الفصل الخامس عشر (15)

2522 Words
من قصه (زوجى ع**ط) بقلمى سهير عدلى عندما عاد عمر الى البيت، فلم يجدنى ظل يفتش عنى فى جميع اركان الشقة ، لم يعثر لى على أثر جن جنونه ، ظل يتسائل أين ذهبت ؟ ولماذا تركت البيت ؟ هل فعلت ما اغضبها ؟ اااااااهة حيرة خرجت من جوفه ، ماذا يفعل الان واين يبحث عنى ؟ لم يخطر بباله ان عبد العليم هو من اختتطفنى فتحت عينااى وجدتنى مقيدة وفمى مكمم ...وجدت نفسى فى مكان مظلم كله كراكيب واشياء قديمه . ظللت ازووم بأعياء من تحت كمامتى: - امممممم.. اممممممم ثم رأيت خيال رجل فانقبض قلبى وعندما ظهر لى وجهه صرت ا صرخ وأصرخ صرخات مكتومة مليئة بالرعب. انه عبد العليم ..الذى ظل يضحك بشر يقترب منى وهو يقول بفحيح كفحيح الافعى و ضحكات مليئة بالتشفى والانتصار: - انت فاكرة انك حتهربى ياروح امك ..دانتى مفتاح الكنز ال مستنيه من زمان. ومد يده ليلامس شعرى ، يداعب وجنتى برغبة قذرة : -اااااه يانا ...لكن خلاص ليلتين ونخلص كل حاجه اقشعر جسدى من ملامسته لى فانسابت دموعى تعلن الاشمئزاز منه وكأن دموعى اثارته اكثر ..ليقترب و يقبلنى فى جانب رقبتى برغبه متوحشه ، نزع عنى الكمامه ليقبلنى فى فمى اخذت أصرخ ..وأصرخ وصراخى يشعل رغبته اكثر واكثر ومقاومتى له تزيد لهيبه. قلت له وان اركله بيدى اصرخ فيه بكل عزمى: -سبنى يامجرم حرام عليك ..أنت عايز منى ايه؟ ،جبتنى هنا ليه ؟ فظللت اقاومه حتى غرست أسنانى فى رقبته تالم بشده فصفعنى وهو يقول بغضب : -اه يبنت الكل ..... نظر لى بغل واكمل وهو يكذ على اسنانه اقولك ياحلوة احنا جبناكى ليه ؟ احنا بندور على اثار والشيخ قالنا انه تحت بيتنا كنز مش حيتفتح الا بالدم. وضغط على كلمه الدم ليثير رعبى اكثر، واكمل بتشفى لينتقم منى على عضتى له وأنا ادافع عن نفسى ...دمك انتى دم واحدة تقبل تتجوز اخويا الع**ط ..فاهمه..اخويا البركه ال الكنز حيتفتح عليه ،انتى اخرك انهارده وبكرة بعد العشا بدمك حنفتح بوابه الكنز ، بس اوعدك قبل مموتك حاوريكى ليله عمرك فى حياتك ماشفتيها..وانهى حديثه بضحكه قذرة وهو يرى الزهول والرعب على وجهى. ااه وعلى فكرة عمر هو ال دلنا عليكى..قال ذلك قبل ان يخرج ليزيد من ت***بى ، ولا يدرى ان جملته الاخيرة كانت بمثابة خنجر مسموم غرسه فى قلبى. وبعد أن خرج وتركنى ، كأنه ترك معى كلاب مسعورة تنهش فى عقلى وقلبى وروحى ايضا ماهذا الذى ادلى به؟ألهذا الحد حياتى رخيصة ؟ ايوجد فعلا فى حياتنا بشر مثل هؤلاء لا يبالون بحياة الناس ، من اجل أطماعهم ، سوف ينقضى اجلى بكل سهولة غدا حكم بالاعدام سوف ينفذ علي بدون أى ذنب اقترفته ..اغمض عينى لاتخيل وهو ياتى ومعه سكين ليذ*حنى به كالدجاجة ويملئ الاوانى بدمى . فيرتجف جسدى رجفة رعب ، وتتجمد اوصالى من الخوف ، وخفقات قلبى تكاد تتوقف ، لم استطع التنفس وكأن الهواء نفذ من حولى. وصدمتى فى عمر دمرت قلبى ، لماذا ياعمر أخبرتهم عن مكانى ؟ لقد وثقت بك واحببتك ،حكيت لك قصتى بحسن نية، لم اعرف ، ولم يخطر ببالى ، انك فرد من العائلة فقدمتنى لهم على طبق من فضة ، لتحصل على نصيبك من الكنز ..الكنز الذى لن يفتح الا على دمى ..اااااااه ياااربى ما هذا الذى يحدث لى ؟ ولما انا من دون كل الفتيات ؟ لماااا ؟ لماااا؟ كنت اريد ان اصرخ ، وأصرخ ..اصرخ ظلما ، وقهرا ، شعور بالمهانة عظيييم يقتلنى . ولكنى وجدتنى اصرخ بصوت عالى واقووول : - يارب .. ياااااااارب. .يارب انقذنى فلم يعد لى سواك انقذنى من هؤلاء قساة القلوب ، اغيثنى من قوم ماتت فى قلوبهم الرحمة، وانعدمت فيهم الانسانية ، كل همهم ان يستحوذون على الدنيا حتى لو داسو على جثتنا ، على كرامتنا ولن يبالوا . كنت أرتعش من الخوف وأبكى من القهر والذل ولا احد يشعر بى غير خالقى . عاد عمر الى بيت العائله ،ليسلم على امه واخويه فمنذ ان جاء لم يذهب لهم بسبب انشغاله بى . قلبه يبكى على فراقى ويساله عنى ، ماذا يفعل ليهدىء من روعه . استقبلته امه بسلام فاتر ،التى حاولت ان تخفيه فلم تفلح ضمته الى ص*رها ..لكن عمر لم يشعر بحنانها. تقول باابتسامة زائفة : - ولدى ..حبيبى ..وحشتنى. عمر والحزن بادى على وجهه: -أزيك يامى وحشتينى اوووى. وجد عبد العليم ياتى من اسفل المنزل (البدروم) وهو ينفض ملابسه من الغبار العالق بها ، وهذا الاخير يحاول ان يخفى انزاعاجه لوجود اخيه عمر ، خشى أن يفسد عليه كل شىء وبترحاب مصتنع حتى لا يثير شكوك عمر ،فتح عبد العليم ذراعيه وهو يردف : -عمور حبيبى وحشتنى ياغالى ،ايه ياعم فينك كده؟ احتضن عمر اخاه وشعر ان هناك شىء غير طبيعى فى اخيه احساسه يقول له ذلك: -ازيك ياعبد العليم عامل ايه ؟ عبد العليم :تمام ياحبيبى زى الفل مش ناقصنا غير وجودك معانا عمر :انا معاكم اهو ..ثم التفت يبحث حوده وهو يقول : -امال حوده فييين؟ امه : فوق ياحبيبى اطلعله ده حيفرح بيك اوووى عمر وهو يصعد متجه الى اخيه : -هو كمان وحشنى اوووى. التفتت الام القاسية الى ابنها عبد العليم بعد اختفى عمر تقول له بخوف: -حنعمل ايه دلوقت ياعبد العليم ؟ده عمر ممكن يبوظلنا الدنيا. عبد العليم بضحكه خبيثه: متخافيش يااما كل شئ حيكون فى التمااااااام .. فى التمام اووووى. الى اللقاء هدية اليوم -جنة، -نعم ياحبيبي،عاوزني اعملك حاجه, -لا تعالي عاوز اتكلم معاكي، -اتكلم انا سمعاك ياحبيبي، -جنة انتي بنت عمي وكنا صحاب جدا وبقيتي مراتي وبقالنا.سنتين متجوزين. بس.. -قلبي اتقبض.بس ايه ياجمال كمل؟! -بس انا مش قادر احبك انا عارف انك بتحبيني بس انتي عارفه سبب جوازنا ابويا وابوكي هما اللي اجبرونا ع كدا، -بس انا متجبرتش ياجمال احنا كنا صحاب وانا حبيتك عارفه انك كنت بتحب زميلتك في الجامعة بس كنت فاكره انك نسيتها وبدأت تحبني! -جنة انا عاوزك تفهميني انتي غاليه عندي والله وطول عمرنا واحنا اقرب اتنين لبعض بس انا قلبي مش معايا. -لسه بتحبها؟! -هتجوزها. -اتصدمت من كلامه وجبروته وهو بيقولي. يعني انت خت القرار ده وجي تقولي هتجوزها ع اي اساس .انت شايف انا اي في حياتك عشان تقولي كدا هو انت مش واخد بالك اني مراتك ولا ايه؟! -انا جاي اقولك كدا عشان احنا هنطلق" -٠٠٠٠ -انا اسف بس انا مش قادر اكمل. -طلقني ياجمال. -انتي طالق, ********* روحت عند بابا واترميت في حضنه وفضلت اعيط ع نفسي وع قلبي وع حبي اللي راح ع اللاشئ فضلت اعيط بحرقه على كل حاجه ع حياتي اللي ضاعت في حب شخص ماخترنيش فضلت طول حياتي احبه بعد ماضيعت عمري عليه محبنيش!؟. -انا اسف يابنتي انا اللي عملت فيكي كدا لما غصبتك عليه، -لا يابابا الحقيقه انت مغصبتنيش انا كنت بحبه من زمان يابابا وفرحت اني هبقا ليه. والله العظيم ماقصرت انا اديته كل اللي عندي وزياده بس هو مقدرش. انا مش زعلانه منه هو مقدرش يحبني وده حاجه مش بايده. -حقك عليا يابنتي سامحيني. -مسمحاك يابابا انت ملكش ذنب. ***___ عدا شهرين علي طلاقنا وانا مبخرجش من البيت. ومفيش اي جديد. كنت بعمل شاي ل بابا ودوخت كنت هقع بابا مسكني. -مالك يابنتي فيكي ايه -مفيش.يابا داخيه شويه وعندي صداع -هو لسه يابنتي الصداع والدوخه عندك. -دول ذادو يابابا -خلاص ياحبيبتي بكرا نروح نكشف... روحنا كشفنا والدكتور كتابلي ع تحاليل. ~~~~ عدا اسبوع وبابا راح جاب التحاليل ووداها للدكتور وعرفت ان عندي كانسر ع المخ. طبعا عرفت وحزنت ع نفسي بس رضيت بقضاء ربنا. عدا فتره وبابا اقنعني أن لازم اخد كيماوي بعد ماكنت رافضه. حالتي بقت صعبه اوي وبابا مستحملش تعبي ومات من الزعل. طبعا كل الفتره دي جمال مسألش عني خالص.. بقيت عايشه لوحدي في البيت مبقتش باخد الكيماوي ويأست من الدنيا.. ******* يعز عليا اقول مهزومه لكن ان جيتي للحق العالم فاز في هزيمتي . ******* بعد ٥شهور ع موت بابا كنت قاعده علي الكافيه. لقيت جمال جي ومعاه ندا حبيبته اللي سابني عشانها. -جنة ازيك عامله ايه -الحمد لله -البقاء لله في عمي انا حاولت اوصلك كتير جدا بس مكنش عارف.. -مكنتش عاوزه اقابل حد ولا اتكلم مع حد. -جنه انا فرحي بعد شهر. اتمني تبقي موجوده. -بصتله بجمود ع** اللي جوايا وقولتلو مبروك.عن ازنك.. تاني يوم خرجت روحت قعدت على الكافيه. لقيت ندا جت وقعدت قصادي. -ازيك يا جنة. -تمام ياندا.خير في حاجه!؟ -كنت عاوزه اتكلم معاكي شويه... -اتفضلي سمعاكي. -بصي انا اسفه في اللي هقوله بس مفيش حد هيسعدني غيرك. انا كنت عاوزه اعرف جمال بيحب اي وبيكره ايه اكيد انتي تعرفيه انتو كنتو صحاب وبعدين اتجوزتو.وقبل اي حاجه ولاد عم يعني انتي اكتر حد في الدنيا يعرفه.، -اتكلمت بهدوء انا برضو بحبه واتمناله الخير... بصي يا ندا..-جمال بيحب الهدوء،الحاجات الطبيعيه البسيطه،بيحب يروح اماكن مريحه مش بيحب اللمه والزحمه وبيكره الانتظار مش بيحب الصوت العالي ولا الزن الكتير، بيحب اللون الاسود والألوان الهاديه، عايزه تعرفي ايه تاني،،. -اتعامل معاه ازاي -بصي جمال مش بيحب يعمل حاجه لوحده ولو عملها لوحده بيفضل طول اليوم مخنوق هو عايز حد دايما يحتويه ويبقا حنين عليه ويسمعه ويحس بيه ولو قالك عايز انام سبيه ينام عشان لو اتكلمتي معاه هتقلب خناقه وهتزودي خنقته.حاولي تستحمليه. -انتي ازاي عارفه كل ده عنه؟. -ماهو مش عشره يوم ده عمر بحاله ده كان جوزي،". -انتي كمان بتحبي محمد سعيد زيه". -بصي جمال بقا بتاعك دوري علي اللي يريحه ويسعده واعمليه متدوريش ع اللي عاشوا معايا حاولي تحببيه فيكي ودي نصيحه ليكي جمال بقا بتاعك اتعاملي ع الاساس ده"* ***** عدا شهر وانا مش بخرج من البيت تعبت اوي نفسيتي بقت زفت. الوحده وحشه..وحشه وصعبه اوي. مبقتش قادره اعافر تاني هو كان اخر حاجة ممكن اعافر فيها، كان اخر شيء ممكن اضحى بطاقتى عشانه ومشى ! لقيت الباب بيخبط فتحت لقيت جمال قدامي منكرش أنه وحشني اوي ونفسي اترمي في حضنه بس خلاص مبقاش ينفع.. -وحشتيني -ازيك يا جمال جاي لوحدك ليه في ندا ؟! -مفيش ندا انا سبتها انا اكتشفت أن مش عارف اعيش من غيرك البيت من غيرك مش بيت انتي كنتي بيتي. -ضحكت بسخرية/متأخر اوي الكلام ده ياجمال. -جنةانا مفتقدك.منكرش أن طريقتي وأسلوبي كانوا زفت وهما اللي ضيعوكي من ايدي بس انا مش لاقي نفسي من غيرك.مش عارف اعدي يومي غير اني بعيط قبل مانام انتي اللي كنتي بتخففي عني كل ده،،محستش بكل ده غير بعد مابعدتي. -جمال انا مبعتدش بمزاجي انت اللي اخترت ده وانا احترمت رائك وبعدت. -طيب تعالي نرجع انا محتاجلك والله. -مبقاش ينفع والله انا مبقتش انفعلك عشان خاطري عشان اي حاجه كانت حلوه بينا امشي واتجوز وانساني.عشان انا مش هينفع ارجع. -انتي ليه بتحاولي تباني قاسيه وانتي مش كدا ليه.!؟ -لا والله انا مش قاسيه انا فعلا لسه بحبك ومحتجالك زيك بالضبط بس مبقاش ينفع ولاسباب خاصه بيا عشان خاطري بلاش تضغط عليا. -اسباب خاصه؟!ومن امتا واحنا بنخبي حاجه علي بعض. -جمال كل حاجه اتغيرت من يوم ماطلقتني انا خسرتك وخسرت بابا وخسرت صحتي كل حاجه مبقتش زي ماهي انت ليه محسسني أن الطريقه اللي سبتني بيها عاديه هو عشان لسه بحبك فاكر أن عادي وأنك معملتش حاجه!؟ -انا اسف ياجنة انا رجعتلك ومش عارف اعيش من غيرك والله. سامحيني، -مسمحاك بس مش هرجع. ***** "بعد سنه" -يااا يابابا قصتكو حزينه جدا بس ليه يا بابا محولتش ترجعلها تاني!؟ -مين قالك اني مرحتش ياجنة يابنتي. -يعني روحت يابابا.! -روحت ولقيتها ماتت. جنة عاشت لوحدها وماتت لوحدها. دمعت. انا مش قادر انساها ولا احب غيرها كنت فاكر أن كنت بحب امك وسيبت جنة عشانها بس انا اكتشفت أن محبتش حد في الدنيا غيرها.. -عشان كدا يابابا سمتني علي اسمها ! -تعرفي انك واخده حاجات منها كتير نفس حنيتها ونفس طيبه قلبها وجمالها وخوفك عليا واهتمامك بيا بتفكريني بيها.. -الله يرحمها يابابا انا حبيتها اوي من كلامك عليها. -جنة مامتتش جنة عايشه جوايا. انا عمري ماهنساها. محدش فهمني ولا كان حد بيفهمني غيرها.. يعني ايه ... ؟ يعني خلاص انا مش هشوفك تاني ...؟ مش هلمسك مش هاحكي ليك عن حاجة تاعباني ...? هدية اليوم ?️ "وظنَّ أنه الفراق" لا يزال ذلك الحدثُ الغريبُ محفورًا في ذاكرة الطفل الذي في داخلي .. رجل صحيح مُعافى يخبر أهل بيته أنه سيموت بعد قليل، ويطلب منهم أن يضعوا له فراشًا باتجاه القبلة ثم يودَّعهم ويستلقى ليموت، فيموت بالفعل !! ذاع صيتُ الرجل حتى قال الناس: يا تُرى ما الذي بينه وبين الله حتى يُعلمه بوقت موته، لكنَّ الرجل لم يكن صالحًا ولم يكن من المصلين أصلا!! ولما تكرَّر الحدثُ وتواترَ وشاهدناه في القريب والبعيد، وتبيَّن أنَّ استشعار قرب الموت لا فرق فيه بين المحسن والمسيء، بل يحصل حتى مع أهل الكفر والعناد، حينئذٍ كان لزامًا الرجوع إلى نبع العلم الزلال، والاسترشاد بدلالات الوحي إلى ما تطمئن إليه النفس، وتتروى به الروح. يُمكننا تلخيص فكرة الموت بأنها خروج الروح من الجسد، وانفصالها عنه بعد التحام وامتزاج دام طوالَ العمر، حيث ابتدأت العلاقة في طور الجنين قبل الإدراك حينما جاء الملك بالروح من عالَم الذرِّ ونفخها في تلك المضغة اللحمية في رحم الأم، فالإنسان الحيُّ لا يعي حالة الروح المجرَّدة عن الجسد ولا يذكرها البتة. إنَّ اللحظة الأولى في النزع تبدأ بحلحلةٍ تدريجيةٍ لذلك الرباط الوثيق بين الروح والجسد، فيشعر المرءُ حينئذٍ ب*عورٍ لا يشبهه أيُّ شعورٍ آخر من قبل، لقد جرَّب أنواعًا كثيرةً من الآلام في رحلة حياته الطويلة، وكان فيما مضى يستطيع أن يحدِّد موضع الألم من جسده، لكنَّ الألم هذه المرة مختلف، لا من حيث شدَّتُه فحسب ولكن من حيث نوعُه وكُنهه، فهو بنكهةٍ غير مسبوقة يُمكن تذوقُّها بوضوح .. (كلُّ نفس ذائقة الموت) فالموت له مذاق خاص يبدأ يسري في البدن لحظةَ فك الارتباط، يُدرك معها الحيُّ يقينًا أنه سيموت، ولكن لا يجدُ وعاءً لغويًا يُمكنه أن يصف به ذلك الشعور الغريب الذي يعرفه الأموات فقط، إنه مذاق جديد فحسب .. كما لو أنك طَعِمت طعامًا من عالمٍ آخر لا يخضع لأنواع المذاقات الحصرية الأربعة الموجودة في الأطعمة، فكيف يمكنك وصفُه للآخرين؟!! وفي هداية القرآن شفاء لما في الصدور وال*قول .. (كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظنَّ أنه الفراق) كلمة ظنَّ: من ألفاظ الأضداد التي تفيد المعنى وضده، فهي تفيد معنى التردد أحيانًا، وتفيد معنى اليقين غالبًا، وهي في هذا الموضع تفيد التيقن والجزم بلا خلاف. أي أنَّ العبد في حال النزع، وانشغال المحبين ببذل الممكن لإسعافه بالطب والرقية، يتيقَّن أنه الفراق!! وما الفراق؟ إنه فراقُ روحه لجسده، ولازمُه مفارقةُ الحياة إلى الموت، ومفارقة الدنيا إلى الآخرة، ومفارقة الأحياء إلى الأموات. إنَّ كلمة "النزع" تفيد معنى الخلع، فالمحتضر يقوم بخلع قميص البدن حتى تبقى الروح ع***ةً بلا بدن، وهناك قُمُصٌ أخرى سوف يخرج عنها، منها قانون الزمان والمكان "الزمكان". وكلما تخفَّف من شيء من أثقال البدن في عالم الشهادة انكشف عنه من غطاء عالَم الغيب بحسبه، فيبدأ بمعاينة الملائكة ثم ملك الموت، ومعاينة مقعده في الجنة أو النار، حتى ينكشف عنه غطاؤه كله بخروجه كله. كلُّ محتضر يمرُّ بهذه الحالة، ويوقن أنه ميتٌ لا محالة منذ الوهلة الأولى للنزع، ولكن قد يضيقُ الوقتُ بالمحتضِر فلا يقدر على النطق، وقد يتسع فيكون قادرًا على الكلام لكنه عاجز عن الوصف، فيُبادر الموفَّقون إلى ذكر الله والثناء عليه واسترحامه والنطق بالشهادة لتكون آخرَ كلامهم من الدنيا، وأما المخذولون فيقولون لربهم بحسرة وندامة: ارجعنا نعمل صالحًا "إنا موقنون" ولاتَ ساعةَ مندَم. وبعد تذوُّق الأموات الموتَ وتعرفِّهم على حقيقته لم يعُد يخفى عليهم حاله بعد اليوم ولو ارتدى كلَّ قميصٍ وتصوَّر بأيِّ صورة .. فيؤتى به يومَ القيامة وقد تجسَّد بصورة كبشٍ أملح، فيُسأل عنه الجميع: هل تعرفون هذا؟ فيجيبون بلا تلعثُم: ومَن منا لا يعرفه؟ إنه الموت. وهذه المرة سيُذبَح الموتُ إيذانًا برحلة الخلود في السعادة الأبدية أو الشقاوة الأبدية، حينها سيكون تعلُّق الأرواح بالأبدان تعلقًا خاصًّا لا يقبل الانفكاك إلا أن يشاء الله. اللهم اجعل خير أيامنا يوم لقائك، وأسعد ساعتنا ساعةَ نظنُّ أنه الفراق.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD