لله درها

1200 Words
اهتزَّ ( حبيب ) للحظة كمن تلقى صفعة  . وغامت عيناه  ، الآن اكتمل الأمر  ، سوف يحضرون بعد قليل ليلقوا القبض على المرأة  .  .  . ثم ؟  .  .لم يكن هناك متسع للتفكير في ثم  . إذ تجمهر الجيران وتجمعوا حول البيت  ، وراحوا يتحدثون عن ( سارا ) بصخب ولغط كبيرين : " ماذا كانت حالة تلك المرأة ؟ " امرأة بمائة رجل حقا - " والله  ، لم أعرف شيئاً  .  .  . " - " كانت ثيابها ممزقة  ، وشعرها منكوشاً  . " - " ووجهها ويداها ملأى بالخدوش والجروح  . " - " هل هاجمها ذئب في الغابة يا ترى ؟ " - " أي ذئب هذا ؟ " - " ذئب  ، يعني ذئب ! " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " رغم أنها كانت تسمع أقاويل وظنون الجيران وعلى رأسهم ( شريفة )  ، إلا أنها لم تفكر في الرد عليهم  . امرأة بمائة رجل حقا ناداها ( حبيب ) : - " اصعدي إلى فوق  . " لم تر ( سارا ) ابنها الجالس على الأريكة بجانبها  ، يرمق أمه بعينيه الدامعتين وما أن سمعت صوت الرجل ينادي عليها نهضت من مكانها وذهبت وصعدت السُّلَّم  . كان الرجل مشوشاً جداً : " ماذا سيحدث إذا جاؤوا لأخذك ؟ " - " لا أعرف  . " - " اشرحي لي ماذا حدث ؟ " - " ظهر لي ( أنور ) الأعرج في الغابة وتعرض لي  ، وأنا  .  . " - " وأنت سحبت السكين وطعنته ؟ " - " ماذا كان بإمكاني أن أفعل غير ذلك ؟ هل كنت أنام تحت الرجل ؟ " - " لم أقصد هذا  . " - " لم تكن هناك وسيلة أخرى  ، انظر إلى خدوش رقبتي وحلقي ! " - " اذكري هذا كله في إفادتك  . " - " سوف أذكره  . " نزلت السُّلَّم  ، ثمّ حملته وأنزلته إلى الغرفة السفلية  ، وأغلق الرجل باب العلية من الأعلى  . والآن ماذا عليه أن يفعل ؟ بعد قليل  ، ربما بعد نصف ساعة سوف يحضرون ليأخذوا المرأة  ، وربما يأخذونها إلى المدينة  ، إلى السجن أخرج علبة سجائره بضيق شديد  ، كاد أن يشعل سيجارة  ، لكنه انتبه لنفسه كان بحاجة إلى سيجارة في هذه اللحظة أكثر من احتياجه لها في أي وقت مضى  ، ولكن لا يمكن  ، فالبيت محاط بالجيران ذوي الألسنة السوداء الطويلة  .  . اكتفى بشم علبة السجائر  . ا****ة  . لماذا لم يسرعوا ويرحلوا من هنا ؟ من كان سيدري ؟ لو أنهم خرجوا من البيت بهدوء في إحدى الليالي  ، وساروا في طريق الجبل  . وهناك كانوا يفكرون بأسهل ما يمكن عمله  .  .  . شمَّ علبة السجائر ثانية  . أصاخ السمع إلى الخارج  . صخب الجيران قد ازداد  . زحف إلى طرف العلية المطل على الزقاق الخلفي  ، ونظر من ثقب إلى الأسفل  ، كان الجيران رجالاً ونساءً وأطفالاً  ، يقلبون أطراف هذا الموضوع  ، محاولين الوصول إلى سبب هذه الحالة الرثة التي كانت عليها ( سارا )  ، والتي لم يشاهدوها عليها من قبل  . ولم يكن أحد يعرف السبب الحقيقي حتى اللحظة  . فعلاً فإن السبب الحقيقي لم يكن يمكن معرفته  ، ولو لم ينتبه ( أنور ) المسكين العليل الجريح ويلملم نفسه بعد عشرين دقيقة  ، ويتجه نحو المخفر  ، ويشرح الموضوع لرئيس المخفر  ، لما أمكن معرفة السبب الحقيقي  . أسرع معارفه وأصدقاؤه الذين شاهدوه متجهاً من الغابة نحو المخفر مضرجاً بالدم  ، وأخبروا عمه  . وحين دخل ( هاشم بك ) المخفر غاضباً وسوطه الشر**ي ذو المقبض الفضي بيده  ، كانت إفادة ( أنور ) تؤخذ  . سأله بعنف : " ما هذه الحالة ؟ " لم يحر ( أنور ) الأعرج جواباً  ، كيف يستطيع الأجابة  ، وهو إضافة إلى أنه لم ينجح في محاولته الاعتداء على المرأة  ، تلقى منها طعنات بسكين أيضاً ! قال المساعد الأول : " طيش شباب  . آه من الشباب ! " اقترب ( هاشم بك ) من الطاولة : " قل أيها الرقيب من طعن ابن أخي ؟ أخبرني من طعنه لأجعل الدنيا زنزانته  ، هيَّا انطق ! " قال المساعد الأول هامساً كمن يفشي سراً : " المسألة ليست هكذا يا بك  ، اسكت فقد أفسد ابن أخيك كيس تين  . " - " ماذا حدث ؟ " - " ماذا سيحدث ؟ صادف ( سارا ) في الغابة  ، ولكم أن تخمنوا بمفهومكم ما حدث بعد ذلك  . " رفع ( أنور ) يده عن بطنه  ، فتدفق الدم  . غرق ( هاشم بك ) في حيرة شديدة وهو يسأل : " يعني هل طعنتك امرأة ؟ " خفض ( أنور ) رأسه إلى الأسفل  .  - " اسفخص يا اخي عيب والله عيب !  .  .  . وتربي شاربين وتمشي بين الناس على أنك رجل أليس كذلك ؟ " اتجه نحو باب المخفر وسوطه بيده  ، توقف  ، التفت  ، وقال : - " أنا ليس لي ابن أخ يُطعن بسكين امرأة ويشتكي إلى المخفر ! فليعرف حاله  . ولك الدنيا والعالم يسخر ! " خرج وغادر  . نظر ( أنور ) الأعرج مقهوراً خلف عمه المغادر  ، ثم نهض واقفاً : " أنا لست مدعياً على أحد يا رقيبي  . سأنتقم لنفسي فيما بعد إذا اقتضى الأمر  . دع المحضر وسواه ! " احتدَّ المساعد الأول : " هذه ليست روضة أطفال  . يوجد حق عام في الموضوع  . إن تنازلت أنت عن دعواك  ، فالحق العام لا يتنازل ! " - " إن كان لا يتنازل  ، فإني ذاهب  . " - " لا يمكن  .  .  . " - " لماذا ؟ " - " أنت جريح  ، مطعون بسكين  ، ستؤخذ إفادتك  ، وسوف تتم مداواتك مداواة أوليَّة  . وإلا سوف أكون مسؤولاً ! " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  . " طبعاً  ، اتخذت كافة الإجراءات اللازمة  ، وعندما علم الضباط ورجال الدرك الذين دخلوا المخفر في تلك الأثناء بحقيقة الأمر  ، انفجروا بالضحك  . - " خصمك امرأة إذن ؟ " قال ( أنور ) الحانق : " امرأة ولكن  ، ما أدراني أنها تحمل سكيناً بنصاب معدني ؟ " - " يا روحي المرأة مرأة كيفما نظرت إليها  .  .  . " - " امرأة ولكن  ، بذاك الشكل ! " - " في أي شكل كانت  ، إنها امرأة كيفما نظرت إليها  . " خلال نصف ساعة انتشر الخبر وصارت قصة ( أنور ) الأعرج على كل لسان  ، وصار سخرية في البلدة كلها  ، وليس في المخفر فقط  . كان جمع غفير من أهالي البلدة يسير خلف رجال الدرك الذين قدموا لإلقاء القبض على ( سارا )  ، وكان الجمع يضحك ويشيد بالمرأة : - " لله در هذه المرأة.  امرأة بمائة رجل حقا ! " - " لله درها  ، لله درها  . امرأة بمائة رجل حقا " - " الحقيقة أنها امرأة جريئة تماماً  . " - " قولوا إنها البطلة قره فاطمة ! " - " مثل هذه المرأة يقال عنها عثمانية  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " **** امرأة بمائة رجل حقا
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD