الفصل الخامس عشر (15)

2475 Words
بنت شوارع الجزء الأول في منطقة نائية بعيدة عن العمران..حيث الأشجار العقيمة، والمباني الخربة توقفت سيارة شبه هالكة..حيث ترجل منها أربعة ذئاب بشرية، أثنان منهما يحملان بين أيديهما جوال منتفخا، والأثنان الأخران يتبعانهما في لهفة يقول واحد منهما ويدعى ابراهيم سباعي وشهرته هيما شاب طويل عمره سبعة وعشرون عاما ضخم الجثة أصلع عاطل يتعاطى الم**رات: - بالراحة على المزة يالا منك ليه احنا تعبنا لحد ماجبناها هنا. رد واحد من اللذان يحملناها ويدعى سيد راضي وعمره اثنان وعشرون عاما الشهير بالضب نظرا لأسنانه البارزة والتي تطل من فمه: -متخافش يابوص .. في الحفظ والصون. ظلا يمشيان بها حتى توقفا بها في بناية غير مكتملة..ووضعوها في حجرة بها مخلفات كثيرة. قال هيما وهو يصفق بيديه وعيناه الخبيثة تبتسم بشغف: -افتح بقى ياض يا حنيتش الشوال خلينا نمتع نظرنا بالجمال لحسن الواحد شرقاااان موت. -فريرة يابوص. نطق بها حنتيش وهو يغمز بإحدى عينيه.. ذلك الحنتيش الذي يطيع الأوامر في خنوع من أجل جرعة م**رات يمنون عليه بها شلة السوء الذي يتبعها..راح حنتيش ينزع الخيط بأسنانه ويديه في عجلة من أمره هو الآخر منتظر نصيبه من تلك الفتاة فأنها صيد ثمين. كشف الجوال عن فتاة وجهها كالقمر في ليلة تمامه، شعرها غجري مجنون، عيناها مسبلة كأنها تنام في أمان، كانت مثال للجمال لا يتناسب مع ذلك الثوب المهترئ ولا حذائها الرخيص البالي وقد ثقب موضع أصابعها. عيونهم تلتهما بجرأة، كانوا يحدقون فيها كأنهم أمام تمثال لأحد آلهة الجمال الرومانية. حتى قطع تلك التأملات رابعهم شاب يدعى ماجد عبدالله وشهرته ماجو عمره خمسة وعشرون عاما.. ابن أحد كبار رجال الأعمال اللذين اهملوا تربية أبنائهم بسبب انشغالهم بأعمالهم الكثيرة، فبلا المجتمع بشاب مستهتر كل اهتماماته كيف يعيش حياته بالطول والعرض و يصطاد الفتيات ليستمتع بهن.. أص*ر ماجو آهة وقد لمعت عيناه في إعجاب شديد، وقد بهره ذلك الجمال الذي يقسم بداخله أن تلك الفتاة أجمل بكثير من كل فتيات المجتمع الراقي اللائي عرفهن من خلاله..ويتعجب كيف لهذا الجمال يقوم ببيع الفل والمحارم في اشارات المرور؟؛ فهمس وهو يجثو بجانب تلك النائمة ويده تتحسسها في رغبة: -أييه الجمال ده..أنا مكنتش مصدق ال قلتوه عنها وعن جمالها غير لما شفت بعيوني..أول ماقلتولي انها بنت شوارع افتكرتها بنت مق*فة أي كلام. جثى أيضا بجواره هيما وقد أثاره استحوازه عليها بنظراته وتحسسه لها، وغار على الفتاة كأنها زوجته أنه يبغض ذلك الشاب المتعالى عليهم بأموال أبيه قائلا بسخرية وهو يزيح يده عنها : -لا متخافش ياماجو بيه احنا جبنالك ال يليق بساعتك. ابتسامة ماكرة رقصت على شفتي ماجو فهو لا يخفى عليه حقد ابراهيم ولا بغضه له.. التمعت عيناه بنظرات متحدية تريد أن تقهر هذا الأبراهيم فابتسم من جانب فمه وقال حتى يزيد من ازلاله: -تعجبني ياهيما أنا عارفك بريمو في اصطياد الستات.. أومال أنا بد*كم كل الفلوس دي ليه عشان المجايب الحلوة ال زي دي. قال جملته الأخيرة وهو يشير بعينيه على الفتاة..ثم أكمل بعنجهية وتسلط: -عشان كده ياريت تسيبولي بقى أول طلعة..لأنها بصراحة متلقش غير بواحد زي وكمان أنتو مش قدها. قوله هذا استفز ابراهيم بشدة ..جعل كل عضلة في وجهه تنفر فقال له بحدة: -لا بقى ده احنا جدعان قوووي ورجالة بالقوي وخلي عنك يا باشا.. وأنا اثبتلك دلوقت أني ميت راجل في بعض. بدأ يحتدان مع بعضهما كعادتهما في كل صيد لفتاة..جعلا الضب وحنتيش ينظران لبعضهما البعض في ملل من مشاجرتهما تلك التي لا تنتهي، والتي لا يشعلها الا الحقد والغل والكره اللذين يكنونهم لبعضهما البعض فهمس الضب لحنتيش في أذنه: - بدأوا بقى الخناق على مين حيبقى الأول والبنت قربت تفوق. -تعرف ياض يا ضب اهو أنا نفسي اجرب أول طلعة دي..دايما نستنى لما يخلصوا هما الأول واحنا ناكل من وراهم فضلاتهم زي الكلاب. قال حنتيش جملته الأخيرة بنبرة تجمع ما بين التمني والشعور بالدونية. فلكذه ضب في بطنه هامسا: -متتنيل وتسكت أنت ليك أكل وبحلقة. فتأمل حنتيش الفتاة وتذكر أول مرة رآها فيها..كانت تتنقل بين السيارات تعرض الفل للبيع..وجهها الصبوح ، وابتسامتها الصافية، ونظرات عيونها البريئة تجعل الناس يشترون منها دون أن يجادلوا معها في السعر..لقد تعقبها، كان يغازلها بوقاحة..وهي تصده بكل حزم، ولما يأس منها حكى عنها لأبراهيم وقرروا أن يخطتفونها وتكون وليمتهم لبضعة أيام..و هاه هي فريسة بين أيديهم يتشاجرون من أجلها.. ولكن صوت بداخله يقول له: دي من حقك أنت ..أنت ال شفتها ودلتهم عليها..أنت الحبيتها من أول نظرة لكن مقدرتش تطولها.. كنت فاكرها زي كتير من ال زيها ال بيبيعوا نفسهم من بأول كلمة حب تتقال في ودانهم، أو بقرشين ترميهم لها فتقبل عالطول ..لكن البنت دي مختلفة عنهم قوي. فزفر بضيق حتى أنه ندم على دلهم عليها. لم يبالي ماجو بغيرة هيما ولا حقده الذي كان في صورة غضب هادر فهمس ببرود وهو يتحسس الفتاة مرة أخرى: -بقولك ايه يابراهيم متوجعش دماغي بقى ..انا عارف انك وحش روح بقى جهزلي سجارة محبشة لحد ما أخلص وبعدين حسيبك تورينا رجولتك الا من الآخر. نبرته الباردة المفعمة بالسخرية والأستهزاء جعلت أعصاب هيما تثور فاحتقن وجهه بقوة، وانتفخت عروقه من فرض الغيظ فجذبه من ياقته وأجبره على النهوض فصرخ فيه: -لا ياروح أمك أنا مش خدام ال جابوك..وبطل بقى القنعرة الكدابة دي..داحنا ال جايبين البنت وحضرتك عايز تاخدها على الجاهز ..طب وديني ما أنت طايلها أصلا.. وايه رأيك بقى إنك بره الليلة دي كلها والبنت دي من دلوقت متخصكش ووريني بقى حتقربلها ازاي. ثارت أعصاب ماجو بدوره فكيف لهذا البلطجي يقول له ما قاله؟ فامسك هو الآخر بتلابيبه وقال له في عنجهية وغرور محتدا عليه: -مين ده ال ملوش فيه يا بلطجي أنت ..دا أنا صاحب الليلة دي كلها وأوعى تنسى نفسك يلا..ده أنا ال بصرف عليكم..أكل، وشرب وحشيش على حسابي.. يعني المفروض تبوس إيدي عشان ارضى عنك.. اوعى كده شيل إيدك لتوسخني. قال ذلك وهو يرفع يديه عنه ويعدل من بدلته ويشير على الفتاة بعينيه قائلا: -والبت دي بقى من دلوقت بقت تخصني لوحدي..وانتو بس دوركم انكم تخدموني بفلووووسي وإن كان عاجبكم بقى. في خضم مشاجرتهم مع بعضهم البعض وحنتش وضب يتدخلان بينهما حتى يفضوا نزاعهما ..بدأت ليلي تفيق وتتململ وهي تشعر بثقل في رأسها، وعندما فتحت عيونها رأت خيالات الذئاب الأربعة يتعاركون ويتشاجران سويا، بدأ الخوف والقلق يهجمان عليها، والجفاف احتل حلقها، ارتعاشة أصابت شفتيها..وبرود زحف على جسدها تغمض عينيها بقوة تحاول أن تسيطر على نبضات قلبها التي تدق كأجراس الخطر، ابيضت شفتيها من فرط الرعب، كيف سيكون مصيرها مع تلك الذئاب، كلما نظروا لها تصنعت النوم، كانوا مغمسون في النزاع الدائر بينهم، حاولت أن تبتلع ريقها ولكن ريقها جف لابد لها أن تنجو بنفسها وعرضها منهم ولكن كيف؟ تشعر أن جسدها ملتصق بالأرض.. كانت تتفقد بعينيها المكان حولها ثم تغمضهما سريعا عندما يلمحونها ..اغمضت عينيها بقوة تحاول السيطرة على جسدها الذي يئن من الرعب عندما جثى ماجو على ركبتيه، وبدأ في التحرش بتلك المسكينة، ولكن أبى أبراهيم أن ينتصر عليه ذلك المغرور المتعالي، فاشهر مطواة وضم شفتيه بكل حقد وتحفز للإنتقام ثم رشقها في ظهره .. جعل الأخير يصرخ بألم وقد جحظت عيناه بصدمة، يديه متخشبة وحركاته تحتضر وهو يحاول أن يلتفت خلفه فلمح ابراهيم وهو يبتسم بتشفي، فتأوه وهو يطبق عينيه بقوة في مقاومة للألم الذي يشعر به تحت نصل المطواة. ثم تأوه يتمتم بصوت مبحوح غير مفهوم.. بدأ جبينه ينضح بعرق غزير ووجهه يشحب وي**وه اللون الأزرق، أنفاسه تتلاشى شيئا فشيئا، حتى لفظ أنفاسها الأخيرة . فانكمشت ليلي أرادت أن تصرخ ولكن صوتها حشر في حنجرتها.. ترتجف وتتمتم وهي تقول في سرها: -يارب..يارب..يارب انقذني يااارب. فضرخ الضب في هيما وهو يقول له : -ايه ال انت عملته ده ياهيما..انت مش عارف ده يبقى مين..احنا كده روحنا في داهية. أما حنتيش فكان يحدق في الجثة بعيون غير مصدقة فقال وهو لا يرفع عيناه عنها حروفه جبانة مرتعشة: -دددد..ده مااات . أنت ازاي تقتله ياهيما..أحنا متفقناش عع على كده. فصرخ ابراهيم وهو يشهر مطواه في وجهيهما قائلا مهددا: -اخرس منك ليه..الواد ده زودها قوي معايا وكان لازم اقتله لأني زهقت منه، وأي حد حيفتح بؤه بكلمه حخليه يحصله فااااهمين ولا لأ.. قال ذلك وهو يلهث ثم نظر لجثة ماجو وقال لهم : -يلا شيلوا الكلب ده وارموه بعيد عن هنا. لم يستطيعا ضب ولا حنتش التفوه بأدنى كلمة خوف من غضب هيما العارم..وقد أيقنا أنه الآن في حالة لا يصلح معها أي نقاش ..قد لا يتورع في قتلهما مثلما فعل مع ماجو..فاقتربا من الجثة وحملاها وسارا بها حتى يلقيا بها بعيدا، وهيما خلفهما حتى يساعدهما في دفنها.. انتهزت ليلى ابتعادهم وحاولت أن تتغلب على الخوف والرعب اللذان دمر أعصابها..انها فرصة لها لا تتعوض لابد لها من اقتناصها حتى تفر بنفسها وعرضها من بين براثن أولئك الذئاب، استجمعت بصعوبة بعض من شجاعتها ..قامت وهي تستند على ركبتيها ..خطواتها متلعبكة ضغيفة..ساقيها يتخبطان في بعضهما تلهث بشدة..ظلت تركض ببطئ ..حتى تركت المبني الذي فيه وظلت تبحث بعينيها عن أي مكان باستطاعتها ان تختبئ فيه .. ظلت تركض وتركض انفاسها لاهثة.. عيناها غائرتان، جبينها يتصبب عرقا.. وكان الليل قد فرد بساطه الأ**د قد يساعدها الظلام على التخفي ولكنه يزيدها رعبا نظرت الى السماء تستغيث بربها عله ينجيها. -ياااارب خليك معايا وساعدني..واستر عرضي يااارب. عندما عادو ابراهيم وضب وحنتيش وجدوا مكان الفتاة فارغ..فصرخ هيما بغضب هادر: -البنت راحت فيييين؟؛ ضب وحنتيش ايضا يحدقان في أثرها الفارغ بصدمة أين ذهبت تلك الفتاة؟؛؛ هل ضاع منا الصيد الثمين؟؛.. صرخ ابراهيم فيهما وقال وقد بح صوته: -أنتو لسة حتبحلقوا يلا ندور عليها يابهيم منك ليه.. استاءوا من سبه لهما ولكن أثارا ال**ت حتى يعثروا على الفتاة.. لقد أمرهم هيما أن يذهب كل واحد منهم في جهة مختلفة حتى يجدوها بسهولة.. وبالفعل تفرق الثلاثة كل واحد منهم في مكان وظلوا يركضون كالذئاب الجائعة التي تبحث عن صيدها الذي فر منها. ليلى تركض بكل ما أوتيت من قوة وعزم..تلتفت يمنيا ويسارا تبحث عن مخبأ مناسب لها، كانت تتعثر في ركضها تنحني من فرط التعب واضعة يدها على قلبها حتى يسكن فدقاته يخيل لها أنها أعلى من الطبول..تلهث بشدة تخشى أن يمسكوا بها، لقد وجدت قومة من القش خبأت نفسها خلفها حتى تستعيد انفاسها المنقطعة.. انها تتنفس بصعوبة..تشعر أنها على وشك الأنهيار..دقائق مرت فجأة شعرت بأقدام تقترب منها، فخفق قلبها بشدة شعرت برغبتها في البكاء من شدة رعبها بينها وبين أنياب الذئاب خطوات قد يرونها في أي لحظة...وساعتها سيقتنصونهاو لم تستطيع ساعتها المقاومة، فكتمت أنفاسها بيدها تعتصر عيناها بشدة، رأت اقدام واحد من أولئك الذئاب تقف بجوارها تمام، ظلت متسمرة حريصة على ألا تبدي أي حراك حريصة حتى على كتم أنفاسها..وبعدها بلحظات وكأنها دهر ابتعدت تلك الخطوات عنها..فاغمضت عينيها براحة تزفر ذلك الأضطراب الذى كاد أن يقضي عليها، حبت على يديها وقدميها بهدوء وحذر تتفقد المكان من حولها، ولما رأت انه لا يوجد أحد ظلت تركض بلا هدى لا تعلم كيف ستنجو ولكن هي تحاول لعل الله ينجيها. اجتمع الثلاثة في نقطة تجمع وكانوا يلهثون بشدة حتى صرخ ابرهيم فيهما بغضب: - ايه جايين زي خبيتها محدش فيكم لاقاها .. يعني ايه فصح ملح وداب.. غورو دورو كويس ياغ*ي منك ليه. حديث ابراهيم الفظ المطعم بالسب والأهانة جعل ضب يعض شفته السفلى بغضب جم فقد فرغ صبره ولم يقوى على ال**ت على اهانته لهما ولا سبهم وشتمهم فقال له محتدا: -أيه ياعم انت نازل فينا تهزيق من الصبح..وعمال تؤمر وتنهي ولا أكننا عبيد عندك..في ايه؟؛ وبعدين ماانت كنت بتدور معانا ملقتيهاش أنت ليه يابرم..ولا فالح تعمل راجل علينا أحنا بس. ضيق ابراهيم عينيه كثعلب ماكر..و**ت، **ته كان مخيف وهو يتأمل ضب بمقت وغل للحظات ..جعل حنتيش يبتلع ريقه بخوف ونبئه حدسه أن ابراهيم مقدم على شئ متهور..حتى ضب نفسه على الرغم من محاولته للتماسك ..الا أن قلبه خفق بشدة..حتى أنه ندم على ماتفوه به..رأى ابراهيم يقترب منه بخطوات متأنية مخيفة ولما أصبح أمامه وجها لوجه ابتسم له ابتسامة مميته، ثم قال له وقد وضع يده اليسرى على كتفه قائلا بهدوء لا يناسب الموقف ولا يناسب شخصيته سريعة الغضب: -صح..عندك حق ياضب انا غلطانلك ياخويا مكنش مفروض ازعق ولا أشتم خالص بس أنا راجل غصب عن أمك وعشان أن راجل يلا أنا مش حزعق أنا حقتل عالطول. قال جملته الأخيرة وكانت يده اليمنى تخرج نصلا من جيبه وتشهره وفي لمح البصر غرزه في بطنه..جعلت عيون ضب تجحظ بشدة ويتأوه تأوه مكتوم..وما كان من ابراهيم الا أن بادله بطعنات أخرى جعلت الأخير يلفظ أنفاسه ب**ت ويرخي رأسه على كتفه..ولكن ابراهيم دفع رأسه بعيدا عنه جعل جثته تقع على ظهرها..وحنتيش يشاهد كل ذلك بعيون متسعة غير مصدق لما يراه يتراجع في زعر..وايقن أنه أمام س**ح مات قلبه وضميره للأبد..فنظر ابراهيم له نظرة تهديد..كأنه يقول له ترى هل سيكون مصيرك مثلهما..مسح حنتيش عرقه بذراعه فقال وهو يقاوم خوفه: -أنا ..أأنا رايح ادور عليها ومش حسكت غير لما الاقيها. ثم ركض بغير هدى قدميه يلتفان حول بعضهما البعض من فرط رعبه. أما ابراهيم مسح مطواه من أثر الدم وأغ*دها في جيب بنطاله بكل برود كأنه لم يفعل شئ..وراح يبحث عن ليلى في اتجاه آخر بكل حماس. قصة الصحابي أبو محجن أبو محجن الثقفي فارس عربي مسلم مغوار من بني ثقيف، وكان رجل من المسلمين قد ابتلى بشرب الخمر وطالما عوقب عليها ويعود ويعاقب ويعود ، بل كان من شدة تعلقه بالخمر يوصى ولده ويقول : إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني في الفلاة فإننـي أخاف إذا ما مت أن لا أذوقهـا فلما تداعى المسلمون للجهاد ولقتال الفرس في معركة القادسية خرج معهم أبو محجن وحمل زاده ومتاعه ولم ينس أن يحمل خمرا دسها بين متاعه فلما وصلو [وضح من هو المقصود ؟] طلب رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين وبدأت المراسلات بين الجيشين عندها وسوس الشيطان لأبي محجن فاختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر فلما علم به سعد غضب عليه وحرمه من دخول القتال وأمر أن يقيد بالسلا سل ويغلق عليه في خيمة. فلما ابتدأ القتال وسمع أبو محجن صهيل الخيول وصيحات الابطال لم يطق أن يصبر على القيد واشتاق للشهادة بل اشتاق إلى خدمة هذا الدين وبذل روحه لله وإن كان عاصيا وإن كان مدمن خمر إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله. وأخذ يترنم قائلا: كفى حزنا أن تدخل الخيل بالقنى وأترك مشدودا علي وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصاريع دوني ت** المناديا يُقَطِّع قلبي حسرةً أن أرى الوغى ولا سامعٌ صوتي ولا من يَرَانيا وأن أشهدَ الإسلام يدعو مُغَوِّثاً فلا أُنجدَ الإسلام حينَ دعانيا وقد كنت ذا مال كثير وإخوة وقد تركوني واحدالاأخى ليا ثم أخذ ينادي بأعلى صوته إلى أن يلتفت إلى زوجة القائد سعد ويناشدها أن تطلق سراحه ليشهد المعركة معلناً توبته قائلا هذه الأبيات سُلَيْمى دعيني أروِ سيفي من العدا فسيفيَ أضحى وَيْحَهُ اليومَ صاديا دعيني أَجُلْ في ساحةِ الحربِ جَوْلَةً تُفَرِّجُ من همّي وتشفي فؤاديا وللهِ عهدٌ لا أَحيفُ بعهده لئن فُرِّجت أَنْ لا أزورَ الحوانيا فسألته امرأة سعد ماذا تريد فقال فكي القيد من رجلي وأعطيني البلقاء فرس سعد، فأقاتل فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد وإن بقيت فلك علي عهدالله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في رجلي، وأخذ يرجوها ويناشدها حتى فكت القيد وأعطته البلقاء فلبس درعه وغطى وجهه بالمغفر ثم قفز كالأسد على ظهر الفرس وألقى بنفسه بين يدي الكفار علق نفسه بالآخرة ولم يفلح ابليس في تثبيطه عن خدمة هذا الدين وحمل على القوم برقابهم بين الصفين برمحه وسلاحه، وتعجب الناس منه وهم لايعرفونه ولم يروه بالنهار ومضى أبو محجن يقاتل ويبذل روحه رخيصة في ذات الله عز وجل نعم مضى أبو محجن أما سعد بن أبي وقاص فقد كانت به قروح في فخذيه فلم ينزل ساحة القتال لكنه كان يرقب القتال من بعيد فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله، وقال الض*ب ض*ب أبي محجن والكركر البلقاء وأبو محجن في القيد، والبلقاء في الحبس !! فلما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه ووضع رجله في القيد، ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال : ما هذا ؟ فذكروا له قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلقه وقال : والله لا جلدتك في الخمر أبدا، فقال أبو محجن : وأنا والله لا شربت الخمر أبدا. يتبع #سهير_عدلي
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD