الخبز والجوع

1238 Words
- " هل كانت الأمور كذلك في عهد حزب الشعب الجمهوري ؟ " - " دعكَ من هؤلاء يا هذا . . " - " دعْكَ ! " - " لكنهم مازالوا يشوِّشون على المجلس . " - " ليشوِّشوا ما شاؤوا ، فلقد فُتحت عيون هذه الأمة ، ولن تعيدهم إلى السلطة ثانية ! " - " الشعب لم يأكل عقله مع الخبز والجبن . " - " … … … … … . … … " - " … … … … . … . … " كان قصد ( هاشم بك ) مختلفاً ، إذ كان يريد أن يعرف ماذا فعل هذا القهوجي ( عتاقة ) مع تلك المرأة ذات الأموال والعقارات . * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * صاح ( عتاقة ) : " ( هاشم بك ) ، انظر إلى ابن أخيك ! " نظر وقال : " ماذا به ؟ " - " الحياء من الإيمان يا بك . " قال ( هاشم بك ) وهو يسبه ويسب حياءه : " أهناك جنون غريب على ابن أخي ، لم يقم به ؟ " " لماذا علي أن أستحيَ من ابن أخي ؟ عليه هو أن يستحيَ مني . أليس كذلك يا ( أنور ) ؟ " أجابه أنور ذو الشاربين الأ**دين : " تماماً . " كرَّر ( هاشم بك ) سؤاله : " باختصار كيف هي معاملة المرأة ؟ " في هذه اللحظة تماماً ، مرَّت فجأة ( سارا ) أمام عينَي ( أنور ) الأعرج . كانت قادمة ببطء تحمل صرَّة الغسيل النظيف . -13- وكما يحدث في كل مرة . . سرت في داخله رعشة عجيبة قوية ، فما عاد يسمع ما يشرحه ( عتاقة ) ، ولا صوت ( هاشم بك ) الذي يهتاج بين الحين والحين ويصرخ " . . . لا تقل . . ! " . تلاشت الدنيا كلها . إنه لا يستبدل ( سارا ) بفتاة ابنة خمس عشرة سنة . مع أن هذه البلدة ، والقرى القريبة والبعيدة ، والمدن البعيدة جداً ، فيها كثيرون ممن يعطونه بناتهن ذوات الأربع عشرة أو الخمس عشرة سنة عن طيب خاطر ، إن لم يكن إكراماً له فإكراماً لعمه . لكن ( سارا ) مختلفة . إنها امرأة ناضجة قبل كل شيء ، امرأة حريصة عاقلة لم تعرف رجلاً طوال سبع سنوات . وبينما كانت ( سارا ) تمر ، همس أحد رفاق السُكر في أذنه : " صاحبتك قادمة ! " تنهَّد وقال : " نعم ، إنها قادمة . " - " إنها تحمل الغسيل النظيف إلى الفندق . " - " تحمله . " - " ألن تتبعها ؟ " - " لتبتعد قليلاً . " - " . . . . . . . . . . . . . ؟ " - " . . . . . . . . . . . . " كان قلب ( سارا ) يخفق بشدة كلما اضطرت للمرور من أمام المقهى . وهكذا الآن . نظرت بطرف عينها ، لم تر ( أنور ) الأعرج السافل ، ربما لم يأت اليوم إلى المقهى . إن كان الأمر كذلك فيالراحتها . كان عقلها وفكرها عند الجريح الغريب في البيت . وإذا سعل ثانية كما سعل ليلاً ؟ لكنَّ أكثر ما كانت تفكِّر فيه كانت الأحلام التي راودتها ليلاً ، حضر زواجها ، وعندما رأى الرجل الغريب شكَّ وعاد . كم تتمنى لو يصبح الحلم حقيقة . لو يأتي زوجها ، ويرى الرجل الغريب في البيت ، فيعود من حيث أتى دون أن ينبس ببنت شفة . ولكن هل يُعقل هذا ؟ لا ، إنه يقيم الدنيا ، ويجمع البلدة على رأسها . نسيت ( أنور ) الأعرج . انزعجت . إن احتدَّ زوجها فليحتد . هذا الفراق المستمر منذ سبع سنوات لم يكن سهلاً . انها لم تسأل عن المال ، ولكن ألا يسأل المرء عن بيته ولو بكلمتين ؟ إنه لم يسأل ، وأي امرأة تستطيع الانتظار كل هذه السنين ؟ إنها تعرف أن هناك نساء لعوبات يلعبنَ وهنَّ تحت زواج أزواجهنَّ قبل أن يصل زواجهنَّ إلى منتصف عمره . إنها سبع سنوات طوال قاسية ، هل تستطيع امرأة شابة جميلة أن تتحمل بُعد الزوج سبع سنوات ؟ تذكَّرت هذا الصباح . استيقظت باكراً ، وانتظرت أن يُنادى عليها ، وإذ بها تسمع ابنها ( سمير ) ينادي : - " . . . بابا ! " تنهَّدت من الأعماق . " . . . أبوه ، أبو ابني ! " . آه أين تلك الأيام ؟ ليتها تتحقق ، ليته يصبح أباً لابنها ويرحل ثلاثتهم من هنا سويَّة . لو يأخذها ويأخذ ابنها معه حيثما يذهب ، ستكون له امرأة وأي امرأة ! لو يذهبون إلى قرية بعيدة ، بعيدة جداً . * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * من أين سيعرفون أنهما ليسا بزوجين ؟ ليس بينهما عقد زواج . ليكن . هل سيفتح الناس محفظتيهما ويبحثون عن وثيقة زواجهما ؟ سيظنونهما زوجين كالسمن على العسل ، يستأجرون بيتاً أو غرفة واحدة حتى . وتعمد ( سارا ) إلى العمل كما في السابق ، قد تعمل في جمع الحطب ، أو تعمل في غسل الغسيل ، ويعمل الرجل أيضاً . إذا وضعا يداً في يد يستطيعان هدم الجبال ! بل قد يذهبون إلى إحدى المدن الكبرى . هذا كان مقنعاً لها أكثر . . . المدينة الكبيرة أفضل؛ ففيها لن يعرف أحد أنهما ليسا بزوجين ، في المدينة الكبيرة مَنْ لِمَنْ ؟ فالكل غارق إلى ما فوق رأسه في الشُّغل والعمل . ولن يخطر على بال أحدهم أن يسأل هل هما متزوجان أم لا . ثم إن بطاقة زوجها الشخصية موجودة عندها في صندوقها ، ينزع الغريب الصورة الملصقة على البطاقة ، ويلصق صورته بدلاً عنها . وبما أن ( سمير ) لا يعرف أباه الحقيقي ، فلن تبقى هناك مشكلة . تذكَّرت لحظة خروجها من البيت قبل قليل . . . لم يفارقه وهو يناديه : " . . .بابا ، بابا " كان المسكين ملهوفاً على أب ، متعطشاً لأب . اغرورقت عيناها بالدموع وهي تراهما ملتفَّين ببعض كأب وابن حقيقيين . وهاهي ذي تستذكر تماماً حديث الأب والابن : - " بابا ! " - " نعم بابا ؟ " - " لن تتركنا وتذهب ثانية أليس كذلك ؟ " نظر الرجل إلى ( سارا ) ، وصحَّح لابنه : " إذا لم تقل لي أمك اذهب ، فلن أذهب . . . " هذه هي ، نظرته إليها نظرة رجولية مهيبة ، وجملته التي أطلقها مبتسماً - " إذا لم تقل لي أمك اذهب ، فلن أذهب ! " زادت فجأة من آمالها ، وجعلتها تندم على صعودها السُّلّم حتى منتصفه ، ثم نزولها منه خيفة وخشية . تنهَّدت . * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD