ضربات القدر وألاعيب الزمان

1332 Words
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * ** * * * * * * * * * * * * * * * * * ضحك (عادل حمدان) في نفسه لمجرد تخيل أنه قد يكون في يوم ما مالك كل هذا المشهد من الترف والعظمة الخيالية، حينها سيدير ظهره إلى المدرسة القديمة ويضع أصابعه في وجه الجميع وكل راع بخيل، بينما كان (الطنطاوي) يتجول بين الحضور باسما محييا يربت على أكتاف من لم يلحظ تحيته ضاحكا. بدأ صوت الموسيقى يأتي من قاعة القلعة لدعوة الجميع للرقص، كان قائد الأور**ترا ز**يا مسن قاد الأور**ترا المتجولة في أنحاء المدينة طوال نصف قرن، كانت آلاته قديمة بقدمه محطمة كنفسه، رافقت حركة رأسه كل حركة لقوسه. كان يميل نحو الأرض ويدب بقدمه كلما بدأ ثنائي جديد في الرقص، كان (عادل حمدان) يفتخر بقدراته في الرقص ربما أكثر من قدراته الغنائية فلم يدع وترا أو طرفا من أطرافه ساكنا فكان كل جسمه ينطلق بالرقص بحركة كاملة دارت في أنحاء الغرفة. * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * ** * * * * * * * * * * * * * * * * * كانت سيدة قلبه هي شريكته في الرقص تبتسم بلطف لكل نظراته الوالهة، بينما (الفتوة) يجلس وحيدا يعتصره حبه وغيرته، وحين أوشك الرقص على الانتهاء تجاذب (عادل حمدان) أطراف الحديث مع الرجال الجالسين مع (الطنطاوي) الذي كان يدخن في جهة من القاعة، يحكي عن الأزمنة الغابرة ويطيل في الحديث عن قصص الحرب، حيث كانت المناطق المجاورة في تلك الآونة التي أتحدث عنها تعج بالتواريخ والرجال العظماء، كانت سبيل للبريطانيين والأمريكان خلال الحرب ومشاهد الغزو وقوافل اللاجئين ورعاة البقر وكل أصناف النشاط المسلح على الحدود، وكان الوقت كافيا ليسرد كل من المتحدثين قصته ببعض التأنق والارتجال المناسبين بحيث يتصور نفسه بطلا للقصة. * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * ** * * * * * * * * * * * * * * * * * كانت هناك قصة (الكابتن جورج) الانجليزي ذو اللحية الزرقاء الذي تمكن من أخذ فرقاطة بريطانية ذات تسع مدافع حديدية من المتاريس القاذفة. وكذلك قصة المسن ذو الثراء المجهول الاسم صاحب البطولة في معركة السهول البيضاء والذي تمكن من تفادي قذيفة بندقية بسيفه الصغير تشهد الحكاية بدوره الكبير في إنهاء الحرب، إلا أن كل تلك الحكايات تواضعت بالكامل بجوار حكايات الأشباح وظهورها المفاجئ حيث تحفل تلك المنطقة بكنوز من الحكايات الأسطورية التي حدثت للهولنديين القدامى الذين يتململون في قبورهم وهاجر بعضهم للخارج وتزور أرواحهم المنطقة أحيانا في الليل. كان للقرب من الوادي الملعون أكبر الأثر في انتشار هذا النوع من قصص الخوارق والعدوى المنتقلة منه عبر الهواء وكان أغلب من تعرضوا لحمى نعاس الوادي حاضرين في قلعة (الطنطاوي)، بالإضافة إلى العديد من الحكايات الكئيبة التي تحدثت عن مواكب جنائزية ونداءات حداد وعويل مسموع تنبعث من الشجرة التي أُخذ إليها المساكين.. تجدر الإشارة أيضا إلى امرأة ترتدي البياض التي سكنت الوادي الصغير المنعزل (وادي الموت) خلف الجبل والتي هلكت في الثلوج تسمع صرخاتها غالبا في ليالي الشتاء قبل قيام العاصفة. * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * ** * * * * * * * * * * * * * * * * * إلا أن القصة الرئيسية المتداولة كانت عن (النداهة الشبح مقطوعة الرأس) والذي يتجول عبر أنحاء الوادي في الليل ثم يربط حصانه بين القبور المنتشرة في باحة المسجد الكائنة فوق الربوة المحاطة بشجر الخرنوب والدردار الشاهقة التي أضحت مزارا للأرواح الغير مطمئنة بجدرانها البيضاء اللامعة المائلة قليلا باتجاه صفحة الماء الفضية تجاورها الأشجار السامقه التي تعانق تلال (عتاقة) الزرقاء وقد نمى العشب في ساحاتها مما يعطي شعورا بأن الموتى ينامون بسلام، يمتد وادي من الأشجار الكثيفة ناحية المسجد تقطعه ساقية تشق طريقها عبر الصخور والأشجار الساقطة بينما أقيم جسر قديم فوق جزء عميق من الجدول وقد ظلل الطريق عبر الجسر بمجموعة من الأشجار ذات المنظر الكئيب في النهار والمخيف ليلاً، يعتبر هذا المكان من الأماكن المفضلة للفارس مقطوع الرأس وأكثر الأماكن وروداً في الحكايات، ففي رواية (عرفان) المسن وهو الأكثر جحودا وإنكارا لوجود الأشباح حيث رأى الفارس وهو في طريق عودته من رحلته الليلية وقد أمره بأن يتبعه عبر الأجمة والمستنقع حتى بلغوا الجسر فتحول الفارس إلى هيكل عظمي ألقى (عرفان) في البئر ثم قفز بعيدا إلى أعلى الشجرة وسط صفق الرعد. أيدت تلك القصة حكاية (الفتوة الضخم) والذي قابل الفارس ثلاثة مرات حيث كان عائدا من قرية (كفر النجع) المجاورة في إحدى الليالي فأمره الفارس بمسابقته وأن عليه أن يهزمه وإلا نال العقاب، فانطلق جواد الشبح عبر الوادي وما إن بلغ الجسر حتى اختفى بلمح البصر وتلاشي في بقعة نار، كل تلك الحكايات تابعها (عادل حمدان) الذي قرأ عليهم مقاطع من (ادعية صوفية) وأضاف العديد من الأحداث الرائعة التي حدثت في سابق العهد والمشاهد المرعبة التي رآها خلال سيره بالوادي الناعس، انفض الجمع بشكل تدريجي وصعد المزارعون وعائلاتهم إلى عرباتهم مخلفين ضجة استمرت لبعض الوقت على طول التلال البعيدة بينما بعض الفتيات صعدن خلف عشاقهن وضحكاتهم اللا مبالية تختلط بصفق حوافر الخيل المتردد عبر الغابات الساكنة، تلكأ(عادل حمدان) في المؤخرة ليتبادل الحديث الهامس مع (سميرة) وقد غمره يقين تام بأنه يسير على درب النجاح ورغم ذلك كان شيء ما يزرع الخوف بداخله من الفشل عوضا إلا أن هبة هواء مقفر وكئيب كانت كافية لترفعه إلى أعلى، يالله! يا لهن من نساء! كان تشجيع (سميرة) للمعلم المسكين ما هو إلا خدعة لتتأكد من حب منافسه لها! * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * ** * * * * * * * * * * * * * * * * * كانت تلك الهبة المقفرة من الهواء كافية لجعل (عادل حمدان) ينسحب إلى الإسطبل دون النظر يمينا أو يسارا مصطحبا معه دقات قلبه المتسارعة، أوقظ جواده الجموح وتابع سيره إلى حيث البيت في ذلك الوقت الأكثر سحرا من الليل مثقل القلب ومكتئب وقد نشرت (البحيرة) مياهها المعتمة في صمت الليل الميت الآخذ في الإظلام ونباح كلب حراسة لجنة مراقبة الشاطئ المقابل يتردد وصياح د*ك ربما أستيقظ عرضا ، بدت النجوم وكأنها تغرق في السماء، تغطيها الغيمات من لحظة لأخرى، شعر (عادل حمدان) بكآبة ووحدة لم يشعر بهما قبل ذلك، تسارعت في ذهنه حكايات الأشباح والجن التي سمعها من قبل خاصة وهو يعبر المناطق التي تدور حولها هذه الحكايات بالذات، وانتصبت شجرة نبق أمامه في وسط الطريق تلك التي ارتبطت بقصة ابن عرفان التعس الذي سجن عنوة واعتبره أهل المدينة شخصية خرافية ومحترمة، كلما اقترب (عادل حمدان) من تلك الشجرة بدأ بإطلاق صفارته التي ظن أن صداها يرتد إليه إلا أنه سمع صوت انفجار من بين أغصانها وتراءى له جسم أبيض بين الأغصان، أوقف صفارته إلا أنه علم أن ذلك من فعل البرق تابع طريقه إلى حيث البئر الصغيرة تقطع الطريق بينما اصطف القليل من جذوع الأشجار القاسية على جانب الجسر، مجموعة من أشجار ال**تناء والبلوط غطتها فروع العشب البري المتسلق بثقل أضفى المزيد من الغم على المشهد. * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * ** * * * * * * * * * * * * * * * * * وكز (عادل حمدان) جواده في ضلوعه المتضورة ليزيد من سرعته إلا انه انحرف إلى الجانب المعا** حيث أجمة العليق وانحرف إلى جانب الجسر مما جعل (عادل حمدان) يسقط إلى عنقه وفي تلك الأثناء لمح (عادل حمدان) جسم ضخم مشوه اسود شاهق ناحية البئر بدا وكأنه وحش عملاق متحفز لمهاجمة المارة، انتصبت خصلات شعر (عادل حمدان) من خوفه إلا انه استجمع قواه وصاح متلعثما: -"من انت؟"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD