جريئة

1246 Words
كان جمع غفير من أهالي البلدة يسير خلف رجال الدرك الذين قدموا لإلقاء القبض على ( سارا )  ، وكان الجمع يضحك ويشيد بالمرأة : - " لله در هذه المرأة ! " - " لله درها  ، لله درها  . " - " الحقيقة أنها امرأة جريئة تماماً  . " - " قولوا إنها البطلة قره فاطمة ! " - " مثل هذه المرأة يقال عنها عثمانية  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " ******** سينتقم مهما كلفه ذلك من مال أو سواه ! هذه الأفكار وأكثر منها  ، بل والمخيفة منها سالت في مخه مثل السيل حتى داخل سيارة الجيب التي أقلَّتهم إلى المدينة  . ماكان يبالي بالطعنات ولا بكمية الدماء الكبيرة التي فقدها  . لكن كلام عمه الذي وجهه إليه في المخفر سحقه  ، وكان غضبه يزداد ويزداد كلما فكر فيه  . زحف ( حبيب ) ثانية إلى طرف العلية وقد سمع وقع أقدام رجال الدرك والأهالي  ، وسمع أحاديثهم  . نظر إلى الأسفل : وإذ بالجموع تحتشد أمام باب الدار  . ضربوا الباب بقبضاتهم : - " سيدة ( سارا ) ! " كانت ( سارا ) تنتظر بطبيعة الحال  . نهضت عن الأريكة بعينين دامعتين مع ابنها المتمسك بأذيال ثوبها  ، وخرجت وفتحت باب الحوش : - " نعم ؟ " سمعت ما قاله رئيس المخفر  ، ولم تفهم شيئاً  ، لكنها أيقنت أنها مطلوبة إلى المخفر  ، حيث ستؤخذ إفادتها  ، ثم تعتقل وترسل إلى محكمة الجرائم المشهودة في المدينة  ، وربما تسجن  . لم تبد أية معارضة  ، ولم تسأل أي سؤال  . بل بادرت فأقفلت باب الغرفة أولاً  ، ثم سحبت باب الحوش وأقفلته بعينين دامعتين  ، ومشت أمام الجموع مع ابنها  . لم تكن تسمع أصوات الجموع التي تتزايد خلفها  . ******** كانت تفكر فقط في ( حبيب )  . ماذا سيفعل في العلية ؟ كيف سينزل إلى تحت ؟ وحتى إذا نزل بماذا سيشبع بطنه ؟ صحيح أنه يوجد طحين وبرغل  ، وقليل من السمن في قعر الجرَّة  ، بل ويوجد خبز أيضاً  ، ولكنه رجل  ، كيف سيدبر أموره ؟ وماذا ستكون نهايته ؟ لهذا كانت تبكي ! اقترب منها المساعد الأول وقال :  - " يا سيدة  .  .  . حدث الذي حدث  ، لا فائدة من البكاء  . لا تقلقي لقد اعترف ( أنور ) أفندي في إفادته بأنه هو الذي تعرض لك  ، وسجلنا ذلك في المحضر  . بل وتنازل عن دعواه  ، طبعاً القانون لا يتنازل  .  .  . ولكن لن تُحكمي كثيراً‍ ! " ( حبيب )  ، لو لم يكن حبيبها محشوراً في العلية لما همَّها أن تُحكم كثيراً أو قليلاً  . لم تكن نادمة على طعنها ( أنور )  ، بل لقد كانت قادرة على قتله في تلك اللحظة  ، ولكن ماذا سيحدث ل( حبيب ) ؟ كان ابنها ( سمير ) يبكي أيضاً  ، أما سبب بكائه فكان احتمال عدم مغادرتهم هذه البلدة  ، وعدم الذهاب إلى المدينة البعيدة  ، ويبدو أن كل شيء انتهى الآن  ، المدينة البعيدة  ، وأبوه الذي في العلية  ، ودراجته ذات الثلاث عجلات  . لم تنقطع الجموع التي خلفها عن الحديث : - " المرأة على حق  .  . "  . - " طبعاً على حق  .  .  . " - " بأي حق يهجم عليها مثل الوحش ؟ " - " لكن  ، لله در هذه المرأة  . إنها محافظة على شرفها  . " - " اْي  .  .  .إذا لم تحب النفس  ، هل يمكن أن يكون هناك حب بالإكراه ؟ " - " هل يمكن ؟  .  . هناك عقل  ، وهناك منطق ! " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  . " وصلوا إلى المخفر  . كان ( أنور ) هناك أيضاً  . منع رجال الدرك الفضوليين من الدخول  ، أُغلق الباب  . وبوشر بالتحقيق مع ( سارا )  . وفيما كانت هذه الإجراءات تتخذ  ، كان ( أنور ) في أحد جوانب المخفر ينظر غاضباً  . مع أنه كان يعرف تماماً أنه هو المذنب  ، إذ هجم على المرأة مثل الوحش  ، وحاول اغتصابها بالإكراه  ، من حيث أنه مذنب هو مذنب  ، مع ذلك فهو يشعر بحقد عجيب بكرامته الرجولية المن**رة  ، ويفكر بالانتقام لنفسه بنفسه لاعن طريق الدرك والمحكمة والسجن  ، وهذا شيء لابد منه  ، وإلا فإن سيرته ستصبح على كل لسان في البلدة  . كذلك شرف عمه وكأنه لا يكفي أنه جعله يساوي ليرتين  ، فإنه لن يستطيع رفع هذا الشرف عن الأرض التي رماه عليها  . ******** سينتقم مهما كلفه ذلك من مال أو سواه ! هذه الأفكار وأكثر منها  ، بل والمخيفة منها سالت في مخه مثل السيل حتى داخل سيارة الجيب التي أقلَّتهم إلى المدينة  . ماكان يبالي بالطعنات ولا بكمية الدماء الكبيرة التي فقدها  . لكن كلام عمه الذي وجهه إليه في المخفر سحقه  ، وكان غضبه يزداد ويزداد كلما فكر فيه  . رفع رأسه لوهلة  ، ونظر إلى ( سارا ) التي تحتضن ابنها في حضنها بشدة  ، والتقت نظراتهما  . غمغم ( أنور ) الأعرج : - " هذا دين سوف أرده لكِ  ، فلا تنسيه ! " أجابته ( سارا ) بلا ذرَّة خوف :  - " فليكن ولَك  ، هل تهددني ؟ " - " لا أعرف  ، هل هو تهديد  ، أم شيء آخر  . " - " إن قصَّرت في فعل ما تستطيعه يداك  ، فليس هناك أسفل منك ! " جُنَّ جنونه : - " ويحك ! لا تجمعي الجنَّ فوق رأسي ! " قالت متحفِّزة : - " لتجتمع وسنرى  ، ماذا سيحدث ؟ " تدخل الدرك المسلحون بينهما لتهدئة الموقف  ، ولكن ( سارا ) كانت منفعلة جداً  ، بحيث لو زاد الرجل قليلاً  ، كانت ستدفع ابنها عن حضنها وتهجم عليه  . تنهَّدت بحسرة  ، لماذا  ، آه لماذا لم تقتل هذا الد**ث ؟ إذن في هذه الحالة  ، أو في مثل هذه الحالة من الانفعال ينقلب الإنسان إلى مجنون ويرتكب جناية ؟ لذلك لم يقولوا عبثاً : - " الانفعال أحلى من العسل  .  .  . "  . خطر ببالها ( حبيب )  . هو أيضاً إذن قتل المزارع الكبير ( عثمان ) بيك  ، ثم حرَّض الفلاحين على إحراق مزرعته  ، بسبب انفعال أحلى من العسل ؟ نعم  ، نعم  ، إنها تدرك وتدرك جيداً أن : القاتل وليس القتيل على حق ! حسناً  ، ولكن ماذا سيفعل الآن وهو خلف أقفال وأقفال  ، بين غبار وتراب علية ضيقة منخفضة  ، جائع  ، عطشان وبلا سجائر ؟ لم تكن تفكر بسجائره بل بعطشه  ، ولكن لا لم يكن بلا ماء  ، فهناك ماء في الطست وفي الخابية ! قال ابنها بصوت خافت خائف : - " ماما  .  . " - " ؟ " ولما وقعت عينا الطفل على ( أنور ) الأعرج قال : - " لاشيء  . " فهمت المرأة أن هناك ما يشغل بال ابنها فقالت : - " كيف لا شيء ؟ " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  . ؟ " - " تكلم ! " قال وعيناه على ( أنور ) الأعرج : - " إني أخاف من هذا ! " نظرت إليه المرأة بقسوة  ، التقت نظراتهما  . - " ما الذي يخيفك منه ؟ " لكن لم يكن هذا ما يريد الطفل قوله  ، مال بفمه على أذن أمه وهمس : - " أبي ! " - " مابه أبوك ؟ " - " وإن غادر ثانية هذه الليلة ؟ " - " إلى أين ؟ "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD