الأعرج والهارب

1240 Words
نسيت ( سارا ) ( أنور ) الأعرج  ، وصارت كلها آذاناً صاغية  . - " حتى لو شوهد في هذه الأنحاء  ، فأنتم تعرفون بلدتنا  ، ليس فيها من يخفيه  . مع ذلك نفتش البيوت إذا استدعى الأمر  ، لكني أرى أنه لا ضرورة لذلك إذ سيكون إجراء لا طائل منه  ، نعم  ، أعرف  ، نحن أيضاً تردنا أوامر مشدَّدة ولكن  .  .  . تمام ! "   أعاد السماعة إلى مكانها  . ارتعدت ( سارا ) عندما سمعت جملة  " تفتيش البيوت "  فسألت والخوف يملؤها : " ماذا جرى يا سيدي الرئيس ؟ "   ترك المساعد الأول الصورة التي في يده على الطاولة  ، ونهض قائلاً : " يقال بأن أحدهم حرَّض قرويين على إحراق مزرعة  ، ثم هرب مساء البارحة إلى هذه الأنحاء  .  .  . " اقتربت ( سارا ) من الطاولة بهدوء  ، وتناولت الصورة التي تركها المساعد الأول قبل قليل  ، ونظرت إليها  . ومع نظرتها وصلت روحها إلى حلقها  ، إنها صورة الغريب الذي في منزلها ! * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * وجَّه المساعد الأول كلامه إلى العسكري الجالس وراء الآلة الكاتبة قائلاً : " اسم الرجل ( حبيب )  . إنهم ثلاثة أشقاء  ، إضافة إلى أبيهم  ، اذهب بعد قليل إلى مقهى ( عتاقة ) وأصيخ السمع  . بل اترك مقهى ( عتاقة ) واذهب وجُل على مقاهي حزب الشعب الجمهوري ومقاهي حزب الأمة  . فالديمقراطيون لا يخفون الهارب  ، بل يخفيه أعضاء أحزاب المعارضة  ، هل فهمت ؟ " قال العسكري باحترام :  "  فهمت سيدي القائد  . " في هذه اللحظة بالذات دخل ( أنور ) الأعرج : "  مرحباً أيها السيد الرئيس  . " تغيَّر المساعد الأول ولان فجأة : "  أهلاً أنور بك  ، تفضل  ، يا أخي الهاتف تلو الهاتف ! "   تساءل ( أنور ) الأعرج : "  وماذا هناك ؟ " - "  وماذا سيكون ؟ " - "  هل هو موضوع الهارب ؟ "   - "  يبدو أن الرجل التجأ إلى هذه النواحي  . " سحب ( أنور ) الأعرج كرسياً جلس عليه وقال :  "  عندنا هنا حتى الطائر الغريب لا يستطيع الطيران  . ماذا يظنون بلدتنا ؟ ألا يعرفون من هو قائد مخفرنا ؟ " ضحك رئيس المخفر بغرور  ، وتظاهر بأنه لم يسمع  . فأضاف ( أنور ) الأعرج قائلاً :  "  نعم سيادة المساعد الأول  ، من هو قائد المخفر هنا ؟ " ضحك رئيس المخفر ثانية وقال : " دمت سالماً ! "   ثم التفت إلى ( سارا ) : "  هل لد*ك ما تقولينه ؟ " حارت ( سارا ) وقد رأت مكانة ( أنور ) الأعرج لدى المساعد الأول  ، وندمت على قدومها  . نظرت وجلة إلى أنور الذي بادر بالقول :  " تكلمي تكلمي  . قولي أنك جئت تشكينني ! "   قال المساعد الأول بدهشة :  "  هل جاءت تشكوك ؟ " قال أنور هازئاً : "  اسألها ! " كان السهم قد انطلق من القوس  ، فقالت ( سارا ) باكية :  "  لقد سئمت ومللت من هذا الرجل يا سيادة المساعد الأول  ، إني لا أريده  ، وهو يلاحقني ويطاردني  ، أرجوك أن تؤدبه ! "   قهقه أنور وهو يفتل شاربيه الأ**دين  . فاختصر المساعد الأول الموضوع قائلاً :  "  حسناً حسناً  ، اذهبي الآن  ، وسوف أؤدبه أنا ! "   وبعد أن خرجت سأل أنور : " ما المسألة ؟ " فأجاب ( أنور ) الأعرج بلا مبالاة : " لا شيء  ، إنها تعيش بلا زوج منذ سبع سنوات  . هل يجوز هذا ؟ امرأة مثل الوردة  ، عرضت عليها الزواج بأمر الله فرفضت  . إما أن تقبل الزواج بي أو  .  .  . " - " أو ماذا ؟ " نهض ( أنور ) الأعرج عن كرسيه  ، واقترب من طاولة المساعد الأول  ، ويداه خلف ظهره  ، وقال : "  أو أغتصبها ! "   بقدر ما كان يبديه المساعد الأول من تقدير للديمقراطيين  ، إلاَّ أنه مع ذلك كان عسكرياً  . فقد رفع حاجبيه وقال :  "  لا  ، هذا ما صار ! "   كان ( أنور ) الأعرج يعرف طباع المساعد  ، ويعرف أنه مهما كان منزعجاً فإنه يهدأ ويرتاح عندما يُمشَّط بمشط على قدِّ ذقنه  . - "  لماذا ؟ "   - "  اغتصاب ؟ لا يمكن ! " ضحك وقال : " هل هناك ما لا يمكن برعاية وعناية مساعدي ؟ "   فعلاً سرعان ما لان المساعد وهو يقول :  "  نعم لكل ما هو ضمن إطار القانون  ، ولكن عندما يخالف القانون ينقطع زيته من عندي ! "   - "  ألا أعرف ذلك ؟ " - "  إن كنت تعرف فلماذا تتحدث عن الاغتصاب ؟ " - "  لأن الأصبع التي يقطعها الشرع أو القانون لا تؤلم  . عرضتُ عليها بالحسنى الزواج بي فرفضت  ، فقلت أغتصبها مرَّة  ، ويُفتضح الأمر  ، فتضطر عندئذ للزواج بي ! "   سعل بخشونة وأردف : "  من ناحية أخرى  ، وأنت تزورنا في البيت  ، فنشرب القهوة  ، وعندما ترتفع حرارة رأسنا نشرب العَرَق  .  .  . " ضحك المساعد الأول : "  هكذا صار الآن  . صار طبعاً  ، لماذا ترفض الزواج بك ؟ "   رفع ( أنور ) الأعرج كتفيه قائلاً : - "  وما أدراني ؟ "   - "  ألا تكون لها علاقة بآخر ؟ " - "  لا أظن  . " - "  ما دامت لا تريدك  ، فلا ترمِ نفسك عليها  ، دعها فالدنيا ليست مكونة منها فقط ! أخرج ( أنور ) الأعرج سبحته البيضاء من جيبه وقال : - "  من تعشقها النفس هي الجميلة يا مساعدي  . " - "  صحيح  ، صحيح ولكن  . "   - "  لا لكن  . إني أحبها يا صديقي  . هذا هو الموضوع  ، ليس في الميدان شيء بعد  . فإذا ما حدث شيء فإنك رجل قانون طبِّق حينها الإجراءات اللازمة  . هيا أستودعك الله  . " بعد أن رمقه المساعد الأول بنظراته طويلاً وهو يغادر  ، عاد والتقط صورة الهارب ( حبيب ) من فوق طاولته  . لقد هرب الرجل إلى هذه النواحي إذن  . وإذا اتجه إلى هذه النواحي ثم غيَّر طريقه أثناء ذلك ؟ وإذا اتجه إلى جهة غيرها ؟ وإذا كان مختبئاً داخل الغابة ؟ لو اقتنع بجدوى تفتيش منازل البلدة لما تردَّد وفتَّشها  ، لكنه كان يرى أن لا جدوى  . ترك الصورة على الطاولة  ، ونهض واستقام برهة  ، ثم اتجه نحو النافذة وهو يفكر  . رأى ( أنور ) الأعرج وأحد أصدقاء سُكره وعربدته ذاهبَين متجاورين  ، ففكر فيما يتحدَّثان فيه  ، وفيما يمكن أن يتحدثا فيه  . الأمر بسيط جدا  ، لا بد أنهما يتحدثان عن ( سارا ) ! فعلاً  ، فإن ( أنور ) الأعرج قال :  "  كأن المساعد الأول سيعلقني من مؤخرتي إلى السقف ! أنتم الذين تخافون من المساعد ومن الرقيب  . أما أنا فهل يهمني مساعدك ورقيبك ومدعيك ؟ " أجابه ( تلِّلي ) رفيقه الناشف : - "  لا أبداً يا حبي  . " - "  هل أنا تلميذ مدرسة ؟ " - "  إذن فقد هرب الرجل إلى نواحينا هذه ! "   كان ذهن ( تلِّلي ) في مكان آخر ! - "  هكذا أخبروا المساعد هاتفياً  . " - "  هل يمكنه أن يختبئ في نواحينا هنا يا ترى ؟ "   - "  الله وحده يعلم ؟ " - "    .  .  .   .  .  .   .  .  .   .  .  .   .  .  . "   - "    .  .  .   .  .  .   .  .  .   .  .  .   .  .  . "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD