· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
- " إذا لم تقل لي أمك اذهب ، فلن أذهب ! "
هذه الجملة التي لا تفارق عقلها ، ولا تزايل مخيلتها ، لماذا قالها ؟ زوجها عديم النفع والوفاء لم يكن أحسن من هذا . إنه لا يساوي قلامة الظفر الذي يقصه ويرميه هذا . هي إذن حافظت على شرفها ، وحمته وحملته سبع سنين طوال من أجل هذا الغريب .
· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
وفيما كانت تنعطف عند منعطف أحد الشوارع ، برز لها ( أنور ) الأعرج فجأة : " إلى أين هكذا عند الصباح ؟ "
صعدت روح ( سارا ) إلى حلقها وهي تجيبه : " وماشأنكَ أنت ؟ "
اقترب منها أنور برجله العرجاء : " أنا ليس لي في هذه الدنيا امرأة أخرى غيرك ! "
قالت بازدراء ونفور : " أنور ، لا تبدأ ، وإلا أُخبرت المساعد الأول ، يكفي هذا الذي تفعله ! "
ضحك وقال : " من هو المساعد الأول ولِك يا بلهاء ؟ "
- " أتسألُ من ؟ "
- " من ؟ نعم ، من ؟ "
- " ألا تعرف من هو المساعد الأول ؟ "
- " افترضي أنني لا أعرف ، قولي من هو لكي أعرف ! "
- " إنه الدولة ، الحكومة ! "
هزَّ رأسه بجدية : " ذاك سكينة لا تقطعنا . . كلام هراء في الهواء. . . عبث قبض الريح لا يعبأ به أحد . . طظ ! ! ! "
- " صحيح . أطال الله عمر العم ( هاشم بك ) . كان يجلس على المقهى قبل قليل ، أشكوك له ! "
- " تمام ، اهربي من تحت المطر ، إلى تحت الزريبة أكثر مني عشقاً للنساء ولِك ! "
- " عديم التربية . "
- " نعم أنا كذلك ، فهل لد*ك ما تقولين ؟ "
كادت تختنق من شدة ضيقها وحنقها :
- " أنور ، انزل عن كتفي ! "
- " لا أستطيع النزول . "
- " يعني هل أنت شر ، أم أنت مصيبة ؟ "
- " اعتبريني ما تعتبرين !
- " لكن عاقبة هذه التصرفات ستكون وخيمة ! "
- " ماذا سيحدث ؟ "
- " لا أعرف . "
- " بالعافية ، بالشر ، بالحسنى ، ستقولين لي " نعم " يا ( سارا ) . أترين هذين الشاربَين ؟ لينبتا على أمي إن لم آخذك . افهمي هذا جيداً ! "
· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
سرَّعت ( سارا ) خطواتها ، وكانت قد اقتربت من المكان الذي تقصده ، وهو أحد الفنادق الكبيرة النظيفة في البلدة . دفعت الباب بقوة ، ودخلت مسرعة ، وصعدت السلالم بانفعال ، وهي تجهش بالبكاء . فأسرع إليها كاتب الفندق الشاب ، وسألها باهتمام : " ماذا هناك يا أختي ( سارا ) ؟ خيراً ؟ "
لم تكن ( سارا ) في حالة تسمح لها بالكلام ، إذ كانت تبكي وتجهش بالبكاء رغماً عنها وهي تلتقط أنفاسها المتقطِّعة . وكان صاحب الفندق موجوداً في تلك الآونة فأقبل أيضاً باهتمام وسألها : " خيراً يا ( سارا ) ؟ ماذا هناك ؟ "
لم تجب .
فالتفت إلى الكاتب الشاب بهدوء ، وسأله : " هل هو ( أنور ) الأعرج ، هل تصرَّف معها تصرفاً تافهاً مرة أخرى ؟
أخيراً رفعت ( سارا ) رأسها بعينيها المبللتين بالدموع وقالت :
- " قرفت وتعبت . ألم يبق لدى الناس خوف من الله أبداً ؟ إني امرأة نصف أرملة تركها زوجها وغادرها منذ سنين طويلة . وكلكم تعرفون أني أغسل الغسيل حتى الصباح كي أعيش وأربِّي ولدي اليتيم في حياة أبيه . أنا لم أسئ لأحد ، فلماذا يسيء الآخرون إلي ؟ "
· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
عرف صاحب الفندق وكاتبه وغيرهما أن أنور الكلب الأعرج تحرَّش بها مرة أخرى ، وقد صارت تحرُّشاته هذه عادة يومية مألوفة .
· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
قال جمهوري من بين الزبائن : " ذاك المتصابي تجاوز الأربعين ، وعمه الفظ لا يشد لجامه قليلاً ! "
فقال ديمقراطي معقِّباً : " ومن سيشدُّ لجام عمه ؟ "
قال صاحب الفندق وهو من الحزب الديمقراطي ، لكنه لا يتصوَّر ابن حزبه ( أنور ) الأعرج هذا : " انظري إلي يا ( سارا ) ، كما قلت لك سابقاً . اسمعيني ، اذهبي واشتكي للمساعد الأول ! "
هزَّ أحدهم رأسه يمنة ويسرة وقال : " ذاك لا يخاف لا من الدرك ، ولا من الله ! "
- " فعلاً ، لا يخاف . "
- " هذا وأمثاله جراثيم في جسم الحزب والله . "
- " إنهم جراثيم أخطر من جراثيم السل . "
- " أفضل شيء هو الذهاب إلى ( أنقرة ) وتقديم شكوى هناك ! "
- " . . . . . . . . . . . . . . . ؟ "
- " . . . . . . . . . . . . . . . "
لم تسمع ( سارا ) كل هذا . وقد خفَّف بكاؤها من انفعالها ، فسلَّمت كاتبَ الفندق الغسيل ونهضت . أعطاها الكاتب أجرتها كاملة ، فدسَّته في جيب معطفها الأ**د القديم ، وسارت الطريق مقهورة تعاني الذل .
· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *