القصة الاولي ( لم يكن ذنبي يا حنين )
#لم_يكن_ذنبي_يا_حنين
الفصل الاول
*************
جلس أمامها مطأطئ الرأس ، يشعر بالخزى ، أرادت الانصراف إلى حجرتها فأمسك بيدها ، يستعطفها أن تجلس ليحادثها ، بعد محايلتها نطقت بانفعالاتها قائلة : انا خلاص فقدت الأمل فى إن حالك ينصلح .. انت إيه ؟ بتعمل كل ده ليه ؟ فاكر نفسك إيه ؟ كل مرة تغلط و المطلوب إنى أسامح و أنسى ، أنسى إيه و لا ايه و لا ايه ؟ كل مرة بتخلينى أحس انى جماد مش انسانة تحس بيها و تخاف على مشاعرها ، نفسى أفهم انت عاوز ايه من حياتى معاك ؟
رد عليها و الدموع تنحسر فى عينيه قائلا: حياتى من غيرك مش هايكون ليها اى معنى ، اوعى تسيبينى يا حنين ، انتى آخر حاجة حلوة فى حياتى ، انتى الحاجة الوحيدة اللى بتفكرنى بالطهر و النقاء .. معاكى باحس ان لسة فيه خيط بيربطنى بالأمل فى الدنيا ..
جلست و فى عينيها دموع تصارع كبرياءها و لم تنظر فى عينيه ، ثم قالت : لو كنت لسة فاكر انى ليا قيمة فى حياتك ماكنتش تستهين بمشاعرى و ماتعملش ادنى اعتبار لارتباطى بيك .. مش قادرة اكمل معاك ، انا خلاص مابقاش فى عقلى و لا قلبى حتة سليمة .. ارجوك بقا كفاية كده سيبنى أكمل حياتى باللى فاضل منى .
بمرارة بكى و سالت دموع عينيه أمامها ، استرحمها ان ترفق به و تغفر له ما كان منه ، لكنها كانت تشعر بجراح عميقة لا حصر لها ، قال و الحزن يشق قلبه و ل**نه : أنا حقاً مخطئ ، أخطأت كثيرا فى حق نفسى أولاً ، و فى حقك ، و فى حق كل من أحببتهم ..
و لكن الدنيا كانت أول من أخطأ بحقى ، و إن كانت دموعى لا تستعطفك ، فاستمعى لقصتى لعلك تجدين فيها ما يفسر لك تلك الأسئلة الغزيرة التى احتار فيها عقلك ، و إن كنت سوف أفقدك للأبد ، فمن حقك علىّ أن تعلمين ما كان من دنياى حتى أصير إلى ما صرت إليه ..
كان ( هيثم ) قد عاد إلى بيته و زوجته ( حنين ) بعدما انتهى من اجراءات طلاقه من ( هيام ) و بعدما دفع لها مبلغا ضخما من المال كمؤخر صداق أجبره اهلها على الموافقة عليه حتى لا يتم الزج به الى السجن بعدما ضبطوه معها فى غرفة نومها ذات ليلة ..
كانت تلك هى المرة الخامسة له - على اختلاف الأحداث - و قد مر على زواجه من حنين فقط أربع سنوات ، لكنه كان فى كل مرة يتعلل لها بأنه يحبها و لا يتحمل فراقها ، و لكن لكونها عاقرا لا تنجب ، كانت تتغاضى عن أخطائه و تظن انه يسعى إلى الزواج بأخرى ليحقق رغبته فى الإنجاب ..
و لكن فى هذه المرة ، اكتشفت أنه يسعى فقط لتلبية رغباته و لا يهمه إلا الاستجابة لشهواته ، و تيقنت أن المعلن امامها خمس حالات ، بينما المختبئ فى خزائن أسراره يتخطى أضعاف هذا العدد ..
و بينما هى تشيح بوجهها عنه تعبيرا عن رفضها لسماع حديثه ، استوقفتها نبرة الصدق التى انبعثت من صوته و عبراته حين قال : لقد أتيت إلى هذه الدنيا و كان ثمن وصولى هو وفاة والدتى ، ماتت و أنا إلى جوارها أبكى طلبا للغذاء حتى استيقظ أبى على صوت صراخى ، و لما انتبه ل**ت والدتى المطبق ، صار يتحسس نبضها و يمسك بيدها حتى تيقن انها فارقت الحياة ..
و حينها تولت زوجة عمى شأن رضاعتى و قد كان لها بنت سبقتنى فى الخروج الى الدنيا بعام واحد ، و صار والدى يغدق عليها بالهدايا و الأموال حتى تعتنى بى عن طيب نفس منها .. و انقضت سنوات الرضاعة ، و كان والدى قد أحجم عن الزواج ، و اهتم أكثر بجمع كل ما استطاع من المال ليؤمّن به حياتى و يعوّضنى عن فقدان أمى ، و هكذا تولت زوجة عمى شئونى كلها ، و مرت سنوات ليست بالكثيرة كنت فيها لم أتخطى العاشرة من عمرى حين لحق أبى برفيقة عمره ، و تكفل عمى بإدارة أملاكه و كان أكثر نجاحا من أبى فى جمع المال ، و تضخمت ثروتى و انا اخطو أولى خطواتى فى ال*قد الثانى من العمر ..
و كانت زوجة عمى ترمى إلى بقائى للأبد تحت جناحها ، بتزويجى من ابنة أختها ( سناء ) التى كانت تكبرنى فى السن ، غير أن ابنتها كانت كارهة لى ، شديدة الغيرة منى دائما ، و تتهمنى بانى سرقت حنان والدتها و اهتمامها و رعايتها و كانت دوما تدبر المكائد الخفيفة لى على قدر استطاعتها ، رغبة منها فى تشويه صورتى أمام تلك الأسرة ، و رغبة منها فى التخلص منى و خروجى من ذلك البيت ..
و اتهمتنى زوراً أمام أمها و أبيها - و انا لم أصل بعد لمرحلة البلوغ - بالتحرش الدائم بها فى لحظات غياب الأسرة ، و رغم توبيخهم لى إلا انهم شددوا من حراستهم لى و رقابتهم علىّ دون التفكير فى طردى من بيتهم ، ذلك لأنهم كانوا يعرفون ما أمثل لهم من رفاهية العيش ، و فقدت ثقتهم و معها فقدت احساس الأمان معهم ، بكيت و حاولت جاهدا تبرئة نفسى ، إلا أننى كنت لديهم غير مصدّق ..
و بعدما تبددت الغيوم و عادت ثقتهم بشكل لم يرضى ( نوال ) ابنتهم ، عادت لتنسج خطة محكمة تثبت بها السابق و تنتج سياسة جديدة فى اللاحق ، و بينما كنت بدأت أشعر بما يشعر به الشاب المراهق قررت هي أن تحيك المؤامرة الكبرى ..
خافت ان تكون هى محل المؤامرة حتى لا تؤذى نفسها أو تسبب لنفسها سمعة سيئة تكون فى سجلها للأبد ، فجاءت بزميلة لها ( هند ) إلى البيت ، و هى تعلم جيدا أنها كانت تشتهر بتعدد علاقاتها السرية قدمتنى لها و قدمتها لى ، و قربت بيننا و دعتها كثيرا لتكرار الزيارة .. و تكررت زياراتها بالفعل و فى كل مرة تسمح لها بتبادل الحديث معى لدقائق ، شعرت معها بإعجاب متبادل .
و فى اليوم الموعود و قد خرجت مع أمها إلى السوق و خلا البيت من سكانه ، وجدت ( هند ) تدخل إلى البيت و هى فى حالة نادرة من الجمال و الدلال .. حاولت إثناءها عن دخول البيت بحجة أننى بمفردى ، لكنها لم تكن لتستجيب ، بل قالت أنها فرصة جيدة لتجلس معى لتروى لى شيئا يتعلق بدراستها ..
و امام إلحاحها أدخلتها إلى البيت فاتجهت مباشرة نحو غرفتى ، دخلت خلفها فجلست إلى جوارى ثم تبادلنا الحديث العادى ، حتى انتقلت إلى الحديث عن علاقتى بابنة عمى و سألتنى هل حقا بينك و بينها شئ ؟ فأجبت بإنكار و استنكار و غضب ، و أخبرتها انها فى مقام الأخت فقط ، هى اختى من الرضاعة و ما تعتقدينه جنون ، و لا أساس لهذا الهراء
ثم انصرفت و هى تطالبنى بتدبير موعد جديد بيننا ، فبلغت الفرحة فى نفسى مداها ، سيتكرر ذاك اللقاء السعيد مرة أخرى ، لقد صار شكل الدنيا فى عينى أجمل و صارت الحياة بطعم جديد و شكل جديد و طبع جديد ..
لم أتكفل أنا بتدبير الموعد التالى بل كانت ( نوال ) ، حينما وجدتها تطرق باب غرفتى بهدوء فى وقت القيلولة و تخبرنى بقدوم ( هند ) و رغبتها الملحة فى الحديث معى على انفراد .. و بعدما دخلت هند تركتنا نوال ابنة عمى و زعمت انها ستذهب لقضاء بعض الحوائج بينما كانت امها نائمة فى غرفتها .
واثناء جلوسنا معا فتحت الباب زوجة عمى و ابنتها تقتحمان غرفتى ، أدركت أنها مكيدة جديدة ، و حينما قامت هند من جانبي وجدت صفعة من زوجة عمى على وجهها ثم على وجهى ، بينما الابتسامة الماكرة تعلو وجه نوال .. و راحت هند تحاول الخروج في عجلة قبل ان تمتد يد زوجة عمى لتمسك ب*عرها ..
حينها توقفت بينهما و انا أخلص هند من براثن زوجة عمى و أدافع عن هند بكل ما استجمعته من شجاعة و قوة و تجرؤ ، و ملأت الدهشة أعين الجميع ، فما كانوا ليدركون أننى و لأول مرة سأكون بتلك الوقاحة ، لأقول : محدش يفكر انه يمد إيده تانى لا عليا و لا عليها .. هند هاتخرج بس بكل احترام و وقت ما اخرجها انا ، و لم أكن أعلم أن كلماتى تلك ستلقى إعجاب هند و ثقتها بشكل جعلها تقف خلف ظهرى متعلقة بأكتافى ، و توجه لزوجة عمى عبارات كادت توقعها أرضا ، مثل : انتى مالكيش حكم عليه ، ده انتوا كلكم عايشين فى خيره ، هو يعمل اللى هو عاوزه ، و ما كنت أعلم أن زوجة عمى ستنصاع بكل خضوع و تخرج من الغرفة و هى تتمتم ببضع كلمات مثل : لما ييجى عمك يبقا يشوف له حل معاك ، و انتى يابت نوال ، إياك اشوفك بتكلمى البت السافلة دى تانى ..
و قبل أن تخرج هند من غرفتى همست فى أذنى قائلة : البت الصفرا اللى اسمها نوال دى هى اللى رتبت لنا الفخ ده انا و انت بس انا ماكنتش اعرف انها بترسم على كده ، انتم مش كان عندكم بيت يا هيثم كنت عايش فيه مع ابوك قبل ما تيجى هنا ؟ سكتت قليلا و انا أقلب الفكرة فى عقلى ، و أقرر **ر أى قيد فى يدى ، نعم .. و سأنهى اى تسلط و أقضى على أى سيطرة من اى شخص على تصرفاتى حتى و لو كان عمى و زوجته ، و ان كانوا قد انعموا علىّ فى الصغر ، فلازلت انعم عليهم حتى اليوم .
و اتضح لى ان انطلاق مشاعري تجاة هند كان معها الانطلاقة الأولى للاحساس بشخصيتى و اعتزازى بكرامتى و عدم الرضا عن أية إهانة قد أشعر بها بعد اليوم ، أنا ملك بما ورثته عن والدى ، و حقوقى أعرفها جيدا و عمى يطلعنى على كل ما يدخل أو يخرج فى بحر ممتلكاتى .. أنا رجل ، لن أقبل بأى معاملة إلا معاملة الرجال حتى و إن كان عمرى لم يبلغ سبع عشرة سنة ..
و قبل أن يأتى عمى فى المساء كنت قد تجهزت لمغادرة البيت و اتخذت قرار العيش بمفردى و العودة إلى بيت والدى ، لست فى حاجة لخدمة احد او شعوره بمنّة نحوى ، لست فى حاجة لرؤية الكراهية و الحقد فى عينى نوال ، تلك الخبيثة اللئيمة التى لا تدخر وسعا فى تكدير صفو حياتى و قذفى بالحجارة كلما حانت لها الفرصة ، كفانى من هذا البيت ما كان ..
************