حمل "باسل" شقيقته ثم وضعها على فراشها ، هتفت "رهف" بمزاح قليل لتخفف عنه :
- أطلع برا بقا عشان أغيرلها هدومها .. يلا طرّأنا ..
أومأ بإيجاز -بوجهٍ خالٍ- من الملامح ثم خرج مغلقاً الباب خلفه ..
أخرجت لها "رهف" منامية مريحة ثم ألبستها إياها ، خرجت "رهف" من الغرفة بعد أن أغلقت أنوارها ..
كان "باسل" ينتظرها بعد أن أخذ ملابس جديدة له ولشقيقه ، هبطت "رهف" من على الدرج قائلة :
- يلا عشان نرجعلهم ..
- لاء .. هروّحك ..
قال "باسل" بجمود ظهر في نبرته ..
حدقت به "رهف" بذهول قائلة :
- تروّحني فين ..؟!!
- هروّحك فين يعني عند أهلك !!!
أردف "باسل" بغضبٍ ساخر ..
لم تستطيع أبتلاع ريقها لتفرك أصابعها و هي تحاول أختلاق حجة مقنعة لتبقى قائلة بأرتباك :
- أيوة بس .. بس أحنا في الصعيد وانا بيتي في مصر يعني هناخد وقت عشان نروح مصر و مينفعش تسيب مامتك واخوك في المستشفى وتمشي كدة ..
بتر "باسل" عبارتها قائلاً و هو يخرج من القصر متجهاً لسيارته بنبرة لا تقبل النقاش :
- لاء متخافيش عليهم أنا عارف أنا بعمل ايه ..
ذهبت وراءه مطأطأة رأسها بحزن ، أستقلت السيارة بجانبه بهدوءٍ تام ، ألتف "باسل" برأسه لها قائلاً :
- هنطلع ع مصر ، ساكنة فين ؟!!!
• • • •
- دخول والدة رجل الأعمال المشهور و صاحب شركات التصدير المعروفة بأسم "الهلالي" المشفى بالعناية المرّكزة ، و الحزن يخيم على عائلة الهلالي بأكملها ..!!!
قرأت "ملاذ" تلك العبارة على "مواقع التواصل الاجتماعي" ، شقت البسمة ثغرها لتجلس على المقعد بأريحية ، و سرعان ما هاتفت "عماد" الذي ردّ عليها في الحال ، بادرت "ملاذ" بنبرة ذات مغزى لا تخلو من الأمر :
- أعرفلي مستشفى ايه في قنا يا عماد ، لازم اعمل الواجب بردو !!!!!
• • • •
بعد وصول "باسل" و "رهف" للقاهرة ، وقف "باسل" بسيارته أمام مبنى يبدو عليه الرقي في منطقة لا تقل فخامه ، خفق قلب "رهف" بقوة ، أرتجفت يداها و هي تنظر لذلك المكان والذي من المفترض أنه عنوانها -الزائف- الذي أخبرت به "باسل" ...
- ده بيتك ..؟!
أخرجها من شرودها نبرة "باسل" التي تملؤها الشك ، أومأت "رهف" ب**ت ، فـ هي لو تحدثت بنبرتها المرتجفة سيستطيع "باسل" أن يكشف كذبها بسهولة ..
أمتدت أناملها لمقبض باب السيارة ، همَّت بفتحه ولكن منعها قبل أن يلتقط "باسل" رسغها ، ألتفت له "رهف" ببطئ ، فتح كفها الصغير ثم وضع به كارت مدوّن عليه رقم المحمول بطبيعة الحال ، هتف "باسل" بنبرة دافئة بعد أن أغلق كفه على الكارت :
- لو أحتاجتي أي حاجة .. أي حاجة يارهف كلميني ، أنتِ زي أختي الصغيرة ..
أبتسامة لم تصل لعيناها رُسمت على وجه "رهف" ، يليها إماءه صغيرة ثم سحبت يدها و ترجلت من السيارة ، عصف بها الهوار فور نزولها من سيارته ، و كأنها أصبحت في مهب الرياح بدونه ..!!!!
أراد أن يطمئن عليها فـ أنتظر حتى دلفت إلى داخل المبنى ، ثم أنطلق بسيارته عائداً إلى قنا
أنقبض قلبها بخوف و هي تسمع مكابح السيارة ، أختفى الصوت تدريجياً لتنزل من على درج البناية سريعاً و هي تراه قد أحتفى بلمح البصر ، تقف بمفردها في طريق لا يمر به أمرؤ ، و الساعة قاربت على منتصف الليل ، أحتضنت "رهف" الكارت إلى ص*رها و هي تحاول أن تقوى كـ قوة الأسم المدون عليه ، أقتربت من رصيف الشارع لتجلس عليه ، سرعان ما أجهشت ببكاءٍ كطفله فقدت والدها ، عندما تتذكر أنها مرغمه لتعود لوالدتها و زوجها اللعين يعلو ص*رها و يهبط و كأنها في حالة هيستيرية ، شعرت بيد وضعت على كتفيها ، أنتفضت "رهف" بقوة معتقدة أنه أحد الشباب الثامل ، ولكن أرتخت ملامحها عندما رفعت رأسها ووجدته ، شهقت بأسمه بقوة لتقف قبالته ، و بدون تفكير أرتمت بأحضانه متشبثه بقميصه بقوة و هي تقول بشهقات متتالية :
- ب.. باسل ..
- ششش .. اهدي .
قال "باسل" مربتاً على ظهرها بحنانٍ بالغ .. أبعدها عن أحضانه ليقول بعتابٍ مثبتاً عيناه على مقلتيها الزائغة :
- كدبتي ليه وقولتي أنه بيتك ؟!!! أفرض مكنتش رجعتلك عشان حسيت أنك بتكدبي ؟ أنتِ عارفة كان ممكن يحصلك ايه !!
نظرت أرضاً بحزنٍ و شهقاتها تخرج جاعله جسدها بأكمله ينتفض ، ربت على كتفيها بشفقة لحالها الذي يُرثى له ، أمرها بلطف ان تستقل السيارة لتنصاع لأمره دون بث كلمة ، جاورها هو قابعاً خلف المقود لينطلق بالسيارة ..
اوقف "باسل" السيارة جانباً في مكان عام ، ألتفت لها مرّكزاً جميع حواسه عليها ، نظرت له "رهف" بتوترٍ حاولت أن تنظر إلى أي شئ حولها عدا عيناه السوداوية البرّاقة ~
- كدبتي ليه ؟
كانت نبرته مستفهمه ، وبنفس الوقت حاول أن يحافظ على هدوء أعصابه حتى لا يخيفها .. ولكن بداخله سيجن ، لِمَ كذبت ؟! لِمَ قالت أنها تقطن بتلك البناية وهي لا تعرف شئ عن تلك المنطقة من الاساس ؟!! كل هذا يفقده عقله !!!
فركت "رهف" اصابعها بتوتر قائلةً بنبرة مهتزة :
- أنا .. أنا قاعدة مع ماما و جوزها و لما أخوك حاول يعتدي عليا كنت هربانه منهم .. ومستحيل أرجعلهم تاني لو هموت ..
ثم أنفجرت في بكاءٍ مرير ، غطت وجهها بباطن كفيها ، لا تعلم أين ستذهب و من سيحميها ، كلما تذكرت ما يفعله ذلك الرجل الملقب بـ زوج والدتها بها ، تشعر بأنها تريد التقيؤ !!!
مسح "باسل" وجهه بباطن كفيه ليقول بنبرة متحشرجة :
- معندكيش قرايب .. أي حد من عيلتك ؟ خال ولا عم ولا اي حد ؟!!
نفت برأسها بقوة قائلة و قد أزدادت في بكائها :
- معنديش حد ، بابا كتب كل حاجة بأسمي ومكتبش حاجة بأسم ماما ، هما أصلاً مكنوش بيحبوا بعد عشان كدة ماما اتجوزت بعد مـ بابا مات بعد م خلصت عدتها بيومين .. عشان كدة الحيوان دة عايز ياخد ورثي .. هو هددني انه هيخليني أمضي على تنازل لورثي ليه ..
أزداد بكاءها أكثر ، شعر "باسل" كما لو أن قلبه يتمزق عليها، حاول أن يجد مخرج من ذلك المأزق ولكن لم يكن أمامه سوى شئٍ واحد ..
- تتجوزيني ؟!!!!
• • • •
عندما أنارت الشمس بوهجُها الذهبي الساطع ، ارتدت "ملاذ" بنطال أ**د تعلوه كنزة بيضاء خفيفة تلائم ذلك الطقس الحار مع بليزر باللون النبيتي القاتم ، عقصت خصلاتها على هيئة ذ*ل حصان ليُعطها مظهر جادي ، أنتعلت حذائها ذو الكعب العالٍ لتأخذ مفتاح سيارتها مع هاتفها قبل ان تخرج من المنزل ، حاولت أن ترتدي أخفّ ما لديها خاصة الجو الذي لا يُحتمل في الوجه القبلي بالصعيد ..
أستقلت سيارتها خلف المقود ، عبثت في الهاتف قليلاً لتهاتف "فتحية" (التي تعتني بـ براء) ، أخبرتها "ملاذ" بطريقة موجزة انها ذاهبة للصعيد في بعض الأعمال الضرورية ، وأخبرتها بنبرة صارمة أن تعتني بـ "براء" جيداً ، أغلقت معها بعد دقيقتين لتطالع الرسالة المبعوثة من قبل "عماد" مدوّن بها عنوان المشفى التي تقطن بها العجوز والدة "ظافر" ذلك ..
ألتمعت عيناها ببريق مخيف لتنطلق بالسيارة سريعاً ..
• • • •
بعد مشوار كان شاق بالنسبة لها ، أصطفت سيارتها جانباً أمام المشفى الراقدة بداخلها والدة "ظافر" ، ألتقطت باقة الورود الحمراء التي أبتاعتها ، ترجلت من السيارة و حذائها يطرق الأرضية الصلبة أسفلها ، ألتوى ثغرها بأبتسامة مغترة وهي تمضي نحو المشفى في خطوات مدروسة ، وجدت فتاة الأستقبال لتسألها بإيجاز عن رقم غرفة والدة "ظافر" ، ذهبت لرقم الغرفة التي أخبرتها الفتاة بها ، استقلت المصعد لتصعد الغرفة رقم 201 ، ذهبت نحو الغرفة بخطى واثقة .. طرقت الباب مرتان لتسمع صوت تألفه جيداً .. كيف لا تألفه و هي أتت لأجل صاحب الصوت خصيصاً ، أدارت مقبض الباب لتفتحه بلطفٍ زائف .. دُهش "ظافر" عندما رآها تطل بوجهها الخمري وقوامها الممشوق ، تلقي التحية بلطفٍ بالغ ..
بينما صُدمت "مريم" من كتلة الجمال التي دلفت لهم ، خلق قلبها بقوة كالطبول من أن يكون زوجها يعرفها .. بالتأكيد هو على صلة بها فهي ولأول مرة تراها ، نهضت متأهبة و كأنها ستتشابك معها ..
مدت "ملاذ" كفها إلى "ظافر" قائلة بحفاوة شديدة :
- أزيك يا ظافر باشا ، اعذُرني جيت من غير ميعاد بس أول مـ عرفت أن والدتك في المستشفى جيت ع طول .. أتمنى مكونش أزعجتكم ..
أنتصب "ظافر" بقوة معيداً الجمود لوجهه ليمد يده مقا**ها يصافحها بجمودٍ قائلاً :
- أهلاً يا أنسة "ملاذ" ، أزعاج أيه بس أنتِ نورتي ..
بادلته أبتسامة لتنزع يدها من يده ذاهبة بدورها إلى والدة "ظافر" التي تعلقت أبصارها بـ "ملاذ" بإعجاب بأخلاق الفتاة وجمالها التي لا تدخل به في منافسة مع أحد ، أقبلت عليها "ملاذ" منحنية بجسدها قليلاً لتصل إلى "السيدة رقية" التي ترقد على الفراش ، صافحتها بلطف لتقبلها على وجنتيها قائلة بتهذيب :
- أزي حضرتك يا طنط ، ألف سلامة عليكي ..
وضعت "ملاذ" الورد على الكومود الذي يجاور الفراش ، بينما أبتسمت "السيدة رقية " و هي تتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها ، رسمت أبتسامة عريضة و هي تقول بترحاب بلهجتها الصعيدية الأصيلة :
- الله يسلمك يا بتي ، تعالي يا حبيبتي أجلسي چاري .. " أقعدي جنبي"
لم تفهمها "ملاذ" و أرتسم ذلك على وجهها بوضوح ، لتجذبها الأخيرة من ذراعها لتجلسها جوارها على طرف الفراش ، و على الطرف الأخر كان يجلس "ظافر" ليصبحا في مقابل بعضهما البعض وكان الحاجز بينهما والدته ..
كظمت "مريم" غيظها من مظهرهم الذي جعل الأدرينالين يرتفع لديها بقوة ، حتى انها أرادت أن تجذب تلك الحمقاء من خصلاتها المموجة تلك ، نهضت بقوة عازمة على التصرف ، أظلمت عيناها و هي ترى تلك الفتاة تنظر لزوجها بجرأة ، عيناها تشعان خبثاً ع** اللطف التي تحاول إصطناعه بجدارة ، تقدمت نحوها بخطوات عنيفة لتقف أمامها قائلة بعنفٍ ظهر جلياً في نبرتها :
- بعد أذنك عايزة أقعد جنب حماتي و چوزي يا أنسة .!!
أصتنعت "ملاذ" أبتسامة صفراء لتنظر لها بعيناها السمراوتين تتفحصها ، تناظر خِ**ها و كم كانت النتيجة حاسمة لصالحها ..
وثبت "ملاذ" لتتنحى جانباً قائلة بودٍ زائف :
- أكيد طبعاً أتفضلي ..
تأففت "السيدة رقية" بقنوط ولكنها سمحت إلى "مريم" أن تجلس جوارها على مضض ، نظرت "ملاذ" إلى "ظافر" قائلة بنبرة جادة :
- معلش يا ظافر باشا انا عارفه انه مش وقته بس أحنا لازم نتكلم في الشغل عشان نبدأ ن**م ال uniform ..
أومأ "ظافر" بهدوءٍ ليثب حتى يتحدثوا خارج الغرفة تاركين "مريم" تشتعل غضباً ..
****