تساءل ( أنور ) الأعرج : " سنشرب كاساً أليس كذلك ؟ "
أجابه ( تِلِّلي ) الذي غيَّر رأيه في الطريق : " لا تبالي بالشراب . "
- " ماذا إذن ؟ "
- " لنشرب عرقاً !
ضحك ( أنور ) الأعرج : " قل إن الشراب للعتالين . "
ثم التفت إلى النادِلَين المشغولَين بتقشير البطاطس وقال : " أحضرا لنا زجاجة عرق صغيرة ! "
ترك النادلان عملهما وأسرعا إليه : " والمازة يا ( أنور ) بك ؟ "
- " ماذا تأمرون على سبيل المازة ؟ "
فسألهما ( أنور ) " ماذا لد*ك ؟ "
- " مازوات باردة ، كل ما تأمرون منها . "
- " إذن فلا توجد مازوات ساخنة ؟ "
- " لا توجد يا بك . "
- " أين معلمكم الحقير ؟ "
- " لم يحضر من المنزل بعد . "
- " آه من الحقير آه ، قولا إنه يعيش حياته . "
ضحك النادلان .
- " اُحضرا المتوفر . مازة أو زفت . "
* * * * * * * * * * * * *
أسرع النادلان وأحضرا بخفة طبقاً صغيراً من الجبنة البيضاء الباقية من الليلة الماضية ، وطبقاً صغيراً من البطاطس المقلية ، وصحنين صغيرين من سلطة اللبن بالخيار وسلطة الطماطم .
- " صودا . ألا توجد صودا ؟ "
- " توجد ، لكنها باردة ! "
- " لتكن . هاتها يا سافل . "
لم يسمح للنادل الصغير أن يفتح زجاجة العرق بالمفتاح . تناول الزجاجة من يده ، ولما كان محتدّاً أصلاً ، راح يضرب الزجاجة بقبضته على رِجله حتى أخرج غطاء الفلين ، وصبَّ العرق في الكأسين مناصفة : " هيا في صحتك ! "
- " أدام الله صحتك . "
شربا وتناولا برؤوس الشوكات شيئاً من المازوات الباردة كالسلطة ، ثم بادر ( أنور ) : " إني مقتنع تماماً يا صديقي ، هذا المساعد على علاقة بهذه المرأة ! وإلاَّ . . ما رأيك ؟ "
هزَّ ( تلِّلي جمالي ) رأسه : " تمام . "
- " وإلاَّ لما دافع عنها ! "
ابتلعا العرق في نصف ساعة دون أن يشعرا .
ودارت الخمرة في رأسيهما قليلاً ، فأحسَّا بشيء من ال
***ة ، واتفقا أن يستكملا شربهما ليلاً .
- " هات الحساب يا ولد ! "
لم ينس النادل الثالث الشاب الذي لم يكن مع زميليه قبلاً ، أن يضيف عشرة بالمائة بدل خدمة على فاتورة الحساب التي نظمها بخطه الرديء .
دفع ( أنور ) الأعرج الحساب ، وترك بقشيشاً ، ثم قال لِتِلِّلي : " هيا . "
وخرجا .
-15-
في الخارج كانت حرارة شديدة تقطع أنفاس العصفور الدوري ، تخيم على البلدة . وشرب العرق في هذا الجو الحار يوجع الرأس . لذلك توقف ( أنور ) لحظة وقال : " رأسي يوجعني ، ماذا عن رأسك ؟ "
- " ورأسي أيضاً . "
- " شرب العَرق نهاراً ليس صواباً أبداً . "
- " لو شربنا شراباً لكان الوضع أسوأ . "
- " إني أقول دوماً بأننا يجب أن لا نشرب هذه القذارة نهاراً ومع ذلك . . . "
- " وهل يترك الكلب أكل القذارة ؟ "
- " صحيح . ماذا سنذهب ونفعل الآن ؟ "
- " أنا أرى أن ننام . وأنت ؟ "
- " ارفع قدمك فقد دستَ عليه ! "
- " أين نلتقي مساء ؟ "
- " عند ( همَّتْ ) . "
- " تماماً . "
أشعل ( تِلِّلي ) سيجارة وقال : " هيا بالسَّلامة ! "
- " بالسَّلامة يا ابن أختي ! "
وافترقا .
بدأ رأس ( أنور ) الأعرج يؤلمه فعلاً ، وكان عليه أن ينام ، وأن يأخذ حَبَتَي مسكّن قبل النوم .
إنه يعرف أن وجع رأسه ناجم عن شرب نصف زجاجة عرق أولاً ، وعن شرب عرق النادي بدلاً من عرق ييني ثانياً .
أم هل يكون العرق فاسداً يا ترى ؟ يحدث هذا أحياناً على أية حال .
قد يفسد من وضعه تحت أشعة الشمس في واجهات المحلات مدة طويلة . فيشعر المرء بجفاف في حلقه كلما شرب منه .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * كان البيت عبارة عن مزرعة عادية فيها آليات زراعية من كافة الأنواع والأحجام والألوان . هذه الآليات التي وردت إلى تركيا من أمريكا بعد عام 1950 ، والتي من المفروض أن تعمل حركة زراعية متسارعة في تركيا . وقابل عمه ( هاشم بك ) في وسط ساحة المزرعة .
توقف ( هاشم بك ) عندما رأى ابن أخيه ، وسأله : " ما الخبر ؟ "
- " خيراً يا عمي . "
- " هناك شكوى بحقك ثانية . "
رفع ( أنور ) الأعرج رأسه بحدَّة : " مِمَّن ؟ من المساعد الأول ؟ "
ضحك ( هاشم بك ) : " كيف عرفت ؟ "
- " شممت على ظهر كفي . "
- " حقاً كيف عرفت ؟ "
- " ألا تلاحق تلك الع***ة ( سارا ) ؟ "
- " هذا حق . "
- " هو بمركزه ورتبته متعلق بها . أما إذا لاحقتها أنا وشبابي فهناك القانون والنظام ! "
فكَّر ( هاشم بك ) مليَّاً . هو أيضاً كان معجباً بـ( سارا ) منذ مدة طويلة :
- " هو متعلق بالمرأة إذن ؟ "
- " إني متأكد من ذلك مثل تأكدي من الله الواحد ! "
غمز ( هاشم بك ) بعينه متسائلاً :
- " من أين ؟ "
- " اذهب واسأل جارتها ( شريفة ) ، اسأل ( تِلِّلي ) . هل هناك من لا يعرف ذلك ؟ "
- " آه يا د**ث يا ابن الكلب يا داعر ! "
أضاف ( أنور ) يضع رصيداً في خانته :
- " وتفلسف عليَّ أمام المرأة ! "
انتصب حاجبا ( هاشم بك ) :
* * * * * * * * * * * * * - " تفلسف بالقانون وغيره . "
احمرَّت وجنتا ( هاشم بك ) غضباً :
- " هكذا ؟ "
- " لأكن ابن ع***ة . "
- " ألم تعطه عيار فمه يا حمار ؟ "
أضاف ( أنور ) الأعرج رصيداً آخر في خانته إذ قال : " انظروا إلى عمي ، كيف لا أعطيه عياره ؟ قلت له ألا تعرفني أنا ابن أخي المزارع والصناعي الكبير ( هاشم بك ) . هل يَسري كلامك علينا يا جحش ؟ " * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
-