الفصل السادس حكاوي العشاق
ترك جسار قمر ودخل غرفته وأغلق الباب بقوة، أمسك بذلك القميص الأ**د الحريري الذي كانت دلال ترتديه وأخذ يلمس و يستنشق عبير عطرها الفواح منه، جلس على السرير يتلمس مكانها الذي تنام فيه.
وبكى...
نعم بكى، ذلك الجبل الذي يقسم الجميع أنه لا مشاعر له بكى، فهو كالحجر الصوان مع الكل إلا معها يستحيل لطفل وديع يبحث عن حضن أمه، فطوال وجوده معها في جناحهم كان ملتصقُا بها لا يدعها تفعل شيئًا بدونه،
والآن حبيبته تنام م**وره بسببه، هو من **رها ولا يستطيع أن يفعل شيئًا، لم يتحمل أن يكون بالغرفة أكثر من ذلك، حمل عباءته وخرج صافقًا الباب خلفه،
لتجلس قمر تبكي حالها وحظها وظلم الأيام لها.
خرج جسار للحديقة يجلس بها مقابل شرفة الغرفة التي بها دلال علها تخرج للشرفة فيناظرها و يهدأ قلبه، و ظل هكذا حتى انبلج الصباح عليه
مرت الأيام وهو في حالة يرثى لها، استطالت لحيته وغزت وجهه الهالات السوداء من قله نومه، إلى أن رق قلب الجد وسمح له برؤية دلال التي كانت ما تزال على **تها وترفض الكلام مع أي منهم، فصعد مسرعًا لغرفتها
كانت نائمه اقترب قائلًا
"دلال يا دودو، يا حب العمر كلاته "
وجلس بجوار سريرها ممسكا بيدها وهي تدعي النوم بعد أن سمعت صوته يحدث والدتها قبل ان يدخل لها الغرفة
"واللي خلج الخلج يا دلال ما في جلبي غيرك، ورب العرش يا دلال آني بلاك كيه العيل اللي اتيتم، من يوم ما رجدتي وآني ما عارفش للوكل طعم وهو مش من يدك ،ولا جادر ادخل مجعدنا وانتي مش منوراه، يا دلال سامحيني ورب السماوات السبع كانت نزوه، و حوصلت جبل ما اعرفك ولا اعرف انك موجوده في الدنيا واصل، كت عاخلص شغل في مصر والرجاله الله يحرجهم بجاز عزموني عالكباريه، شوفتها وزغللت في عيني، وآني ما ليش في الحرام، اتجوزتها عرفي، و شويه وفجت من الوجعه المربره دي، وأهو ربك جازاني ويطلع لي ولد منيها،
لو عليّ هارميها في الشارع هي ما تهمنيش واصل، بس ولدي لحمي ما اجدرش اهمله واصل، يا دلال ردي عليّ، ردي على جسار ابو الرجال حبيبك كيه ما كنتي تنادمي عليّ، طب فتحي عينك يا دلال وناظري وجهي وانتي تعرفي بُعدك عامل فيا ايه، البت مليحه كانت بتجول للمرضعة لواحظ البيه جسار اللي كيه الجبل ان*د لما بعد عن ست الهانم دلال، فتحي يا دلال وناظريني"
ففتحت دلال عينيها ثم زاد اتساع عينيها من منظر جسار الذي استطالت لحيته في غير تهذيب واستوطنت الهالات السوداء تحت عينيه وهزل وجهه، لمحت الدموع تترقرق في عينيه لم تتمالك نفسها فارتمت في حضنه وأخذت تبكي
"يا بوووووي يا دلال، كن روحي ردت لي، ابكي يا دلال طلعي اللي جواكي ،عارف انك شايله ومحمله واني راضي بكل اللي تعمليه، بس اعمليه جاري يا حبه الجلب، ما تهمليش جسار لحاله، هاموت من غيرك"
فابعدت رأسها من حضنه قائلة "بعد الشر عليك يا نور عيني، بس صعبه عليا قوي يا جسار تطلع متجوز وكمان مخلف، لا واللي زود المبله طين انها هتقعد معايا وشي في وشها، ورقاصه يا جسار رقاصه "
دخلت نوال أثناء كلام دلال فاطلقت الزغاريد
"بركه إن عقده ل**نك اتفكت، ربنا يهدي سرك يا بنتي، قومي بقي يا اختي كده مع جوزك يا الله من غير مطرود"
ضحكت دلال "انتي ما صدقتي يا ماما عاوزه اخلي لك الجو"
"اختشي يا بت"
حمل جسار دلال فتساءلت "ايه على فين؟ "
قال وهو يلصق جبهته بجبهتها " ايه ايه عانزلك علي بيتنا اللي كان مظلم، جيه الوجت انه ينور"
حملها جسار للمنزل فقد رفض انزالها وفتح الباب وهو يحملها، فوجئت قمر بدخول جسار عليها حاملًا دلال
فاشتعلت النار بقلبها ولكنها قالت " الحمد لله على السلامه نورتي البيت"
ردت دلال ببرود "ده نورك "
ودخل جسار غرفتهما ليتعالى صوت دلال بعد قليل بضحكات عالية جعلت قمر تغلي وصفقت الباب خلفها خارجة للحديقة.
ومرت الأيام كُلٌ في حياته مع أحداثه اليومية.
بدأت دلال المذاكرة الجدية للامتحانات، وكذلك سامي ولطفي لكن لم تخلو مذاكرتهما من قضاء الوقت برفقه جواديهما زين والصياح فهما الآن أصبحا كالفرسان في مهاره ركوبهما الخيل، وكان النجع بأكمله يتحاكى بمهارتهما وأصبحا محط نظر الفتيات.
حان موعد ظهور النتيجة اتصل الحاج فارس بالمعمل لتؤكد النتيجة ظنه وفراسته بان الولد ابن جسار.
بعد تناول العشاء أعلنت دقات العصا الآبنوسية اجتماعًا عائليًا
"اليوم جت نتيجه التحليل وكيه ما قلت الواد ولدنا،
بكره بالعصريه العجد، وهنعجدوا بتاريخ جوازكم العرفي عشان نطلعوا شهاده ميلاد لعزيز الصغير"
قالت قمر" اسم حلو يا حاج "
فدق بعصاه الارض" آني لما اتكلم ما فيش مخلوج يعلج على كلامي يا جمر (ووجه نظره لجسار)عرف مرتك عوايدنا غلطها الجاي محسوب عليك"
ثم دق الأرض ثلاثًا معلنًا نهاية الاجتماع، وسط وجوم ساد على دلال، فهي كانت تأمل ألا يكون الولد ابن جسار.
في اليوم التالي عُقد قران قمر على جسار بتاريخ زواجهم العرفي واستخرج الجد بعدها شهاده ميلاد عزيز.
ومرت الايام واصطحب جسار دلال لآداء الامتحانات وفي أثناء وجودهم هناك
طلبت قمر الجلوس مع الحاج فارس في مكان مغلق لتتحدث معه بأمر هام، فدخل معها غرفه المكتب
"ايه عاوزانا نتحددتوا في مكان مجفول ليه؟"
قالت بخجل "عشان اللي هاقوله يا حاج ي**ف الصراحه وأخاف حد يسمعني"
قال الجد "باه انطجي يا بتي"
فتحت عيناها على اتساعها " يا لهوتي بتك هو أنا اطول يا حاج( ودمعت عيناها) ده لو كان عندي اب زيك كنت بقيت ست الصبايا ولا اتمرمطش في الدنيا كده، المهم يا حج معلش يعني ما تقاطعنيش الا لما اقول الكلمتين مره واحده كده واخلص "
هز رأسه "جولي يا جمر"
فقالت وهي تفرك كفاها "انا مرات جسار ومن يوم ما اتجوزنا عرفي والله العالم ما حد لمسني غيره وأنا هنا بقالي داخله على شهر اهو عايشه مع جسار في بيت واحد
الله الوكيل يا حج ما ص*ر مني حاجه تزعله واساله عشان تتأكد وهو لا مؤاخذه يعني (واحمر وجهها) كل يوم بايت في حضن دلال و انا ..... انا...."
فقال رافعًا كفه يمنعها من الاكمال "خلاص يا بتي ما تكمليش فهمت اللي عاوزه تجوليه، واللي بيعمله ده ما يرضيش ربنا ولا يرضي خلجه، ولمن يعاود من مصر ليا معه حديت "
فقالت والفرح باد على ملامحها "بس يا ابا الحاج اوعي تقوله اني اشتكيت لك"
ابتسم فارس "ما تخافيش ما عجلوش".
انهت دلال امتحاناتها وصحبها جسار في رحله على متن باخره نيليه وتنزها سويا ثم اخذها وعاد للنجع
طلبه الجد في غرفه المكتب
"تعال يا ولدي، اطمنت على عزيز؟"
"ايوه يا جد"
" طب وأم عزيز"
" مالها يا جد أم عزيز؟"
"اني مش ولد امبارح، البنيه ماشيه بما يرضي الله وانت مهملها، وآني مش هاتكلم تاني ربك اسمه العدل، يوم عنديها ويوم عند دلال وإلا يومين عنديها ويومين عند دلال شوف انت يناسبك ايه واعدل بين حريمك، وشيعلي دلال عشان افهمها و تبجي الحكايه سهله عليك"
دخلت دلال
"كيف احوالك يا بتي؟"
"بخير ياجد "
و احتضنها قائلا "عارف انك اتحملتي كتير، بس بتنا بت اصول وتحب الحج صوح يا دلال"
"صوح يا جد"
ضحك فارس "بجيتي تحكي كيه حكونا "
ضحكت دلال "اللي يعاشر الجوم يا جد"
"طب يا بتي، جمر تبجي مرت راجلك وليها حجوج عليه"
"خلاص يا جد انا فهمت اللي فيها ده شرع ربنا و حلاله وما اقدرش اعترض"
فاحتضنها قائلا "ربي يكملك بعجلك يا بتي ربنا يصبر جلبك و يرزجك بالخلف الصالح".
صعد جسار ودخل مع دلال غرفتهما وهو متردد كيف يكلمها
فوفرت عليه الكلام وحملت عباءته و وضعتها على كتفه قائلة "ما فيش داعي للتفكيريا جسار خد بعضك وروحلها، جدي كلمني "
فقال "والله على عيني يا حبه عيني "
قالت والحزن يسكن ملامحها "بس معلش ممكن اطلع ابات عند ماما النهارده ،هتبقي صعبه عليا قوي أول مره، معلش يا جسار ربنا يخليك حس اللي بيا "
احتضنها " حاسس يا حبه الجلب، حاضر اطلعي "
خرجت دلال من الغرفه وخرجت من باب المنزل وأغلقته فخرجت قمر من غرفتها قائلة
"ايه بابا جابر وماما راجيه نزلوا عزيز"
رد جسار "لا ما نزلهوش"
تساءلت " أمال مين اللي جه؟"
قال " ماحدش جه، دي دلال طلعت لامها "
فتعجبت "غريبه دلوقتي، اوعي تكون زعلتها دي طيبه وبتحبك قوي"
فنظر لقمر نظرة استغراب
فقالت "ايه ما تبصليش كده، فاكر انها عشان ضرتي هاكرهها يعني، لا دي زي العسل بس هي اللي لسه واخده جمب مني، وحقها انا عازراها، بس ده وضع اتفرض علينا كلنا"
فأشار لها أن تأتي بجواره "تعالي يا جمر اجعدي، حكيلي عنيك يا جمر وايه اللي شغلك رجاصه؟"
ضحكت قمر ضحكه سخريه "ياه يا جسار ايه اللي شغلني رقاصه؟ حاضر هاحكيلك، وربنا شاهد اني ما هاقول الا الحق"
وجلست بجواره وقالت
"انا يا سيدي اتولدت في عيله تحت خط الفقر بشويه، أوضه واحده عايش فيها خمس بنات وأمهم وأبوهم، كلنا بنات زي القمر وآخر حلاوه،
ابويا كان راجل عواطلي عايش على قفا امي، هي تطلع تسرح بمشنه الخضار و تيجي آخر النهار تديله اللي جمعته، فاكره كويس اللي كان بيعمله كان ياخد الفلوس منها ويزقها برجله يوقعها في الأرض ويشتمها
ويقولها (وأنا اعمل إيه بالملاليم دي، اجيب مزاجي منين يا وليه؟)
تقوله (مزاج إيه؟ دول عشان أكل البيت)
يرد عليها (عنكم ما كلتم المهم مزاجي)
ويسيبنا ويخرج، تطلع امي تشحت من الجيران بططسايه من هنا على بتنجانيه من هنا وكل واحده فينا تاكل لقمه وتنام ربع بطن في حضن أمنا، يجي هو وش الفجر ويآخد أمي غصب، احنا كنا بنغمض ونسد ودانا بس غصب عننا كنا بنسمع،
في يوم جاله راجل معروف في الحته انه تاجر بنات بيجوزهم لبتوع الخليج اسمه مزاجنجي، جاله واتفق معاه ياخد اختي الكبيره سماره، هيجوزها لواحد عربي وجه الراجل ادي لابويا خمس تلاف جنيه، كان ابويا طاير من الفرحه وأنا واخواتي و امي ميتين من القهر،
هما يومين بالعدد يا جسار واختي رجعت، رجعت ميته متكفنه، ماتت في ايد الراجل، بعديها باسبوع جه مزاجنجي تاني ،عشان اختي بطه وابويا باعها برضه ،بس بطه جوزها خدها وسافر بلدهم
واتصلت بينا عند عم عمران البقال اللي على ناصيه الحاره، وعرفنا انها شغاله خدامه عند جوزها ومراتته الثلاثه وعيالهم وكل فتره كانوا بيخلوها تكلمنا
وبعد ما جوزها مات اخوه اتجوزها وخدت الجنسيه وطلع ارحم من اخوه و هناها وخلفت منه سبع عيال وماتت وهي بتخلف اخر عيل، جيه جوزها واتجوز اختي حوريه وخدها معاه، حوريه كانت ضغيفه شويه وماتت، امي ما استحملتش القهر وماتت وهي شايله المشنه في الشارع ما هو ابويا كان بياخد فلوس بيع اخواتي يصرفها على الم**رات، فضلنا انا و صابره اختي الصغيره،
في يوم كنت باسرح بالمشنه في الشارع ما أنا اللي استلمت بيع الخضار بقي بعد أمي أمال هاكل أنا و صابره منين، وخلصت ومروحه سمعت صوت صريخ جامد جريت على الاوضه لقيت الناس ملمومه والبوليس عندنا
اتاري اللي ما ينفعش اقول عليه ابونا رجع وهو مش دريان ومزود عيار الم**رات واغتصب اختي صابره و قعدت تصوت وهو ولا كانه هنا، لغايه ما ماتت في ايده و الناس اتلمت وشافوه ومسكوه و البوليس اخده،
فضلت انا لوحدي يا سيدي، و أنا بقى كنت أحلى إخواتي وأشدهم جالي مزاجنجي
كان عندي 18 سنه ساعتها، قالي جايب لك جوازه سقع قلت له انا مش مسافره بره مصر يا مزاجنجي عشان اموت بره، انا هاموت هنا
قالي وده عز الطلب، الراجل هيتجوزك هنا هتبقي محطته كل ما يجي
واتجوزته كان راجل كويس، وكان بيقول على رقصي حاجه ما حصلتش، لغايه ما مات وسابلي شقتي اللي انا كنت قاعده فيها كانت باسمي،
ولقيت نفسي الفلوس خلصت ومش عارفه اعمل ايه، مزاجنجي عرفني على صاحب الكباريه واشتغلت فيه وبقيت زيزيت الرقاصهأاشهر رقاصه في شارع الهرم، واتجوزت عرفي مرتين وانت الثالثه (وضحكت) والثالثه تابته "
فاحتضنها جسار "خلاص يا جمر خلاص، انتي بجيتي مرت جسار العزايزي علي سنه الله و رسوله، واللي فات انسيه"
فارتمت في احضانه "والله بحبك يا جسا "
ودخلا غرفتها وباتت ليلتها في احضان حبيبها، تشكر الله و تحمده و تدعوه أن تحمل لها الأيام القادمة الخير و السعادة، و كان لها ما أرادت توبة نصوح، تعلمت الصلاة، وحفظت الكثير من القرآن .
كان جسار يقسم الأيام بينهما، يبيت يوم عند دلال ويوم عند قمر،
نجحت دلال بتفوق وكذلك سامي أما لطفي فبالكاد نجح،
وضعت زهره و رقيه كل منهما صبيًا، فارس ابن رضوان وشاهين ابن عمار و بعدهما بأسبوع أعلن خبر حمل قمر ودلال، و مرت الأيام لتضع قمر بنتا سماها الجد بدور ووضعت دلال صبيًا اسماه الجد الباسل.
لكن حملت الأيام الحزن للعائلة جانبا بجانب مع الفرحة بالمواليد الصغار لتموت قمر و هي تلد بدور بسبب حساسية نادرة لنوع البنج المستخدم في التخدير.