في اليوم التالي، قررت أن أُخطط ليوم مميز في الحمام العتيق، وهو مكان مشهور في المدينة. عند دخولنا، استقبلتنا الأضواء الخافتة وروائح الزيوت العطرية. كان المكان مليئًا بالهدوء، مع صدى المياه تتدفق في كل مكان.
"هل يمكنك أن تشعري كيف أن كل شيء هنا يدعو للاسترخاء؟" سألت آسينات، وأنا أتطلع إلى السقف المزخرف.
"نعم، إنه مكان يتيح لنا الابتعاد عن كل شيء." كان من الرائع أن أشاركها هذا الشعور.
خلال جلسة التدليك، شعرت بأنني أستطيع التخلص من كل الضغوط التي تراكمت في داخلي. آسينات بجانبي كانت تتحدث عن تجاربها في الحياة، وكيف أن كل شخص لديه طريقه الخاص للتعافي.
"أعتقد أن الأشياء التي تمر بها تشكل من تكونين،" قالت آسينات، وهي تستلقي على الطاولة. "أنا أؤمن بأنه يمكننا أن نختار كيف نتعامل مع الألم."
"وأنا أؤمن بأن الألم يجعلنا أكثر حكمة، لكنني أحيانًا أشعر أنه يثقلني،" اعترفت، وأنا أشعر بأنني أفتح قلبي لها.
ابتسمت آسينات، موجهة نظرتها نحوي. "هذا طبيعي، لكننا نستطيع أن نختار أن نكون أقوى من ذلك."
ساد **ت طويل بيننا كنا نستمتع بالتدليك والإسترخاء في الحمام، لكني شعرت بأن الكلمات التي كنت أود قولها تتزاحم في داخلي. كان صوت الماء ينساب حولنا، ولكنه لم يكن كافيًا لإخفاء الضوضاء التي كانت تعكر صفو أفكاري.
"آسينات، أحيانًا أشعر أنني عاجزة عن التحرك، وكأنني أغرق في بحر من الأفكار والمشاعر،" قلت ببطء، وكأنني أخيرًا أخرجت ما كان يثقل قلبي. "نعيش ببطء، ولا أحد يشعر بنا أو يفهم ما نمر به."
توقفت آسينات عن الحديث ونظرت إليّ بعمق. "أحيانًا نشعر بأننا نختنق، كما لو أن الحياة تسحبنا إلى الأعماق،" قالت برفق. "لكن ذلك لا يعني أننا سنبقى هناك. يمكننا دائمًا البحث عن الخيط الذي يربطنا بالسطح."
"أعرف ذلك، لكن الأمر صعب. لا أستطيع أن أتحرر من تلك المشاعر." كان صوتي يرتجف قليلًا، وكأنني أشاركها شيئًا من أعمق أعماقي.
آسينات وضعت يدها على كتفي. "الاعتراف بما نشعر به هو الخطوة الأولى. تذكري، الألم لا يُخفى، بل يجب أن نعيشه، وعلينا أن نختار كيف نتعامل معه."
أعجبتني تلك الفكرة، ورغم أنني كنت أشعر بالضعف، إلا أنني أيضًا شعرت بنوع من القوة في قدرتي على التعبير عن مشاعري. "أحيانًا أحتاج إلى شعور بأنني مُفهومة،" أضفت. "لأنني أشعر أحيانًا أنني غريبة في هذا العالم."
"ليس عليك أن تكوني قوية دائمًا. يمكننا أن نكون ضعفاء معًا، ونتقبل ما نشعر به،" ردت آسينات بابتسامة دافئة.
بدأت أدرك أن تلك اللحظات من الضعف قد تتيح لي فرصة للتواصل مع شخص آخر، وكأنها تمهد الطريق لبداية جديدة في حياتي.
---
أحسست بأنني في عالم آخر، بعيدًا عن كل ما يؤلمني. كان كل يوم مع آسينات كرحلة جديدة في عمق نفسي. كأن كل لحظة تقضيها معي كانت تفتح أمامي أبوابًا لم أكن أعلم أنها موجودة.
كانت أصوات الضحكات تملأ الأجواء، ومشاعر السعادة البسيطة تتدفق في قلبي كالنهر. كنا نتجول في الأسواق، نتذوق الأطعمة المحلية، ونستمتع بمشاهدة الفنون والحرف اليدوية التي تعبّر عن تاريخ المدينة. كانت آسينات تملك القدرة على رؤية الجمال في كل زاوية، وكانت تُدخلني في عالمها المليء بالألوان والإيجابية.
"لماذا لا تنظرين إلى الأشياء بهذه الطريقة؟" سألتني مرة، وهي تشير إلى بائع يبتسم بينما يعرض تماثيل صغيرة مصنوعة يدويًا. "الحياة ليست فقط عن الهموم والألم، بل عن اكتشاف الجمال في التفاصيل الصغيرة."
شعرت بقلبي ينفطر قليلًا عند سماع كلماتها. كانت محقة، وأحيانًا كنت أحتاج إلى من يذكرني بذلك. لكن كيف يمكنني تجاهل تلك الجروح العميقة التي تركتها تجاربي السابقة؟
"آسينات، كيف يمكنك أن تظلي هكذا، مبتسمة وراضية؟" سألتها بصوتٍ خافت.
"لأنني أدركت أن الحياة قصيرة، وأننا يجب أن نعيش كل لحظة كما لو كانت الأخيرة. ألم تتعلمي أن تتركي الماضي خلفك؟" أجابتني بنبرة مليئة بالأمل.
تلك الكلمات رنّت في أذني لفترة طويلة. كنت أعلم أنها محقة، لكن الانتقال من الحزن إلى السعادة كان يبدو لي كحلم بعيد. ومع ذلك، كنت أشعر بتلك الشرارة تنمو بداخلي، وكأن آسينات تضيء لي الطريق نحو مستقبل جديد.
في تلك اللحظات، أدركت شيئًا مهمًا: ربما كان وجودها في حياتي هو ما كنت أحتاجه لأبدأ عملية الشفاء. كأنني أتحرر من قيودي واحدة تلو الأخرى، وأبدأ في اكتشاف نفسي من جديد.
كانت الأيام تمر تباعا لم أشعر بها كنت منسجمة مع الأجواء ومع أسينات،
نسيت لفترة كل ما مررت به وكل ماعنيت منه، كأنني تخلصت من القيود التي تكبلني
تمنعني من المضي قدما في حياتي.
في خضم نشاطاتي انا وآسينات أستمتع بلحظات من الهدوء والسعادة، وحين أعتقدت أنني قد نجوت من ماضيي، فوجئت برؤية حبيبتي السابقة، ريم، مع الفتاة التي خانتني معها.
توقف الزمن بي. كانت ريم تضحك، ووجهها يشرق بنور السعادة، بينما كانت الفتاة الأخرى تحتضنها وكأنهما في عالم خاص بهما. شعرت وكأنني عدت إلى اللحظة التي اكتشفت فيها الخيانة، وكأن كل ما فعلته من أجل استعادة نفسي كان عبثًا.
تسمّرت مكاني، أعماق نفسي تضج بالألم والخيبة. آسينات، التي كانت تلعب مع أصدقائها، لم تلاحظ تحولي المفاجئ. كانت تضحك وتتفاعل، بينما أنا هنا، محاصرة في دوامة من المشاعر التي كنت أظن أنني قد دفنتها.
"لماذا هنا؟" كان السؤال الوحيد الذي يطرق ذهني. كنت أريد أن أركض، أن أختبئ في زاوية مظلمة، لكن قدماي لم تتحركا. شعرت وكأنني أعيش كابوسًا، تراجعت خطواتي إلى الوراء، بينما كنت أراقب تلك الصورة المثالية لريم وهي تعيش حياةً لا أملكها.
تسلل إلى ذهني شعور بالخجل، كما لو أنني كنت أُعرض على الملأ، وكأن كل ما حدث لم يكن مجرد حلم، بل واقع لا يمكن الهروب منه. كم كنت أكره ذلك الشعور!
أحببت آسينات، وعشت معها لحظات جميلة، لكن رؤية ريم أعادتني إلى ماضي مؤلم كنت أود نسيانه. انقضى زمن السعادة ليحل محله ضباب الذكريات التي لم أستطع الفرار منها.
"هل سأنجح في تجاوز ذلك؟" كان السؤال يطن في رأسي. بينما كانت آسينات لا تزال بعيدة عن هذا المأزق، كنت أسير في فخ الذكريات، كأنني عدت إلى سجن لم أستطع **ره بعد.
سرعان ما انتبهت أسينات لحالتي كانت تسالني مابي ولم وجهي شاحب وملامحي توحي بأني رأيت شبحا كنت اخاطبها في سري ليتني رايت شبحا وما رأيت منظر ريم مع حبيبتها سيكون ذلك ارحم بكثير انا لست جاهزة لمواجهة الماضي لست قادرة على هذا انا أضعف من أفعل، كل هذا يدور داخلي ومازلت لا اجيب أسينات عن شيء هزتني فجأة من كتفي لتوقظني استطعت بعدها استيعاب الموقف قليلا
"هل أنت بخير؟" كان صوتها ينفذ عبر ال**ت، لكنني لم أستطع سوى أن أومئ برأسي دون أن أنطق بكلمة. كنت أخشى أن أقول الحقيقة، أخشى أن أنفتح على مشاعر لم أكن جاهزة لمواجهتها.