الذئب

1200 Words
*** المال والملك والنقود والدنيا في كفة  ، و( حبيب ) في الكفة الأخرى ! خرجت من البيت في ذلك اليوم  ، كعادتها في كل يوم  ، تحمل غسيلها المغسول والمكوي  . فاجتازت أزقة البلدة المغبَّرة بسرعة  . لم يخطر ببالها ( أنور ) الأعرج  ، بل ولا حتى ابنها ( سمير )  ، كان في ذهنها ( حبيب )  ، وحده ( حبيب ) ! كانت تفكر في الليل  ، وفي اللحظات الممتعة التي قضتها بين ذراعي الرجل القويتين في الليل  ، وتتحرق شوقاً لأن تنهي عملها بأسرع ما يمكن لتعود إلى البيت  . وأثناء مرورها من أمام المخفر توقفت فجأة : لمحت مجموعة من الضباط ورجال درك جدد  .  .  . جن جنونها  ، هل سيحاصر هؤلاء الدرك الجدد القرية  ، وهل سيفتشون بيوتها يا ترى ؟  .  .  . دخلت في الزحام  ، كان فيه كثير من معارفها من أهل البلدة  . - " ما هؤلاء الدرك ؟ " همس رجل أ**د ناحل من معارفها  ، كمن يفشي سراً : - " سوف يفتشون البلدة  ، لقد هرب أحدهم وجاء إلى هذه الأنحاء واختبأ هنا  . " فهمت ( سارا ) كل شيء  ، فحثت خطاها وأسرعت لاهثة وهي تفكر ب( حبيب )  . يجب أن تسلِّم الغسيل بسرعة  ، وأن تخرج إلى الغابة لجمع الحطب لغسل غسيل الغد  . وفيما هي تسلِّم الغسيل أصغت إلى ما يدور من أحاديث  ، كانت كلها تؤكد : تفتيش البيوت بيتاً بيتاً ! ******** عبرت طرقات القرية بخطوات متعثرة  ، ودلفت إلى الغابة  . ستسرع وتنهي عملها قبل دقيقة  ، وبعد أن تشتري ما تحتاجه من السوق  ، سوف تسرع إلى البيت  ، إلى الرجل الذي تحبه  ، وسوف تشرح له الوضع على حقيقته  ، رغم أنها تدرك أنه لا يحب الخوض في هذا الموضوع  ، ولكن ماذا يمكنها أن تفعل  ، فعدم الرغبة لا يدفع الخطر المقترب ! دلفت إلى الغابة  . كانت الغابة الكبيرة تضج بزقزقات مختلف أنواع العصافير المختفية مختلطة بصرير الحشرات  . والأشجار العملاقة والكثيفة المتشابكة العالية  ، تخفي وتحجب حتى الشمس الحارقة  . وضعت جانباً حقيبة الخضار من باذنجان وطماطم وفلفل خضراء  ، اشترتها من البقالة التي تقع خلف مقهى ( عتاقة ) داخل السوق  ، وذلك بعد أن سلمت الغسيل  . وراحت كما في كل يوم تجمع الأغصان والعيدان  ، كانت أغصان الأشجار الجافة كثيرة  ، ف**رتها وجمعتها في جانب  ، حتى صارت كومة كبيرة  ، وفيما كانت تحزمها وتربطها بحبلها : - " هل أساعدك يا ( سارا ) ؟ " التفتت بقوة  ، رأته  ، إنه ( أنور ) الأعرج  . وبحدَّة أجابته : " كلا ! " - " كلا "  ، ولكن هذا ( أنور )  ، وهل هو من الذين يحلّون عم سماها بسهولة ؟ اقترب كذبابة لذجة : " لماذا ؟ " انتصبت ( سارا ) : " ( أنور ) اذهب وابتعد  ، وإلا ستسوء الأمور ! " اقترب القميء أكثر ويده خلف ظهره حتى صار بجانبها  . كان أقصر قليلاً من المرأة  ، لكن جسمه كان عملاقاً  . - " إذن ستسوء الأمور ؟ " - " ( أنور ) ! " - " نعم يا قلبي ؟ " - " وجع قلبك  . بَلاكَ الله ببلاء  . " كانت حذرة متيقظة  ، فهي تعرف أن الكلب قد يباغتها قريباً ويهجم عليها ويحاول أن يأخذها تحته  ، أدخلت الحبل تحت كومة الأغصان الجافة  ، وسحبته ورصَّت الكومة  ، وربطت الحبل جيداً  ، وفيما كانت سترفعها على ظهرها  . جذب ( أنور ) الكومة  ، فانقلبت ( سارا ) على ظهرها مع كومة الأغصان  . هجم عليها ( أنور ) الأعرج  . - " هل سأنشغل معك أيها الكافر ابن الملحد ؟ " ونشب بينهما عراك  . كانت ( سارا ) كالمخبولة  ، تحاول الوقوف على قدميها  ، وهي تشتمه بحنق : " أموت ولا أسلمك نفسي  . " فيجيبها ( أنور ) الأعرج المصمم : " ستسلمين ! " - " لن أسلم ! " - " أقول لكِ ستسلمين يا ( سارا ) ! " - " لن أسلِّم  ، لن أسلِّم  ، لن أسلِّم ! " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  . " تمزقت ثياب المرأة  ، وتشعث شعرها  ، وهي تعارك بحقد وبضراوة وبكل ما تملكه من قوة  . كانت تجاهد للتخلص من قبضتي الأعرج القويتين  ، وقد احمرَّ بياض عينيها  ، وملأت الخدوش رقبتها وحلقها  . لن تسلِّم مهما حصل  ، تموت ولا تسلِّم نفسها لرجل آخر غير ( حبيب )  . - " ( سارا ) دعي العناد  . انظري إننا بمفردنا  ، ولا أحد هنا غيرنا  ، كوني عاقلة  ، فلا أخبر أحداً  ، وأعطيك ما تشائين من مال ! " - " فلتتمزَّق الأموال فوق رأسك  ، كلب ابن كلب ! " - " أنا ؟ أتقولين هذا لي ؟ لي أنا ؟ " - " طبعاً لك  ، أنت كلب  ، كلب ابن كلب ! " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . ؟ " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " احتدم العراك من جديد  ، وراحت صفعات ورفسات ولكمات المرأة تنهال على وجه ( أنور ) المحترق تماماً تحت أشعة الشمس  ، لكنه لم يكن يبالي  ، بل كان يستمتع بذلك  . لم يكن يهمه حتى سكين أو مسدس هذه المرأة التي يتحرق ويتحسر عليها منذ سنوات  ، لا صفعاتها ولكماتها فحسب  . رفسته فجأة رفسة أقوى من كل مرة  .  هذه الرفسة التي أصابت فك ( أنور ) الأعرج جعلته يترنح ويسقط على ظهره على الأرض  ، فاستلت ( سارا ) سكينها ذا النصاب المعدني اللماع  ، وطعنت الرجل الذي هاجمها مثل ثور هائج  ، عدة طعنات عشوائية  ، أصابت بطنه وخاصرته  . سقط ( أنور ) على أثرها على الأرض وهو يخور  ، فأمسكت ( سارا ) نعليها بيدها وجرت هاربة بشعرها الأشعث وثيابها الممزقة  . وصلت البيت  . كان أهل الحي جميعاً وعلى رأسهم ( شريفة ) في غاية الحيرة  . دخلت ( سارا ) التي لم تلاحظ شيئاً  ، من باب الحوش  ، وأحكمت إغلاقه ثم أوصدته بالمزلاج الخشبي  ، وركضت فدخلت الغرفة مسرعة  ، وصارت فجأة أمام ( حبيب ) وابنها  . كان ( حبيب ) جالساً وسط الغرفة يصنع ل( سمير ) عربة بعجلات من بكرات الخيطان  . هبَّ واقفاً : " ما هذا ؟ " قالت ( سارا ) التي كاد يغمى عليها : " أسرع واصعد إلى الأعلى واختبئ ! - " ماذا هناك ؟ ماذا حدث ؟ " - " تعرَّض لي ( أنور ) الأعرج الكلب في الغابة  ، فطعنته بالسكين  ، ولابد أنهم سيحضرون لإلقاء القبض عليَّ  . اصعد إلى العلية واختبئ فوراً ! " اهتزَّ ( حبيب ) للحظة كمن تلقى صفعة  . وغامت عيناه  ، الآن اكتمل الأمر  ، سوف يحضرون بعد قليل ليلقوا القبض على المرأة  .  .  . ثم ؟  .  .لم يكن هناك متسع للتفكير في ثم  . إذ تجمهر الجيران وتجمعوا حول البيت  ، وراحوا يتحدثون عن ( سارا ) بصخب ولغط كبيرين : " ماذا كانت حالة تلك المرأة ؟ " - " والله  ، لم أعرف شيئاً  .  .  . " - " كانت ثيابها ممزقة  ، وشعرها منكوشاً  . " - " ووجهها ويداها ملأى بالخدوش والجروح  . " - " هل هاجمها ذئب في الغابة يا ترى ؟ " - " أي ذئب هذا ؟ " ***
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD