مرضت إم سعاد و ذهبت سعاد للأطمئنان عليها و اضطرت للبقاء معها لعدة أيام هي و أولادها و ظل سعيد وحيدا ببيته دون أولاده و زوجته حبيبته ، تمر الايام ببطء و ملل فظيع لم يعتاد سعيد على الوحدة منذ تزوج سعاد منذ اللحظة الأولى و هي تملء فراغ حياته و فراغ قلبه شعر بفراغ لم يعد يحتمله منذ تركته و ذهبت لتمرض أمها ، أما سعد منذ أتى إليهم قرر أن يعيش مع والديه حتى يبحث عن شريكة حياته زوجة المستقبل التي ستعوضه عن سنين الوحدة و العزوبية و أما سعيد أصبح يعتمد على سعد في رعاية والديه و تمر أحيانا بعض الأيام دون أن يسأل عليهم كي يتركهم ينعمون بسعد بعد طول غياب و شعر سعد أن هناك سر ما وراء اختفاء سعيد و عدم سؤاله عنهم هناك سر ما وراء اختفاء سعيد ، و ذات ليلة جلس سعد مع والديه بعد عودته من عمله يوم الخميس و أثناء تناولهم لوجبة الغداء قال سعد متسائلا
- لماذا أختفى سعيد تماما هكذا ؟
- لا ادري يا بني له فترة طويلة مختفي تماما لانعرف عنه شيء
- دعوه كما يريد ربما يفضل أن يختلي بنفسه
- لماذا يا أبي لم يكن يحب الانعزال بهذه الطريقة ابدا ؟
- بل كان يحبنا أكثر من نفسه و الان قرر أن يحب نفسه قليلا فدعوه و شأنه
- هل هناك أمر ما يا أبي جعله يتصرف هكذا ؟
- حين أتى يسأل عنا أخر مرة سألته أن كان في نفسه شيء مما حدث أقسم أنه لا شيء بداخله و لا أي شعور بالحزن أو الغضب منا
- ماذا حدث أذن ؟
- لقد ترجيته يا بني أن لا يغضب مني فأقسم أنه ليس غضبان
- و لماذا يغضب منك يا أمي ؟
- ربما قلت له شيء أذى مشاعرة دون قصد يا بني
- أنه دائما صبور متسامح لا يكترث بأفعالنا و يعاملنا دائما بطيبة قلبه المعهودة
- فعلا كان كذلك
- للصبر و التسامح حدود يا بني
- أذن هو بالفعل غضبان
- ليته غضبان
- ليته غضبان. !؟ ماذا في نفسه أذن ؟
- كما قلت لك يا بني كنا الأولوية الأولى في حياته الأن قد رتب أولوياته و تغير
- كيف رتب أولوياته ؟
- أصبح أولاده و بيته و زوجته هم الأولوية الأولى في حياته و نحن الأولوية الثانية
- هل هو من قال لك ذلك يا أبي ؟
- لم يقله بشكل واضح و لكن معنى الكلام و التصرفات يدل على ذلك
- ربما قرر أن يبتعد قليلا ليأخذ هدنة فقط
- لا يا بني لقد قرر أن يغير مسار حياته تماما
- كيف ذلك ؟
- قرر أن يعيش خصوصيته و أن لا يجعلنا نتدخل في حياته أو يتدخل في حياتنا كما كنا نفعل
- و لما كل هذا التغيير ؟
- يا بني هو معه حق شعر أن وجوده معنا باستمرار يفقدنا شغفنا إليه بل و أوشك أن يشعر أننا نسأم من وجوده هو و أولاده و زوجته
- ما هذا الكلام الغريب كيف نسأم منهم أنهم هم من يمنحون لحياتنا طعم ؟
- أكرمك الله يا بني و جعل قلبك دائما عامر بحب أخيك و أولاده
- طبعا يا أبي بالتأكيد احبهم حين رحلت و تركتكم لم يكف عن السؤال عني
- أنتم أولاد حلال يا بني لذلك مهما حدث لا يحمل أحدكم ضغينة في قلبه للأخر
- ضغينة ؟! هذا أمر مستحيل يا أبي
- ماذا حدث لكل هذا أنا مستعدة أن أصعد إلى سعيد و أراضيه بنفسي
- لماذا يا أمي و هل سعيد غضبان ؟
- لا اعرف يا بني صدقني لا اعرف
- أسمعني يا بني أريد أن أوصيك قبل موتي
- أطال الله عمرك يا أبي لا تقل ذلك أرجوك
- يا بني هذا مصيرنا جميعا و يجب أن اخلص ضميري
- سأحقق لك كل ما تريد و أنت في خير حال أن شاء الله
- مهما حدث يا بني من اخوك سعيد تحمله قدر استطاعتك و تذكر أنه أخيك الأكبر و مهما بعد عنك أقترب أنت و لا تبتعد هذه صلة رحم و أنتم أخوين فقط ليس لكم ثالث
- سأفعل يا أبي أطمئن
- أراح الله قلبك يا ولدي
- لا حرمنا الله منكما و أطال أعماركم
- سلمت لنا يا بني
- لا تقلق يا أبي بشأن سعيد لا بد و أن أعرف السبب وراء اختفائه
- لست قلق يا بني أنا أعرف تماما أن سعيد مهما اختفى سيظهر و مهما غاب سيعود
- لا يمكن أن نكون مقيمين معا في بيت واحد و لا يعرف أحدنا أي شيء عن الأخر بالتأكيد هذا وضع غريب
- بعد أن كان يسأل عنا كل يوم حتى و لو لدقائق معدودة أختفى فجأة. تماما
- هل وجودي سبب في ذلك يا أمي. ؟
- لا تقل ذلك أرجوك يا بني
- بالتأكيد هناك سبب
- قلت لك يا بني حتى إذا تأكدت أن سعيد يبعد عنك لا تبتعد أنت
-
امرك يا أبي لا تقلق
- سأعد لكم الشاي
- أريد قهوة يا امي
- عيون امك يا سعد
- و أنا أيضا أريد القهوة
- عيوني لك يا أبو سعيد
- سلمت لنا عيونك و يدك يا
حملت ام سعيد الصحون و ذهبت بها إلى المطبخ و أعدت لهم القهوة ، بينما سعد يفكر في الحوار الذي دار بينهم و ظل يفكر لماذا سعيد أصبح هكذا و هل فعلا هو السبب في انقطاعه عن زيارة والديه ، احتسوا القهوة هو و والده و هم صامتين فوالده يتصفح الجرائد و والدته ذهبت إلى المطبخ لتغسل الصحون و ترتب المنزل حتى أتى المساء و سعد يفكر لو كان معه الان حورية و سامر لقتلوا شعوره بالملل الذي يشعر به هذا و بعد العشاء خلد كل من والديه إلى النوم حيث أنهم لا يتحملون السهر ليلا فهم مسنين و مرضى و ظل سعد وحده في البيت لا انيس و لا جليس
فقرر سعد أن يصعد ليلة الخميس للسهر مع أخوه سعيد ، صعد سعد الدرج ثم طرق الباب فتح سعيد مرحبا بأخيه سعد قائلا
- أهلا سعد تفضل
دخل سعد و جلس ثم تلفت حوله قائلا
- أين سعاد و حورية و سامر ؟
- مرضت والدتها فذهبت لتبيت معها لتمرضها و تطمئن على صحتها
- و لماذا تعيش هنا وحيدا ؟
- و ماذا افعل أذن ؟
- تأتي لتبيت معنا بدلا من العيش وحدك