . "
- " حسناً ، ليكن . "
***
نزلت المرأة عدة درجات ، وحمل الرجل الطفل برفق وناولها إياه . وخلف العينين المغمضتين كانت هناك دراجة حمراء بثلاث عجلات ، ونساء ورجال عائدون من أعمالهم متعبين متعرقين ، والزمور المنبه يُدَوِّي . اهتز حلم الطفل قليلاً عندما أخذته المرأة من يد الرجل ، لكنه عاد واستوى عندما مددته على الأريكة .
كان الجو حاراً ، فما فكَّرت في أن تغطيه بشيء .
نسيت الطفل وسواه ، ونظرت فوراً إلى الأعلى . كيف ستصعد إليه ؟ إنه شيء فوق الوصف ، إنها سعادة كبرى رائعة لا يمكن تحملها ، ولا حتى التفكير فيها . لقد قضت الليالي وهي تفكر بمثل هذه السعادة . حتى لو جاء زوجها في أحد الأيام لم تكن لتسعد هكذا .
صعدت درجات السلَّم على خفقات قلبها .
كان الرجل قد خلع قميصه ، وراح جسمه العملاق المتعرق يلمع . وقد انزاح الضماد عن كتفه الأيسر ، بل وانفك في بعض الأمكنة ، لكن الرجل لم يكن منتبهاً ولا مهتماً بذلك .
- " ها قد جئتُ ! "
- " أهلاً بكِ . . . "
- " أهلاً بكَ . "
- " ألا تتفضلين هكذا ؟ "
- " هل تسخر مني ؟ "
- " ألا يكرم الأكابر بعضهم بعضاً هكذا ؟ "
- " انظر إلي ! "
- " نظرت . "
- " ستعقد علي الزواج ، أليس كذلك ؟ "
- " أما زلت تشكِّين حتى الآن ؟ "
- " لو كان زوجاً ، ولو لم ينس سبع سنوات ، أليس كذلك ؟ لم يكن لدى الرجل وقت للتفوه بكلمة . "
***
استيقظا ليلاً .
استيقظت المرأة أولاً ، ولم تشاهد نوم الرجل في الظلام . لم تشاهده لأنها راحت تتساءل عن معنى الذي حدث . . لماذا ، لماذا . .وأجابت بنفسها على نفسها- " ليس هناك لماذا . حسناً فعلت ، ماذا ؟ هل كنت سأنتظر عودة الزوج حتى أموت ؟ "
نهضت تريد إشعال الفانوس .
كان الرجل مستيقظاً أيضاً وسمعته يسألها : " إلى أين ؟ "
- " لقد استغرقنا في النوم . الطفل تحت ، وحده ! "
نزلت درجات السلم على عجل . كان المكان شديد الظلمة ، وعندما مدت يدها عثرت على علبة الثقاب فأشعلت عوداً أشعلت به مصباح الكيروسين لا مصباح الصيد . ورأت ( سمير ) النائم على الأريكة ، وبابور الجاز الذي نفد جازه فانطفأ من تلقاء نفسه . أسرعت تهرول ورفعت الغطاء : البامياء ملتصقة في قعر القدر ، وقد جفت مرقتها ، أما اللحمة فصارت قطعاً من الفحم . قالت :
- " أخ . "
كان الرجل في الأعلى عند فتحة العلية . وعلى ضوء مصباح الكيروسين المنبعث من الأسفل أضيء وجهه فبدا وسيماً جداً . نظرت المرأة ورأته فقالت :
- " التصقت بامياؤك بالكامل بقعر القِدر . "
- " لا تبالي . "
- " حرام ، كل هذه المصاريف والتعب . "
- " غداً نطبخ غيرها ، لا تهتمي . ماذا ستفعلين الآن ؟ "
- " سوف أسخِّن ماءً . "
- " وبعد ذلك ؟ "
- " نغتسل ونمد الفراش وننام . "
- " والولد ؟ "
- " ينام على الأريكة من الآن فصاعداً ! "
بدت المرأة أكثر حيوية ونشاطاً من أي وقت مضى ، وبدت مقبلة على العمل برغبة أكثر .
عمّرت بابور الجاز الذي نفد جازه ، جازاً من جديد ، وأشعلته ووضعت فوقه صفيحة ملأى حتى أكثر من نصفها ماء .
نزل الرجل بهدوء ، وفي يده علبة السجائر يشمها .
سألته المرأة :
- " ما هذا ؟ "
- " هذه ؟ سجائر . آه لو أستطيع تدخين واحدة . "
تلفتت المرأة حولها ، ثم وبدون أي سبب رتَّبت وأحكمت إغلاق ستارة النافذة البيضاء . فعلاً لم يكن هناك أي سبب لذلك فستارة النافذة كانت محكمة الإغلاق تماماً .
نظرت إلى الرجل :
- " سأقول لك دخِّن ، ولكن لا أعرف هل تحدث مشكلة ؟ "
تقدم الرجل والتصق بالأريكة :
- " أخشى ذلك . "
- " إذا رأى أحدهم دخان السيجارة من الخارج ، سوف يتساءل من الذي يدخن سيجارة في بيت ( سارا ) . والجميع يعلمون أني لا أدخن . "
ثم تلفتت المرأة حولها ثانية وأردفت : " لا أعرف ماذا نفعل . "
قسم الرجل السيجارة التي أخرجها من العلبة إلى نصفين : " لو دخَّنت هذه القطعة لكفتني حتى الصباح . "
نظرت المرأة إلى الرجل بإشفاق ، فهي تعرف من زوجها عديم الوفاء ، كم تتوق نفسه الآن إلى التدخين ، وكم هو مستعد الآن لأن يدفع كل ما يملك من أجل سحب نَفَسَين من سيجارة .
ولكن . .ماذا سيحدث لو دخَّن ؟
نظرت إلى الرجل بانفعال : " دخِّن ! "
فرح الرجل : " حقاً ؟ ! "
- " دخِّن ! أو انتظر ، خطر ببالي شيء ، نحن نستعمل المكان الذي تحت غرفتنا كحمَّام . لننزل إلى هناك إذا أردت . "
- " ألا يخرج الدخان إلى الخارج ؟ "
- " لا أعتقد . "
- " نعم نعم . "
وبلمحة أشعلت مصباح الصيد ، وتقدمته . فعلاً كان المكان هنا مثل حمَّام . إذ توجد خشبة عريضة على الأرض ، وفوقها مقعد خشبي صغير ، وأرض ترابية رطبة مبيضَّة بمياه الصابون .
رفعت المرأة زجاج مصباح الصيد ، وقالت : " أشعل سيجارتك ! "
أشعل الرجل سيجارة من لهب مصباح الصيد الأصفر ، وتلاحقت سحب الدخان الكثيفة ، وكان كل نَفَس من الدخان يسحبه كأنه يعيد إليه شيئاً من روحه ، ويعيده إلى وعيه .
أما المرأة فكانت تراقب ب
***ة تدخين الرجل ، أو بالأحرى الذكر ، للسيجارة ب
***ة . لابد أنه جائع !
سألته : " هل أنت جائع ؟ "
نظر إلى المرأة وضحك : " أترين هذه السيجارة ، إنها تنسي الإنسان الجوع والعطش ! "
- " أيمكن ذلك ؟ ما الذي يمكنه أن يحل محل الجوع والعطش ؟ "
جلست القرفصاء هناك .
أما الرجل فكان واقفاً . وقد كبَّر ضوء مصباح الصيد الأصفر ، ظلَّ الرجل على الجدار .
كانا صامتين .
لم يعد في داخلها الآن أي أثر لذلك الجوع للرجل المتراكم منذ سنين . ولكن هناك خوف . خوف من الله ، خوف من المداهمة ، خوف من إلقاء القبض عليها والفضيحة ، والخوف الكبير كان الخوف من إلقاء القبض على ( حبيب ) وأخذه ، وعدم عودته ثانية أبداً . وكان هناك خوف آخر . . خوف من ظهور وعودة زوجها بعد سبع سنوات !
لم تكن مقتنعة تماماً بإمكانية ظهور وعودة زوجها ، ولكن الشيطان ، من يعرف ، قد يظهر فجأة ، ويرى الغريب ، ويسأل عنه ، وعندما يعرف القصة لا ينسحب ، وقد يقتله .
سألت الرجل فجأة : " أين مسدسك ؟ "
ارتاب الرجل : " ماذا ستفعلين ؟ "
أجفلت المرأة : " لاشيء . "
- " لاشيء ؟ "
- " أليس من الأفضل أن يكون معك دوماً ؟ "
ازداد ارتياب الرجل : " لا ، ما الذي دعاك إلى أن تسألي هكذا فجأة ؟ "
أدركت المرأة أنه لا مناص : " لاشيء يا حبيبي ، أتدري ماذا خطر ببالي ؟ "
- " ماذا خطر ببالك ؟ "
- " وساوس شيطان . . . مقصوف الرقبة الذي لم يسأل عني ولو بسطرين خلال سبع سنوات ، ماذا لو ظهر وجاء الآن . . . . "
انف*جت أسارير الرجل : " تلك المسألة . "
- " لا يأتي ، ذاك اختلط بالذين يذهبون بلا عودة ، يقصف عمره ، حتى لو جاء بعد الآن هواء . . . لكنه خطر ببالي هكذا . . . . "
- " أنت على حق . "
قفز من الغرفة السفلية غير مبال بجرح كتفه ، وأثناء مروره بالغرفة التي أضاءها مصباح الكاز جيداً ، ألقى نظرة على ( سمير ) ، كان نائماً ، صعد درجات السلم بسرعة ، ودخل حتى خصره في فتحة العلية ، وبحث بيده عن مسدسه وعثر عليه فتناوله ونزل إلى الأسفل . وقبل أن ينزل إلى الغرفة السفلية أخْفَتَ ضوء مصباح الكاز قليلاً .
كانت المرأة تنتظر : " هل أحضرته ؟ "
- " أحضرته . "
- " حسناً فعلت . "
- " . . . . . . . . . . . . . . . . . . ؟ "
- " أتدري ماذا يخطر ببالي ؟ "
- " ماذا يخطر ؟ "
- " أننا أثناء دخولنا المدينة البعيدة التي سنذهب إليها . . "
- " ماذا ؟ "
- " يجب أن ترمي المسدس في الخندق . "
دهش الرجل وقال :
- " مجنونة ! "
- " لماذا ؟ "
- " مسدس الرجل يعني دمه وروحه وشرفه . وهل يرمي رجل شريف زوجته ويلقي بها ؟ "
أعجبت المرأة بكلامه ، وتذكرت زوجها الذي رماها وألقى بها سبع سنوات . فقالت :
- " صحيح . "
- " ثم . . . . افرضي أني ألقيت بالمسدس ، عثروا عليه ، ألن يبحثوا عن صاحبه ؟ "
- " وما يدريهم بأنه أنت ؟ "
- " هل تعرفين الحكومة ؟ . . إنها تعثر على الشخص من رائحته ! "
- " . . . . . . . . . . . . . . . . . ؟ "
- " وأحياناً تكونين واقفة أمامها مثل عمود ولا تراكِ ، وتلك مسألة أخرى . "
سألته أيضاً على حين غرة :
- " ماذا يفعلونه بك إذا ألقوا القبض عليك . "
ودون تفكير أجابها :
- " يعدمونني ! "
- " جريمتك كبيرة لهذه الدرجة إذن ؟ "
- " كبيرة . "
- " قتلت سيد مزرعة . . . . ماذا كان اسمه ؟ "
- " ( عثمان ) . "
- " لماذا قتلته ؟ "
- " استحق القتل . "
- " ألم تعرف الحكومة بأنك أنت الذي قتلته ؟ "
- " لم تعرف حينها ، لأن القرويين كلهم كانوا معي ، كانوا يشتكون منه ، ظالم ، لعين ، داعر ، حقيرشؤم ، مغرور ، سافل ، استحق الموت ألف مرة . "
- " لماذا ؟ "
- " هذا كلام شرحه يطول ، بداية كان فاسقاً عدواً للدين والشرف ثم هو طاغية جبار . لدينا هناك منذ سنين وسنين أراض بور لا صاحب لها . تارة يحرثها البك ، وتارة يحرثها الفلاحون ، من يحرثها ويبذرها أولاً يكون المحصول من حقه ، أما هذا فقد استولى على الأراضي وزرعها عشر سنوات متتالية ، وفي السنة العاشرة ، راجع المحكمة لتسجيلها باسمه . وانتشرت وكثرت الاحتجاجات والتهديدات ، بحيث لو لم أقتله أنا ، لقام غيري بهذا العمل ! "
- " صحيح . "
- " ثم إنه كما قلت لك عدو للناموس . فكري ، إنه خال ، وابن أخته أحب فتاة تعمل في معمل في المدينة . يشتري الفتاة ويحضرها إلى المزرعة ، ماهو الغرض ؟ . . سوف يزوج ابن أخته ، ويجعله صاحب بيت وأسرة أليس كذلك ؟ "
- " طبعاً كذلك فالخال والد . "
- " كلنا نعرف هذا . لكنه عشق الفتاة ، وأخذها من ابن أخته ، وتزوجها . وفوق ذلك ضرب ابن أخته ، و**ر رأسه ، وطرده من المزرعة ، وأهانه وحقره في البلد ! "
- " ياإلهي ! "
- " الأشد من ذلك : إنه رجل عديم الدم ما أن يرى امرأة حتى يهجم عليها مثل ثور شبق ، ولا يراعي أنها عاملة أو مسكينة ، وكم من الشُّبَّان أخذ زوجاتهم من أيديهم ! "
استاءت المرأة من ذلك :
- " مثل ( أنور ) الأعرج . "
- " ماذا يساوي ( أنور ) الأعرج بجانبه ؟ ابن حرام لا يشبع من المرأة . للرجولة شرفها . لا يجوز الاعتداء على كل امرأة تراها . أما أن تحبك المرأة ، وأن تحبها أنت . . . .ها ؟ "
فهمت المرأة ، وضحكت :
- " عند ذلك ؟ "
- " تسير الأمور على ما يرام . "
أمسكت يد الرجل وقبَّلتها بشهوة ، ثم سألته دفعة واحدة :
- " هل كانت الفتاة جميلة ؟ "
لم يفهم ( حبيب ) :
- " أي فتاة ؟ "
- " التي أخذها من يد ابن أخته . "
- " الفتاة البوشناقية ؟ "
تذكَّر مطاردته لها لكي يخنقها .
- " وهل تكفي كلمة جميلة ؟ "
- " من أين تعرفها ؟ "
لم يقل " كدت أخنقها " ، لم يرَ مبرراً لذلك .
- " أيمكن أن لا أعرفها ؟ المزرعة تدعى الآن " مزرعة السيدة " . أما سابقاً فكان القرويون يدعونها فيما بينهم " مزرعة عديم الدم " ، رأيت الفتاة في تلك الفترة ، لكنها كانت فائقة الجمال ! "
***
صمت . كان يعيش تلك الذكرى .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
لحظة **ر باب غرفتها ودخل عليها ، كانت المرأة الشابة مثل سمكة داخل ثوب نومها الأبيض . تدلَّت من النافذة وألقت بنفسها على الأراضي النديَّة ، وراحت تركض بقدمين عاريتين ، وثوب نومها الشفاف القصير ويتطاير ، وفي الخلف بيوت المزرعة تحترق بنيران حمراء ، برتقالية . . . . دخل الغرفة دون أن يضيع لحظة ، وقفز من النافذة التي تدلَّت منها المرأة قبل قليل ، وجرى خلفها . لم تكن تستطيع الجري ، قدماها العاريتان تغطسان في التراب الندي ، وتنزلق إحداها وتلتوي أحياناً .
- " في النهاية ألقى الجميع المسؤولية عليك ! "
سألها الرجل أيضاً بشك :
- " من قال ذلك ؟ "
- " الرقيب . "
انزعج الرجل لسماعه كلمة " الرقيب " . وفكَّر لماذا لا يمكن أن تكون هناك علاقة من نوع مابين هذه المرأة وبين الرقيب . طالما أنها استندت إليه في مواجهة ( أنور ) الأعرج ، فلابد أن علاقتها بالرقيب . . .
- " إذن كانت المرأة جميلة جداً ؟ "
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
سمع لكنه لم يفهم . . .
أحسَّت المرأة بانزعاج الرجل . أمسكت بيده ، ونهضت ووقفت على قدميها وسألته :
- " لماذا شردت ؟ "
- " هل شردت ؟ "
- " نعم شردت . "
- " من يدري ؟ "
- " من سيدري ، أنت ! "
سحب الرجل يده من يد المرأة :
- " ( سارا ) أنت تعجبينني جداً ، ولكن . . "
طار صواب المرأة :
- " ولكن ؟
- " إذاً في يوم من الأيام ، كيف أقول . . . . "
- " . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ؟ "
- " لساني لا يطاوعني ، نعم لا يطاوعني ، إذا رأيت فجورك . . . "
- " إذا رأيت ؟ "
- " اعلمي أنك انتهيت ! "
***
التفت المرأة بعنق الرجل . قبَّلته وقبَّلته ، ثم أسندت رأسها إلى ص*ره وهي تبكي ، كان الرجل يذوب تحت وطأة رغبة طاغية ، وأحس بالندم ، لماذا **ر قلبها مرة أخرى ؟
رفعت المرأة رأسها بحدَّة عن ص*ر الرجل وقالت :
- " إذا رأيت أو سمعت بفجوري ، اقتلني يا ( حبيب ) . دمي حلال لك ! "
فأجابها الرجل بدم بارد :
- " لا تذكري سيرة الرقيب مرة أخرى أمامي ! "
فهمت المرأة كل شيء فقالت :
- " حسناً ، حسناً ، لكنك تتضايق منه بلا سبب ! "
- " بسبب أو بدون سبب . "
- " حسناً ، لماذا تتضايق منه ؟ "
- " كيف لا أتضايق ؟ لقد عشت هذا العمر ، ورأيت ما رأيت إلى أن قابلتك . لقد لجأتِ إليه ليحميك من ( أنور ) الأعرج ، وهو رجل . وهل استطعت أنا أن أصمد أمام امرأة جميلة ؟أنا هارب ، معرَّض للقتل في كل لحظة ، وإذا لم أُقتل يُلقى القبض عليَّ وأجرُّ إلى حبل المشنقة . والرقيب إنسان ، والرقيب رجل ، وهو يحمل نفساً مثل غيره . . . ثم هناك هارب في الموضوع . . . البرقية تلو البرقية ، والهاتف تلو الهاتف ، الأمر سري . فكم أنتما صديقان بحيث لا يتحرَّج من الحديث أمامك ! "
أصيبت المرأة بالغثيان للحظة ، البكاء ، والإنكار ، واليمين ، وأغلظ الإيمان لا تجدي ، لا يحيد عن شكه ، كيف وبماذا تقنع هذا الرجل ؟ سحبت يدها بقسوة من يد الرجل ، وقالت له : " انظر إلي ! "
نظر الرجل : " نظرت . "