bc

الحب في مدينة الخوف

book_age18+
27
FOLLOW
1K
READ
sex
drama
female lead
small town
first love
secrets
affair
passionate
shy
like
intro-logo
Blurb

مدينة الخوف تقتل الحب.. لكن هذا لا يمنع سارا من الحلم.. ومن انتظار الحبيب.. ولا يصد الفارس المجهول عن دخول أسوار المدينة.. في عالم تذبل فيه الأحلام ولا مكان فيه للنشوة.. يشتعل الصراع بين الذين يسممون الأزهار والذين على وشك البوح بكل الأسرار!

chap-preview
Free preview
حلم سارا
-1- وأخيراً أشرقت الشمس على سفوح جبل عتاقة! أمّا هذه البلدة . . هذه البلدة التي تستطيع القول أنها ليست ببلدة بالمعنى المفهوم وإنما قرية كبيرة ، قرية تغفو مستلقية على سفوح جبال ( عتاقة ) بمدينة السويس ، فيصل الصَّباح إليها متأخراً كثيراً . . متأخراً عما يفعل إلى بقية البلدات والقرى الأخرى في السهل ذاته . ويصل إلى فراش ( سارا ) يداعبها.. يهدهد أحلامها.. ورغم قوالب طوب المنازل الأحمر هذه البلدة ، وفي مآذن مساجدها العالية ، وضجيج الحافلات المكتظة والشاحنات الصغيرة المتنقلة بين البلدات والقرى المجاورة ، في كل ساعة من ساعات اليوم تقريباً ، ورغم أصوات مكبّرات الصوت في دارَي السينما المرتفعة وبشكل خاص في ليالي الصيف . كانت أشبه بقرية كبيرة ، والشمس التي تشرق خلف الجبال العالية تُطل عليها بوجهها المضيء بعد عدّة ساعات على الأقل من الشروق . إن جبال ( عتاقة ) تحتضن هذه البلدة بالكامل! وكانت أشجار غاباتها بجذوعها العملاقة التي لم تمتد إليها فأس ، تتعالى شامخة . . وعندما يشتعل السهل بقيظ الصيف الأصفر ، تنعم البلدة ببرودة رطبة محببّة . في الشتاء تصد هذه الأشجار العملاقة الواصلة إلى عنان السماء ، العواصف وتردّ الصقيع الحاد كالخناجر عن البلدة . وكانت الغابة تحمي سكّان البلدة من نزوات الطقس القاسية . انتفضت ( سارا ) مذعورة من فراشها المفرود ممدداً على الأرض في بيتها الذي يتكوّن من غرفتين محاطتين بجدران من الصفيح المتآكل . . كانت غارقة في العرق . وقد أفاقت من نومها الحالم على أصوات الحركة وصخب النهار وقطيع الأبقار والجواميس التي ما زالت تتزاحم وتتدافع وتخور . ما ألذّ ذلك الحلم الذي رأته . . الحلم الذي لم تشبع منه حقاً! تحلم بأنها ترقص.. أثواب شفافة هفهافة ملونة تعانق مفاتنها.. وهى على حافة بحيرة في غابة كالجنة.. ترقص كفراشة أمام ذلك الرجل الوقور الغامض.. ذلك الفارس الذي يكتنفه الظلام.. ترقص وكلها لهفة إليه.. لماذا لا يتحرك؟ .. لماذا لا ينتفض ويقف ويرقص معها.. لكن وجوه الصامت الراسخ بقدر ما ضايقها.. كذلك أثار في نفسها ***ة غامضة.. اشتعل قلبها بالنبض وهى تلاحظ عيونه تلمع وهي تتأمل كل مكان في جسدها قطّعها الشوق في يقظة الأيام ووجدت شيئًا غريبًا. وجدت أنّ الأيام هي الحياة مقطّعة، كيف نستطيع مضغها؟ وأن ما يتمزق من الواقع يتم تعويضه في أحلامها، ولم تسغ لها أبدًا إلا حقيقة خيالية كاملة لا تتجاوز أبواب المنام، حتى مايسمونه لحظات التعقل لا تعترف بها، لم تحفل يومًا بمعنى أن تكون الحياة مجرد لحظات من التعقل عندما يشتعل الحنين والخيال ، كانت ومازلت تحترم كل الفقد والألم والمآسي والجروح والساعات لكنها لا تحتاج أن تسميها بأساميها، تعتبر كل هذا حياة، حياة واحدة ترسل عذاب الفقد وأشواق اليقظة لعالم الأحلام على سبيل التعويض، ففي كل مرة حاولت تسهيلها تسييرها تبسيطها تقع في مأزق القلق المفرط والهم المقيم، والليلة كانت كل الليالي، وقرص القمر الذي ناجت في وجهه حضن الحبيب الضائع كان كل الأقمار الباهرة التي انتظرته بها، العمر كله هي، الشباب لم يكن شبابًا لأن الطفولة لم تكن طفولة، كانت تهب لاحلامها قلبها كاملًا بكل جرأة، كما ارتحت، ولقد تعبت كثيرًا من الكلام الذي لا معنى له سوى الصراخ والاعتراض والتلكؤ عن المضي بعيدًا عن وحدة الحياة. الغوص في الأحلام كان محاولتها البريئة الساذجة والعنيدة لصفّ طريقة فريدة عن معنى الحياة، ورصف كل الأشياء التي رأتها متفرقة في قطعة واحدة ضاعت منها، كانت ترفض أن تنثني للصواعق حتى تكتب عنها بعد أن تهدأ، وياترى هل تعرف عدد المرات التي خاطبت بها من قلبها فارسها المجهول، لم تكن كلمات بل كانت دغدغات، رقص، موسيقى، وكثير من الأنفة والأحضان والشوق والفرح بأنّه يعيش معها وبمعيتها وفي حجرتها وعصرها ومكانها وفراشها وأحلامها، ولكنها الحكمة الإلهية الباهرة التي تقف وراء مايسمونه الظروف، تُخفي لنا مالم نره بعد ولن نراه، وليست متفائلًا بفطرتها ولم تكن يومًا متفائلًا بشأن الحياة أبدًا، بل إنها لا تعرف معنى التفاؤل، بل كانت تتقبلها وتعايشها بكمالها، بصيرورتها كشيء واحد يعجبنها أن تشعر به. تنهَّدت . توقفت نظراتها التي كانت تروح وتجيء فيما حولها واستقرت أخيراّ على ستارة الغرفة البيضاء . . ما زال الحلم الذي رأته قبل قليل يعبث في مؤخرة وعيها . . . سبحت الستارة في أشعة شمس الصباح الصفراء الباهتة . لم تلاحظها . ولا يمكن أن تلاحظها . إن الحلم الذي رأته قبل قليل سلبها عقلها تماماً . كانت كلما استيقظت وقد حلمت بزوجها يصعب عليها أن تستجمع عقلها وتلملم شتات نفسها . كانت نظراتها الزائغة لا ترى ما حولها . . حتّى لو صادفت هذه النظرات ابنها ، رفيق روح أمه ، صغير العمر ، كبير العقل ، فإنها لم تكن لتراه . نعم . . لقد رأت الفارس في الحلم . . جاء محمّلاً بالغموض . . يجلس على صخرة قريبة من حافة البحيرة وهي ترقص.. تنفعل وترتفع حرارتها . . ترمي أثوابها واحدا تلو الآخر . . تتعرى قطعة قطعة . . كأنها تتخلص من حمولها . . من الواقع الصلب . . من قسوة الحياة.. من الملل .. من السأم.. من الملل.. ترى نفسها بعينيه.. ها هو يفتش كل مفاتنها بنظراته . . كل الساعات التي قضتها أمام مرآتها وحيدة جعلتها تحفظ كل بوصة في جسدها.. تعرف أنها جميلة.. يسحرها أن تتعرى أمامه وترى نفسها في عينيه.. أن يكون لها المرآة.. قبل أن تتحول هذه المفاتن إلى أوراق.. يرقات.. ورقات .. إيراق . . حتى يرق الحبيب.. !! هنا صوتٌ لا يهمّ أحد، هنا حلم لا يهم أحد، طارئ طرأ في عينيها ، ترى شيئًا لا يراه غيرها،.. ترى الحب مجسدا.. ليحتضنها الآن بكل تلك الرصانة بكل تلك الخشونة ولتهتزّ العرائش والعروش لمرأى الربيع يزهر في ربوع جسدها الحار، بهجة و ***ة ونظرة ونضرة، كثافة العسل في ظمأ النحلة قبل أن تتورم إبرتها من اللسع، هل تشتمّ رائحة الشوق على كفها إذا مست جلدها.. العالم من حولها يتماوج، يتمازج، ويتزاوج، بيد أنّ الجميع مهتمّ بتلقيح نفسه ضد حب محتمل قد يقتله، من الكائنات التي تملأ النوافذ وأعشاش الشجر ومداخل البيوت لكنها لا تُرى بالعين المجردة من شدة صغرها. إنه موسم التزاوج والعذارى سوف يلفهن ريح محملة بالأتربة والأطماع المخبّأة: متى يلعق ذكر النحل رحيق العسل؟ سؤالٌ كجوابٍ لسؤال آخر: متى تنكشف الأشياء؟متى يراها.. متى يُقبِّلها.. متى يلعقها.. المطر .. الماء .. الحياة .. أصول الأرومات .. أول المسببات، أوّل التنوّع، قبل التنوّع: النور – الماء - الحلم– الخيال- الخبال – الأشياء- الأسماء. ولا يغرّنك انقسامها إلى أصغر، بل عليك مطالعة قدرتها على الخلق والتعديد، وصنع المزيد من واحد، فالجديد لا يطلع إلا منها، وماء شهوتها هو بحيرة الغابة التي ترقص على حافتها.. سدَّت اليقظة بمنكبيها العريضين باب المنزل المحاط بجدران من الصفيح المتآكل ، باب الدار الذي لم يسأل عنه صاحبه ولو برسالة من سطرين منذ أن رحل عنه قبل سبع سنوات.. زوجها الغادر ووالد طفلها الحبيب . هطل الدمع من عينيها وأغرورقت أجفانها . لقد جاء بوجهه الحليق للتوّ كما كان صبيحة مغادرته الأخيرة لبيته ، وبشاربيه الأ**دين الكثَّين الشائكين ، لكنهما مناسبين لوجهه تماماً . قال لها بضحكة مجلجلة : "لقد عدت!" ثم أردف : "لماذا تحملقين في وجهي مدهوشة على هذا النحو ؟ ها قد عدت . جئت من مسافات بعيدة . الغبار والتراب يغطيني . هيّا سخِّني ماء . وأجلسيني أمامك واغسلي رأسي بالماء والصابون كما كنت تفعلين من قبل!" . امتقع وجه ( سارا ) . قبل سنوات عديدة . . منذ أن كانت عروساً جرجرت نفسها خلف أذيال زوجها . . جاءت معه إلى هنا من مدينتها الصاخبة ، المفعمة بالحياة . . مات أبوها وهي لا تزال بعد رضيعة . .خدمت والدتها في بيوت الأغراب لكي تنفق عليها ، وغسلت أغطية وملاءات الفنادق وملابس النزلاء الداخلية ، ثمّ ولعدم قدرتها على تحمّل عبء المعيشة الثقيل تزوّجت من شخص لا تعرف عنه أي شيء ظناً منها بأنها ستحصل على رغيف الخبز دون مشقة . ولكن كيف ؟ السؤال هنا عن الرجل نفسه . كان الرجل ي**ب مالاً . . لكنه يُنفق ما كل ما ي**به في اليوم نفسه في دور العرض والملاهي الرخيصة وفي بيوت الليل على شهواته ورغباته الجسدية ، وعلى النبيذ والخمر . كان وضيعاً بكل ما في الكلمة من معان ، من ثم اضطرت المرأة إلى ترك ابنتها ( سارا ) وحيدة في البيت والعودة إلى طرق أبواب الناس لغسل ثيابهم . عملت في البداية من أجل ( سارا ) ابنتها . أمّا فيما بعد ، عملت بحب وقناعة من أجل تأمين خمر ومتع زوجها المنحط! أن زوجها المنحط الأخلاق ما أن يضمّها بين ذراعيه حتّى يطقطق عظامها ، ويمنحها بسخاء لذَّة و ***ة لا حدود لهما . كانت ( سارا ) في ذلك الوقت في حوالي الثامنة أو العاشرة من عمرها . طفلة لا تعبأ كثيرا بالحياة ، تحضر دروسها بالصف الثالث في إحدى مدارس المدينة الابتدائية . وكان جسمها الطفل تحت طيّات الص*رية السوداء ذات القبّة البيضاء يحمل رأساً مليئاً ببهجة الأحلام الصغيرة البهيّجة العطرة . كانت مسحورة بالقطط التي تُطارد بعضها البعض بسرعة كالبرق ، وطيور الأبابيل التي ترسم منحنيات قاسية حادة وهي تطير في السماء الزرقاء الصافية . وربما كانت ستستمر في انبهارها هذا طيلة عهد طفولتها الذهبي . الا انها استيقظت يوماً على صراخ أمها وهي تتلوى من أثر ألم شديد العنف ، وحين حملوا أمها ونقلوها بسرعة على المحفة إلى مستشفى المدينة الكبير ، لامست قدما ( سارا ) الأرض ، وكأن أجواء الفضاء الأزرق ، المُشبعة بالأحلام البهيجة ، قد طارت وولت بعيداً . حسناً ولكن ماما ؟ أين هي أمها ؟ انها تعرف إلى أين ذهبت الوالدة . . لقد نقلوها إلى المستشفى ، ولكن ، إن كل من يذهب إلى المستشفى لابد وأن يرجع! هم وإن فقدوا نضرة وجناتهم ، وإن امتقعت عيونهم ، يعودون إلى أولئك الذين تركوهم في البيت ، ويضمّون أبناءهم بين أذرعهم . هي ذي أم ( علا ) التي عادت من المستشفى مع أخ أصغر ، وهي ذي خالة ( بهية ) التي عادت من المستشفى وقد استندت على عكازين ، وأم ( عائشة ) ، وأم ( فاطمة ) ، وأم ( نرجس ) . . . وفي أمسية ما ، عاد زوج أمّها إلى البيت ، وهو يترنّح سكراناً كعادته ، ودمدم قائلاً : " هيه! أنتي . . . كفى!" وعلى الفور قطعت بكاءها . أجرت دموعها إلى أحشائها ، ولكن أين هي ماماتها ؟ أين هي أمها ؟ لماذا لا تعود كأمهات وخالات الآخرين ؟ لتعد ولو بدون نضارة الوجنتين . . ولو بعينين ممتقعتين . .يكفي أن تعود ، حتّى ولو بعكَّازين! بعينين دامعتين سألته : " أَبي ؟" . وبحدة رد : " ماذا هناك ؟" . غمغمت بتوسل : "كنت سأسأل سؤالاً ولكن . . ." . كان الرجل يعب الخمر ، وبعينين نصف مغمضتين تمتم من فوق الطاولة : " ما الذي تريدين معرفته ؟ هل ستسألين عن أمك ؟ أمك لن تعود ، لقد ماتت . انسيها تماماً" . وأردف بلسان معوج من أثر الخمر : " وسوف أحضر لك أمّاً شابّة عمّا قريب!" . وهنا خرست! -2- هنا ، في هذه اللحظة بالذات ، انتهت أيام ( سارا ) الزاهية ، وأظلمت الدنيا ، بل – بالحرى -لقد اسودَّت الدنيا في عينيها تماماً . إنها لا تريد أماً أخرى . هي مستعدّة لتحمُّل لوم أبيها وتقريعه ، وحتى لتحمُّل ضرباته ، على أن لا تأتي أم أخرى . لكنَّ أباها لم يصغ إليها على الاطلاق . أحضر في البداية فتاة شابّة مدلّلة لتلعب دور زوجة أب ، وبعد شهر . . . خمسة أشهر ، وفي أحد الأيام ، هل هربت المرأة ؟ أم أن أباها أرسل المرأة إلى بيت أبيها لتصرفاتها الطائشة ؟ لم تعرف ( سارا ) بذلك . . وماذا يهمها إذا عرفت ؟ مر ثلاثة أشهر . وهذه المرة جاء بزوجة أب جديدة كانت أكبر سناً من سابقتها ، لكن هذه كانت تُدخل إلى البيت رجلاً يتسلّل كاللصوص في غياب أبيها وتقول لـ ( سارا ) : "اذهبي والعبي في الزقاق يا بنت ، وإياك أن تفتحي فمك وتقولي شيئاً لأبيك ، فإن فعلت ، والله ، بالله سوف أحوّل لحمك إلى كفتة!" . كان الرعب يملأ قلبها ، فلم تكن ( سارا ) تتفوّه ببنت شفة ، فهي تعرف أنه فقط زوج أمّها وليس أباً حقيقياً ، ومعاملته لها ب**ئة جداً ، ولأنه يحب المرأة حباً شديداً فهو لن يصدّق ( سارا ) ويكذب تلك ، والأسوأ من ذلك كله أنه سوف يقتنع بكلام المرأة ويوافقها ، وعندها من الواضح أنه سوف يضرب ابنته الصغيرة بلا ذرة من رحمة . وفي أحد الأيام ، عندما اختفت تلك المرأة المتّجهمة من الوجود مع ذلك الرجل الذي كان يتردّد على البيت كاللصوص باستمرار في غياب أبيها ، فإن أباها شفى غليله كلّه من ابنة زوجته : "تعالي إلى هنا يا بنت!" . لتجيبه في وجل : " نعم يا بابا ." فيتجهم وجه هذا ويسألها : " زوجتي . . . تلك المرأة ، يقولون إنها كانت تُدخل إلى البيت رجلاً في السر . . . هل هذا صحيح" . أطرقت مجيبة : " نعم كانت تدخله يا بابا . . ." . يغمغم في حنق : " أنا لست أباكِ ، فكفّي عن مناداتي يا بابا!" . ترد في براءة : "حاضر يا بابا . . ." . يحتد غضباً : " يا عالم يا هوه ، ما زالت تقول بابا!" . تهتف في خوف : " لن أقولها ثانية يا بابا!" . شدّها من رسغيها بشدة واحتواها بين ذراعيه . كان فمه يفوح بروائح الخمرالكريهة وبقايا الطعام ، نظر إلى وجهها نظرات غريبة ، وضحك ، ودمدم بكلمات . ارتعبت ( سارا ) ، فقالت : " لا تنظر إليَّ هكذا . . ." . تبرق عيناه بالجشع : " كيف ؟" . تردد بخوف : " هكذا . إني أخاف . . ." . يقول في لهجة غريبة :"ممَّ تخافين ؟ لا تخافي ، لن آكلك . ولكن جسدك كَبُرَ فجأة يا بنت . . . وص*رك أيضاً . . . أنت أيتها . . . مَن سيعصر هذين ؟" . كان الوقت ليلاً . وكانت ساعة متأخرة من الليل . لم تفلح في إفلات رسغيها من بين يدي الرجل القويتين ، لكنها وكأنها فهمت غرضه ومقصده . كان بإمكانها أن تملأ الدنيا صراخاً ، وبمقدورها أن تدق الأرض بعنف . ويبدو أن الرجل أدرك ذلك ، فدفعها عنه قائلاً : " لِمَ تتكالبين هكذا يا حشرة ؟ ألن تَدعي ابن الناس يفعل بك كل شيء غداً ؟" . كانت لا تزال في الثالثة عشرة من عمرها . لقد تركت المدرسة منذ زمن طويل ، بلا أم ، وبلا زوجة أب . تطهو الطعام ، وتلمّع الأواني ، وتغسل الثياب ، وتمسح خشب المنزل . وفي أغلب الليالي يصطحب أبوها معه إلى البيت نساء من أنواع متباينة ، شابّات ، كحيلات العيون ، ذوات قهقهات فاجرة . أولئك لم يكنَّ يضحكنَ وهنَّ ينظرن إلى ( سارا ) ، وحين يضحكن كنَّ يغمغمن ويتمتمن . سمعت إحداهنَّ وهي تحدِّث أباها حديثاً فاضحاً :" لماذا تبق عليها في دارك ، طالما هي ليست ابنتك من صلبك ؟" فضحك أبوها وأجاب : " فلتتم الخامسة عشرة . . ." سألته في حيرة : " وماذا سيحدث عندئذ ؟" قهقه في شهوة :" وماذا لا يحدث ؟ ما زالت فجَّة الآن ، وإذا ما أتمّت الخامسة عشرة . . ." زمت المرأة شفتيها وقالت : " خنزير . ولا تعرف سوى طعم فمك!" ضحك :" وهل الذنب ذنبي ؟" ردت ساخرة :" وهل هو ذنبي أنا ؟" لم يفهم فقال : " ذنب مَن ؟" قالت وهي ترسم بيديها شكل ص*ر ( سارا ) المكتنز : "إنك تربِّيه . . ." وحين دخلت ( سارا ) سنتها الخامسة عشرة ، استيقظت ذات ليلة على لمسات تتحسّس فخذيها تحت الغطاء . إنه أبوها ، زوج أمّها . كان يرتعش بوجهه الأحمر القذر الذي أنهكه الخمر . همست في وجل : " ولكن يا بابا!" قاطعها بحدة :"اسكتي!" تمتمت :" حسناً ولكن أنا ، أنا . . ." قال بصوت مبحوح :" ألا تعرفين أنك لستِ ابنتي فعلاً ؟" غمغمت في خوف :"لكنك تفزعني هكذا ؟" قال في غلظة :"إما أن تقولي نعم ، أو تقولي لا . إن قلت لا ، فهيّا اتركي داري . . . وإن قلت نعم . . . فأنا لست وحشاً ، لا تخافي . مجرّد مداعبة فقط . . ." . لم يُجْدِ البكاء والتوسّل نفعاً ، وبما أنه كان ثملاً جداً ، فقد دفعته دفعة قوية ، ثمّ وثبت كالصاعقة تصعد السلالم بقدميها الحافيتين ، وبرداء نومها الفضفاض ، إلى الطابق العلوي ، حيث يقطن أصحاب البيت ، وكانا زوجين عجوزين كلاهما طاعن في السن . هل كانا مستيقظَين ؟ أم أنهما أدّيا صلاة التراويح وعادا إلى البيت لتوِّهما ؟ وجدتهما واستقبلا ( سارا ) برقة وحنان . أخبرتهما أنها تود البقاء معهما اعتباراً من هذه الليلة ، فأبدى العجوزان تفهماً ، فهي فتاة ناضجة ممتلئة تسرّ العين ، والرجل ليس أباها الحقيقي ، ثمّ إنه سِكِّير ، لذلك قالا :"حسناً يا ابنتي ، ابقي هنا . . ." قالت :"لا أريد رؤية وجه ذلك الرجل!" اكتفى العجوزان بتبادل النظرات ، ولم يسألا عن السبب حتّى بعد ذلك اليوم ، خاصة وأن زوج أمها احتفى وتوارى عن الأنظار مع امرأة لعوب من عشيقاته . وفي صباح أحد الأيام ، انتصب أمامها زوجها الشاب الذي كانت تحلم به وتتخيّله . كان قادماً من بعيد للعمل ، عاملاً موسمياً في أحد مصانع المدينة . حاجباه ، عيناه ، بنيانه . سرعان ما احتل روح ( سارا ) وغزا كيانها . هو أيضاً أُعجب بها . كانت ( سارا ) تنزل إلى هذه القرية الكبيرةـ البلدة ، للعمل ، فلماذا لا تربط قدرها ومصيرها بقدر ومصير هذا الشاب ؟ وفي أحد الأيام ، وبتوقيعيهما على سجل كبير في دائرة الزواج في المدينة ، وبشهادة صاحبي الدار . . . تزوجا . لكنها لم تستطع السفر مع زوجها على الفور . استأجرا بيت الطابق السفلي الذي صار خالياً برحيل زوج أمها . وضع الزوج الشاب في رحم زوجته الشابَّة ابنه ( سمير ) ، الذي ينعس الآن بجانبها ، وانطلق إلى عمله الجديد ، وصار يأتيها كل أسبوع محمّلاً بالعلب الزاخرة ، ويظل عندها يوماً أو يومين ثمّ يعود من جديد إلى عمله . مرَّت الأسابيع والأشهر على هذا المنوال . ولم تستطع ( سارا ) مصاحبة زوجها إلاَّ بعد أن وضعت ( سمير ) . صاروا الآن ثلاثة على وجه البسيطة ، ( سارا ) ، وزوجها الشاب ، وابنهما الوليد! . يكبرها زوجها الشاب بثمانية أعوام ، وكان يعمل طيلة النهار ، وفي كل ليلة يهرع عائداً إلى زوجته وابنه ، فلا خمر ، ولا نساء غريبات فاجرات . وما إن يضم زوجته الشابة بين ذراعية ليلاً ، حتّى يذهب بها إلى دنيا الأساطير ، والحكايا الملوّنة بألوان مبهجة ، ذلك العالم الذي افتقدته ( سارا ) منذ زمن بعيد جداً . أمّا هي فكانت تُمضي نهارها في إرضاع طفلها وتنظيفه ، وفي طهو الطعام وتحضيره لزوجها ، وفي تلميع الأواني ، وغسل الملابس ، وتقوم بذلك كله ب ***ة وسعادة . عدا أن هناك ( أنور ) الأعرج ابن أخت ( هاشم بك ) صاحب معمل حلج القطن الذي يعمل فيه زوجها . وكان ( أنور ) يدَّعي بأنه أقرب أصدقاء زوجها ، لكن نظرات الرجل لم تكن تعني ذلك . لم ترتح ( سارا ) لنظراته المعروفة لدى النساء ، وخاصة الشابّات منهنَّ . وصارت تخشى من أن ينتهز أي فرصة سانحة فيتعلّق بها ويُسمُعها كلاماً ما ، وصار هذا الوسواس يؤرّق مضجعها ويطرد النوم من عينيها . إلى اللقاء في الحلقة القادمة

editor-pick
Dreame-Editor's pick

bc

فتاة انحنت من اجل........الحب

read
1K
bc

أنين الغرام

read
1K
bc

معشوقتي

read
1K
bc

رواية " معذبتي “ لنوران الدهشان

read
1K
bc

جحيم الإنتقام

read
1.9K
bc

بنت الشيطان

read
1.7K
bc

عشق آسر. (الجزء الثاني من سلسلة علاقات متغيرة ).

read
2.6K

Scan code to download app

download_iosApp Store
google icon
Google Play
Facebook