هوة سحيقة تبتلعها ولا مجيب أو منقذ , فقط هو بعيدًا على شاطئ النجاة ,ولكنه لا يمد يده للإنقاذ فقط ينظر من بعيد وابتسامته القاسية تزين وجهه بهالة ربما شيطانية , أما هي فكانت تصرخ تطلبه وترجو منه الإنقاذ تلوح بيدها من تلك الهوة إلا أنها ابتلعتها بالنهاية, ليكن آخر شيء تراه أمامها هيئته الضاحكة..!!!!
انطلقت منها صرخة خافته وهي تستيقظ من كابوسها , ثم التفتت حولها تنظر بفزع وهي تراقب المكان الذي اضحى بين يوماً وليلة بيتها أو بمعني آخر سجنها الذي ستتلقى به عقابها على ذنب لم تقترفه, وبعد أن كانت تحلم بالسعادة .. وتزورها العصافير في المنام..!
الآن باتت الشياطين تجد احلامها مرتع لها ولراحتها تزورها وترهبها بخبث شديد.
أمسكت رقبتها تمسدها برفق بعد أن اعتدلت في جلستها على السرير لتشعر بأحدهم يتلمس خصرها بهدوء خبيث يتسلل ببطيء مميت يثير بها الذعر..
الخوف...
القلق..
والرهبة..!
تصلبت في مكانها حابسة أنفاسها فلم تجرأ على الالتفات
له والنظر إلى حدقتيه الشيطانية في نظرها , والتي كلما نظرت له شعرت وكأنها تطلق نار مستعرة تجاهها , كانت الغرفة ترنو بال**ت إلى أن همس لها بخشونة في أذنها بنبرة مخيفة آمرة محملة بتهديد:
-بصيلي يافريدة... بصيلي احسنلك
ارتعشت يدها التي قبضت بها على الغطاء أعلاها , ثم أغمضت عينيها تستجمع قوتها للنظر له , ثم التفتت له اخيراً ودون جدال هي فقط استجابت لطلبه ليملك منها تلك الالتفاتة , التي أمر بها, ولكنها لم تنظر له مباشرة بل سلطت نظرها إلى الفراغ تتلاشي نظراته التي ترهبها ..
هاربة من طلته المخيفة لها ,أثار ذلك غضبه وبشدة فكبل يدها للخلف , ثم مال عليها بجسده قاصدا ان يخيفها أكثر يرهبها كما يريد , طابعا عدة قبلات خفيفة .. سريعة.. على جيدها..
ولكنها كانت قاسية.. تثير بها الخوف من القادم, كانت خفقات قلبها تكاد ت** أذنيها مما تتعرض له للمرة الأولي بحياتها بينما هي كانت تأن من الألم , والذي لم يزده إلا رغبة بإتمام انتقامه..!
ابتعد عنها بينما يده مازالت تكبل يدها فوق رأسها والأخرى تتحكم بباقي جسدها ككل ,ظل ينظر لها بوقاحته المعتادة منه منذ أن رأته, أما هي فتهربت بنظرها بإغماض عينيها مما جعله يصيح بحدة:
-بعد كده لما اقول حاجة تتنفذ يا فريدة ...خليك مطيعة عشان ...تعجبيني ... ومزعلش , عشان زعلى وحش
هزت رأسها بخنوع له خاصة بعد ان نطق جملته الأخيرة بتهديد , قهي تخاف وبشدة ان يتمم زواجهم ببساطة.
ورغم أنها اومأت لها خانعة إلا أن ذلك لم يعجبه إطلاقا فاقترب من وجهها مرة أخرى ثم امسك بذقنها يرفعه مجبراً إياها على ان تلتقي عينيها به .. فيضغط بقسوة على فكها هاتفا بهدوء ونبرة بارده:
-سمعيني صوتك انت مش خارسه..
تخلصت من يده بصعوبة ..أو ربما هو من تركها بإرادته لتهمس له بنبرة متعبة:
-حاضر هعمل كل إلى تقول عليه...
هز رأسه باستحسان ثم استقام من مكانه بعد أن حررها من بين يديه..
قائلا ببرود وهو يبتعد عنها ليجلس على إحدى المقاعد بالغرفة مخرجاً من جيبه علبة ذهبية صغيرة ,يخرج منها لفافة تبغ يشعلها ببطيء منفثا دخانه مقا**ها مما جعلها تسعل بشدة ولكنه لم يهتم بل تحدث بنبرة جافة:
-عرفتي ان فرح المحروس اخوكي كمان شهر على اختي ...
همست من بين سعالها ببلاهة :
- اخويا مين
ضحك ضحكته الكريهة على أذنها هاتفا بينها بنبرة متقطعة :
-نكته انتي يابونبوناية , هيكون اخوكي مين ...كريم طبعا.. هو انت فاكرة اني لو لمحت اخوكي مازن قدامي هخليه يطلع عليه نهار...
لم تجيبه ...
لم تجادله ...
هي تعلم جيداً انه لا فائدة ترجي من ذلك...
فهمست أخيراً بنبرة تحمل رجاء...فربما يشفق عليها:
-انا هحضر الفرح...
قهقهة عالية شقت سكون الغرفة المميت , تلاها اقترابه منها ملقياً بلفافة التبغ بأرضية الغرفة يسحقها بقدمه ونظره مسلط عليها , برسالة صامته من خلال نظراته وعد بأن مصيرها سيتساوى مع تلك اللفافة تسحقها الاقدام, أو بالأحرى قدمه هو!
كانت تنظر له بتوتر من اقترابه، فهمس أمامها بلهجة قاسية :
- انت مش هتشوفي النور تاني خلاص انت مش هتخرجي من البيت ده غير لما انا اقرر ده...فرح اخوكي مش هتحضريه انت خلاص كده يافريدة ... انت كبش الفدا ..
انهي حديثه ثم ابتعد عنها واضعا يده بجيبه, وهو يراقب اختناق عينيها بالدموع, يخرج بعدها من الغرفة تاركها خلفه بدموع متحجرة...
ونهاية الحديث هي كبش فداء لانتقامه وربما غضبه...نقطة ونبدأ من اول السطر , هي انتهت ..!
****************************
كان يقود وهو بأعلى مراحل الغضب والتحفز لا يصدق إلى الأن أنه قد مر يومين على ما حدث لفريدة , قبض على المقود يلكمه بيده , فغضبه أصبح مشتعلا .. متفاقماً ولا حدود له!
بعد دقائق هبط من سيارته أمام قصر عائلة أبو العزم , لمقابلة نيرة عروسه الصغير أو زوجة ش*يقه السابقة , المدنسة في نظره الملامة بعرفه وتفكيره, ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب فمه وهو يفكر تلك صغيرة وقعت بخطيئة اخيه , والان هو من سيصلح الخطيئة ويحوله إلى طهر زائف…!!
كان يجلس بالداخل ينتظرها بعد أن قابلته والدتها ببرود هادئ , والحقيقة تض*به فتزيد من حقده وغضبه على تلك الصغيرة فش*يقته تزوجت بطريقة مهينة وكأنها تواري خطأ, وصاحبة الخطيئة يقام لها زفاف...!
زفر بحقد قابضاً يده بشدة حتي ابيضت مفاصله ,ثم شاهد من تفتح باب الغرفة الجالس بها , رفع نظره لها يتفحصها ليجدها مجرد فتاة بملامح باهته ترتدي فستان باللون البني القاتم بدون أي مساحيق تجميل... ملامح رقيقة
...هادئة
...ولكنها بالنهاية ذابلة...!
كان ينظر لها وبقوة وجرأة بينما هي كان نظرها مثبتا على الأرض , دون أن تملك الجرأة على النظر لقامته…
هب من مكانه وهي مازالت بوقفتها الخانعة الضعيفة, يشملها بنظراته الحقودة الغاضبة هامسا بخشونة ساخرة:
-اهلا, انت نيرة..
رفعت نظرها له حينها , وكان أول ما لفت نظرها ملامح وجهه , لقد كان يحمل بعض من ملامح ش*يقه مازن , والاختلاف فقط في النظرات, تلك النظرات المشتعلة بالغضب ..
والتي لو كانت تقتل لوقعت الآن صريعة لها.
ارتبكت قليلا قبل أن تتمالك نفسها فاكتفت بهز رأسها إيجاباً ببرود مكتسب من صفات عائلتها, ولا ينكر أن برودها ذلك كاد أن يفقده في تلك اللحظة صوابه ,وكم أراد في تلك اللحظة أن يصفعها ربما أيضا أن يقتلها...ولكن لا يستطيع...!
نأت هي بعيد عن نظراته ثم جلست على أحد المقاعد البعيدة عنه قليلا, فتحدث بلهجة يتخللها العصبية بعد أن جلست بكل برود تتجاهله :
-طبعا انت عارفة ان جوازنا لمدة سنة
هزت رأسها وهي مازالت تتحاشي النظر له تحاول جاهدة أن لا تظهر توترها , بينما يدها كانت تتلاعب بفستانها لتهمس باقتضاب:
-ايوه
اكمل حديثه بحدة بعد ردها المقتضب والذي زاد من حنقه وغضبه :
-طيب بصي بقي , ان كنت فاكرة ان حياتك معايا هتبقي فبها براحتك تبقي بتحلمي...طول السنة دي تحترمي نفسك وتحترمي الراجل إلى هتتجوزيه ..فاهماني طبعا
وهنا رفعت نظرها له بعد ان أصابتها الصدمة من طريقته بالكلام , غير حديثه والذي جاء كالسكين ينغزها, فهمست بألم لم يلاحظه وهي تنظر له بجمود:
-احترم نفسك انت بتقول ايه
رفع كتفه ببرود ثم شملها بنظرة دونية رادفاً بمرارة غاضبة يتهمها بما يحدث, بل ويحملها كل الذنب متجاهلاً لاهتزاز نظراتها:
-بقول ايه!...انت عارفة مين بيدفع تمن غلطتك اختي إلى كان فرحها كمان كام يوم...هي إلى بتدفع تمن قلة تربيتك , وانا في النهاية هتجوز واحدة ...!
**ت قاصدا أن يحقرها ويزيد من مهانتها , فكان يحدقها بنظرات موحية بحقارة ما يود قوله لوصفها...!
وبصعوبة أمسكت تلك الدموع المتجمعة بأعينها في محاولة منها أن تتحدث بثبات حتي لا يظهر له ضعفها إلى أن قالت بالأخير مدافعة عن حالها:
-يعني هي غلطتي لوحدي...واخوك مغلطتش , ولا انت شايف ايه..
أجابها بتهرب من حديثها الذي أصابه من الداخل يخبره بالحقيقة الذي يتجاهلها عمدا:
-اخويا غلط مغلطتش هو راجل ...
ثم هب سريعا واقفا من مكانه مكملا:
-عموما هي سنة يا....انسة نيرة , نحترم فيها بعض ...سلام.
خرج ليتركها خلفه بسهام تغرز بقلبها محررة اخيراً تلك العبرات المختنقة بعينيها.
وكما يقال (لا يوجد لقاء يأتي عبثا في الحياة كل انسان تصادفه هو إما اختبار أو عقوبة أو هدية من السماء.....)