الفقر _ الفصل الثاني

3021 Words
الجزء الثاني عدت لحجرتنا الصغيرة تختلط برأسي الأفكار ويغلب علي الشعور بالغثيان فلم أتصور أن يطلب مني عصام بيه في ورقته التي مازلت أقبض عليها بيدي أن أشتري ملابس لانجيري متنوعة وقمصان نوم قصيرة وجيبات من القماش الليكرا ( ميكرو جيب ) !!!، هذا الرجل الأرعن الذي يتصور أن مرتبه الكبير يستطيع أن يشتري به شرفي وعفتي هكذا بكل بساطة فقط لأنه يراني مجرد بنت فقيرة قبلت العمل في بيته كخادمة ولكن تحت مسمى راقى حديث ، نظرت نحو أمى المريضة وهى نائمة وصوت ضجيج تنفسها يملئ المكان ثم وجدت شيطانى يتسلل لى يوسوس لى بكلاماً منمقاً كأنه يستعطفنى أن أقبل ، هذا الراتب يمكنه تغيير حياتنا أنا وأمى وعلاجها بشكل صحيح ويمكننا أيضا ترك هذه الحجرة المظلمة الرطبة واستجئار شقة لها نوافذ تسمح لأشعة الشمس بالعبور ، هل يريد الرجل إنتهاك شرفى وعفتى ؟، وهل موافقتى تجعلنى أتجرد من كرامتى وعزة نفسى ؟، وهل يفعل بنا الفقر غير ذلك ؟!!!!! طالما سمعت من بنات فى عمرى وأكبر منى وأصغر منى حجم ما يتعرضون له من إنتهاك وتحرش فى كل مكان وفى أعمالهم فمنهم من تعمل بمحل ومنهم من تعمل ممرضة ومنهم من تعمل فى مصنع وكلهم ينتهكون من أدنى الأشخاص وأحقرهم ودون مقابل ، لم أنم فى تلك الليلة وظلت الافكار تعصف برأسي بين قبول ورفض وبين ترك نفسي تحركها رياح الدنيا وبين التمسك بإنسانيتى حتى أخر لحظة ، فى الصباح قمت مهرولة أحمل قرارى ومال عصام بيه وذهبت فوراً لمدام وفاء وأعطيتها المبلغ كاملاً وأخبرتها أنى وجدت أمى فى حالة سيئة جدا جدا ولن يمكننى تركها هكذا فى مرضها ، لم تفلح كل محاولاتها معى لعدولى عن قرارى حتى يئست منى وتركتنى أذهب ، عدت لشارعنا الضيق وبيتنا القديم البائس وحجرتنا الضيقة المظلمة لأجد أمى لا تستطيع التنفس ، صرخت ... بكيت ... هرولت بلا وجهة أبحث عن منقذ ، جاءت الاسعاف أخيراً لتحمل أمى لأحدى المستشفيات الحكومية لتلفظ أنفاسها الاخيرة عند بابها لتعود بنا عربة الاسعاف مرة أخرى وانا فى حالة هيسترية ولا أصدق أن أمى قد ماتت هكذا بكل هذه البساطة والسرعة ، حضر الاقار الفقراء وتجمع الجيران وكما حدث لأبى دفنت أمى فى مقابر الصدقة ورحل الجميع بعد أن إنتهت ليلة العزاء أمام المنزل لتخيرنى خالتى فوزية أن بإمكانى أن أذهب معها لبيتهم بدلاً من المكوث وحدى ولكنى كنت أتفهم تماماً أنه مجرد عرض من باب المواساة ، فهم يعيشون فى شقة صغيرة ينام معظم سكانها على الارض من شدة ضيقها ، كانت حجرتنا فى أقصى يمين البدروم وبجانبها حجرتان ، حجرة نعمات وزوجها وإبنهم حمدى وابنتها ندى وحجرة أخري مغلقة ، أصرت نعمات التى تكبرنى بقرابة العشر سنوات أن تبيت معى بحجرتى فى تلك الليلة ونامت بجوارى تهدهدنى كطفلة صغيرة وأنا انتحب فى ص*رها حتى أنهكنى التعب ونمت ، فى الصباح زارنى بعض الاقارب والجيران وكلٌ منهم تضع فى يدى ورقة مالية صغيرة كنوع من المساعدة ، نسيت تماماً موضوع عصام بيه ولم يشغلنى سوى كيف سأعيش وحدى بعد موت أمى وهل سيتركنى الجميع وشأنى أم أنى أبسط من أن ينشغل بأمرى أحد ، فى المساء أحضرت لى نعمات طعام من عندها وجلست معى وهى تواسينى وتحسنى على الصبر والجلد وانها سنة الحياة ، همست فى أذنى أنى أصبحت وحيدة وسيطمع فى الكثيرون وأن على الانتباه جيداً خاصة أنى فارعة الطول وجميلة وأملك مقومات أنثوية تجذب العين نحوى وأنه لولا فقرنا و ضيق حالنا لتهافت على العرسان ، أخبرتنى نعمات أن زوجها أوصاها أن تجعل حمدى إبنهم يبيت معى كل ليلة حتى لا أبيت وحيدة وأن الجيران لبعضهم ، حمدى الطالب في سنة اولى ثانوي كان ولداً طيباً قليل الكلام وكثيرا ما كان يبيت عندنا فقد كنا بمثابة أسرة واحدة خصوصاً أن حجرتينا لهم حمام مشترك واحد وكنت كثيراً أذاكر لحمدى واجباته لان نعمات غير متعلمة ويكفيها الاعتناء بابنتها الصغيرة ذات العامين ندى ، كنت أتوقع ذلك منها لطيبتها وكنت سأطلبه منها لولا أنها كانت أسرع منى فى عرض معروفها ، جاء الليل ومعه حمدى الكتوم قليل الكلام لنجلس سوياً نشاهد التلفزيون الصغير القديم فى حجرتنا حتى غلبنا النوم سوياً ، مر أسبوع على وضعى الجديد حتى تلقيت إتصالا من احدى السيدات وكان أول يوم عمل لى بعد وفاة أمى ، أنهيت اليوم وعدت مرهقة مجهدة مساءاً وانا أحمل بعض أكياس الفاكهة لجارتى نعمات تعبيراً عن إمتنانى لمجاملتها وخدامتها الكثيرة لى ، كنت مازلت أحتفظ بمبلغ الالفين جنيه الذى أعطانى اياه فى المرة الاولى ومبلغ أخر يوازيه تقريباً من عملى السابق وما حصلت عليه من مساعدات مما جعلنى أشعر بطمئنينة أنى لن أتسول ويمكننى الاعتماد على العمل المتقطع لفترة أطول ، فى الليل تمددت فوق فراش ابى وامى الذى اصبح من نصيبى وتمدد حمدى على الكنبة الجانبية التى كانت فراش نومى السابق نشاهد التلفزيون ولانى كنت مجهدة من العمل طوال اليوم لم أشعر بنفسى وقد غلبنى النعاس وخلدت فى النوم ، كان حمدى يستيقظ كل يوم ليعود لحجرتهم وحياته الطبيعية ولا أراه مجدداً الا فى ميعاده اليومى ليلاً كأنه يتسلم ورديته فى العمل ، جاء حمدى فى موعده وكان يريدنى مساعدته فى شرح بعض المواد وجلست أذاكر له وكأنى نسيت تماماً كل شئ حتى سمعت نحنحة والده بالخارج وصوت نعمات فقمت فتحت لهم الباب لييشاهدانى وانا اذاكر لحمدى ليشكرنى والده بكل رضا وطيبة وعرفان بالجميل وأنه لولاى ولولا مساعدتى له منذ كان صغيراً لما استطاع مواصلة دراسته ، كانت لكلماته وقع السحر على نفسي لتزيح عن ص*رى هم الشعور بالذنب ليهدأ قلبى مرة أخرى ، ظللت افكر قبل ان انام لماذا إذا هربت من عصام بيه وأضعت على بنت فقيرة مثلى فرصة كهذه كانت ستغير حياتى تماماً ، المال له وقع السحر فى النفوس يحولنا من أشخاص لأشخاص أخرون كنا نظن أننا أبعد ما يكون عنهم ، هل كان يجب على الاستسلام لعصام بيه ليفعل بي ما يشاء مقابل أمواله ؟!!! ماذا أنتظر من حياتى اليائسة هذه ؟!، هل أنتظر حتى يتزوجنى عامل فقير مثل أبي ؟!، لم يعد وجود لاحد بحياتى بعد ابى وامى سوى بعض الاقارب الفقراء البسطاء الذين يكافحون ليل نهار للحصول على الفتات ليستمرون فى الحياة ، لا أحد يهتم بى أو يعنيه أمرى ولن يسألون عنى الا عندما أموت ليبحثون عن قبر صدقة يضعونى فيه ويرحلون ، اذا عملت عند عصام بيه لعدة أعوام يمكننى أن أشترى شقة أو أن افتح محلاً او أن أجد فرصة أخرى وأعيش حياة حرمت منها وحرم منها ابى وامى من قبلى ، كان صراعاً مشتعلاً بضراوة فى عقلى بين الانزلاق فى البحث عن المال وبين المحافظة على شرفى وعفتى والرضا بحالى وفقرى وأنى متعلمة ويوماً ما سأجد فرصة تخفف عنى كل ذلك ، خلدت فى النوم وطار الشبق من قلبى وعقلى وفى الصباح تلقيت اتصالاً من إحدى السيدات تطلب ذهابى لها على الفور لمساعدتها فى إعاد وليمة فى منزلها ، ذهبت لها فوراً وأنا سعيدة وعند بابها فتح لى طفل صغير لم يتعدى العشر سنوات ليصيح فور رؤيتى ، ماما .. ماما ... الخدامة جت ض*بنى الطفل الوقح بمطرقة ثقيلة فوق رأسي وهو ينعتنى بالخادمة وكنت أسمعها لأول مرة بحياتى ، عملت كما أرادت السيدة وأنا مكتئبة وأشعر للمرة الاولى بكل هذا الشعور بالدونية والحقارة ، عملت كعاملة نظافة ودخلت بيوتاً كثيرة لكنى لم أواجه نفسي أبداً بجرائة أنى مجرد خادمة لا يهم أحد أنها تحمل تعليماً متوسطاً أو أنها بنت فقرة لكنها شريفة ولها كرامة لا تتنازل عنها ، إنهم يطلقون على لقب – خادمة – هكذا بكل أريحية وبساطة لأتذكر مدام وفاء وكيف وصف*نى بأنى جليسة مسنين وأنا مهنة قاصرة على المتعلمات والاجنبيات القادمين من الخارج أصحاب الرواتب بالعملة الصعبة ، أنهيت العمل فى المساء وأعطتنى السيدة أجرتى وحقيبة بلاستيكية سوداء بها بعض الطعام وتطلب منى العودة فى الغد لمساعدتها فى إعادة تنظيف الشقة بعد الوليمة لأشكرها وأعده بالحضور غدا وانزل ، عند مدخل العمارة وقبل خروجى شعرت فجأه بأحدهم يض*بنى بإصبعه بقوة فى كتفي لأصيح من المفاجأة وأقفز لأعلى وأرى وجه البواب الفج وهو يضحك بلا مبالاة بعد فعلته ، ماتيجى تشربى معايا الشاى يا حلوة قالها وهو يحاول أن يمسك يدى لأدفعها بقوة وأنا أبتعد عنه ، نزل إيدك يك قطع إيدك هرولت مبتعدة عدت لحجرتى وأنا فى حالة يرثى لها ورأسي تدور من أحداث اليوم . نمت ليلتى قريرة العين وفى الصباح أخذت حماماً وإرتديت ملابسي متجهة لمنزل سيدة الامس حسب اتفاقنا . وصلت للعمارة لأجد البواب يجلس فوق كرسيه فى المدخل والذى هب واقفاً فور رؤيتى ، كان رجلاً متوسط الطول والحجم يبدو عليه أنه تخطى الاربعين بعدة سنوات وملامحه عادية ، يا أهلا يا أهلا بالقمر لم أعره أى إنتباه وأعطيته فقط إبتسامة صفراء تدل على الضيق رغم أنى كنت أرتعش منذ رؤيته ، وقفت أمام الاسانسير وجاء من خلفى يتحدث برقة ويحاول أن يبدو مهذباً وهو يتحدث بجدية ، انتى قافشة ليه يا ست الكل ؟!! لا قافشة ولا حاجة ، عايز حاجة ؟ انا قلت ألاغيكى علشان لو لازمك شغل ابقى أكلمك والعمارة هنا كلها موظفات وبيتنشقوا على واحدة زيك تخدمهم بس أنا مش خدامة لامؤاخذة يا دكتورة ، المهم أنا قصدى المصلحة مش أكتر وصل الاسانسير وعندما هممت بالدخول وجدته يدخل خلفى لأقف منزعجة ، انت رايح فين ؟!!! طالع ، عندك مانع ؟!!! لأ ، اتفضل بمجرد أن أغلق باب الاسانسير عاد يستكمل حديثه معى وهو قريب جدا منى ، العمارة فيها شقق كتير مفروشة بتحتاج تتنظف قبل ما تتسكن ، بقول لو تيجى انتى المصلحة دى يبقى زى الفل وهاتاخدى فى المرة 300 جنية شعرت بالدهشة لضخامة المبلغ فلم أحصل أبدا على نظيره فى اى يوم عمل فوجدتنى ألتفت إليه وأتلطف فى كلامى ، ومين بقى اللى هايحاسبنى ؟ محسوبك فتحى بواب العمارة وسمسار هدى عاشت الاسامى ، أنا باخد من المستأجر 500 جنيه لزوم التنظيف والتجهيز هاد*كى منهم تلتمية فى ساعتين تلاتة شغل كان الاسانسير قد وصل للدور الثامن عند شقة السيدة فأخبرته أنى سأفكر وأرد عليه عند نزولى ، تركته ودخلت لعملى والذى كان كثيراً مرهقاً بشدة فيبدو أنها كانت وليمة ضخمة مزدحمة ، ظللت طوال الوقت أفكر فى عرض فتحى البواب ووجدت أنها فرصة كبيرة لى فى الوقت الحالى وأنه يجب على الا أفوت هذه الفرصة حتى وإن كنت أشعر بالخوف والقلق . أنهيت عملى فى المساء بعد أن أُرهقت لأقصى درجة وأخذت أجرتى وشكرتنى السيدة ونزلت وأنا أنوى إخبار فتحى أنى وافقت على عرضه ، كنت مقررة أن أكون لطيفة معه حتى لا أفوت الفرصة ، عند المدخل وجدته جالساً وعند رؤيتى وقف وهو يبالغ فى تحيتى ، ها ، قولتى ايه يا ست هدى ؟ على فكرة انا آنسة مش ست على راسى يا ست الكل ، المهم موافقة ؟ ماشي ، موافقة طب تعالى جوة نشرب كوباية شاى وأفهمك على كل حاجة لم أتوقع أى شئ غير طبيعى فدخلت معه غرفة صغيرة فى جانب المدخل يبدو أنها غرفته الخاصة بها أثاث بسيط ، جلست على إحدى المقاعد وهو أمامى ويتحدث بشكل جاد فى أن أغلب السكان القادمين للعمارة يكونون من ج*سيات غير مصرية وأن ترتيب الشقق لهم يجب أن يكون بجدية حتى لا يعدلون عن الايجار ، تفاهمنا وأكدت له أنى أجيد عملى وأقوم به بإخلاص وسيرى ذلك بنفسه ، شعرت بان الحوار قد إنتهى فهممت بالخروج لكنه أمسك بذراعى من الخلف قبل أن أخرج وهو يجذبنى نحوه ، على فين يا قمر ، لسه بدرى لأ كفاية كده علشان إتأخرت حاول الاعتداء علي لكنني قاومتة وخرجت هاربة من المكان انه قدر محتوم ساقني اليه والدي الفقير بزواجه من امي الفقيرة لأكبر وأصبح مجرد خادمة في أحسن الأحوال تنتظر حفنة من الطعام كحسنة او هبة في نهاية عملها ، لا يهم شهادتي التافهة التي احملها ولا يوجد من يتوسط لي ويوظفني ك غادة صاحبة القلب الأ**د المريض ، اذا كان قدري ان اكون رخيصة في نظر المجتمع فلأصبح ولكن بأعلي ثمن ممكن ، لا شرف لي ولا سمعة اجاهد للحفاظ عليها ويكفي اي شخص ان يعلم اني بنت فقيرة تعيش في غرفة وحيدة بلا اهل وتخدم بالبيوت ليؤكد بحزم ويقين اني ساقطة افتح سيقاني لمن يدفع ، عصام بيه .... هو خطوتي الصحيحة التي ضللت عنها ولكن علي الان البحث عنها من جديد لأضع قدمي علي طريق يجعلني اجمع المال يوماً وأشتري سمعة جديدة بمالي ، إرتديت ملابسى علي عجل وهرولت لبيت مدام وفاء أدعو أن يكون مكاني مازال شاغراً ، رحبت بي مدام وفاء وظهرت الدهشة عليها من زيارتي لها الغير متوقعة هدي ، انتي فين يابنت انتي عاش من شافك ازيك يا مدام وفاء ، انا كنت جنبك هنا في مشوار وقلت لازم اطلع اسلم علي حضرتك جلست معها ورحبت بي كأني صديقتها ولست فتاة تأتي لتنظيف منزلها ، حكيت لها ما حدث لي في الاسابيع الماضية وكيف ماتت والدتي في نفس اليوم الذي أعدت فيه النقود الخاصة بحماها عصام بيه وان الظروف السيئة قد حالت بيني وبين العمل في خدمته ، كانت مندهشة وعزتني وربتت علي كتفي وهي تخبرني انها ظنت اني كنت ادعي ذلك لرفض العمل عند حماها ، ازاي بس يا مدام ؟!، ده عصام بيه راجل ذوق ومحترم بس حظي كده واهو رزق واحدة تانية بالوظيفة ولا واحدة تانية ولا حاجة ، ملقيتش حد من ساعتها وكل يوم بدبس بمشوار لعنده علشان اساعده واعمله طلباته لما تعبت لوهلة تخيلت مدام وفاء وهي تقوم بتحميم حماها مثلما فعلت ولكني رفضت ذلك وقلت لنفسي أكيد لن يطلب ذلك من زوجة ابنه ، معلش يا مدام وفاء ، مالوش غيركم برضه استني دقيقة يا هدي قامت واتصلت بحماها عصام بيه وهي تحكي له ما سمعته مني وترسل لي ابتسامة مع اشارة من يدها ان كل الامور تسير علي مايرام ، انهت المكالمة وهي تخبرني اني عصام بيه ينتظر مروري عليه الان وانه يمكني استلام العمل من الغد ، شكرتها بشدة وودعتها ونزلت والفرحة تملئ قلبي في طريقي لعصام بيه ، فتحت بالنسخة التي اعطتني اياها مدام وفاء قبل خروجي ووجدت عصام بيه يجلس جلسته المعتادة في البلكونة الكبيرة يشاهد الشارع بكل هدوء ، القيت عليه التحية وانا اتحاشي النظر مباشرةً في عينيه اهلاً يا ست هدي ، البقية في حياتك حياتك الباقية يا عصام بيه إعمليلي فنجان قهوة وتعالي هرولت للمطبخ وأعددت له فنجاناً من القهوة وعدت له ليطلب مني الجلوس أمامه ، شايفة الناس اللي ماشية في الشارع دي يا هدي ايوة يا عصام بيه بلاش عصام بيه دي طويلة قوي ، خليها لما يكون في حد موجود اومال اقولك لحضرتك ايه ؟!! قوليلي يا سيدي ، خفيفة اكتر حاضر يا سيدي قلتها وانا أشعر اني خادمة كتلك الخادمات في الفلام القديمة الابيض والاسود ولكني لم اغير رأيي واعجبني انه لم يطالبني بها امام احد اهي كل الناس اللي ماشية قصادك دي يا هدي كل واحد فيهم عنده حكاية وطويلة كمان اكيد يا سيدي وانا كمان زيهم عندي حكاية ، لكن محدش فيهم يعرف حكايتي زي ما انا معرفش حكايتهم ايوة فاهمة يا سيدي لأ مش فاهمة ، اللي عايز اقولهولك ان اللي بيحصل في البيوت محدش بيعرفه الا لو اهل البيت هما اللي حكوه اكيد طبعا يا سيدي طالما رجعتي يبقي تعرفي ان اللي هايحصل هنا مش هايخرج من هنا علي رقبتي يا سيدي انتي عايشة فين دلوقتي ومع مين ؟ حكيت له كيف اصبحت وحيدة لا يوجد سوي قرائب مشغولين كلٌ في حياته واني أعيش وحدي في حجرتي الصغيرة المظلمة مفيش كلام من ده خلاص يعني ايه يا سيدي يعني تروحي تلمي الحاجات الضرورية قوي قوي وتقفلي الاوضة دي ومن بكرة هاتعيشي هنا معايا بس الناس تفتكرني طفشت او تتكلم عليا يا سيدي الناس كده كده بتتكلم يا هدي ، كل واحد بيلاقي في كلامه عن غيره فرصة علشان يخبي حكايته حاضر يا سيدي اللي تشوفه في حاجة واحدة صغيرة اامرني يا سيدي يوم الجمعة بس مش هاتفضلي هنا علشان محبش تبقي موجودة وولادي موجودين ، احب مراتات ولادي يخدموني بنفسهم يعني ارجع الاوضة يوم الجمعة ؟ انتي مش هاترجعي الاوضة تاني ابداً وماتعرفيش اي حد انتي رايحة فين ولا عند مين وماتجبيش اي لبس معاكي علشان محدش حتي يعرف انك ماشية اومال هالبس ايه يا سيدي ؟ وهاروح فين يوم الجمعة ؟!! هاد*كي فلوس واشتري كل اللي يلزمك وأظن فاكرة اللي طلبته منك فاكرة كل حاجة يا سيدي هاتي كله جديد ونقي حاجات تعجبني حاضر ، طب ويوم الجمعة ؟ ابقي اطلعي شقة فريد بيه جاري اللي فوق اخدميه بدالي في اليوم ده وهايحاسبك طبعا وبالليل تنزلي تباتي هنا الي تأمر بيه يا سيدي بما انك هاتبقي هنا طول الوقت مرتبك هايبقي خمس تلاف جنيه بحالهم كتر خيرك يا سيدي ، ده كتير قوي مش كتير وممكن تاخدي اكتر لو اتبسطت منك ده غير اللي هاتاخدي من فريد بيه اللي تشوفه يا سيدي انا عندي فلوس كتير يا هدي ومش هامنع عنك حاجة لو عرفتي تريحيني وماحسش بالوحدة من عيوني يا سيدي دلوقتي ادخلي المكتب خدي خمس تلاف جنيه واشتري كل اللي يلزمك وهاتي علي هنا قبل ما تروحي وترجعي بعدها بيتك القديم تجيب الحاجات المهمة قوي بس زي ما فهمتك حاضر يا سيدي خدي بالك من نفسك واوعي الفلوس تضيع منك وماتروحيش بعيد اشتري كل طلباتك من المحل اللي جنب العمارة وأوضتك هي الاوضة اللي جنب اوضتي ، مفروشة وجاهزة من كله وبصي عليها برضه لو لقتيها ناقصة حاجة اشتريها حاضر يا سيدي ، ربنا مايحرمني من عطفك تشتري كله جديد وعلي الموضة لبس هوانم مش لبس خدامين حاضر يا سيدي مش عاوز أشوف اي حاجة ماتعجبنيش ، فاهمة يا هدي ؟ فاهمة يا سيدي وهانقي اللي يعجبك بس طب يلا ماتضيعيش وقت اخذت النقود وانا لا اصدق اني امسك بهذا الضخم وهو ملكاً لي وحدي اشتري به ملابس جديدة ، كانت الاسعار خيالية في ذلك المحل ولم تكفي النقود الا ل شراء بعض الملابس القليلة دفعت الحساب والذي كان ٤٩٠٠ جنيهاً وعدت لسيدي وانا احمل ثلاث حقائب متوسطة ليبتسم لي وهو يشير لي باتجاه المكتب ، الفلوس قليلة طبعاً ، خشي خدي عشر تلاف كمان وهاتي لبس خروج يليق بجسمك كدت اجن من الفرحة ووجدتني بلا ادني تفكير اجري عليه وانحني عليه اقبل يده وهو يضحك ويربت علي كتفي ، عايزك تبقي احلي ست في العمارة كلها اخذت النقود وعدت ادراجي اشتري ملابس جديدة تشبه تلك الملابس التي كنت اري بنات الطبقات الراقية ترتديها وخصوصاً البناطيل الضيقة والميكرو جيب وللمرة الثانية لا تكفي النقود لشراء كل ما أريد ، عدت لسيدي ووضعت ملابسي الجديدة في غرفتي الجديدة التي كانت اجمل مما كنت اتصور وبها شاشة عملاقة وكاسيت ضخم وتكييف خاص وكأنها جزء من د*كور احد الافلام السينمائية ، ودعت سيدي وانا اسمعه كل عبارات الشكر التي اعرفها وعدت لحجرتي وص*ري يضيق بي كأني لا اطيق العودة لها مرة اخري ولرائحة الرطوبة المميتة ولكن كان لابد هذا لاحضر اوراقي واوراق ابي وامي وبعض الاشياء الرفيعة التي لا يمكنني تركها ولأخبر نعمات مخالفة تعليمات سيدي اني حصلت علي عمل في الاسكندرية في مطعم سياحي وسأقيم هناك بسكن خاص بالعملات وان ترعي الحجرة الفقيرة في غيابي فلا أطن اني يمكنني تركها تماماً ، فأنا أحتاج ان اعود لها لأشتم فيها رائحة ابي وامي واتلمس ارواحهم في جوانبها ، في الصباح كنت انتهيت من جمع كل ما اريد ووقفت اودع حجرتي الصغيرة وانسالت مني دموعي غصباً عني وانا أتذكر مشاهدي فيها بين ابي وامي ، خرجت في طريقي لعالمي الجديد وكلي لهفة لإكتشافه ومعرفة خباياه في شقة سيدي عصام بيه . #يتبع # # # # # # # # #
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD