وفيما كان في أعماقه يتخيَّل مختلف أشكال انحناء المرأة واستقامتها ، ويتصوّر أكثر وأكثر تفصيلات فخذيها المكشوفين ، أثناء صعودها ونزولها السُّلُّم ، كانت المرأة بكل فتنتها الطاغية تتسلسل إلى دخيلته . ورغماً عنه ، وبشيء من التردّد انزاح عن فراشه ، ورفع على مهل طرف كيس القنّب ، وراح يبحث عن ثقب أو شق ينظر منه إلى الأسفل . وسرعان ما وجد ما يبحث عنه ، فما أكثر الشروخ والشقوق في أخشاب السقف ! وبألف تردّد وتردّد انحنى على ثقب من أنسب هذه الثقوب . لم تكن المرأة الشابة قد نامت بعد . كانت لا تزال تلملم وترتّب الغرفة . وكانت استدارة فخذيها في كل انحناءة واستقامة تجعل ريقه يجري .
راوده شيطانه قائلاً : - " تنحنح " فاعترض الآخر قائلاً : - " لا يجوز ، فقد يسمعك أحد المارة في الزقاق ، أو يسمعك ابنها الذي قد يستيقظ فجأة للتبوّل ! " .
رفع رأسه عن الثقب ، وهو وإن غطاه بالكيس ، إلا أنه ندم على ذلك ففتحه ثانية ، وانحنى على الثقب من جديد . كانت المرأة واقفة تحته مباشرة ، تفكّر وقد عقدت يديها وراء ظهرها . نظرت للحظة إلى فوق فانسحب ( حبيب ) عن الثقب مجفلاً ، وسحب الكيس فوق الثقب . حذار من أن يكون قد أحدث صريراً أثناء انحنائه وجلوسه ، فسمعت صرير الخشب ونظرت إلى حيث مص*ره ؟
طاوع عقله فارتمى على فراشه على جنبه . إذا كان الأمر كذلك فسيكون عاراً جداً . لكنه قال في نفسه فيما تلى : " لا ، وكيف ستعرف أني كنت أتحيّن اللحظات لأراقبها بنظرات خفية ؟ ألا يمكن أن أكون قد تقّلبتُ في الفراش من جنب لجنب ؟ ألا يمكن أن تكون هذه الأخشاب قد أص*رت صريراً أثناء تقلّبي في الفراش بشكل عفوي ؟ " .
راودته دخيلته أيضاً فانحنى على الثقب من جديد . كان انحناؤه في الوقت المناسب تماماً ، فتح عينيه مدهوشاً ممّا يرى . كانت المرأة تخلع ثوبها في تلك اللحظة . خلعت الثوب ووقفت منتصبة برهة بقميصها الداخلي ، ثمّ حكّت جسمها مطولاً .
في أي شيء كانت تفكر يا ترى ؟
أخيراً وبصعوبة انتهت عملية الحك .
بدأت هذه المرة تفتّش وتبحث مطوّلاً عن ثوب النوم ، بحيث شك الشاب في أن المرأة كانت واثقة من أنه يراقبها فتقصّدت أن تفعل هذا كله دون إطفاء الفانوس أو حتّى خفض ضوئه على الأقل .
اجتاح ( حبيب ) هياج شديد ، فجز أسنانه . نعم إنها امرأة بلا زوج لسنوات طويلة . ولكن هل كانت صادقة يا ترى ؟ سبع سنوات تقريباً بلا زوج . ولم تُدخل رجلاً إلى بيتها . هذا ممكن ، ولكن هي ؟ أيعقل أنها لم تذهب إلى أي رجل آخر ؟ بدأت المرأة تحك جسمها من جديد .
قال لنفسه : " هل يمكن ؟ لتكن اليوم في السابعة والعشرين أو في الثامنة والعشرين من عمرها قبل سبع سنوات . آه يا إلهي . .لا " .
ارتدت المرأة ثوب نومها دفعة واحدة وبحركة حادّة ، هل كانت حاقدة على تردد الرجل وغباؤه يا ترى ؟
إذا كانت هي ( امرأة ) وتفكّر في العيب والحرام وفيما يمكن أن يقال إذا رأى أو سمع الناس ، فما به هو ؟ إنه رجل ، بل وفحل كذلك ، أضف إلى أنه سوف يغادر ، إن لم يكن اليوم فغداً ، وإن لم يكن غداً فبعد غد على أبعد حد ، وسوف يفترق طريقاهما ، وقد لا يلتقيان ثانية طوال عمريهما في أي مكان ، وبأي شكل من الأشكال .
فجأة وبقرار لحظي أطفأت الفانوس ، واندست في الفراش بجانب ابنها . خيم على الغرفة الآن ظلام دامس . فزاد هذا الظلام من هيجانها ، وأثار غريزتها الأنثوية الجامحة . . .قالت وكأن الرجل بجانبها بكامل رجولته : " أ**ق ! " . وتخيّلت وكأن الرجل يسألها مدهوشاً : " لماذا ؟ " .
- " وما زال يسأل ، لماذا . . . "
- " فعلاً لماذا يا بنت ؟ " .
- " لا تقل يا بنت ! " .
- " ماذا أقول ؟ " .
- " إني امرأة ! " .
- " أعرف " .
- " واضح ! " .
- " ماذا أفعل ؟ " .
- " غباء وعمى ! " .
- " ابنك موجود " .
- " دعك من ابني ! " .
- " حسناً ؟ " .
- " ألن تتأكد من كوني امرأة أو لا ؟ " .
- " قلت لك أختي . . . " .
- " لا تقل . ومن يطلب منك الأخوة ؟ " .
- " ماذا إذن ؟ " .
- " ومن يراك يظنك رجلاً ! انظر إلى تفاصيل جسدي ، انظر إلى يديَّ وفخذيَّ " .
- " ألستُ برجل ؟ " .
- " لا أعرف ! " .
- " يديَّ ، ذراعيَّ ، رجليَّ ، لحيتي ، شاربيَّ ؟ " .
- " سحقاً ! " .
- " لماذا ؟ " .
- " خلعت ثيابي في الضوء ، ولم تتحرك ! " .
- " لم أراقبك ! " .
- " كذَّاب ! " .
- " بشرفي لم أراقبك " .
- " لتُقلَعْ عيناك إن كنت كاذباً ؟ " .
- " لتُقلَعْ " .
- " الاثنتان معاً ؟ " .
- " الاثنتان معاً " .
- " لماذا لم تراقبني ؟ لقد خلعت ثيابي كي تراقبني وتراني وتتفحص قدّي . إذا لم ترَني وقتها ، فهيا الآن ، ماذا تنتظر ؟ عل ستقول لي ( يا أختاه ) ؟ كف عن هذه الحماقة يا حمار . يا جحش يا ابن الجحش . أنا لست بأختك . .أنا لا أعرف أختاً أو غيرها ، إنني لست أختك . لا تنظر إلي نظرتك إلى أخت . هيا ضمّني ، هيا ، لا تقف مشدوهاً هكذا ، يا حيوان ! " .
قطع تخيّلاتها صرير الخشب فوق ، أثناء تقلب الرجل من جنب لجنب . مُسح خيال الرجل لبرهة واختفى ، بدأ قلبها بالخفقان والرجفة . وخالجها شعور بالفزع وبخوف غريب مجهول . بعيداً عن الحرام وعن العيب . ربما هو هياج ولَّده الحماسوالتطلع لقدوم الرجل . . الرجل تريده أن ينزل ويأتي إليها ، ولا تريد . جلست تحت الغطاء السميك ، وشدَّت ركبتيها إلى بطنها ، شدَّتهما من جديد ، شدّتهما جيداً ، ووضعت يديها بين فخذيها وراحت تنتظر . .وتنتظر .
-10-
كلّما طالت فترة الانتظار ، كانت رغبتها في مجيئه المتمهّل برجليه العاريتين العملاقتين تتغلّب .
لماذا لا يأتي ؟ لماذا لايسرع بالمجيء ؟ سوف تتظاهر بالنوم . . لن تأتي بأدنى حركة . إن شاء ليدسَّ أولاً إحدى يديه العملاقتين المشعّرتين تحت الغطاء .
ثمّ ليمسك بفخذها . .ليخف . .ليحذر . .يسحب يده .ثمّ ليعد الكرَّة من جديد . لتشتد مداعبة أصابعه . ليدسَّ يده الثانية لمساعدة الأولى !وإذا ازداد عبثهما فهذا أفضل . فلتضمها اليدان من الناحيتين . .فلتعصراه عصرا . .فلت**ّرا ضلوعها . . .تن*دت تنهيدة حرَّي بص*رها الوافر . الليل ساد المكان ، والظلام مُطبق ، إذن فلن ترى وجهه كي تشعر منه بالخجل . .حتّى لو استحت . .بالله عليك . .وهل هذا وقت الحياء ؟سوف يغادر غداً . .وإن لم يكن غداً فبعد غد . .وبعد غد ، من لمن ؟ ولكن . .يا إلهي . .ليته لا يغادر ، ليته يبقى هنا للأبد . وابنها ؟ ستخبره أن هذا هو أبوه ! وما يدريه ؟ إنه لا يعرف من هو أباه . أب . . أبٌ ما . .إنه يريد أباً أيا كان من هو ، أمّا هل هو أبوه الحقيقي ، أم لا . . . إنه يريد أباً يجلب له أل**باً . . . يحضر له دراجة ذات ثلاث عجلات ، أباً يعود مساء متأبّطاً الخبز مثل آباء بقية الأبناء ، فيعطي الخبز لابنه ، ويمشيان سويا باتجاه الدار !
لم تص*ر الأخشاب التي فوق صريراً ثانية .
تقلّبت من طرف لطرف بحنق ، وهي تردّد في نفسها : " حمار ، " جحش ابن جحش ، يدان قويّتان ، ورجلان عملاقتان ، وجسم عملاق . . . فلماذا ؟ لماذا لا تأتي أيها ا****ر ؟ " .
لو كان ( أنور ) الأعرج الآن !
تجهّم وجهها تحت الغطاء للحظة ، هي لا تريد ( أنور ) ، لكنّه لو كان مكان هذا " الدب " الآن ، لكان . . .إحم . . ثلاث مرات على الأقل ، بل خمس . لمَ هذا ليس عديم الحياء مثل ذاك الجحش ؟ إنها لا تريد منه كلمات مثل " أختي ، أختاه ! " كلا ، كلا لا تريد ، لا تريد أن تكون أخته . سبع سنوات ، سبع سنوات طوال . . . ممَ يخشى ؟ أيخشى أن تصرخ وتقيم الدنيا ؟ ربما صرخت لو كان ( أنور ) الأعرج . ولكن في هذه اللحظة حتّى لو كان ( أنور ) ، نعم حتّى لو كان ( أنور ) . . . لو كان ما قاله ( أنور ) الأعرج صحيحاً ، وكان زوجها قد تزوّج عليها عند أمه ، لو تأكدت من ذلك ، لكانت . . . مع هذا ا****ر الذي يطقطق الأخشاب فوق وهو يتقلَّب على الجنبين .
طلبٌ للمحكمة ، ويُص*ر القاضي حكماً بالطلاق في الجلسة الأولى .
كانت للمرحومة أمها قريبة ، تركها زوجها ورحل ، وبعد خمس سنوات اتفقت المرأة مع رجل آخر ، وتقدّمت بطلب للمحكمة ، فأعطاها القاضي الحق الكامل في طلبها ، وحكم بطلاقها من زوجها الذي لم يسأل عنها طيلة هذه السنين .
هي أيضاً ، ماذا لو تتقدّم بطلب للمحكمة ؟ وأن تطلّقها المحكمة من زوجها الغادر في جلسة واحدة . ولكن لكي تتزوج ثانية ، يجب على الرجل العملاق اليدين والرجلين أن يذهب إلى دائرة عقد الزواج . . . كلا كلا ، لا يذهب ، لن يذهبا إلى دائرة عقد الزواج ، ولن يوقّعا على سجل عقود الزواج الكبير . هي راضية بدون عقد . وإن شاء الرجل فليبق في البيت ولا يغادره أبداً . ولينم الليالي في العلية بأعلى . وسوف تذهب هي في النهار وتعمل كالعادة ، فتجمع الغسيل الوسخ من الفنادق ، وتسهر الليالي حتّى الصباح وهي تغسله . فتؤثث بيتها بما تجنيه من مال قليل . لماذا كانت أمها تلبي جميع طلبات زوجها ؟ ذاك أيضاً كان مثل هذا عملاق اليدين والرجلين . من النوع الذي يفرك ويمزق ويهرس ويقطع ما يمسك به من مقاطع الجسد . كذلك ستعمل هي أيضاً مثل أمها بكل الرضا والود من أجل زوجها . فتجمع الغسيل الوسخ ، وتغسل أكوامه بالماء والصابون والكلور ، دون تعب ، دون ملل . دون حتى أن تقول " أف " ، ثمّ تجففه وتكويه وترتّبه وتسلّمه لأصحابه . وعند المساء وفي طريق عودتها تشتري اللحم والعيش والخضر ، وإن استدعى الأمر تحضر لزوجها الخمر وعلب السجائر وتعود إلى دارها !
تنهَّدت بحسرة . من أين سيعرف الجيران ؟ ابنها ؟
حتّى ابنها لا يعرف الحقيقة .
سوفيكشف الجيران الغريب لأنهم يعرفون من هو زوجها ، ولكن من أين سيعرف ابنها ؟ سوف تقول له : " إنه أبوك " . سوف تقول له : " لقد حفر نفقاً وهرب من السجن " . سوف تقول له : " حذار يا ولدي ، لا تكلّم أحداً عن أبيك ، وإلا يعتقلونه ويعيدونه إلى السجن ثانية ، أتحب هذا ، أقسم أنه ما سيحدث إن عرفوا " .
والولد عاقل ، لن يتفوَّه بكلمة لأحد .
أخيراً وفي أحد الأيام ، وبعد منتصف ليلة مثل هذه ، يغادر ثلاثتهم البلدة .
ملابس زوجها وثيابه الداخلية وحاجياته موجودة في هذا الصندوق ، لكنها لا تصلح لهذا الوحش ا****ر . فزوجها ناحل بينما هذا مفتول العضلات ، عريض المنكبين ، عملاق الجسم ، صحيح البدن ، إنه الرجل الذي يناسبها تماماً ، فإذا ما ضمّها إليه وتشبّث بها بذراعيه تحت الغطاء ، وإذا ما أخذها تحت جسمه الرهيب . . .با الله !
ارتعد جسدها بالكامل . إنها رعدة الشهوة . كانت رغبتها الأنثوية تتدفق في جوارحها كالنار .
ارتجفت ثانية .
تعرّقت تماماً كما لو أنها تحت الرجل بوزنه وثقله . . . رمت طرف الغطاء ، فابترد جبينها المتعرق في هواء الغرفة المظلمة ، وكادت تصيح على من فوق : " أيها الوحش هل غفوت ؟ تعال إلى هنا . . تعال نام معي ! مِمَّ ومِمَنْ تخاف ؟ هل تخاف مني ؟ أنا مجرد امرأة لا حول لها ولا قوة ، ما الذي يخيفك مني ؟ لا تخف ، تعال بساقيك العملاقتين ! جحش ابن جحش ، إني أرغب فيك ، أفلا تشتهيني ؟ ألستَ رجلاً ؟ ألا تسمع صوتي ؟ اسمع ، تعال ، تعال إكراماً لله ، أكاد أجن ، والله أكاد أجن ! " .
قذفت بساقها البضة الحارة ناصعة البياض خارج الغطاء ، كانت تنضح عرقاً ، فاضطرها هواء الغرفة اللطيف إلى أن تعطس عطسة خفيفة ، سمعها الرجل المستقيظ النائم بالعلية ، وتخيَّلها كحمحمة مُهرة هائجة . هو أيضاً سحب رجليه وشدَّهما إلى بطنه ، ولامست ركبتاه وجهه ، ووضع يديه بين فخذيه ، وراح ينتظر صعود المرأة السّلم بهدوء وقدومها إليه ، لم يعد من أثر للأخت الآن ، وما عاد يفكر في التغوّط في الصحن الذي أكل منه أو عدم التغوُّط ، ولا في عض اليد الصديقة أو عدم عضها ، إذ جعلت عطسة المرأة الخفيفة هذه أذنيه تنتصبان مثل فرس شهواني هائج لا يسعه إهابه ، بل لقد صار في هذه الساعة من الليل حصاناً برّيا جامحاً احمرَّت عيناه وقد اشتمَّ رائحة أنثاه !
مرَّة أخرى قال إبليسه وهو يبتسم ساخراً : " إياك والحمق أفضل ما تقدمه للمرأة مقابل معروف أسدته إليك ، هو أن تنام معها ، نم معها ولكن إياك أن تشعرها بأنك خدعتها ، وأنك إنما قصدت الإساءة إلى زوجها ! " .
ضحك ، ونظر من الثقب إلى تحت . ما هذا ؟ هل قذفت المرأة بإحدى ساقيها خارج الغطاء ؟ تشجَّع الجانب الإبليسي فيه ، وازدادت شهوانيته الحيوانية ، حسناً ولكن ماذا يستطيع أن يفعل ؟ يجب أن يكون لدى المرأة ذات الشعور على الأقل ، وإلا فكيف ينزل ، وكيف يقترب منها ؟
برقت في رأسه فكرة : ماذا لو نزل وكأنه ذاهب إلى الحمّام ؟ فإن كانت مستيقظة ولديها الرغبة ، فسوف تبدي بعض الاهتمام ، كأن تدلّه على الطريق عندما تعلم بأنه ذاهب إلى الحمّام ، وأن تنتظره في مكان ما حتى يفرغ ، وعند العودة ، وفي اللحظة التي سيصعد فيها ، سوف . . .
ومضى في تخيلاته . .
لو تمسك بذراعه في اللحظة التي سيصعد فيها ، أو لو يمسك هو بذراعها . هل ستصرخ ؟ لا تستطيع الصراخ ، كان واثقاً من أنها لن تصرخ ، فهي تخاف من ( أنور ) الأعرج ، ولو صرخت فسوف يسمع ابنها ، وسوف يسمع الجيران ويتجمهرون ، وعندها فماذا سوف تقول وبأي عذر ؟ لا شيء ، ليس لديها أي مبرر تقدمه لهم . . وسوف تعطي ( أنور ) الأعرج مبرراً ليقول لها : " للجميع أهلاً ولي شكراً ؟ " لذلك فهي لا تستطيع الصراخ ، مع ذلك سيكون موقفاً سيئاً ، لالا ، فهو ليس عدواً للشرع والأعراف ، لا يستطيع أن يفعل ذلك ! . . لا يستطيع ؟
مدَّ يده إلى سرواله الذي كان قد خلعه ، ورماه جانباً لا على التعيين ، اشتهى أن يشعل لفافة تبغ . يكاد يهلك على سيجارة الآن وفي هذه اللحظة ، آه . .واحدة . .واحدة فقط !
أحيت قرقعة أخشاب العلية آمالاً جديدة جداً في نفس المرأة ، سحبت ساقها ودسَّتها تحت الغطاء ، وراحت تنتظر قدومه بين لحظة وأخرى ، سوف تمتد إحدى رجليه العملاقتين على السلم أولاً ، ثم تمتد الثانية ، ويبدأ بالنزول ناظر إليها ، أو قد ينزل وظهره ناحيتها .
حسناً ولكن لماذا لا تمتد الرِّجل أساساً ؟ لماذا لا يجرب النزول ؟
في اللحظة التي كاد أن يمدَّ فيها رجله ، خانته جرأته ثانية ، لا يمكن يا . . ماذا قد تقول في نفسها ؟ قد تقول : " يا خسارة ، جعلت له من بيتي مأوى ، وضمدت جرحه ، ومددت له فراشاً . . . وإذ به ذو فاسد الأصل والذمة . وما هو إلا كلب ، كلب ابن كلب ، كلهم هكذا كلهم ليسوا إلا ( أنور ) الأعرج ، فيما هو يردد أختي . . أختي . . . فلتذهب في داهية! " .
قذفت المرأة بساقها الثانية هذه المرّة خارج الغطاء !
هل رأى الرجل ذلك أم أحسَّ به ؟
اجتاحته نار الشهوة من جديد وبرز الوجه الشيطاني . . ليته لم يناديها " أختي " ليتها لا تكون مثل عض " اليد الصديقة الممتدة إليه بالخير " . ليت الأمر لا يكون مثل " التغوُّط في الطبق الذي أكل منه " .
لو يعرف أن الأمر لن يكون كذلك !
نظر ثانية إلى الأسفل ، نعم نعم ، لا تزال ساق المرأة البيضاء بياض الشهد فوق الغطاء . وعلى الضوء المتسلل من النافذة التي فوق رأسه ، والذي يضيء بعض الظلام ، تخيل بعض الخيالات . .
ماذا لو ارتدى بنطاله ونزل إلى الإسفل ؟ ليس بدعوى الذهاب إلى الحمّام ، وإنما لو يستطيع أن يدَّعي أنه نزل يريد أن يترك البيت ويهرب منه دون أن يُشعر المرأة ، وذلك حرصاً منه على سمعتها ، وخشية من أن تصبح مضغة الأفواه .
كيف ستتصرف المرأة عندئذ يا ترى ؟
راقته هذه الفكرة أكثر من فكرة الادعاء بالذهاب إلى الحمام . افترض نفسه الآن قد نزل ، وضبط في اللحظة التي كان سيفر فيها . .
لا بد أن المرأة سوف تبهت وتسأله : " إلى أين "
فيجيبها قائلاً : " إني راحل ! "
فتسأله : " إلى أين أنت ذاهب ؟ "
فيرد : " خشيت أن تلحقك الشائعات والقيل والقال ! "
فتعود لتسأل متحدّية : " هكذا ؟ "
ليجيب بصلابة : " نعم "
فتواجهه : " وإذا كنت أنا نفسي لا أخاف ؟ "
ويسألها : " مِمَ ؟ "
فتجيب بذات التحدي : " من أن تلحقني الشائعات والقيل والقال . "
فيرد التحدي : " حسناً وماذا عن ( دروان ) الأعرج ؟ "
تهتف : " ليلعنه الله هو وكل ذوي القلوبالحاقدة ! "
يسألها : " إذن فأنتِ . . . "
تجيب : " نعم أنا . . "
يكرر : " أنت . . ؟ "
ترد : " أنا أحبك ! "
ثم لو تسقط بين أحضانه ، تلتف برقبته ، ثم تضع رأسها على ص*ره ، وتبدأ بالبكاء . آه لو تشهق بالبكاء وتقول : - " لا تذهب " ، " حبا في لله لا تذهب ، حتى لو كنت لا تحبني ، إن كنت تحب الله فلا تذهب وتتركني ! "
ثم لو ترفع رأسها بارتباك وتسأله : " أم أنك أنت الخائف ؟ "
ويكون دوره في السؤال : " مِمَ ؟ "
ويكون دورها في الجواب : " من القبض عليك "
- " . . . . . . . . . . . . . . . ؟ "
- " لا تخف . ومن سيخبرهم بوجودك هنا ؟ ابني ؟ سوف أقول له إنه أبوك ، حفر نفقاً وهرب من السجن وجاءنا الليلة ، حذار من أن تتفوّه بكلمة عنه أمام أحد ، وإلاّ فإنهم يلقون القبض على أبيك ويأخذونه ويذهبون به ، ولن يستطيع أن يفر ويأتينا من جديد . والطفل يموت شوقا لرؤية أبيه ولن ينبس ببنت شفة لأحد ، وعلاقتي بالجيران ليست وثيقة الصلة إلى هذا الحد ، إننا حتى لا نتبادل للزيارات فيما بيننا . ثم وعندناتنتصف إحدى الليالي نغادر هذه البلدة أنت وأنا وابني إلى مكان ما بعيد ، بعيد جداً ، لا يعرفون فيه أنك قتلت شخصاً انتقاماً ، وبالتالي لا يبلغون عنك السلطات ، وبطاقة زوجي الشخصية موجودة في صندوقي . . . " .
هنا انتَبَه لحاله ! بالفعل لا بد أن تكون بطاقة زوجها الشخصية موجودة في صندوقها ، عليه أن يرتدي ثياب زوجها ، وأن يدسّ بطاقته الشخصية في جيب السترة الداخلي . حتى لو أرسلت البرقيات عندئذ إلى كافة نقاط الحدود بأنه قاد عملية إحراق المزرعة ، وحتى لو عممت أوصافه ، فكيف سيعرفون بأنه ( حبيب ) وهو بهذا المظهر الجديد ؟ ويحمل هذه البطاقة الشخصية الجديدة ؟
اقتنع بذلك تماماً .
ياسلام على لفافة تبغ . . لو يشعل سيجارة الآن !
سوف يخرج من البلدة في فجر ما ببطاقته الجديدة ، وسوف يسير طويلاً في ع** اتجاه قريته ، ثم ينتظر المرأة وابنها في مكان ما ، ولسوف يأتيان . فيقفز ويمتطى دراجة نارية ، وأرض الغربة واسعة ، ربما يذهبون إلى ( أزمير ) أو ( أنقرة ) ، أو أفضل شيء ليتهم يذهبون إلى ( اسطنبول ) ، ففي اسطنبول التي ذهب إليها عدة مرات مَنْ يعرف أي شيء عن أي شيء ؟ هناك سوف يشتغل هو والمرأة جنبا إلى جنب ، في أحد المصانع يا ترى ، أم في أي عمل من الأعمال الأخرى ؟
هذا هو أفضل ما يمكن حدوثه . .هذا ما يجب عليه فعله . .
امتدت رِجله العملاقة بساقها الضخمة على درجة السُّلَّم مترددا . .
لكن لماذا يخفق قلبه على هذا النحو ؟
كان قد ارتدى بنطاله ، ودسّ مسدسه في جيبه وسوف يتظاهر الآن بأنه يريد التسلل مثل لص ومغادرة البيت حتى لا تلوّث سمعه المرأة . لكن ربما هي تغط الآن في نوم عميق . .ماذا لو لم تكن مستيقظة وذهبت خطته في الهواء ؟
سحب رِجله ثانية . .شاهدته المرأة التي تحت ، وراح قلبها يدق بعنف .
انها تريد من ناحية ، ولا تريد من ناحية أخرى ، هي تريد نزوله إليها ، ولا تريد . وعندما انسحبت الرَّجل هاجت : " جبان ! أنا امرأة ، فما بالك أنت ؟ اخجل من يد*ك ورجليك العملاقتين ، اخجل من لحيتك وشاربيك ، ومن جسمك الصحيح ، تعال يا حيوان ، تعال يا جحشيا ابن الجحش تعال ! " .
كأنها سمعت صوت رجل امتدت مجدداً على درجة السلم ثم تبعتها الرِّجل الثانية ، توقفت الرِّجلان العملاقتان لحظة جنباً إلى جنب مثل حمامتين وديعتين . ثم امتدت الرِّجل الأولى على الدرجة الثانية ، وتبعتها الثانية فنزلت إلى جانبها ، توقفتا ، كأنهما تراقبان المحيط ، كانت قدما الرَّجل عاريتين ، ولكن هل يرتدي بنطالاً ؟ إلى أين سيذهب ؟ ا****ة أن كان ذاهباً إلى الحمام ، وليس قادماً إلي !
راقبت تحركات الرَّجُل بقلبها الواجف ، وبعينيها نصف المغمضتين ، وبالأحرى تحرّكات قدميه . نزلت الرِّجلان درجة أخرى ، ثم أخرى ، وصار واضحاً الآن البنطال الذي يرتديه . إن كان ذاهباً إلى الخلاء فيجب عليها أن تدلَّه على الطريق ، ولكن ما زال هناك وقت ، لو كان ينوي القدوم إليَّ لما ارتدى البنطال .
جلس على الدرجة السفلية الثالثة ، وتثاءب رغماً عنه ثم مسح عينيه بقبضته العملاقة ، يبدو أنها نائمة ، إن كانت نائمة . . فهذا يعني أنه ظنَّ بها ظنوناً خاطئة ، هذه لا تشبه النساء اللواتي عرفهن في حياته ، لو كانت تشبههن لما بقيت محافظة على شرف زوج هجرها منذ سنين طويلة ولم يسأل عنها بكلمتين ، ولخانته مع من تصادفه أمامها . .
في هذه اللحظة تماماً استوت المرأة في فراشها وصاحت : " مَن هناك ؟ "
تسمّر الرجل في مكانه فجأة وأجاب : " أنا . "
سألته : " إلى أين أنت ذاهب ؟ "
شعر بأن جملة " إني هارب لكيلا يساء إلى سمعتك بكلمة " جملة طويلة ، فاندفع فجأة يقول : " إلى الحمّام . "
فرحت المرأة ، فهو لا ينوي المغادرة ، لو أراد أن يغادر لغادر فهو رجل جان ارتكب عدة جرائم ما زال دخانها في الأفق ، بالإضافة إلى أنه تكلم عن إبادتهم جميعاً ، فمن البديهي أن يرحل ، ثم إنه لا يعرفها تمام المعرفة ، ومن حقه أن يخشى على نفسه من أن تبلغ عنه .
بادرته : " انتظر لأنير الفانوس . "
رد بلهجة حاول أن يجعلها هادئة : " لا ، لا داعي . "
سألته : " لمه ؟ "
لوح بكفّه : " الجيران . "
أومأت برأسها : " نعم ، الحمّام هناك . في الطرف الأيسر من نهاية الفناء ، إنه محاط بالأخشاب . "
غمغم : " سوف أجده . "
عادت تسأله : " هل ستستطيع فتح الباب ؟ "
أجاب : " سأفتحه . "
قالت في تردد : " إن شئت آتي أنا و . . . "
اعترض : " لا داعي ، لا داعي ، سأفتحه أنا . "
تحرّك بهدوء متجها نحو باب الغرفة المغلق ، سُرَّت المرأة لأنه لم يخاطبها بقوله : " يا أختي " . .أخته من ؟ . هي لم تكن أخته ولا تريد أن تكون . ابن الناس ، ذو يدين ورجلين عملاقتين وذو جسم صحيح عملاق ، إنه تماماً الرجل الذي ترغبه ، ولكن لا يمكن ، وكيف يمكن لامرأة أن تقول لرجل : - " كذا وكذا . .كيت وكيت . . إني معجبة جداً بك . . تعال إلي لنمارس الحب . " ؟ !
تحسَّس الرَّجل الباب بيده ووجد المزلاج الحديدي فرفعه ، ففُتحت ضلفة الباب بصرير مزعج . وعلى ضوء النجوم التي تملأ السماء التي لا قمر فيها ، عبر الحوش بتؤدة منعطفاً إلى اليسار وعثر بسهولة على الحمّام المسوَّر بالأخشاب . إنه بحاجة إلى تبول خفيف ، ولكن عليه أن يستغرق بعض الوقت .
دخل الحمّام ، فبال وانتظر .
آه لو يستطيع أن يشعل سيجارة في هذه الآونة !
تحطمت جميع آماله ، فالمرأة محافظة على ف*جها ، وإلا لابتسمت له ، ولتحرشت به برغبة وشهوانية ، في هذه الساعة من الليل ، حسنا فعل أنه لم يمد يده ليغويها ، وإلا لكان صورة حية للخطيئة ، ولكان ارتكب أعلى أشكال الدناءة ، أما كان سيقول لها : - " إني ذاهب يا أختي ، لكيلا يساء إلى سمعتك بكلمة . . . " ؟ لم يستطع أن يقولها ، وتحدث عن " الحمّام " الذي فكّر به قبلاً .
اخرج علبة التبغ من جيب بنطاله فشممها ، ثم دسَّها في جيبه ثانية .
ارتبك ، إذ سمع فجأة عواء كلب وراء الجدار ، لا بد أنه كلب الجيران . هل شمَّ رائحة غريب ؟ وإذا بدأ بالنباح ؟ وإذا بدأ يقيم الدنيا ويقعدها ؟ من يومه وهو يمقت الكلاب . لملم شتات نفسه وحاول أن يهرب من همهمة الكلب لكن الحيوان همهم بحدة أكثر مرة أو مرتين ثم بدأ بالنباح . استطاع ( حبيب ) برجليه المتعثرتين وبظهره المحني أن يعبر الحوش المضاء بأضواء النجوم ، وما إن وصل تماماً إلى باب الغرفة حتى سمع صوت الطفل المرتعد خوفاً :
- " ماما ! " كان صوت الطفل مفزوعاً .
لم يستطع الرجل أن يدخل إلى الغرفة ، ولا أن يسحب قدمه التي خطا بها خطوة إلى الداخل .
أجابت المرأة بصوتها المنفعل : " ماذا تريد ؟ "
قال الطفل : " من هذا ؟ "
أجاب الصوت الحانق بانفعال أشد : " نم ، هيَّا نم ! "
والطفل مستمر : " هل جاء أبي ؟ "
لمعت الفكرة كالبرق في رأسها ، مع ذلك لم تستطع أن تقول نعم ، ولا أن تقول لا . .
نهض الطفل الآن واستوى في الفراش .
الكلب ما زال ينبح في الخارج .
أمسك الطفل بيد أمه بانفعال : " لقد جاء أبي ، أليس كذلك يا ماما ؟ جاء أبي أليس كذلك ؟ لماذا لا يدخل ؟ لماذا يا أمي ؟ كنت تقولين إنه سيأتي ، جاء أليس كذلك ؟ ماذا جلب لي ؟ هل جلب لي أل**باً ؟ مسدساً ؟ "
دفع يد أمه بانفعال محاولاً النهوض وهو يهتف : " لنشعل الفانوس يا أمي ! "