الفصل-2-

1040 Words
تحدثنا عن رحلتينا، عن الأسباب التي دفعت كل واحدة منا للهروب إلى هذه المدينة الساحرة. عرفت أن اسمها آسينات وتعمل ممرضة في أحد المستشفيات في مدينتنا، وأنها جاءت هنا لتجد بعض السلام بعيدًا عن ضغوط العمل والحياة. في حين كنت أحاول الهروب من جرح قلبي، كانت هي تهرب من الإرهاق الذي تراكم على كتفيها لسنوات. 'ماذا عنكِ؟' سألتني آسينات وهي تنظر إليّ بنظرة متفهمة. 'ما الذي جاء بك إلى هنا؟' تن*دت قبل أن أجيب. 'كنت بحاجة إلى الهروب، من كل شيء. من الحب الذي لم يعد، من حياتي الروتينية. فقط... احتجت لأن أجد نفسي.' تبادلنا النظرات ب**ت لبرهة، ثم قالت: 'أفهمك. الهروب في كثير من الأحيان يكون السبيل الوحيد للنجاة.' شعرت براحة غريبة في وجودها. كأنها تفهم ما أمر به دون أن أضطر إلى شرح الكثير. مع مرور الوقت، بدأنا نخطط ليومنا. اقترحت آسينات أن ننظم برنامجًا مشتركًا لاستكشاف المزيد من المدينة. أحببت الفكرة، وبدأنا نضع خطة لاستكشاف الجبال، الشلالات، وحتى بعض المعالم التاريخية. 'لن يكون الأمر مجرد مغامرة،' قالت آسينات بابتسامة ماكرة، 'بل بداية جديدة لكلينا.' أجبتها بابتسامة مماثلة: 'وأعتقد أنني بحاجة إلى هذه البداية الجديدة.' قضينا اليوم في التنقل بين الأزقة الضيقة والمعالم الخلابة، وكل خطوة كانت تقربنا أكثر من بعضنا البعض. لم يكن هذا اليوم مجرد مغامرة سياحية، بل كان بداية لصداقة قد تكون أكثر عمقًا مما توقعت." اتفقت وأسينات على ان كل من ايام الرحلة سيكون من تخطيط واحدة فينا، على حسب ذوقها وما تفضله لنتشارك ميولاتنا وايضا كفرصة للتغيير... واليوم الأول لنا معا فب الرحلة كان بتنظيم من أسينات التي كانت ترغب في تسلق غابة جبلية تقول ان بقمتها يوجد مطعم عتيق الطراز يقدم مأكولات متنوعة بين التقليدي والمعاصر ومناظره وأجوائه لا تقاوم. أثناء صعودنا الغابة الجبلية، كان الطريق يمتد بين الأشجار الكثيفة التي تحجب بعض أشعة الشمس، مما أضفى على المكان جوًا من الغموض والهدوء في آن واحد. كانت الأرض تحت أقدامنا مغطاة بأوراق الأشجار المتساقطة، وصوت الرياح العليلة وهي تمر بين الأغصان كان يشعرنا بأن الطبيعة تتحدث إلينا. في منتصف الطريق، وصلنا إلى درج قديم مهيب، مبني من الحجر ومغطى بطبقة من الطحالب الخضراء، مما أضاف له سحرًا خاصًا. كانت درجاته غير متساوية وكأنها شاهدة على الزمن، تعطي إحساسًا بالعظمة والتاريخ. كل خطوة عليه كانت تتطلب تركيزًا، ولكنه كان يقودنا نحو الأعلى بشكل هادئ ومتزن. عندما اقتربنا من القمة، بدأ الهواء يصبح أنقى وأكثر برودة، وكأننا نقترب من السماء. من الأعلى، كانت الغيوم تتناثر تحتنا كأنها بحر ناعم من الضباب. شعرت في تلك اللحظة بأنني أحلق فوق الغيوم، كما لو أنني تحررت من كل أثقال الأرض. عند وصولنا إلى القمة، ظهر المطعم العتيق على بعد بضعة أمتار من حافة الجبل، وكأنه ملاذ سحري وسط الطبيعة. كان موقعه مذهلاً، يطل على مشهد خلاب لبحيرة من الغيوم التي تمتد بلا حدود تحتنا، فتشعر كأنك تقف على شرفة العالم. على الجانب المعا**، تحيط بالمطعم أشجار جميلة ومنتقاة بعناية، مزينة بشكل طبيعي، وكأنها جزء من ت**يم المكان، تضفي إحساسًا بالاندماج التام مع الطبيعة. كانت الكراسي والطاولات الخارجية مصنوعة من جذوع الأشجار المقطوعة، مما أضاف لمسة فريدة وأصيلة. الجلوس هناك وسط هذه الأجواء جعل التجربة استثنائية. أما عن المأكولات، فكانت لذيذة ومميزة، تشعر معها وكأن كل طبق يمثل مكافأة بعد التعب الذي بذلناه في الصعود. كان الطعم لا يقل روعة عن المناظر، مما جعل كل لحظة في هذا المكان تستحق العناء. لقد كان بالفعل استراحة مثالية ومكافأة رائعة، والطريق كله كان يستحق الجهد. في اليوم الثاني، استيقظنا مبكرًا واستعدنا لليوم الذي خططت له أنا هذه المرة. لم تكن الرحلة تتعلق بالمغامرات الطبيعية كما كان يوم آسينات الأول، بل بشيء أقرب إلى قلبي: التاريخ والثقافة. بدأنا يومنا بزيارة قلعة تاريخية قديمة تعود إلى مئات السنين. عند دخولنا، أحاطت بنا الجدران الحجرية المهيبة والنقوش التي تحكي قصص الحضارة. كنت أشعر بأنني أعيش لحظة من الماضي العريق. تمشينا في الأزقة الضيقة وتوقفنا عند كل لوحة وصورة تع** أحداثًا فارقة في تاريخ المنطقة. كانت آسينات تبدو مهتمة، وإن كانت أكثر فضولًا للمعمار والتفاصيل الهندسية مقارنة بالقصص التي روتها المرشدة السياحية. لوهلة غابت آسينات عن ذهني، وتسللت إلى أعماق أفكاري. كانت خطواتها الرشيقة بجانبي، لكنني شعرت أنني أراقبها من بعيد، كما لو أنني أراها لأول مرة. "من تكون آسينات حقًا؟" تساءلت في داخلي. كيف يمكن لامرأة تحمل هذا الكم من الحيوية والشغف أن تكون جزءًا من عالمي؟ إنها تختلف عني في كل شيء تقريبًا. أنا غارقة في الماضي، متمسكة بالذكريات التي تؤلمني، أما هي، فتبدو وكأنها تعيش اللحظة بكل كيانها، لا تحب أن تكون مقيدة بشيء. نظرت إليها وهي تتحدث بحماس مع البائع في السوق التقليدي. كانت تضحك، تلعب بالأساور التي أرتنا إياها المرأة العجوز، وبدا لي أنها ترى الجمال في كل تفصيل صغير. كنت أشعر بالاختلاف بيننا في كل لحظة، لكن هذا الاختلاف كان يثير فضولي أكثر من أي شيء آخر. "هل يمكن لشخصين بهذا القدر من التباين أن يتقربا؟" كنت أفكر في ذلك باستمرار. لم أكن واثقة من الإجابة، لكنني شعرت برغبة غريبة في اكتشافها. مع كل لحظة نقضيها معًا، كانت آسينات تشعل داخلي رغبة في الحياة. ربما لم أدرك ذلك بشكل مباشر، لكنني كنت أبدأ في الانجذاب إلى طريقتها في التعامل مع العالم. كنت أشعر وكأنها تسحبني نحو الضوء، نحو حياة جديدة بعيدة عن الألم الذي عشته لفترة طويلة. "هل يمكن أن تكون هي ما أحتاجه لأتحرر؟" تساءلت وأنا أراقبها تختار بعناية ذلك العقد الجديد لقد لامست جزءا لم أكن أدركه في نفسي." في اليوم الثالث استيقظنا صباحًا متشوقين ليوم جديد. كانت آسينات قد خططت في هذا اليوم لزيارة مزرعة خيول جميلة تقع على أطراف المدينة. عند وصولنا، استقبلتنا رائحة العشب الطازج وصهيل الخيول الذي يملأ الأجواء. كانت المزرعة واسعة، تحتوي على ممرات مرصوفة وأشجار متباينة تظلل المساحات. "هل رأيت كم هم رائعون؟" قالت آسينات، عيناها تتلألأان بشغف وهي تشير إلى خيل أ**د جميل. "أشعر وكأنني أرى روحي في عيونهم." ابتسمت، لكنني شعرت ببعض القلق. "إنهم مذهلون حقًا، لكن بالنسبة لي، أرى أنهم يمثلون الحرية، التي لا أستطيع الوصول إليها." نظرت إليّ آسينات بتمعن، وكأنها تحاول فهم مشاعري. "الحرية ليست بعيدة، سيرينا. أحيانًا علينا فقط أن نتجاوز حدودنا." ركبنا الخيل وبدأنا جولة في المزرعة. كان الأمر مخيفًا في البداية، لكن مع كل خطوة، شعرت أنني أتحرر شيئًا فشيئًا. آسينات كانت تتحدث مع المدرب بحماس، وأنا كنت أستمتع بجمال الطبيعة المحيطة. "هذا يعيد لي ذكريات الطفولة،" قلت فجأة. "كنت أركب الخيل في القرية، لكن... تلك الأيام كانت مختلفة." "ماذا تعني؟" سألت آسينات بفضول. "كانت أيامًا خالية من القلق... كانت الحرية حقيقية،" أجبت، والشعور بالحنين يسيطر علي. "الحرية يمكن أن تعود،" ردت آسينات بثقة. "كل ما تحتاجينه هو الإيمان." شعرت بأنها محقة، وكان حديثها يشعل في داخلي رغبة في استعادة تلك الحرية.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD