خاض ( أنور ) الأعرج في شتى المواضيع ، إلا أن ( سارا ) كانت في ذهنه دوماً . طالما شكته ، فليكن ما يكون . ومن يبالي . ثم إنه ليس مرتاحاً من المساعد . عندما يُخالَفُ القانون ينقطع الزيت من عنده ، وماذا يحدث إذا انقطع ؟ يا لها من ورطة . .
ثم أنه أردف بصوت مسموع : " رجل قذر . "
وقف ( تلِّلي ) مدهوشاً وقال : " هل تقصدني أنا ؟ "
ضحك الأعرج : " لا يا أ**ق ، إني أشتم هذا المساعد ! "
- " لماذا ، وها هو ذا لم يكترث بالمرأة ؟ "
- " نعم هو لم يكترث بها ، لكنه التفت إلي بعد أن غادرت المرأة وقال : عندما يُخالَفُ القانون ينقطع الزيت من عندي ! "
- " لماذا ؟
- " ألم أقل بأني سأغتصبها إذا لزم الأمر ؟ كنت سأقول له ، وماذا يحدث إذا انقطع ولَك ؟ لكني مع ذلك عدلت وقلت هيا لا داعي الآن لإزعاجه . "
مسح ( تِلِّلي ) أنفه بظاهر يده وقال : " بسيطة يا حبي . "
- " بسيطة ، ويظن نفسه نعمة كالبازلاء . وهل تقطعُنا سكينك ؟ لو كنتَ ناراً فلا تستطيع حتى إحراق نفسك . أليس كذلك ؟ "
- " إذا همست في أذن عمك . . . "
- " لا داعي لذاك أيضاً .
- " صحيح . إلى أمين الفرع . . . فكرة ، ها ؟ "
- " نعم هكذا يا ابن الـ . . ! "
- " من يكون ( هاشم بك ) في هذا البلد ؟ "
- " بشرفي حتى رئيس الوزراء يحسب خاطره بالمليم ! "
- " رسالة من كلمتين . "
- " وفي اليوم الثالث يرمونه إلى قرية قصيّة في الشرق ، لا يطير في سمائها طير ، ولا تمر في أرضها قافلة ! . .كالكلب ! ! "
تناول ( تِلِّلي ) حجراً من الأرض وقذف به بعيداً : " هكذا . "
وقد مرُّوا من أمام بيت ( سارا ) ، فتوقَّف الأعرج . وراح يتفرَّج على لعبة الجري التي يلعبها الأطفال . وعندما لم يرَ ( سمير ) ابن ( سارا ) بينهم قال : " متبناي ليس هنا . "
- " غير موجود . "
- " لم يكن برفقة أمه . "
- " هو في البيت إذن . "
- " ربما . لكن اتركني ، أنا الذي جعلت مشاعر المرأة تفتر تجاهي . . في البداية كانت تأتينا ، وتغسل غسيلنا . . .ثم . . "
- " لماذا تأتيكم ؟ "
- " لم تكن لدينا غسالة كهربائية . وكان ابنها يلعب ، ويركب دراجة ابن أخي ذات الثلاث عجلات . وفي إحدى المرات فاجئتها وهي تغسل الغسيل ، كانت جالسة إلى الطست ، وفي تلك اللحظة تماماً ألا تحضر زوجة عمي ؟ "
- " حقا ؟ "
- " بشرفي . "
- " لكن ماذا قالت ؟ "
- " لم تقل شيئاً . تظاهرت بعدم ملاحظة شيء ، لكن المرأة . . . "
- " هل انزعجت ؟ "
- " انزعجت ؟ لقد ارتبكت وتغيَّرت أحوالها ! "
- " هل داعبتها ولامستها بيدك فلم تعارض ؟ "
- " لا يا حبيبي لم يصل الأمر إلى حدِّ المداعبة باليد ، كنت أجسُّ نبضها من هنا ومن هناك . زوجك ذهب ولم يسأل عنك برسالة . . .الخ . "
- " وماذا كانت الردود ؟ "
- " كانت تقول : لتُقلع عيناه وليذهب في داهية . "
- " كانت راضية إذن . "
- " لا ، لم تكن راضية ، لكني كنت سأرضيها . بشرفي إنها مثل السمكة ، لها جسم يتلوّى ، الإنسان الذي يضمُّها إلى ص*ره يطول عمره يا حبيب قلبي ! "
- " ثم ؟ "
- " بعد ذلك ، أهلي لم يستدعوها لغسل الغسيل ! "
- " هه . . . ؟ ؟ "
- " شكَّ البقر أولاد البقر . وهم لا يأكلون حتى الثمار من الأغصان الطينية ! "
- " أهلك ؟ "
- " قلت لهم مرة ومرتين اذهبوا واطلبوها ، فولولوا وقالوا أشياءا مثل : هل ستتزوج أرملة ؟ -وما شأنكم أنتم ؟ -لا يمكن . لماذا ؟ وماذا يقول الناس ؟ الخ . "
- " أهلي أيضاً يحسبون حساباً لقول الناس والعالم كما تعرف . "
مرَّ من الزقاق الخلفي داعية أفلام سينمائية :
- " هذا المساء في سينما الشرق ، ( انتقام طرزان ) . ستة وثلاثون قسماً دفعة واحدة . إضافة إلى فيلم ( المهرِّجة ! ) نعم سيداتي وسادتي . فيلمان معاً في برنامج واحد . هذا المساء في سينما الشرق ، تعالوا ، وشاهدوا . "
قال ( أنور ) في قنوط : " شاهدته من قبل . "
- " وأنا أيضاً . "
التقط حجراً من الأرض ، فأخذه ( أنور ) من يده . تراكض الأطفال الذين يلعبون لعبة الجري ، نحو الزقاق الخلفي حيث يمر داعية الأفلام السينمائية . وقذف ( أنور ) الحجر نحو جدار فناء ( سارا ) الصفيحي . بينما عاد الأطفال يتراكضون كما ذهبوا ، وعادوا إلى لعبهم من جديد . التقط ( أنور ) الأعرج حجراً آخر وقذفه نحو الصفيح . وعلى إثر هذا شاهد الأطفال السيد ( أنور ) فتركوا اللعب وهرعوا نحوه .
- " أنور بك ! "
- " أين ( زينيل ) يا ( أنور ) بك ؟ "
- " متى ستجعلنا نمتطي دراجته ذات الثلاث عجلات ؟ "
- " . . . . . . . . . . . . . ؟ "
- " . . . . . . . . . "
كان ( أنور ) الأعرج يُعتبر " أنور بك " بالنسبة لهؤلاء الأطفال ، إذ كان كثيراً ما يسمح لهم بامتطاء دراجة ابن أخيه ( زينيل ) ذات الثلاث عجلات ، ويُرضي بذلك رغباتهم الطفولية . كان واقفاً يضحك وسط هؤلاء الأطفال الملتفين حوله يتصايحون ، وهو يقول : " سأحضر ( زينيل ) ودراجته إلى هنا ذات يوم ، وسأجعلكم تركبونها . "
سأل ( علي ) ابن الجيران المقابلين لبيت ( سارا ) : " أين ( سمير ) ؟ "
أجاب ابن ( شريفة ) جارة ( سارا ) المقابلة لها وعدوتها العتيدة : " بالداخل . "
- " لماذا لا يخرج إلى الزقاق ؟ "
ضرب الطفل ص*ره بقبضته : " لا يستطيع الخروج ! "
- " لماذا ؟
- " فليخرج ويرَ . "
- " مممم ولكن لماذا لا يستطيع الخروج ؟ "
- " وهل هناك لماذا يا ( أنور ) بك ؟ ليخرج وسترى . سوف يدور حول نفسه ! "
ضحك ( تِلِّلي ) . وكان الطفل هو ابن أخيه ، فسأله : " ألا تصدق ؟ "
قال ( تِلِّلي ) متعمداً : " ( سمير ) لا يغلبك أنت فقط ، بل يغلب عشرة من أمثالك . "
جُنَّ جنون الطفل فقال : " من ؟ هذا التافه ؟ اثنان وثلاثة من أمثاله لا يساوون قدر خردلة عندي . "
ثم التقط حجراً من الأرض ، ولكي يكبر في عين ( أنور ) ، قذف بالحجر مثله تماماً نحو الصفيح .
" طاق ! "
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
سمع ( سمير ) بخوف صوت وقع الحجرة على الصفيح كما سمع صوت وقع سابقاتها من الحجارة . رفع رأسه ونظر إلى " أبيه " الذي هرع إلى العلية عندما ألقي الحجر الأول .