الهجوم

1217 Words
***وأخيراً . . همدت الأصوات تماماً . . وسكنت الحركة وأصبح القصر صامتاً كالقبر! . .وأمام طبقة جلس (  رمزي  شندي ) . . وراح يأكل . .كان يحشو فمه بقطع الخبز الكبيرة كما لو كان يخشى أن يقطع أحد عليه خلوته قبل أن يأكل ويشبع . .وراح يدفع بالطعام إلى فمه المفتوح كبئر بيديه الاثنتين . . وهبطت كتل الطعام إلى جوفه القطعة تلو القطعة قبل أن ينتهي من مضغها جيداً . .وكان يتوقف في بعض الأحيان . . ما لو أنه يكاد يهلك من فرط ما يدفع إلى بطنه من طعام . . وعندئذ كان يتناول من الخمر ويملأ فمه ليدفع بالطعام داخل مضخة حلقه أكثر وأكثر! . .وفرغت كل أطباق الطعام والخمر وزجاجات النبيذ! وأثمله الطعام والشراب وأخذه ذهول واصطبغ وجهه باللون الأحمر ودارت رأسه وظهر الزبد الأبيض من ركن شفتيه . . *** فك أزرار سترته حتى يستطيع أن يتنفس . .ثقلت عيناه فألقى جبينه الثقيل بين يديه المعقودتين فوق المائدة . .وفي هدوء غاب عن الوجود ! . . خفت نور الهلال في الأفق وأوشك الفجر على البزوغ . .تسللت ظلال في الممرات العديدة الخرساء وضوء القمر ينير طرف خوذته المدببة . . حيث لا يلقي الضوء إلا على حجرتين في الطابق الأرضي . . وفجأة دوى صوت كهزيم الرعد . . -   "إلى الأمام ، اهجموا يا أولادي!!" *** وفي وقت واحد انفجرت الأبواب والنوافذ واندفع منها عدد هائل من الرجال دمروا كل شيء وغزوا البيت . . وفي لحظة واحدة كان خمسون رجلاً قد هجموا على المطبخ حيث يرقد (  رمزي  شندي ) في أمن و سلام . . وصوبوا إلى كرشه المنتفخ الضخم خمسين بندقية ورفعوه من مكانه ثم دحرجوه على الأرض كبرميل وشدوا وثاقه . .وكان (  رمزي ) المذعور يلهث مشدوهاً وهو لا يزال غير واع لما يحدث الآن ولا يرى سبباً لهجومهم عليه وضربهم له بهذه الطريقة! . .وفجأة تقدم ضابط ضخم تلمع فوق ص*ره نياشين كثيرة . . فوضع قدمه فوق كرش (  رمزي  شندي ) وصرخ: -   "أنت أسيري . . سلم نفسك!" *** لم يفهم (  رمزي  شندي ) من هذه العبارة سوى كلمة ( أسير ) فتأوّه مجيباً: -   "أوه . . نعم . . نعم ." وتعاونوا على حمله فأجلسوه فوق مقعد وراحوا يفحصونه في فضول جم وهم يلهثون في انبهار . . وجلس أغلبهم وهم لا يملكون أنفسهم من فرط الانفعال والتعب . .أما (  رمزي  شندي ) نفسه فكان يبتسم . .يبتسم في سرور لا حد له . .لقد أصبح في النهاية أسيراً! . . دخل ضابط عليهم وقال: - "سيدي القائد . . لقد هرب الأعداء . . ويبدو أن كثيراً مهم قد أصيبوا بالجراح . . وأصبحنا الآن سادة القصر!" مسح القائد جبينه وقال: -   "النصر لنا!" *** وأخرج من جيبه مفكرة صغيرة دون فيها هذه الكلمات: - "وبعد قتال عنيف مرير اضطر البروسيين إلى التخلي عن هجومهم وآثروا الانسحاب . . حاملين معهم موتاهم وجرحاهم وهم يقدرون بخمسين رجلاً . . ووقع بين أيدينا عدد كبير منهم ." وعاد الضابط يقول: -   "ما هي الإجراءات التي يجب أن نتخذها يا سيدي؟" فكر القائد لحظة ثم قال في حزم: -   "سوف ننسحب في هدوء حتى نتجنب هجوماً مفاجئاً بقوات تفوقنا في العدد والعتاد!" وأص*ر أمره بالانسحاب . .وراقب الجميع (  رمزي  شندي ) الموثق القياد ، وصوبوا إليه بنادقهم من كل صوب . . وتم إرسال البعض للاستكشاف . .وتقدم الباقون في حذر وهم يتوقفون من وقت لآخر . . وعند مطلع الفجر وصلوا إلى مركز الشرطة . .وكان الأهالي ينتظرون في جزع . . وعندما وقعت أعينهم على الأسير ارتفعت الأصوات المدوية . . ورفعت النساء أيديهم وبكت العجائز . . ورمى شيخ الأسير بعكازه فشج رأس أحد الحراس!! وصاح القائد: -   "حافظوا على سلامة الأسير . . ابقوا عليه حياً ." بلغوا المحافظة في النهاية ، ففتح باب الزنزانة وألقى (  رمزي  شندي ) فيها بعد أن فكوا وثاقه . . وأحاط بالسجن مائتا رجل مدججين بالسلاح لحراسته . . وعندئذ . . وعلى الرغم من عسر الهضم الذي كان يعاني منه منذ وقت طويل استولى على (  رمزي  شندي ) فرح هائل فراح يرقص كالأطفال في جذل ساذج محركاً ساقيه وذراعيه وهو يصرخ في جنون وهوس حتى سقط أخيراً من الإعياء بجوار أحد الجدران . . لقد أصبح أسيراً . . ونجا من الموت! . .وهكذا تم استعادة قصر ( شامبينيه ) من بين يدي العدو وبعد ست ساعات فقط من احتلاله! . . أما القائد ( راتييه ) تاجر الصوف الذي أحرز هذا النصر المهول فقد مُنح وساماً!! ***   نفسَّ الرجل مثل بالون مثقوب  ، واشتد حنقه  ، ا****ة  ، ا****ة على من ؟ لا يعرف  . لا يعرف ولكن مع ذلك ا****ة  . لينطمر في قعر الأرض ! وبدأت محاورة بين المرأة وابنها : - " ما الذي يخيفك ؟ " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . ؟ " - " هانحن هنا أنا وأبوك  ، إني أغسل رأسه بالصابون  ، وسوف ينتهي الآن  ، لا تنم  ، سوف آتي وأجهز المائدة كي نشبع بطوننا  . أطلق الرجل سبّة بصوت منخفض  . لكزته المرأة في كتفه : - " سوف يسمع ! " - " تقول له لا تنم  . حسناً إني أسألك  .  .  . " - " انظروا إلى المجنون  ، إن قلت لطفل لا تنم ينام  ، وإن قلت له : نم لا ينام ! " ثم أردفت تخاطب الطفل : - " أنت لا تغفو أليس كذلك ؟ " - " إني نعسان ! " - " ألست جائعاً ؟ " - " لا أعرف  ، إني نعسان ! " خطرت بباله البامياء والقدر  ، وبلا إرادة قفز عن الأريكة  . وأسرع بقدميه الحافيتين إلى حيث قدر البامياء  ، رفع الغطاء : - " أوه  .  .  .  . البامياء محترقة تماماً ! " وفيما كانت تتلوى بين ذراعي الرجل القويتين المتشبثتين بها  . أجابت : - " محترقة يا ولدي  . نعم  ، إذا نُسيت فوق النار  . " - " ماما ! " - " مابك ؟ " - " هل آكل اللحم ؟ " - " كل  ، قالتها بصوت مرتجف  . كل ولكن لا تنسَ أن تمد المائدة ! " ومن خلال شهوته للحم المحترق المقرمش سمع صوت أمه المرتجف لكنه لم يشعر بارتجافه  ، وبلمحة عثر على خرقة المائدة  ، فمدَّها أمام الأريكة  . وبقطعة من الخبز انقض على اللحم المحترق  . كان اللحم محترقاً لكنه يقرمش بين أسنانه  ، وكان يحب جداً اللحم هكذا  ، وعندما يذهبون إلى المدينة البعيدة  ، البعيدة جداً  ، حيث ستصبح لديه دراجة بثلاث عجلات  ، سوف يجعل أباه يشتري له اللحم  ، وسوف يطلب طبخه هكذا وسوف يأكله ويقرمشه هكذا  . عندما يأكل الطفل لحماً كثيراً يكبر بسرعة  . . . . . هنا، بعد أن تناول حساء الصيف، بارد كالثلج، يرقد على ظهره فوق الرمال المحرقة يغلي، أو في الحديقة تحت شجرة الليمون – إنها حارة، طفله الصغير وطفلته يحبوان نحوه، يحفران الرمل بالقرب منه، أو يطاردان الطيور فوق العشب، شاعراً بلذة النعاس، يفكر في لا شيء، يشعر بأن كل ما يريده هو ألا يذهب إلى المكتب اليوم.. أو غداً.. أو بعد غد.. يتعب من الرقاد، يذهب إلى باحة القش.. أو إلى الغابة يبحث عن فطر عيش الغراب، أو يراقب الفلاحين ينصبون شباك للأسماك، وإذ تغرب الشمس يأخذ منشفة وقطعة صابون ويقف تحت (الدش)، حيث يخلع ملابسه في خلوة، ويدلك ص*ره العاري برفق بيديه في الماء بين حلقات الصابون المعتمة، تقفز سمكة صغيرة، تبرز رؤوس الضفادع من سطح المياة الخضراء.. بعد الحمام.. هناك الشاي بالكريمة واللبن.. في المساء تمشية أو ثرثرة مع الجيران.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD