امرأة مثلي

1350 Words
سطع النور في أحد أيام الشتاء شديدة البرد، صقيعٌ حاد قارس، وكانت ندف ثلجية كقطعٌ فضية تغطي الخصلات المتحدرة على جبين (نادين)، وعلى ذقنها وأسفل شفتها العليا. كانت تتعلَّق بذراعي ونحن واقفان فوق ربوةٍ عالية. ومن مكاننا حتى قاع الأرض امتد سهلٌ انع**تْ عليه الشمسُ بوضوحٍ وكأنه مرآة صافية. وإلى جانبنا كانت مزلجةٌ عليها قماشٌ أحمر اللون فاتح. وكنت أرجوها: "هيا بنا لنتزحلق للأسفل يا نادينكا. مرةً واحدة فقط. أؤكد لكِ أنه لن يحدث أي مكروه". ولكن (نادين) كانت تُصر على موقفها، كانت خائفة. إذ أن المنحدر الذي يبدأ من تحت حذائها الطويل إلى أسفل التلة الثلجية بدا مريعًا لها يثير الرهبة كأنه هاوية سحيقة إلى بحر الظلمات. لاح عليها التردد وخانتها ثقتها برأيها وحبست أنفاسها وهي تنظر إلى الأسفل تحاول جمع أطراف شجاعتها، بعد أن اكتفيتُ بأن اقترحتُ عليها امتطاء المزلجة، ولكن ماذا لو كانت هناك مخاطرة بالسقوط إلى الهاوية والغوص في الظلام؟ كانت ستموت، كانت ولا ريب ستُجن. قلتُ لها في لهجة أقرب إلى التوسُّل: "من أجل خاطري، لا تخافي. لا يجدر بك الخوف، فهو مرضٌ للنفس ووهم لعين." وفي النهاية استسلمت (نادين)، وأخيرًا من أدركتُ قسمات وجهها أنها استسلمت وهي تختنق فزعًا. أجلستها على المزلجة، وهي شاحبة مرتعدة الأوصال، ثم طوّقتها بذراعي، ودفعتها وأنا معها إلى أسفل بحر الظلمات. وانطلقت المزلجة كقذيفة مدفع، و ضرب تيار الهواء المندفع بفعل تحليقنا في وجوهنا بكل عنفوانه وصخبه، ثم أطلق صفيره الحاد المدوِّي في آذاننا، وثقب أجسادنا كطلقات الرصاص، ثم اشتدت وخزاته في وهج هديره الهائج وكأنه يحاول أن يقتلع رأسينا من على أكتافنا. كنا بالكاد نتنفس تحت ضغط الريح. بدا الأمر وكأن عفريتا من قاع الجحيم نفسه أمسك بنا بمخلبيه وأخذ يسحبنا إلى سقر تتبعه زمجرته. كل ما كان يحيط بنا ذاب وتلاشى في خطٍ رفيع طويل حاد يتسارع بشدة. لحظة أخرى وبدا أننا لا بد فانيان. *** كانت المرأة تعرف ( زينب ) المخبولة  ، لكنها لم تكن تعرف أن ابنها و( زينيل ) حفيد ( هاشم بك ) شاهداها يوماً مع الراعي  . فقالت : - " هل حلمت حلماً ؟ هل رأيت ( زينب ) المخبولة في حلمك ؟ " هزَّ الطفل كتفيه ثانية  . *** حلم حلماً  ، ولابد أنه رآني في الحلم مثل ( زينب ) المخبولة  . - " من ( زينب ) المخبولة هذه ؟ " - " إنها مجنونة بلدتنا  . " سأل الرجل الطفل الذي في حضنه : - " هل حلمت حلماً ؟ " قالت المرأة : - " حلمت حلماً أليس كذلك يا ( سمير ) ؟ طبعاً يا روحي حلم حلماً  ، ولو لم يحلم لما بكى ! " قال الرجل بارتياب : - " ألا يبكي ؟ " أجابته المرأة ببساطة : - " لا يبكي  . " - " غمز الرجل بعينه وهو يقول : - " هل تعنين أنه معتاد ؟ " - " على ماذا ؟ " - " على المشاهدة  . " - " لم أفهم ؟ - " أردت أن أقول هل هو معتاد على رؤيتك مع الآخرين ؟ " أجفلت المرأة وكأن ناراً لسعتها : - " الله لا يأخذ روحك ! ألا تستحي من قول ذلك ؟ " قهقه الرجل ضاحكاً  . احتدت المرأة وهي تقول : - " سبع سنوات  ، سبع سنوات طوال وضعت على الجرح ملحاً  . امرأة مثلي  .  . أيمكن الارتياب بأن تفعل امرأة مثلي هذه الأشياء  . " ندم الرجل  ، ولمس ذقنها ورفعه  ، كانت عيناها مغرورقتين بالدموع  . ضربت يد الرجل وحرَّرت ذقنها : - " اترك  ، هيا ابعد عني  . " أمسك ذقنها مجدداً : - " لماذا ؟ " قالت بغضب : - " يعني هو معتاد على رؤيتي ومشاهدتي مع الآخرين  . نعم صحيح  . امرأة مهجورة  ، تركها زوجها ورحل  ، تنتهز الفرصة التي تواتيها فتنام مع كل رجل تصادفه  .  .  . إني أرملة منذ سنوات  ، وأقسم بأني لم أعرف رجلاً غيرك  . " خطرت بباله فكرة " لماذا لا تكون فعلاً كذلك ؟  . " لكنه لم يقف عندها طويلاً  . أمسك برسغ المرأة : - " كنت أمزح  ، وانقلب الهزل جداً ! " - " وهل في هذه الأمور مزاح ؟ " - " ألا يمكن ؟ " - " لا يمكن طبعاً  . حتى لو تركني زوجي ورحل  ، حتى لو كنت نصف أرملة  .  .  .  .  . أنا أيضاً لي شرفي  ، اترك الشرف  . إذا نامت المرأة مع كل رجل تصادفه  ، تصبح ( زينب ) المخبولة  ، ماذا تظن ؟ أوَّلهم ( أنور ) الأعرج  .  .  . الرجل جيبه مليء  .  .  . لو قلت نعم لأغرقني بالمال  ، لا سمح الله  . لماذا تقيس على نومي معك ؟ " قال الرجل بحدته الرجولية التي تذوب فيها المرأة : - " كفى يا  .  . اخرسي ! امتنَّت المرأة فهذه الـ " اخرسي "  . التي قالها بحدَّة  ، أكدت لها أنه كان يمزح فعلاً  . قال الطفل : - " لتكن الدراجة ذات الثلاث عجلات زرقاء اللون إن أردت  . " ماسمع الرجل هذا  ، ولا سمعته المرأة  . نهض الطفل نصف غاضب  ، فمددته المرأة في مكانه على الأريكة ! - " نم أنت  ، سوف أغسل ظهر أبيك بالليف والصابون ! " أغمض الطفل عينيه لكي لا يرى وجه أمه الذي يشبه وجه ( زينب ) المخبولة  . - " نم يا بني  . " وبعينين مغمضتين هزَّ رأسه وهو ممدَّد  .    *** المرأة في الأمام  ، والرجل خلفها  ، نزلا إلى الأسفل  ، خلع الرجل ملابسه بسرعة  ، وحاول فك ضمادات جرحه  ، وساعدته المرأة في ذلك  . وفيما كانت تحاول فك عقدة الضماد بأسنانها  ، اقتربت من طرف أنف الرجل  ، اختلطت أنفاسهما الحارَّة  ، وتهيَّجا  . همس في أذنها : " هل غضبت مني ؟ " نظرت المرأة إليه بحدة ممزوجة بدلال أنثوي : " ممن ؟ " - " مني  . " هزَّت كتفيها  . أحاط خصرها بذراعه  ، فتمنَّعت وقالت : " كن عاقلاً ! " - " لماذا ؟ " - " الطفل مستيقظ ! " - " وما الذي يُدريه ؟ " ثارت وتمنَّعت : " أمجنون أنت ؟ " فكت عقدة الضماد  ، وكشفت الجرح  ، لم يكن ذا بال  ، نزف دماً قليلاً هنا وهناك  ، وجفت الدماء  . - " كيف ؟ " - " ماذا ؟ " - " جرحي  . " - " جيد  . نزف قليلاً  ، إذا اغتسلت الآن جيداً بالصابون لا يبقى شيء  . اجلس على المقعد  . " قال قبل أن يجلس : " انظري إلى الطفل  . " كان ذلك يناسبها أيضاً  ، كيفما كان هما سيغتسلان  . *** مشت على رؤوس أصابعها نحو السلم ذي الدرجات الثلاث المؤدي إلى الأعلى  ، ونظرت إلى الطفل  . كان نائماً كما مدَّدته ! عادت إلى الرجل بشيء من السرور : " إنه نائم كما تركته  . " تناولت لوح الصابون  ، وبدأت تغسل رأسها  . كانت تغسل رأسها  ، وكانت تتحرق وتذوب  ، تريد أن لا يستمع الرجل إليها  ، وأن يتحرش بها  ، وأن يمسك بها من هنا ومن هناك  ، وأن لا يعبأ بتمنُّعها وبحججها  ، وبالطفل  ، وأن يدخل فيها مثل عاصفة ! انزلقت الصابونة من يدها  ، وحطَّت أمام الرجل  ، بل بين ساقيه تماماً  ، وعندما مالت لتلتقطها لم يحتمل الرجل  ، فأمسك برسغها الناصع البياض  ، تظاهرت بسحب رسغها  ، لم يتركها الرجل  ، سحبت  ، تشبَّث بها  ، تمنعت  ، وسحبت رسغها : " توقف ! " - " أخفضي ضوء الفانوس  ، وتعالي ! " - " لا يمكن  . " - " أقول لك أخفضيه ! " - " لا يمكن  ، لا يمكن  ، أمجنون أنت ؟ ما زال الطفل مستيقظاً  . " - "   .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . ؟ " - "   .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " لم يعد الرجل يحتمل  ، نهض عارياً  ، وبدون أن يبالي بممانعات المرأة الخفيضة ذهب وأخفض ضوء مصباح الصيد الصغير  ، وعاد  . قالت المرأة إنه مستيقظ  ، والله إن الطفل مستيقظ  ، طفل كبير  ، يعرف كل شيء  ، أنت ستفضحني  . يا مجنون ! في هذه اللحظة جاء صوت الطفل من الأعلى : " ماما ! " تسمّر كلاهما  ، وأجابته المرأة : " نعم ؟ " - " إني خائف ! " ***
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD